المسألة الأولى
:
بيان حقيقة الخلافة وشروط الخليفة في الإسلام
1 -
حقيقة الخلافة : هي رياسة عامة للدين والدنيا وحفظ حوزة الملة نيابة عن صاحب الشريعة صلى الله عليه وسلم . فلابد في تحقيقها من الجمع بين الرياستين : الرياسة الدينية والرياسة الدنيوية ، وفصل إحداهما عن الأخرى أو تقييد الخلافة بإحداهما دون الأخرى مخرج للخلافة عن معناها الحقيقي ونقض لأصل عقد الخلافة بين الأمة والخليفة ، ولا يتصور وجودها بدون إحداهما .
ولا يصح القول أيضًا بأن مبايعة الأمة للخليفة من باب الوكالة وللموكل أن يقيد الوكيل ، لأن هذا قياس مع الفارق . فليس من حقيقة الوكالة شرعًا أن تكون عامة ، بل يصح أن تكون عامة ويصح أن تكون خاصة بخلاف الخلافة ، فإن حقيقتها أن تكون عامة لا غير . وكما أن حقيقة الخلافة تمنع من قصر الخلافة على إحدى الرياستين كذلك تمنع من إمكان القول بجواز تعدد الخلفاء ؛ لأن عموم
الرياسة المأخوذ في مفهومها لا يتفق مع التعدد ؛ ولأن من أوائل مقاصد الدين توحيد الأمة الإسلامية ورعاية مصالحها المشتركة واعتبار المسلمين في سائر أقطار الأرض كالجسم الواحد الذي لا يكون له إلا قلب واحد ينبعث منه دم الحياة إلى سائر الأعضاء .
ب - شروط الخليفة في الإسلام : اتفقت المذاهب الأربعة على اشتراط الإسلام ، والبلوغ والعقل ، والحرية والذكورة ، والقدرة على إقامة الحدود وتنفيذ الأحكام ، وحماية بيضة المسلمين ، وسلامة السمع والبصر والنطق ، وأن يكون ذا رأي وبصارة بتدبير المصالح العامة للمسلمين .
وأما الاجتهاد فالجمهور على اشتراطه ، ويرى بعضهم صحة الاستغناء عنه باستفتاء العلماء .
وكذا القرشية فقد نقل ابن خلدون أن الجمهور على اشتراطها أيضًا . وأن كثيرًا من المحققين ومنهم أبو بكر الباقلاني على خلاف ذلك كما أن الجمهور على اشتراط العدالة أيضًا .
وقد اتفق العلماء على أن محل رعاية ما وقع الاختلاف فيه من هذه الشروط إنما هو حالة الاقتدار والاختيار لا حالة العجز والاضطرار .
***
المسألة الثانية
الخلافة واجبة في الإسلام
الإمامة ( الخلافة ) واجبة في الإسلام ، وقد استدل لهذا في شرح العقائد بقوله صلى الله عليه وسلم ( من مات ولم يعرف إمام زمانه مات ميتة جاهلية ) ، ولأحمد والطبراني ( ومن مات وليس في عنقه بيعة مات ميتة جاهلية ) أخرجاه من حديث معاوية . ولمسلم في صحيحة عن ابن عمر سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : ( من خلع يدًا من طاعة لقي الله يوم القيامة ولا حجة له ، ومن مات وليس في عنقه بيعة مات ميتة جاهلية ) ولأن الأمة قد جعلت أهم المهمات بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم نصب الإمام على ما في الصحيحين من حديث سقيفة بني
ساعدة ، وكذا بعد موت كل إمام ، ولأن كثيرًا من الواجبات الشرعية يتوقف عليه كتنفيذ الأحكام وإقامة الحدود ، وسد الثغور ، وتجهيز الجيوش ، وقسمة الغنائم ، وقهر المتغلبة والمتلصصة ، وقطاع الطرق ، وقطع المنازعات الواقعة بين العباد ، وقبول الشهادات القائمة على الحقوق ، ونحو ذلك من الأمور التي لا يتولاها آحاد الأمة .
***
المسألة الثالثة
بم تنعقد الخلافة ؟
اتفق العلماء على أن لانعقاد الخلافة ثلاث طرائق :
الطريقة الأولى : النص من الإمام السابق .
الطريقة الثانية : بيعة أهل الحل والعقد من المسلمين ، وأهل الحل والعقد هم الذين يطاعون في الناس من العلماء والأمراء والوجوه وأهل الرأي والتدبير . ولابد عند جمهور العلماء من أن يكونوا عدولاً . ولابد عند الحنفية في طريقتي النص والمبايعة من نفاذ حكم من نص عليه أو بويع ، فإن لم ينفذ حكمه في الناس لعجزه لم يصر إمامًا .
الطريقة الثالثة : ( التغلب والقهر من شخص مسلم وإن لم تتحقق فيه الشروط الأخرى ) .
وبعد الفراغ من تلاوة هذا التقرير .
اقترح حضرة صاحب الفضيلة الأستاذ الشيخ عطا الله الخطيب أفندي إمهال المؤتمر يومًا ليتمكن حضرات الأعضاء من نظر التقرير في سعة وإبداء آرائهم فيه.
فقال حضرة صاحب الفضيلة الأستاذ الشيخ أحمد هارون . هذه مسائل علمية نقلية محضة وهي معروفة عند العلماء ، ولا تقبل شيئاً من المناقشة ولا أرى وجهاً لإعطاء مهلة لدرسها .
وقال حضرة الأستاذ عبد العزيز الثعالبي أفندي : لا يشك شاك في أن مسألة الخلافة من أهم المسائل ، والبت فيها من الصعوبة بمكان عظيم . فأقترح تأجيل المؤتمر سنة حتى نقتل هذه المسألة بحثًا . وأن البحث الفقهي في هذه المسألة غير كاف . فللظروف أحكام وللأمكنة أحكام . وتأثر النظم الإسلامية ببعض السياسات الأجنبية له حكم آخر .
وقال حضرة صاحب الفضيلة الأستاذ الشيخ محمد الأحمدي الظواهري : نحن لم نرد فيما اجتمعنا لنظره من المسائل العلمية أن نكون مجتهدين لنحدث آراء جديدة ومذاهب جديدة في الإسلام . أن بحثنا ينحصر فيما نقول المذاهب المعتبرة في الإسلام . أما التطبيق فلكم أن تقولوا : إن هذا ليس من اختصاصنا .
وقال حضرة الأستاذ عبد العزيز الثعالبي أفندي : لا أريد مذهبًا جديدًا أو القول بالاجتهاد ، إنما أقول ذلك مستفتيًا . فإن كنتم تنقلون مسائل غير قابلة للتطبيق في هذا العصر فماذا يكون الحكم ؟
فقال حضرة صاحب الفضيلة الأستاذ الشيخ محمد الأحمدي الظواهري : إن فتح باب تطبيق الأحكام الشرعية في عصر دون عصر خطر على الإسلام . نحن نعرف أن تطبيق أحكام الدين العامة شيء واحد ، أما مراعاة أحكام الأزمنة في إحداث شروط جديدة فلا نقول بها .
وقال حضرة صاحب الفضيلة الأستاذ الشيخ أسعد الشقيري : كنت في الجلسة الماضية قد أشرت إلى أمر هام وهو أن هذه المسألة يجب أن ندعها إلى المجتهدين الذين لهم الترجيح ويقدرون على الاستنباط ، ولكن المؤتمر أخذ هذه المسألة على عهدته ثقة بنفسه . والاعتماد على النفس في عصرنا هذا مزية مقبولة ممدوحة .
وقد جاءتنا اليوم اللجنة العلمية بهذا التقرير لنبدي رأينا فيه ، وإننا في جميع بلادنا لنا عقيدة ثابتة هي أن سادتنا وأئمتنا الأطهار علماء الديار المصرية فيهم من هو المجتهد في المذهب وفيهم المستنبط . وإذا كانت اللجنة استندت إلى كلام ابن خلدون في مسألة النسب ، فهل الديار المصرية ليس فيها من هو أعلى درجة في الترجيح والاستنباط ؟
وقال حضرة صاحب الفضيلة الأستاذ الشيخ محمد حبيب العبيدي : هل ضاقت بنا كتب الدين حتى نرجع إلى كتب التاريخ ونأخذ عن ابن خلدون ؟
فطلب حضرة صاحب الفضيلة الأستاذ الشيخ أسعد الشقيري ألا يقاطعه أحد وقال : كانت ديارنا كلها تنتقدنا في مسألة التصوير الشمسي ، فلما ظهرت رسالة فضيلة مفتي مصر السابق وهو الجالس هنا ، وذكر فيها أن الصورة الشمسية ليست صورة مخترعة بل هي صورة حفظت بوساطة الآلات امتنع اعتراض الناس علينا .
فعلمنا أن الأستاذ مؤلف الرسالة هو من أهل الاجتهاد في المذهب ومن أهل الاستنباط . إن مؤتمركم هذا أيها السادة المصريون إذا قرر شيئًا فإنه سيصل إلى العلماء والفلاسفة والملوك والنظار والعوام في أقطار المسلمين ، فالمسلمون اليوم يريدون منكم إيضاحًا وتفصيلاً . إن شروط الخليفة استنبطتها الطبقات التي قبلكم استنباطًا ، وإن في شروط الخليفة أحاديث منها ما صححه العلماء ، ومنها ما جعلوه موضوعًا وذلك في كتب متفرقة منثورة ، وأنتم تقولون إن هذا في المدونات العلمية ونحن نسلم لكم ولكن لا يمكن أن نحكم على جميع طبقات المسلمين أنهم يعلمونه كما
تعلمونه ، فيجب أن نكتب هذه المواد مادة مادة بشكل خاص فربما عرض على ملوك المسلمين وأمرائهم وأهل الحل والعقد وربما باحثكم فيه علماء تونس أو علماء سوريا أو علماء العراق أو علماء فارس . فنحن لا نطالبكم بإحداث شرائط جديدة ، وإنما نطالبكم ببيان هذه المسائل التي اجتهدت فيها الطبقات القديمة قبلكم ، فهل هي مسائل عقائد أو هي مسائل ظنية استنبطها من كانوا قبلكم وجعلوها شروطًا ؟ وهل إذا أنكر الشروط أو بعضها رجل يخرج بذلك عن الدين ؟ نريد منكم خبراء مقتدرين يضعون نظامًا محكمًا ذا مواد مفصلة حتى إذا نشر في البلاد الإسلامية كان لنا أن
نرفع رؤوسنا بكم ولا يفهم من كلامي هذا أني أحتقر اللجنة أو المؤتمر ، وكلكم من أكابر القوم ، إن أكابر السياسيين الذين يجتمعون في المؤتمرات ينتخبون الخبراء الماليين والعسكريين ولا يطعن ذلك في كفاءتهم . ثم هنا مسألة أدعوكم إلى التفكير فيها وهي أن تجمعوا هذه المسائل مع المسائل السياسية الأخرى بدقة تامة فإن وراءكم أمراء وزعماء وملوكًا ، فاحذروا من أن يكون عملكم محل انتقاد فإن هذا لا ينتهي في نصف ساعة أو بجواب مقرر .
فاستأذن حضرة صاحب الفضيلة الأستاذ الشيخ حسين والي وقال : يا فضيلة الرئيس ، إن اللجنة العلمية التي نظرت في هذه المسائل الثلاث ليست مؤلفة من علماء مصر وحدهم وإنما هي لجنة انتخبها المؤتمر نفسه من بين حضرات أعضائه وفيها علماء من الجهات الممثلة في المؤتمر فلماذا يخاطب فضيلة الأستاذ الشيخ الشقيري علماء مصر فقط ؟ على أن عمل اللجنة واضح في الشريعة .
فقال حضرة صاحب الفضيلة الأستاذ الشيخ الشقيري : إنما أخاطب المتخصصين . وهنا استأذن حضرة صاحب الفضيلة الأستاذ الشيخ حسين والي في الكلام أيضاً وأراد أن يتكلم .
فقال حضرة صاحب الفضيلة الأستاذ الشيخ عبد الرحمن قراعة : إنما الكلام الآن لمقرر اللجنة .
فقال حضرة صاحب الفضيلة الأستاذ الشيخ حسين والي : إنما أتكلم كعضو في المؤتمر واللجنة . ولكل عضو حق الكلام بالإذن وفضيلة المقرر له الكلام من قبل ومن بعد ، وقد استأذنت فضيلة الرئيس فأذن ، والمسألة سهلة فليتكلم فضيلة المقرر .
فقال حضرة صاحب الفضيلة الأستاذ الشيخ محمد الأحمدي الظواهري : إن الأستاذ الشيخ الشقيري يثني على علماء مصر فجزاه الله ألف خير عنهم ، وإن علماء مصر ما زالوا ولن يزالوا شافعية وحنفية ومالكية وحنابلة على هذه المذاهب وما ينبغي لنا غير هذا فمهمتنا أن نبين هذه الشروط فإذا كان فيها لبس أو خفاء فليذكر موضعه لإيضاحه . إن وظيفتنا علمية وما على اللجنة إلا أن تعدّ للمؤتمر .
فإن اكتفى بما أعدته فيها وإن رأى غموضاً أو إبهاماً فللمؤتمر أن يستوضح ما يريده.
وما وظيفة المقرر إلا رفع اللبس وإلا فما كان هنالك من حاجة لتوزيع التقرير على المؤتمر كفتوى شرعية لا تحتمل المناقشة . يقول فضيلة الأستاذ الشقيري يجب أن نجتهد وأن نطبق فأي مسألة يريد أن نجتهد فيها ونطبقها ؟ ليست مهمتنا أن نقول هذا الشرط متحقق عند فلان دون فلان . وإنما هذه مهمة اللجنة الأخرى التي تقول : هذا ممكن أو غير ممكن . أما نحن فوظيفتنا أن نبين ما هي الشروط الشرعية على حسب المذاهب . فإن كان لدى الأستاذ اعتراض على أي شرط من هذه الشروط فليتفضل بذكره .
فقال حضرة صاحب الفضيلة الأستاذ الشيخ أسعد الشقيري : اليوم إذا سألك سائل وقال إن من ضمن هذه الشروط النسب فما الأسباب التي جعلت من قبلنا يعرضون عنه .
فقال حضرة صاحب الفضيلة الأستاذ الشيخ محمد الأحمدي الظواهري : قلنا إن الجمهور على أن يكون الخليفة قرشيًا . وقلنا : إن بعضهم قال إن هذا ليس بشرط ومنهم أبو بكر الباقلاني الذي نقل عنه ابن خلدون . ونحن بسطنا المسألة ، وقلنا : إنها لا تحتاج إلى ابتداع منا ، وأنا لا أقول خذوا بمذهب الشافعية أو بمذهب غيرهم وإلا أثرت خلافًا بين المذاهب الأخرى ، وكل له وجهة نظر صحيحة فإذا رأيتم أن نأخذ بقول لأن المصلحة فيه فلا مانع ، ونحن نتجافى كل التجافي عن الخلافات المذهبية التي فرقت المسلمين .
فقال حضرة صاحب الأستاذ عبد العزيز الثعالبي أفندي : هذه مسألة عملية ولا يحمل عليها المسلمون .
فقال حضرة صاحب الفضيلة الأستاذ الشيخ محمد الأحمدي الظواهري : نحن في بيان الشروط ولسنا في استفتاء ، والشروط هي ما ذكرها الفقهاء في كتبهم ، نحن ذكرنا رواية ابن خلدون وهو فقيه من الفقهاء ولم نأخذ برأيه .
فقال حضرة صاحب الفضيلة الأستاذ الشيخ عبد الرحمن قراعة : الموضوع المعروض الآن جزء من البرنامج وهناك تقرير آخر لباقي المسائل والبحث إنما يكون بعد تلاوة التقرير الآخر فليتل التقرير الآخر .
فقال حضرة صاحب الفضيلة الأستاذ الشيخ محمد بخيت : تعلمون أن مسألة الخلافة بحسب أصلها مسألة فقهية من فروع الفقه ، ولكن لما اختلفت فيها قوم خارجون عن السنة والجماعة وكثر فيها القال والقيل ، أخذ المتكلمون على عهدتهم الكلام فيها بحثًا طويلاً وألفوا فيها كتبًا خاصة كإمام الحرمين وغيره ، فالمسألة ليست مسألة مذهبية يختلف فيها الحنفي والشافعي وإنما هي مسألة كلامية .
فعندما يتكلم الباقلاني يتكلم باعتبار أنه من علماء الكلام بحسب ما يرى ، وإنما الفقهاء تكلموا فيها قليلاً اعتمادًا على ما تكلم به المتكلمون ، فهل يقول أحد منكم بعد ذلك أن الخليفة يكون غير مسلم أو يكون رقيقًا ليس بحرّ ، أو يكون صبيًّا، أو يكون أعمى ، أو يكون عاجزًا عن إدارة الأحكام وحفظ بيضة الإسلام بجيشه ومع هذا ألا يكون جبانًا .
إن الله تعالى قال في كتابه العزيز لنبيه صلى الله عليه وسلم هُوَ الَّذِي أَيَّدَكَ بِنَصْرِهِ وَبِالْمُؤْمِنِينَ ( الأنفال : 62 ) والنبي ما حارب إلا بعد أن صار له عدد عديد من الجيش وقبل ذلك ما كان يفرض عليه الجهاد ، وما شرع له الجهاد إلا بالتدريج .
وشرع في أول الأمر أن يقاتل من قاتله وبعد ذلك شرع أن يقاتل من قاتله ويبدأ بالقتال ، وذلك كله بالتبع للقوة فليس في استطاعة الخليفة أن يجاهد إلا بأمته فهذه الشروط إذًا لا ينازع فيها أحد فهي مما أجمع عليه . بقيت الشروط التي اختلفوا فيها ، ومنها الاجتهاد فوجب في الإمام وكذلك القاضي أن يكون مجتهدًا وعلى ذلك كان السلف الصالح وقد استمر القضاء في مصر يتولاه المجتهدون إلى أن تضعضع الأمر فعهد في ذلك إلى غير المجتهدين ، وجوّزوا أن يعمل برأي المفتي في القضاء وألا يكون الإمام مجتهدًا وأن يكتفي برأي العلماء .
فقال حضرة الأستاذ عبد العزيز الثعالبي أفندي : من الذي ألغى الاجتهاد ؟ فقال حضرة صاحب الفضيلة الأستاذ الشيخ محمد بخيت : حصل خلاف : هل يتجزأ الاجتهاد أو لا يتجزأ ؟ والذي يتجزأ يختص ببعض المسائل والفروع ، وقد كان بعض الصحابة يرجع إلى بعض فيما لم يبلغ فيه مرتبة الاجتهاد المطلق .
وأما مجتهد المذهب فهو القادر على استخراج المسائل الفرعية من قواعدها التي وضعها العلماء ، وكذلك مجتهد الفتوى . هذا هو الأصل وقد تعذر الآن ، ومعنى ذلك أنه لا يمكن مجتهد اليوم أن يستنبط غير ما استُنبط أو يَخرج عما قالوه ودونوه في كتبهم .
فقال حضرة الأستاذ عبد العزيز الثعالبي أفندي : ما قول الأستاذ في : ( يحدث للناس أقضية بقدر ما أحدثوا [1] ) .
فقال حضرة صاحب الفضيلة الأستاذ الشيخ محمد بخيت : لقد حدث حادث السكورتاه والحوالات المالية وتكلم في ذلك المتأخرون بالقياس على ما قاله المتقدمون ولا يخرج عن المذاهب التي كانت في الزمن الماضي .
ومن شروط الإمام أن يكون عدلاً فإذا وجدنا عدلاً شجاعًا لا يعدل عنه وإذا لم نجد من يجمع بين الشرطين فالشجاعة هي المطلوبة للدفاع عن الأمة . ومن الشروط أيضًا القرشية وقد اختلفوا فيها وتكلموا في قول النبي صلى الله عليه وسلم :
( الأئمة من قريش ) فقالوا هل حصر الأئمة في قريش لأنهم كانوا أصحاب عصبية في ذلك الوقت فالمناط العصبية ؟ [2] وإذا كان الباقلاني قد تكلم في ذلك فبصفته متكلمًا لا فقيهًا .
وهنا رفعت الجلسة لصلاة المغرب ؛ إذ كانت الساعة السابعة مساءً .
ثم أعيد انعقاد الجلسة الساعة السابعة والنصف .
فأخذ حضرة صاحب الفضيلة الأستاذ الشيخ محمد بخيت يكمل كلامه وقال : إن هذا التقرير بالاختصار اشتمل على مسائل ثلاث . وإن حقيقة الخلافة على الوجه المذكور في التقرير لا خلاف فيها وهي مسألة مفروغ منها . وهل يستطيع أحد أن يقول إن الخلافة ليست هي الرياسة العامة كما في التقرير ؟ طبعًا لا ينازع في ذلك أحد . فلا معنى لأن يكون ذلك موضع بحث ويجب أن يقبله الجميع .
ولا يمكن أن نقول : إن الخلافة روحية فقط كما قال الملحدون فإنهم يؤمنون ببعض الكتاب ويكفرون ببعض . فالشروط المجمع عليها هي أن يكون الخليفة مسلمًا حرًّا ذكرًا شجاعًا بصيرًا ، وليس لأحد أن يناقش في ذلك الإجماع .
وإن من الشروط المختلف فيها الاجتهاد والنسب والعدالة ، وأن الذين خالفوا في القرشية اعتمدوا على أن حديث ( الأئمة من قريش ) قابل للتأويل . وقد قال بعض العلماء : إن العدالة لا تتحقق في الواقع ونفس الأمر . والضرورات تبيح المحظورات .
وتعلمون أن شرعنا جاء بمراعاة مصالح العباد . ومن هنا أمكن القياس في المسائل لأن النصوص قواعد معللة وهذا يمكن من مراعاة المصلحة . ولكم أن تنظروا ذلك في جلسة أخرى يكون موضوع البحث فيها المسائل التي وقع فيها الخلاف ؛ وأعود فأقول : إذا بحثنا في القرشية فما الذي يتبع في إثبات النسب أبالطريقة التي كان يتبعها السلف أم بغير ذلك ؟ وإذا كان هناك قرشي فهل توجد فيه الشجاعة والعلم أي الفهم .
على أن الإسلام والشجاعة والعلم إنما ينظر إليها عند التنفيذ والتطبيق وليس كلامنا الآن في ذلك وإنما هو في بيان الشروط ، وأما البيعة فمبينة في كتاب الأحكام السلطانية وكذلك أهل الحل والعقد .
وقال حضرة صاحب الفضيلة الأستاذ الشيخ أحمد هارون : لا نفصل في التقرير الأول الآن ونريد أن يتلى التقرير الثاني ثم يؤخذ الرأي .
فقال حضرة صاحب الفضيلة الأستاذ الشيخ حسين والي : هذا تقرير وذاك تقرير آخر وقد حصلت مناقشات كثيرة ، فإذا استحسنتم فليرجأ النظر إلى الغد .
فقال حضرة الأستاذ عبد العزيز الثعالبي أفندي : أطلب أن يضم التقرير الأول إلى التقرير الثاني وبعد تلاوتهما يُؤخذ الرأي .
وقال حضرة صاحب الفضيلة الأستاذ الشيخ محمد الصالحي التونسي : إن المؤتمر الشريف الذي حضرنا إليه أعطى لنا برنامجًا وألف لما في البرنامج لجنتين :
لجنة علمية تنظر في المسائل الثلاث الأولى من البرنامج ولجنة تنظر في المسائل الثلاث الأخيرة منه . وفي اللجنة العلمية المنتخبة علماء أجلاء ثلاثة من كل مذهب من المذاهب الثلاثة ومستشار حنبلي وقد وثق المؤتمر بهم في هذا وقدموا تقريرًا شافيًا كافيًا استندوا فيه إلى ما دون في المذاهب الأربعة وشرحوا المسائل أتم شرح ولخصوا المسائل المختلف فيها فلم يبق محل للمناقشة ، ويلزم الاقتراع الآن على هذا التقرير فإن كانت هناك ملاحظات فلتبين .
فقال حضرة صاحب الفضيلة الأستاذ محمد مراد أفندي . إننا آثرنا بحث الاجتهاد وأمضينا فيه وقتًا طويلاً نحن في حاجة إلى أن نمضيه فيما بين أيدينا وما زال هذا البحث مثارًا لنزاع العلماء . وأمامنا الآن تقريران نريد قراءتهما ، وبعد ذلك نبحث فيهما مادة مادة أو يعطى حضرات الأعضاء مهلة لدرسهما ثم تعقد جلسة في الغد .
وقال حضرة صاحب الفضيلة الأستاذ الشيخ محمد فراج المنياوي : ألف المؤتمر لجنتين لعملين ، وخص كل لجنة منهما بعمل ، فيحسن أن نأخذ الرأي في التقرير الأول .
وقال حضرة صاحب الفضيلة الأستاذ الشيخ محمد حبيب العبيدي : ليس من الحكمة الخوض في موضوع قبل أن يكون أمام الخائض فيه نبراس ، والسرعة والإتقان لا يجتمعان ، أما أعضاء اللجنة العلمية فقد درسوا ما كتبوه ، وأما الذين لم يكونوا في هذه اللجنة فإنهم يحتاجون إلى النظر والتدقيق . وكذلك درس أعضاء اللجنة الثالثة ما كتبوه في تقريرهم ، فهم مستغنون عن النظر ثانيًا ، ولا كذلك الذين لم يكونوا معهم في اللجنة وقراءة التقريرين في هذه السويعة بعد هذه المتاعب في المناقشات مما يسمى سرعة لا يحتمل معها الإتقان ولا سيما هذا الموضوع الخطير.
وهنا طلب كثيرون من حضرات الأعضاء أن يتكلموا ، فأقفل حضرة صاحب الفضيلة الرئيس باب المناقشة وأعلن انتهاء الجلسة إذ كانت الساعة الثامنة مساءً على أن يجتمع المؤتمر الساعة الرابعة والنصف بعد ظهر الغد .
نائب السكرتير العام
رئيس المؤتمر
إمضاء ( محمد قدري )
ختم ( محمد أبو الفضل )
يتبع .............................................