وادي السند. معلوماتنا عن حضارة وادي السند على قلتها مستقاة من مخلفاتهم الآثارية، ذلك أن المؤرخين لم يستطيعوا حتى الآن إلا ترجمة القليل من الكتابات القديمة لأهل تلك الحضارة. والمعروف عنهم أن لهم نظامًا زراعيًا متينًا وفّر الطعام لعدد هائل من السكان، وعُرفوا ببناء السدود وشق قنوات الري. وشيدوا مبانيهم من الطوب، وبرعوا في صناعات الأواني والمجوهرات المزخرفة، والأواني المعدنية. وكانت لهم تجارة مع بعض بلدان أواسط آسيا، ومع جنوب الهند وبلاد فارس. بدأ الضعف يدب في هذه الحضارة لأسباب غير معروفة، واختفت حوالي عام 1700ق.م.
وادي هوانج هي. المعلومات عن حضارة أهل هذا الوادي الصيني مأخوذة من الكتابات التي خلّفوها على عظام الحيوانات، وأصداف السلاحف. وترجع أقدم هذه الكتابات إلى أسرة شانج، التي سادت في القرن الثامن عشر قبل الميلاد. وكانت بعض رموز كتاباتهم تشبه بعض الرموز الصينية الحالية في أشكالها. وتشير مخلفاتهم إلى أنهم بنوا المدن، واستعملوا القوارير البرونزية الجميلة، ونحتوا المرمر، والعقيق ونسجوا الحرير، وأنه كانت لهم آلهة عدة، وأنهم عبدوا أرواح أسلافهم. كان حكمهم ملكيًا تعاونه طبقة أرستقراطية وراثية، تساعده في تصريف الأمور الدينية والسياسية، كما كانت لهم جيوش مجهزة بالأسلحة المصنوعة من البرونز، واستعملوا العربات التي تجرها الخيول، وحكموا غيرهم في وادي هوانج هي واستمر حكمهم لمدة ستمائة عام.
الجزيرة العربية. لم تتوقف الجزيرة العربية عن المساهمة في الحضارة الإنسانية. فقد أسهمت مساهمة ذات طابع محلي واضح لم تخل من تأثيرات من الحضارات القديمة المجاورة، لما كان بين الجزيرة العربية ومواطن تلك الحضارات من اتصال يسَّرته وسطية الجزيرة العربية في العالم القديم. وقد انعكس ذلك بوضوح في آثار دلمون (البحرين وفيلكا وشاطئ المملكة العربية السعودية المقابل للخليج) وماغان (عمان) وجنوب الجزيرة العربية وشمالها. أما الطابع المحلي فقد وضح في العمارة والجوانب السياسية والدينية والاقتصادية والكتابة. فقد عرفت الجزيرة العربية مدنًا بمخططات معمارية محلية مميزة، اجتمع بعضها في أنظمة ملكية تسندها مجالس شورية، كما عرفت ديانات وثنية تعددت فيها المعبودات التي بنيت لها المعابد الخاصة بها بطرز معمارية من البيئة المحلية، كما في الجنوب والوسط، أو بتأثير خارجي، كما في الشمال. كما شهدت ديانة توحيدية في شمالها وجنوبها، كانت آخر رسالاتها رسالة الإسلام في أوائل القرن السابع الميلادي، التي أثمرت الحضارة الإسلامية التي تجاوزت الجزيرة العربية، ومثلت البيئات المختلفة التي انتشرت فيها. أما الاقتصاد فقد كان عماده الزراعة والتجارة. اعتمدت الزراعة على الأمطار بقنوات وسدود تتحكم في مياهها في بعض المناطق، كما كانت التجارة العالمية التي تمر بالجزيرة العربية، بحكم وسطيتها، مصدرًا مهمًا لاقتصادها، هذا عدا ما كانت تنتجه الجزيرة العربية نفسها وتصدّره. لذلك انتعشت الأحوال الاقتصادية بفضل تجارة الهند وشرق إفريقيا والشام وأوروبا المارة بها، برًا وبحرًا، جيئة وذهابًا، لما كانت تدرّه المكوس (الجمارك) المفروضة عليها. لذلك كان لابدّ للجزيرة العربية من عُملة وكتابة. فسُكّت العملة في الجنوب، برموز دينية وكتابة عربية بالمسند الجنوبي. وتبلور خط الكتابة في الجنوب، وعُرف بالمسند الجنوبي، غدت له فروع في الشمال والشرق من الجزيرة العربية.
التقدم الحضاري
من 1200ق.م الى 50 م
منذ حوالي عام1200ق.م. نشأت صلات بين مواطن الحضارات القديمة في الشرق وبين حضارات أوروبا في جزيرة كريت وجنوب بلاد الإغريق. ولما فتح الإسكندر الشرق في القرن الرابع قبل الميلاد توثق الاتصال بين الشرق والغرب، ونشأت في بلاد الشام ومصر بخاصة ما عرف بالحضارة الهيلينستية. ولما ورث الرومان اليونان في الشرق في أواخر القرن الأول قبل الميلاد زاد الاتصال، وتم التأثير والتأثر بين الشرق والغرب. وكانت الحضارة الأوروبية فيما بعد ثمرة للحضارة الإغريقية والرومانية والحضارة الإسلامية.
بتطور حضارات العالم القديم واتصالها صارت لها سمات مشتركة، فمثلاً عرفت الحديد، كيف تصنعه وتستعمله، ولعل التجارة كانت من أهم العوامل التي ساعدت على نقل المعرفة المشتركة بين هذه الحضارات، وكذلك الفتوحات وأخيرًا البحار بوصفها وسيلة مواصلات وتنقل مهمة.
الإمبراطوريات الكبرى. بدأت الإمبراطوريات الكبرى في الشرق الأدنى القديم بالإمبراطورية الآشورية، في القرن الثامن قبل الميلاد وشملت وادي الرافدين وبلاد الشام وصارت ذات نفوذ في مصر. كان مقر إمبراطورية الآشوريين في مدينة نينوى (في العراق)، وعرفوا بالشدة والقسوة. لكن إمبراطوريتهم انهارت بسقوط نينوى عام 612ق.م على أيدي البابليين والفرس والميديين. وورثت بابل إمبراطورية آشور كاملة. وسرعان ما ورث هذه الإمبراطورية الفرس الأخمينيون في القرن السادس قبل الميلاد، وضموا إليها مصر عام 525ق.م. فأصبح العالم القديم كله في الشرق الأدنى إمبراطورية واحدة لأول مرة في التاريخ. وهي الإمبراطورية التي ضمها الإسكندر إلى ملكه بهزيمته الملك الفارسي داريوس الثالث في عام 331ق.م.
الإغريق. تعد أقدم حضارة في المنطقة المجاورة لبلاد الإغريق تلك الحضارة التي قامت في جزيرة كريت، وقد عرفت أيضًا بالحضارة المينوية، وكانت بدايتها نحو عام 3000ق.م وقد برع المينويون في نواح حضارية عدة، وبخاصة بناء القصور، والفنون، والتجارة مع الشرق (مصر وبلاد الشام)، كما كانت لهم كتابتهم الخاصة بهم، والتي كانت تصويرية أولاً، ثم تطورت إلى غير تصويرية، والتي لم تفك رموزها حتى الآن. ومن خطها غير التصويري جاءت الكتابة الخطية (ب) التي كتب بها المسينيون في بلاد الإغريق قبل القرن الثامن قبل الميلاد.
كانت أهم حضارة في بلاد الإغريق نفسها تلك التي قامت في الجنوب في مسِّيني، وتعرف بالحضارة المسينية، وقد استعارت الخط المينوي (الخط ب) لكتابة لغتها. وكانت الفترة بين القرن السادس عشر قبل الميلاد إلى القرن الثاني عشر قبل الميلاد أزهى فتراتهم الحضارية؛ إذ انهارت حضارتهم بعدها. أما في الشمال، ومنذ حوالي عام 1100ق.م.، بدأت شعوب متخلفة حضاريًا تفد على البلاد، عرَّفتهم المصادر اليونانية بالدوريين. وفي الفترة من عام 800 ـ 500ق.م تطورت الحضارة الإغريقية. وقد عاش الإغريق في مجموعات صغيرة عرفت كل منها باسم الدولة ـ المدينة، مثل أثينا وإسبرطة…وغيرها، والتي شهدت ظهور الحكومات الديمقراطية الأولى، ولم تكن بين هذه المدن روابط سياسية، بل ربطت بينها الثقافة واللغة، والألعاب الأوليمبية بعد حرب طويلة.
دخلت الحضارة الإغريقية عهدها الذهبي بعد عام 479ق.م عندما استطاع الإغريق هزيمة الفرس حيث ظهرت إبداعاتهم في شتى المجالات مثل العمارة، والآداب والفنون، والمسرح، والرياضيات، والطب وغير ذلك من العلوم الطبيعية. وصارت أثينا حاضرة العالم الثقافية، لكنها سرعان ما ضعفت بسبب النزاع ثم الحرب البلوبونيزية التي قامت بينها وبين المدن الأخرى. وترتب على تلك الحرب أن آلت السيطرة على تلك المدن إلى فيليب المقدوني، ثم ابنه الإسكندر الأكبر من بعده، الذي وسّع الإمبراطورية ونشر ثقافتها في الأجزاء التي حكمها، وخاصة بعد هزيمته داريوس الثالث ـ الملك الفارسي الأخميني ـ عام 331ق.م، وضمه الإمبراطورية الفارسية كلها إلى مُلكه بعد ذلك. وبهذا نشر الثقافة الإغريقية، وتم التمازج الحضاري الشرقي والغربي. وعند موته وزَّع قواده الكبار الثلاثة الإمبراطورية فيما بينهم، ولم يتخلوا عن الثقافة الإغريقية، بل حفظوها وتمسكوا بها. وقد عرفت هذه الفترة بالعصر الهيلينستي واستمرت حتى مجيء الرومان، وسيطرتهم على مصر ـ أهم مراكزها ـ عام 30ق.م.
يتبـــــــــــــــــــــع