وإن وجد كتابا من كتب مذهب إمامه المشهورة قد تضمن نصحه، وذم الرأي والتقليد، وحرض على اتّباع الأحاديث المشهورة نبذه وراء ظهره، وأعرض عن نهيه وأمره، واعتقده حجرا محجورا، وجعل مختصرات المتأخرين سعيا مشكورا لتركهم الدليل، وتعصبهم للتقليد، واعتقادهم أنه الرأي السديد. وشاهد ذلك كله أن تتأمل مذهب مالك فترى كتب علمائهم المتقدمين قد ملئت بالأدلة ،وحشيت بذم المقلدين، كـ (المبسوط) للقاضي إسماعيل، و(المجموعة) لابن عبدوس، و(التمهيد) لابن عبد البر، و(الطراز) لسند بن عنان. وقد نبذها المتأخرون وراء ظهورهم، وأقبلوا كل الإقبال على ما ابتدعه المتأخرون من حذف الدليل في مختصراتهم، وأولعوا بالتقليد بلا دليل لاعتقادهم أن الاشتغال به عناء وتطويل، إنا لله وإنا إليه راجعون)). قلت: فكل ما قاله الفلاني موجود في كثير من أتباع الشيخ ربيع، و قد يحملون لك حقدا في باطنهم ،وهذا أمر مفهوم إذ عانى منه المتقدمون كالشافعي ،بل قال بعض الشافعية أظنه ابن النقاش: ((الناس اليوم رافعية لا شافعية، ونووية لا نبوية))،و الحديث قياس. وهذا حال من لم يعرف أقوال العلماء و اختلافهم، ولم يعرف المدارك العقلية و المسالك المذهبية. ولكن الإشكال عندما يقبله العلماء أو طلبة العلم كالبازمول و العتيبي و الظفيري و بعض أذنابهم، و يغذونه، ويشجعون عليه، و يبنون عليه أحكامهم في الناس فهؤلاء جهلة، و إن سمّوا زورا طلبة علم. وعندما ننظر بعين العلم و العدل نجد أكثر تجريحات الشيخ ربيع قائمة في حقيقتها على العداوة لمخالفيه، وكذلك تزكياته جلّها ناجمة عن العصبية أو الحمية،ولا علاقة لها بأصول التعديل،كما بيّنته في مقال خاص[ـ يبدو أن هذا المقال قد هيّج القوم،فقد قام نائمهم ونام قائمهم، و بين النوم و القيام تجري الأيام،أصلح الله حالهم، وبدل جهلهم علما، وردهم إلى الصواب بلطف وحكمة إنه لطيف خبير.] قال السَّرَخْسِيُّ في (أصوله)(2/11): (( وأما الطعن المفسر بما يكون موجبا للجرح، فإن حصل ممن هو معروف بالتعصب أو متهم به لظهور سبب باعث له على العداوة، فإنه لا يوجب الجرح،وذلك نحو طعن الملحدين والمتهمين ببعض الأهواء المضلة في أهل السنة، وطعن بعض من ينتحل مذهب الشافعي ـ رحمه الله ـ في بعض المتقدمين من كبار أصحابنا، فإنه لا يوجب الجرح لعلمنا أنه كان عن تعصب وعداوة)). وعليه، فإن هؤلاء ولو جرحوا جرحا مفسرا أو مشروحا بمئات المجلدات، و أقسموا عليه اليمين المغلظة لا يقبل منهم، و قد بانت منهم العداوة لمخالفيهم فتركوا الأدلة و أقبلوا على الكذب و الإشاعة و تشييخ المجاهيل الجهال حتى عند أمهاتهم و آبائهم ،فكيف نقبل قول هؤلاء في الناس، و قولهم في شعرة لا يسوى بعرة!