منتديات الجلفة لكل الجزائريين و العرب - عرض مشاركة واحدة - تالية القرااان و و الجميع
عرض مشاركة واحدة
قديم 2013-02-25, 17:22   رقم المشاركة : 5
معلومات العضو
تالية القرآن
عضو محترف
 
الصورة الرمزية تالية القرآن
 

 

 
إحصائية العضو










افتراضي

ب) كيف عمل الإسلام على تذويب العصبية:

عرفنا في الفقرة السابقة قوة العصبية في المجتمع الجاهلي وسنرى الآن كيف غير الإسلام هذه الروح، إذ بدأ بغرس ربطة الدين، ووشيجة العقيدة، وهى أساس كل تغيير.

"إن الوشيجة التي يتجمع عليها الناس في هذا الدين، ليست وشيجة الدم والنسب، وليست وشيجة الأرض والوطن، وليست وشيجة القوم والعشيرة، وليست وشيجة اللون واللغة ولا الجنس والعنصر، ولا الحرفة والطبقة إنها وشيجة العقيدة".

"أما الوشائج الأخرى" فقد توجد ثم تنقطع العلاقة - بين الفرد والفرد... - يبين الله لنوح عليه السلام لماذا لا يكون ابنه من أهله {إنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ}، فوشيجة الإيمان قد انقطعت بينكما {فَلا تَسْأَلْنِ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ} إنه ليس من أهلك ولو كان هو ابنك من صلبك" [10].

"وامرأة فرعون التي طلبت من ربها أن ينجيها من فرعون وعمله وأن ينجيها من القوم الظالمين إنها امرأة واحدة في مملكة عريضة قوية وقفت وحدها في وسط ضغط المجتمع وضغط القصر وضغط الملك وضغط الحاشية ورفعت رأسها للسماء! إنه التجرد الكامل من كل هذه المؤثرات والأواصر" [11].

وفي الحديث الشريف: (من قاتل تحت راية عُمِّيَّة يغضب لعصَبة أو يدعو إلى عصبة أو ينصر عصبة فقُتل فقِتْلةٌ جاهليةٌ) [12]، والعمية هي الأمر الأعمى لا يستبين وجهه.

وقال تعالى: {لا تَجِدُ قَوْماً يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ والْيَوْمِ الآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ ورَسُولَهُ ولَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ}.

قال أهل العلم في سبب نزول هذه الآية: إنها نزلت في أبي عبيدة حين قتل أباه يوم أحد، وفي أبي بكر حين دعا ابنه للمبارزة يوم بدر، وفي عمر حيث قتل خاله العاص بن هشام يوم بدر، وفي علي وحمزة حين قتلوا عتبة وشيبة ابني ربيعة والوليد بن عتبة يوم بدر [13].

لقد جمعت هذه العقيدة صهيباً الرومي وبلالاً الحبشي وسلمان الفارسي وأبا بكر العربي القرشي تحت راية واحدة، راية الإسلام، وتوارت العصبية، عصبية القبيلة والجنس والقوم والأرض وهاهو مربي هذه الأمة وقائدها عليه الصلاة والسلام يعلم ويربى إذ يقول لخير القرون كلها مهاجرين وأنصار: (دعوها فإنها منتنة)... وما هي؟ صيحة نادى بها أنصاري: ياللأنصار، وردَّ مهاجري: ياللمهاجرين فسمع ذلك رسول الله وقال: (ما بالُ دعوى جاهلية؟) قالوا: يا رسول الله كسَعَ رجل من المهاجرين رجلاً من الأنصار، فقال: (دعوها فإنها منتنة) [14].

حقاً إنها منتنة...

وقال صلى الله عليه وسلم: (ليس منا من دعا إلى عصبية، وليس منا من قاتل على عصبية، وليس منا من مات على عصبية) [15].

فانتهى أمر هذا النتن، وماتت نعرة الجنس واختفت لوثة القوم... ومنذ ذلك اليوم لم يعد وطن المسلم هو الأرض، وإنما وطنه هو دار الإسلام تلك الدار التي تسيطر عليها عقيدته وتحكم فيها شريعة الله وحدها [16].

روى ابن هشام [17]: (أن عمر ابن الخطاب رضي الله عنه قال لسعيد ابن العاص - ومر به -: إني أراك كأن في نفسك شيئاً أراك تظن أني قتلت أباك! إني لو قتلته لم أعتذر إليك من قتله... ولكنى قتلت خالي العاص بن هشام بن المغيرة، فأما أبوك فإني مررت به، وهو يبحث بحث الثور بروقه - أي بقرنه - فَحِدْتُ عنه... وقصد له ابن عمه عليُّ فقتله).

قتل عمر خاله، وقتل على ابن عمه... في سبيل الله، إنه الانتماء إلى مجتمع العقيدة الذي ذابت فيه العصبيات كلها، وانتهت رواسبها في مجتمع الطهر والتجرد...

إذ غزوة بدر قاتل فيها القريب قريبه، ولما خرج للمبارزة في هذه الغزوة بعض الأنصار... نادى منادي قريش: يا محمد أخرج إلينا أكفاءنا من قومنا... ولما خرج حمزة وعلي وعبيدة رضي الله عنهم. قالوا: - أي قريش - نعم أكفاء كرام... وقُتل عندها عتبة وشيبة والوليد من سادة قريش [18].

إن هذه الروح الإيمانية، وهذا الانضواء تحت راية لا إله إلا الله محمد رسول الله، خلَّص المجتمع الجديد من عصبيات قاتلة، بمجرد أن عاشوا حقيقة هذه الشهادة.

وإن الأخوة التي قامت بين المهاجرين والأنصار كانت دليلاً حاسماً على قيام دولة العقيدة ونشوء مجتمع قضى على رواسب العصبية الجاهلية.

وفي خطبة الوداع وضع المصطفى صلى الله عليه وسلم أسس التجمع العقيدي الصحيح إذ قال: (وكل دم في الجاهلية موضوع، وأول دم أضعه؛ دم ربيعة بن الحارث بن عبد المطلب، وإني تركت فيكم ما إن اعتصمتم به لم تضلوا كتاب الله... وأنتم مسؤولون عني فما أنتم قائلون؟)، قالوا: نشهد أنك قد بلغت وأديت ونصحت... [19].

الشعر الإسلامي:

والشعر الإسلامي ساهم أيضاً في ترسيخ هذا البنيان الضخم، حيث ألغى الإسلام العصبية ورابطة الجنس، وصار الشعر يتمثل هذه القيم الجديدة الكريمة... بعد أن كان سلاحاً يثير أحقاد القبائل.

فالعباس بن مرداس يقاتل بني عمه مخالفاً هواه مطيعاً ربه ودينه حيث يقول [20]:

ويوم حنين حين سارت هوازنٌ أمام رسول الله يخفق فوقنا
إلينا وضاقت بالنفوس الأضالع لواءٌ كخذروف السحابة لامع










رد مع اقتباس