11 ـ وهذا جابر الجعفي من أشهر الكذابين، اتهمه الأئمة بجميع أنواع البلايا، قال ابن حجر في ( تهذيب التهذيب){2/42}: ((قال ابن عبد الحكم: سمعت الشافعي يقول: قال سفيان الثوري لشعبة: لان تكلمت في جابر الجعفي لأتكلمن فيك)). قلت:فلماذا لم يقل شعبة لسفيان: أنت تدافع عن المبتدعة،و الكذابين ، ومن يقول بالرجعة، ومن يتهمه علماء زماننا، وقد قال الأوزاعي، وقال أيوب، وقال مالك ...... لايدافع عنهم إلا مبتدع مثلهم، ولا يدافع عنهم إلا من هو مثلهم، واحذروه ولا تجالسوه ،كما يقوله الشيخ ربيع و حاشيته فيمن يدافع عن المغراوي و السليماني و الحويني وعرعور وغيرهم، مع أن الفرق بين هؤلاء الأفاضل وجابر الجعفي لا تسده الشمس؟! قال ابن معين: لا تكتبوا حديث جابر الجعفي ولا كرامة. وقال زايدة: كان جابر الجعفي، والله كذاباً يؤمن بالرجعة. قال أبو حنيفة: ما رأيت أكذب من جابر، ما أتيته بشيء من رأي إلا أتاني فيه بأثر وزعم أن عنده ثلاثين ألف حديث.(الوافي بالوفيات). قال ابن حبان في ( المجروحين){1/82}: ((سمعت ابن المسيب يقول: سمعت ابن عبد الحكم يقول: سمعت الشافعي يقول: سمعت ابن عيينة يقول: كنا يوما عند جابر الجعفي في بيت فتكلم بكلام نظرنا إلى السقف فقلنا: الساعة يسقط علينا.)). فهذا حال جابر الذي دافع عنه سفيان الثوري، فهل بدع أحدهم سفيان الثوري ، أو هل بدعه الشافعي لأنه دافع عن رافضي كذاب لم يظهر له حاله ؟! فأن أعذر أئمة السنة، وعلى رأسهم الشافعي، و أحمد بن حنبل سفيان الثوري و شعبة على ظنهم الحسن بجابر الجعفي، فلابد أن هناك سببا وعلة ،يجب اعتبارها عندما نتكلم عن أئمة السنة، ومن عرفوا بها، هذه العلة يتغافل الشيخ ربيع و حاشيته عن الإشارة إليها وهي أن الاجتهاد و الاختلاف في الاجتهاد و العذر بسبب الاختلاف في الاجتهاد لم يقل أحد أنه يخص الأحكام وحدها، بل أكثر العلوم خضوعا للاختلاف في الاجتهاد علم الجرح و التعديل، فإن أكثر الرواة المترجمين فيه من المائة الأولى و الثانية ممن لم يدركهم حتى أمثال الإمام احمد و البخاري فالكلام فيهم بالنقل عن طبقتهم، فإن نقل فيهم جرح وتعديل وجب سبر المنقولات و الاجتهاد فيها ردا وتويجها، فإن كان مذهب أهل السنة أن المجتهد المصيب له أجران و المجتهد المخطئ له أجر واحد ،و خطأه مغفور له، فمن منهم استثنى الاجتهاد في الجرح و التعديل؟! قال شعبة في جابر الجعفي: هو صدوق. قلت:فمع أن أكثر أهل الحديث تبرؤوا من عهدة جابر الجعفي فهذا شعبه يقول عنه:صدوق، وسفيان الثوري يدافع عنه،ومعلوم أن شعبة ممن أدركه و أخذ عنه، فكيف خفي عليهما حاله؟! و اختلفا حوله مع أقرانهما، وهما من هما ، و ما أدراك ما هما شعبة بن الحجاج و سفيان الثوري يخفى عليهما حال رافضي كذاب جالساه و سمعا حديثه؟! فإن جاز الاختلاف حول رجل ظاهر البدعة معروف بالكذب، ودافع عنه سفيان الثوري، ولم يمتحن بعضهم بعضا به، أفلا يجوز أن يختلف المتأخرون حول رجل من أهل السنة لم يعرف بكذب ولا برفض، وكلٌ يحكم بعلمه ، فكيف نمتحن الناس ببغض علماء أهل السنة ؟! وقد حدث عن مثل جابر الجعفي سفيان الثوري و ابن عيينة و إسرائيل بن يونس و حسان بن إبراهيم الكرماني و سلام بن أبي مطيع، نقل أئمة الجرح و التعديل عن معلى بن منصور الرازي أنه قال:قال لي أبو معاوية:كان سفيان الثوري و شعبة ينهياني عن جابر الجعفي، و كنت أدخل عليه فأقول: من كان عندك؟ فيقول: شعبة و سفيان! مع أن الجعفي قال عنه يحي بن معين: (( لم يدع جابرا ممن رآه إلا زائدة ،وكان جابر كذابا)). وقال محمد بن رافع: رأيت احمد بن حنبل في مجلس يزيد بن هارون ومعه كتاب زهير عن جابر الجعفي، فقلت له: يا أبا عبد الله تنهونا عن جابر و تكتبونه ؟ قال لنعرفه)). 12 ـ الربيع بن عبد الله بن خطاف كان يحي بن سعيد يحط عليه، و يقول: (( أنا أعلم به، و يتعجب من عبد الرحمن بن مهدي كيف لا يطعن عليه)). وكان عبد الرحمان بن مهدي يقول: (( هو عندي ثقة في حديثه))، قيل له: (( كان يرى القدر؟))قال( كان يجالس عمرو بن فايد يوم الجمعة)). (الضعفاء للعقيلي){49/2}. وقد وثقه: الإمام أحمد. فهذا الرجل اختلف فيه هذان العالمان الكبيران، وكل منهم كان يرى فيه رأيا، ومجال الاختلاف ممكن في كثير من الحالات، ولكنهم لم يمتحنوا بعضهم بعضا بمثل هذا الاختلاف، حتى وضع الذهبي قاعدة فيمن اختلف فيهم يحي بن سعيد و عبد الرحمن بن مهدي. واختلافهما هنا منشأه مذهبهما في الحديث، فأحدهما وهو يحي بن سعيد القطان يطعن بالمذهب و الاعتقاد ،و الآخر لا يطعن بالمذهب و الاعتقاد إذا كان الراوي صادقا، وهو الذي استقر عليه رأي أهل الحديث بعد ذلك كما في (الموقظة) للذهبي ونص عليه الحافظ وغيره . المقصود لم يزد القطان عن التعجب، ولم يزد ابن مهدي عن ذكر حجته، لا تبديع ولا امتحان، مع أن الجرح مفسر، ومن أخطر أنواع الجرح، فبدعة القدر و مجالسة القدرية أمر ليس بالهين، ولكن ليس كما في مذهب الشيخ ربيع.