(5) من مفسدات القلب الخمسة: التمنى[1]
وهو بحر لا ساحل له. وهو البحر الذي يركبه مفاليس العالم، كما قيل: إن المنى رأس أموال المفاليس. فلا تزال أمواج الأماني الكاذبة، والخيالات الباطلة، تتلاعب براكبه كما تتلاعب الكلاب بالجيفة، وهي بضاعة كل نفس مهينة خسيسة سفلية ليست لها همة تنال بها الحقائق الخارجية بل أعتاضت عنها بالأماني الذهبية وكل بحسب حاله: من متمن للقدرة والسلطان وللضرب في الأرض والتطراف في البلدان أو للأموال والأثمان أو للنسوان والمردان فيمثل المتمني صورة مطلوبه في نفسه وقد فاز بوصولها والتذ بالظفر بها مبيننا هو على هذه الحال إذ استيقظ فإذا يده والحصير.
وصاحب الهمة العلية أمانيه حائمة حول العلم والإيمان والعمل الذي يقربه إلى الله ويدنيه من جواره.
فأماني هذا إيمان ونور وحكمة وأماني أولئك خدع وغرور.
وقد مدح النبي صلى الله عليه وسلم متمني الخير وربما جعل أجره في بعض الأشياء كأجر فاعله كالقائل: لو أن لي مالا لعملت بعمل فلان الذي يتقي في ماله ربه ويصل فيه رحمه ويخرج منه حقه وقال: "هما في الأجر سواء" وتمنى صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع: أنه لو كان تمتع وحل ولم يسق الهدي وكان قد قرن فأعطاه الله ثواب القران بفعله وثواب التمتع الذي تمناه بأمنيته فجمع له بين الأجرين.
--------------------------------------------------
[1]محمد بن أبي بكر ابن قيم الجوزية ، مدارج السالكين بين منازل إياك نعبد وإياك نستعين ، دار الكتاب العربي، بيروت، لبنان ، الثانية، 1393هـ/1973م ، ج2، ص الثانية، ص 368.