وفي هذا التقديم إيضاح لعظم شأن هذا الواجب وبيان لأهميته في حياة الأفراد والمجتمعات والشعوب . وبتحقيقه والقيام به تصلح الأمة ويكثر فيها الخير ويضمحل الشر ويقل المنكر. وبإضاعته تكون العواقب الوخيمة والكوارث العظيمة والشرور الكثيرة، وتتفرق الأمة وتقسو القلوب أو تموت، وتظهر الرذائل وتنتشر، ويظهر صوت الباطل، ويفشو المنكر.
ومن فضل الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر ما يلي:
ثامنا: أنه من أسباب تكفير الذنوب كما قال عليه الصلاة والسلام: فتنة الرجل في أهله وماله ونفسه وولده وجاره، يكفرها الصيام والصلاة والصدقة، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر . رواه أحمد
تاسعا: في القيام بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر حفظ للضرورات الخمس في الدين والنفس والعقل والنسل والمال. وفي الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من الفضائل غير ما ذكرنا. وإذ ترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وعطلت رايته ظهر الفساد في البر والبحر وترتب على تركة أمور عظيمة منها:
ولما قالت أم المؤمنين زينت رضي الله عنها: "أنهلك وفينا الصالحون؟" قال لها الرسول صلى الله عليه وسلم : نعم، إذا كثر الخبث رواه ا لبخاري.
-2- عدم إجابة الدعاء، وقد وردت أحاديث في ذلك منها حديث عائشة رضي الله عنها مرفوعا: مروا بالمعروف، وانهوا عن المنكر، قبل أن تدعوا فلا يستجاب لكم رواه أحمد
-3- انتفاء خيرية الأمة، قال صلى الله عليه وسلم : والله لتأمرن بالمعروف ولتنهون عن المنكر ولتأخذن على يد الظالم ولتأطرنه على الحق أطرا ولتقصرنه على الحق قصرا، أو ليضربن الله بقلوب بعضكم على بعض ثم ليلعنكم كما لعنهم رواه أبو داود.
-4- تسلط الفساق والفجار والكفار، وتزيين المعاصي، وشيوع المنكر واستمرائُه.
5- - ظهور الجهل، واندثار العلم، وتخبط الأمة في ظلمة حالكة لا فجر لها. ويكفي عذاب الله عز وجل لمن ترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وتسلط الأعداء والمنافقين عليه، وضعف شوكته وقلة هيبته.
أخي المسلم:
قال العلامة الشيخ حمد بن عتيق رحمه الله: "فلو قدر أن رجلا يصوم النهار ويقوم الليل ويزهد في الدنيا كلها، وهو مع هذا لا يغضب لله، ولا يتمعر وجهه، ولا يحمر، فلا يأمر بالمعروف، ولا ينهى عن المنكر، فهذا الرجل من أبغض الناس عند الله، وأقلهم دينا، وأصحاب الكبائر أحسن عند الله منه".
خطوات الإنكار و الأمر:
أولا: التعريف، فإن الجاهل يقوم على الشيء لا يظنه منكرا، فيجب إيضاحه له، ويؤمر بالمعروف ويبين له عظم أجره وجزيل ثواب من قام به، ويكون ذلك بحسن أدب ولين ورفق.
ثانيا: الوعظ وذلك بالتخويف من عذاب الله عز وجل وعقابه وذكر آثار الذنوب والمعاصي، ويكون ذلك بشفقة ورحمة له.
ثالثا: الرفع إلى أهل الحسبة إذا ظهر عناده
وإصراره.
رابعا: التكرار وعدم اليأس فإن الأنبياء والمرسلين أمروا بالمعروف وأعظمه التوحيد، وحذروا عن المنكر وأعظمه الشرك، سنوات طويلة دون كلل أو ملل.
خامسا: إهداء الكتاب والشريط النافع.
سادسا: لمن كان له ولاية كزوجة وأبناء، فله الهجر والزجر والضرب.
سابعا. الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر يستوجب من الشخص الرفق والحلم، وسعة الصدر والصبر، وعدم الانتصار للنفس، ورحمة الناس، والإشفاق عليهم، وكل ذلك مدعاة إلى الحرص وبذل النفس.
أخي المسلم:
درجات تغيير المنكر ذكرها الرسول صلى الله عليه وسلم بقوله: من رأى منكم منكرا فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف الإيمان رواه مسلم.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية قدس الله روحه: "ومن لم يكن في قلبه بغض ما يبغضه الله ورسوله من المنكر الذي حرمه من الكفر والفسوق والعصيان، لم يكن في قلبه الإيمان الذي أوجبه الله عليه، فإن لم يكن مبغضا لشيء من المحرمات أصلا لم يكن معه إيمان أصلا".
وقال الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله: "فالله الله إخواني، تمسكوا بأصل دينكم أوله وآخره أسه ورأسه، وهو "شهادة أن لا إله إلا الله " واعرفوا معناها وأحبوا أهلها، واجعلوهم إخوانكم ولو كانوا بعيدين، واكفروا بالطواغيت، وعادوهم وأبغضوا من أحبهم، أو جادل عنهم أو لم يكفرهم، أو قال ما علي منهم، أو قال: ما كلفني الله بهم، فقد كذب هذا على الله وافترى، بل كلفه الله بهم وفرض عليه الكفر بهم والبراءة منهم ولو كانوا إخوانه أو أولاده".
أخي المسلم:
وتأمل في سفينة المجتمع كما صورها الرسول صلى الله عليه وسلم بقوله: مثل القائم في حدود الله والواقع فيها كمثل قوم استهموا على سفينة، فصار بعضهم أعلاها و بعضهم أسفلها، و كان الذين في أسفلها إذا استقوا من الماء مروا على من فوقهم، فقالوا: لو أنا خرقنا في نصيبنا خرقا و لم نؤذ من فوقنا، فإن تركوهم و ما أرادوا هلكوا جميعا، وإن أخذوا على أيديهم نجوا و نجوا جميعا.
ومع الأسف الشديد ظهرت في بعض المجتمعات ظاهرة خطيرة وهي الاستهزاء بالآمرين بالمعروف والناهين عن المنكر، ولمزهم وغمزهم، والله عز وجل قد توعد الذين يؤذون المؤمنين والمؤمنات بعذاب أليم.
وننبه الأحبة الكرام إلى خطورة الأمر، قال في حاشية ابن عابدين: إن من قال:"فضولي" لمن يأمر بالمعروف و ينهى عن المنكر فهو مرتد.
وفي "الدر المختار" قال في فصل الفضولي: "هو من يشتغل بما لا يعنيه، فالقائل لمن يأمر بالمعروف: أنت فضولي، يخشى عليه الكفر".
اللهم اجعلنا من الآمرين بالمعروف، الناهين عن المنكر، المقيمين لحدودك. ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا، وهب لنا من لدنك رحمة، إنك أنت الوهاب. اللهم اغفر لنا و لوالدينا و لجميع المسلمين، و صلى الله على نبينا محمد و على آله و صحبه وسلم.