منتديات الجلفة لكل الجزائريين و العرب - عرض مشاركة واحدة - من فتاوى الشيخ أبي عبد السلام
عرض مشاركة واحدة
قديم 2013-01-22, 14:21   رقم المشاركة : 65
معلومات العضو
"جُوهَرْ"
عضو متألق
 
الأوسمة
العضو المميز لسنة 2013 المرتبة الثانية 
إحصائية العضو










افتراضي

س:امرأة تشتكي من زوجها الذي يتعاطى المخدرات، وتريد أن تذكر حكم هذه الآفة في الشريعة الإسلامية عسى أن يكون سببا في توبته؟
ج: نشكر أولا هذه الزوجة التي نسأل الله أن يجعلها في زمرة الصالحات،حيث أرادت الخير لزوجها،وعلى الزوجة الصالحة أن تصبر على أذى زوجها وأن تدعو الله أن يصلحه إن وقع في مخالفة شرعية،وأن تنصحه بالحكمة والموعظة الحسنة،لا أن تفضحه أمام أولاده وأمام أهله وأهلها،أو أن تشن الحرب عليه بعد الطاعة وإعلان المعصية،وبالسب والشتم فذلك لا يزيده إلّا تعنتا وإصرارا،ولا يولد إلا كرهه لها والعمل على ظلمها وأذيتها.فلا بد من الحكمة والعلم والحلم والصبر في حلّ مثل تلك المشاكل،مع الاستعانة بالله والتوكل عليه،فهو وحده القادر على كشف الضر وهداية البشر جل جلاله.
أما حكم تعاطي المخدرات أو المتاجرة فيها فهو التحريم بلا شك،قياسا على الخمر المحرّم بنص الكتاب والسنّة والعلّة المشتركة بينهما،وهي الإسكار وإذهاب العقل وحجبه وتغطيته عن التفكير والفهم السليم.
والرسول صلى الله عليه وسلم يقول:"كل مسكر حرام"(1).حتى إن العلماء جعلوا للمدمن على المخدرات حدا يقام عليه،قال ابن تيمية رحمه الله:"إن من غاب عقله منها يجب أن يقام عليه الحد ثمانون جلدة كحدّ الشرب من الخمر سواء بسواء". فكما أن علّة التحريم في الخمر هي الإسكار فكذلك علّة التحريم في المخدرات هي الإسكار والفتور الذي يصيب متعاطيها.
ولقد أجمع فقهاء الإسلام عل تحريم المخدرات في القديم والحديث،مستدلّين في ذلك بما سبق ذكره من الأدلة وبقوله تعالى:" يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأَنصَابُ وَالأَزْلامُ رِجْسٌ مِّنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ*إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَن يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاء فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَن ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنِ الصَّلاةِ فَهَلْ أَنتُم مُّنتَهُونَ"سورة المائدة:90-91، فالمخدرات قياسا على الخمر كما بيّنا ذلك،توقع العداوة بين النّاس وتصد عن ذكر الله وعن الصلاة،وتصرف صاحبها عن أداء واجباته نحو زوجته وأولاده وأقاربه ونحو مجتمعه بعدم العمل وببث الفوضى والفساد والرذيلة فيه.
قال ابن القيّم رحمه الله:"هي لقمة الفسق والفجور التي تحرك القلب الساكن إلى أخبث الأماكن".
والمخدرات تؤثر تأثيرا سلبيا على صحة العبد وعلى ماله وأخلاقه وعلى أسرته ومحيطه ومجتمعه وعلى دينه بالدرجة الأولى،فمن ناحية تأثيرها على المال فإن المدمن عليها يصرف أموالا طائلة من أجل الحصول عليها ليقتل نفسه قتلا بطيئا...وقد قال الله تعالى:" وَلاَ تُبَذِّرْ تَبْذِيرًا*إنَّ الْمُبَذِّرِينَ كَانُواْ إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِ"سورة الإسراء 26-27.كما أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن إضاعة المال فقال صلى الله عليه وسلم:"لا تزول قدما عبد يوم القيامة حتى يسأل عن أربع:عن عمره فيما أفناه، وعن شبابه فيما أبلاه، وعن عمله ما عمل فيه،وعن ماله من أين اكتسبه وفيم أنفقه"(2).أما تأثيرها على صحة العبد فلقد ثبت طبيّا أن لها أضرارا على الجهاز العصبي،مما يؤدي إلى أعراض خطيرة على الجسد إلى أن ينتهي الأمر بتعاطي المخدرات إلى الموت المحتّم فهو انتحار وقتل للنفس وقد قال الله تعالى:" وَلاَ تَقْتُلُواْ أَنفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا"سورة النساء: 29،وقال أيضا :" وَلاَ تُلْقُواْ بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ "سورة البقرة: 195.
وهل من ذي لب سليم يدّعي أن المخدرات غير محرّمة بعدما بيّناه من الأدلة ومن أضرارها؟
فمن ادعى ذلك فقد افترى على الله الكذب،وكان بفريته تلك مخالفا للشريعة الإسلامية التي بينت أحكامها على جلب المصالح في الدارين،ودرء المفاسد والمضار،وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:" لا ضرر ولا ضرار"(3).
ولا بد من كلمة نوجهها لمن اتخذوا صحة النّاس والشباب خاصة سلعة يتاجرون بها ويربحون منها أموالا طائلة،ستثقل ميزان سيئاتهم يوم القيامة،فينبغي أن يعلم أن ما حرّم الله الانتفاع به يحرم بيعه وأكل ثمنه...فكما أن تعاطي المخدرات محرم فإن بيعها وأكل ثمنها محرم أيضا وقد قال الله تعالى:" وَتَعَاوَنُواْ عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلاَ تَعَاوَنُواْ عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ"سورة المائدة:02، ويدخل في ذلك أيضا زراعة الحشيش الذي تستخرج منه المخدرات.
قال صلى الله عليه وسلم:" والذي نفسي بيده لا يكسب عبد مالا من حرام فينفق منه فيبارك له فيه،ولا يتصدق فيقبل منه ولا يتركه خلف ظهره إلا كان زاده في النّار،إن الله لا يمحو السيئ بالحسن،إن الخبيث لا يمحو الخبيث"(4).

(1):رواه مسلم(1733).
(2):رواه الترمذي(2417) وهو حديث صحيح كما في"صحيح الجامع"(7300).
(3): أخرجه أحمد(5/326-327) وابن ماجة(2340) وغيرهما وهو حديث صحيح،أنظر"الإرواء"(3/408).
(4):أخرجه أحمد(3672) والبخاري في"التاريخ الكبير"(4/313)والحاكم(2/447) وغيرهم وهو حديث ضعيف كما في "ضعيف الترغيب والترهيب"(1076).









رد مع اقتباس