منتديات الجلفة لكل الجزائريين و العرب - عرض مشاركة واحدة - من أطاع العلماء والأمراء
عرض مشاركة واحدة
قديم 2013-01-20, 19:42   رقم المشاركة : 2
معلومات العضو
miramer
عضو محترف
 
الصورة الرمزية miramer
 

 

 
إحصائية العضو










افتراضي

وقال الإمام أحمد رحمه الله تعالى: حدثنا أحمد بن عمر البزّار، حدثنا زياد بن أيوب، حدثنا أبو عبيدة الحداد عن مالك بن دينار عن عكرمة عن ابن عباس قال: ليس منا أحد إلا يؤخذ من قوله ويُدَعْ غير النبي - صلى الله عليه وسلم -.
وعلى هذا فيجب الإنكار على من ترك الدليل لقول أحد من العلماء(1)كائناً من كان، ونصوص الأئمة على هذا؛ وأنه لا يسوغ التقليد إلا في مسائل الاجتهاد التي لا دليل فيها يُرجع إليه من كتاب ولا سنة، فهذا هو الذي عناه بعض العلماء بقوله: لا إنكار في مسائل الاجتهاد.
وأما من خالف الكتاب والسنة فيجب الرّد عليه كما قال ابن عباس رضي الله عنهما والشافعي ومالك وأحمد، وذلك مجمع عليه، كما تقدّم في كلام الإمام الشافعي رحمه الله تعالى.(2)قوله: (وقال أحمد بن حنبل رحمه الله تعالى: عجبت لقوم عرفوا الإسناد وصحته يذهبون إلى رأي سفيان، والله تعالى يقول: ?فَلْيَحْذَرْ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ?[النور:63]، أتدري ما الفتنة؟ الفتنة الشرك، لعله إذا رَدَّ بعض قوله أن يقع في قبله شيء من الزيغ فيهلك.)
هذا الكلام من الإمام أحمد رحمه الله رواه عنه الفضل بن زياد وأبو طالب. قال الفضل عن أحمد: نظرت في المصحف(3) فوجدت طاعة الرسول - صلى الله عليه وسلم - في ثلاث وثلاثين موضعاً، ثم جعل يتلو: ?فَلْيَحْذَرْ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ?[النور:63]الآية، فذكر من قوله: الفتنة الشرك -إلى قوله- فيهلك. ثم جعل يتلو هذه الآية: ?فَلاَ وَرَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتَّىَ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لاَ يَجِدُواْ فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُواْ تَسْلِيمًا?[النساء:65].
وقال أبو طالب عن أحمد وقيل له: إن قوماً يدعون الحديث ويذهبون إلى رأي سفيان وغيره، فقال: أعجب لقوم سمعوا الحديث وعرفوا الإسناد وصحته يدعونه ويذهبون إلى رأي سفيان وغيره، قال الله تعالى: ?فَلْيَحْذَرْ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ?[النور:63] أتدري ما الفتنة؟ الفتنة: الكفر. قال الله تعالى: ?وَالْفِتْنَةُ أَكْبَرُ مِنَ الْقَتْلِ?[البقرة:217] فيدعون الحديث عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وتغلبهم أهواؤهم إلى الرأي. وذكر ذلك عنه شيخ الإسلام رحمه الله تعالى.
قوله (عرفوا الإسناد) أي إسناد الحديث وصحته، فإن صح إسناد الحديث فهو صحيح عند أهل الحديث وغيرهم من العلماء.


__________
(1) هذا من كمال مرتبة أهل العلم، وما من عالم إلا وله غلط ولابد، إذا فرض أن ثم عالم يصيب في كل مسألة معنى ذلك أنه بلغ مرتبة النبوة؛ لأن الأنبياء هم الذين لا يخطئون، ولا يوجد عالم إلا وله شيء خالف فيه ما نعلمه من السنة، وهذا دليل كماله، لأن دليل كمال طالب العلم كمال العالم أن تكون مخالفاته للفهم الصحيح للسنة أن تكون قليلة، فإذا كان فهمه الكثير صوابا فهذا يدل على ارتفاع مقامه.
فمالك له أقوال مخالفة للسنة، مثل عدم تحريم أكل ذي الناب من السباع وذي المخلب من الطير، حتى نُسب للمالكية أنهم يبحون أكل لحوم الكلاب طبعا هذا لا يصح لأنهم يكرهونه ومنهم من يحرمه.
ونسب للشافعي إباحة؛ بل ثابت عنه أنه يجيز اللعب بالشطرنج.
وللإمام أبو حنيفة بشرب النبيذ ولو أسكر إذا لم يكن من التمر؛ يعني من العنب والتمر.
وكذلك الإمام أحمد له أقوال ما نعلمه من السنة مثل بعض مسائل التوسل.
كذلك شيخ الإسلام ابن تيمية له مسائل خالف فيها السنة، وأتى فيها بأشياء من عند نفسه، باجتهاده، وهو مأجور على ذلك؛ لكن ما نعلم من أين أخذها كقوله إن النبي - صلى الله عليه وسلم - غرس الجريدتين على قبري الذين يعذبان؛ لأن الجريدتين إذا كانتا خضراوين فإن فيهما الحياة فهما يسبحان ما دامتا خضراوين، فإذا يبستا فإنه ينقطع التسبيح، فالتخفيف لأجل تسبيح الجريدتين لأجل مجاورة المسبح، وهذا يفتح باب شر؛ بل فتح واستدل به بعض المبتدعة على أنه أولى من هاتين الجريدتين أن يستأجر قوم يقرؤون القرآن، ويكون أبلغ الذين يسبحون عند القبور، وهذا اجتهاد منه رحمه الله، لهذا لما ساق هذا القول الحافظ ابن حجر في الفتح قال: وهو على عهدته. يعني ما يعرف أن أحد علل بهذا التعليل.
فهكذا ما من أحد إلا وله أقوال لكن إذا كان العالم الغالب عليه الصواب، فإن هذا دليل على كماله، وقد قال بعضهم في ذلك بيتا يقول:
شخص الأنام إلى كمالك فاستعد من شر أعينهم بعيب واحد
هذا من جهة.
من جهة أخرى أن دليل الاجتهاد والمشابهة أن يكون للعالم هفوة أو مخالفة، إما في عمله حتى يستغفر وينيب، وإما في قوله وفتواه حتى يكون ذلك دليل على أنه عالم مجتهد في الشرع والله المستعان.
2) بسم الله الرحمن الرحيم
إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره ونتوب إليه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبد الله ورسوله، وصفيه وخليله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا إلى يوم الدين. أما بعد:
فهذا الباب ترجمه إمام هذه الدعوة بقوله (باب من أطاع العلماء والأمراء في تحريم ما أحل الله أو تحليل ما حرم الله، فقد اتخذهم أرباباً من دون الله)، ورعى فيه ما جاء في آية براءة؛ لأنها فيها ذكر الربوبية حيث قال جل وعلا ?اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ?[التوبة:31]، والآية فيها ذكر الأحبار والرهبان وهم العلماء والعباد، وأضاف الشيخ في الترجمة ذكر الأمراء؛ لأن الأمراء في الأعصر الإسلامية صار منهم نوع إلزام للناس بما يخالف السنة وما يخالف ما جاء في القرآن وكلام النبي - صلى الله عليه وسلم -، فمن أطاعهم في ذلك بالتحريم؛ تحريم الحلال وتحليل الحرام فقد اتخذهم أربابا.
وسبب ذكر الربوبية هنا دون الإلهية أن الربوبية فيها: أنّ الرب هو الذي خلق ورزق، وهو السيد الذي يتصرف في ملكه، ومن كان كذلك فهو المطاع، فالطاعة من آثار ربوبية الله جل وعلا على خلقه؛ يعني وجوب طاعة الله جل وعلا؛ هذا لكونه سبحانه وتعالى ربا؛ لكونه هو الذي خلق الخلق وهو الذي أنشأهم ورزقهم وهو الذي يملكهم ويتصرف فيهم كيف يشاء.
فإذن لما كان أمره نافذا فيهم فهم يجب عليهم أن يطيعوه وحده جل وعلا؛ إذْ لا رب لهم سواه.
وآية براءة فيها ذكر الربوبية والألوهية قال سبحانه ?اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَمَا أُمِرُوا إِلاَّ لِيَعْبُدُوا إلهاً وَاحِداً?[التوبة:31] فذكر الألوهية بعد ذكر الربوبية، وسبب ذلك أن الربوبية الألوهية من الألفاظ التي إذا اجتمعت تفرقت وإذا تفرقت اجتمعت، والربوبية تدل على الإلهية باللزوم بدلالة اللزوم، والإلهية تدل على الربوبية بدلالة التضمن، لهذا إذا أطلقت الربوبية التزمت الإلهية، وإذا أطلقت الألوهية تضمنت الربوبية، وهذا كقوله جل وعلا ?وَلاَ يَأْمُرَكُمْ أَن تَتَّخِذُواْ الْمَلاَئِكَةَ وَالنِّبِيِّيْنَ أَرْبَابًا أَيَأْمُرُكُم بِالْكُفْرِ بَعْدَ إِذْ أَنتُم مُّسْلِمُونَ?[آل عمران:80]، وأولئك اتخذوا الملائكة آلهة، واتخذوا بعض النبيين النبيين آلهة، وعبر أو ذكر لفظ الربوبية؛ لأن لفظ الربوبية إذا أُفرد فإنه يدخل فيه الإلهية بدلالة اللزوم، كما أن الإلهية إذا أفردت دخلت فيها الربوبية بدلالة التضمن.
فقول القائل: لا إله إلا الله. فيه توحيده لله جل وعلا في ألوهيته ويتضمن ذلك أنه موحد لله جل وعلا في ربوبيته.
وإذا قال لا رب لنا سوى الله جل وعلا، فإن ذلك يستلزم منه ويلزم منه أنه إنما يعبد الله وحده دون ما سواه.
ولهذا في القرآن كثيرا ما يُحتج على المشركين بعدم التزامهم بهذا اللازم، فيقرون بالربوبية ولا يلتزمون بالإلهية، يقرون بأن الله جل وعلا هو الخالق الرازق المحيي المميت الذي يجير ولا يجار عليه السيد المتصرف في الملك، الذي له الملكوت وحده، وله نفوذ الأمر وحده، ومع ذلك لا يوحدونه في عبادته فلن يجعل الربوبية مستلزمة للإلهية؛ يعني ما قادهم توحيدهم في الربوبية أو أكثر أفراد الربوبية إلى أن يوحدوا الله في الإلهية.
فإذن من أطاع العلماء والأمراء في تحريم ما أحل الله أو تحليل ما حرم الله فقد اتخذهم آلهة واتخذهم أربابا، والمعنى واحد؛ لأن عبادتهم داخلة في معنى الإلهية، والطاعة متفرعة عن الربوبية، فأحد المعنيين يقود إلى الآخر كما أسلفت. يأتي بيان الضوابط في ذلك في موضعه عند شرح حديث عدي بن حاتم إن شاء الله تعالى.
ذكر الشيخ رحمه الله أثر ابن عباس فقال (وقال ابن عباس رضي الله عنهما: يوشك أن تنزل عليكم حجارة من السماء، أقول: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وتقولون: قال أبو بكر وعمر؟!) وهذا الأثر مروي بهذا اللفظ بإسناد صحيح، وإسناده موجود ذكره شيخ الإسلام بن تيمية وغيره من رواية الإمام أحمد، وكأنّه في كتاب طاعة الرسول - صلى الله عليه وسلم - للإمام أحمد، وهذا الكتاب كان موجودا ولكن اليوم إنما وُقف على أوراق منه جُعلت في آخر إحدى الطبعات لمسائل عبد الله بن الإمام أحمد، كتاب طاعة الرسول صدّره الإمام أحمد بالمواضع التي زادت على الثلاثين التي أمر الله جل وعلا بها في القرآن أن يطاع الرسول - صلى الله عليه وسلم -، فطاعة الرسول عَلَيْهِ الصَّلاَةُ والسَّلاَمُ فرض وواجب لأنه لم يأت بشيء من عنده عليه السلام وإنما هو مبلغ عن الله ومرسل من عند الله جل وعلا، وإذا اجتهد عَلَيْهِ الصَّلاَةُ والسَّلاَمُ فإن اجتهاده إما أن يُقر عليه أو لا يقر عليه، يقر عليه فيكون شرعا؛ لأن الله جل وعلا يقره على ذلك، ولا يقر عليه فيرد ما اجتهد فيه عَلَيْهِ الصَّلاَةُ والسَّلاَمُ كما اجتهد في أسارى بدر وغير ذلك.
إذن فما يقوله النبي عَلَيْهِ الصَّلاَةُ والسَّلاَمُ هو وحي من الله جل وعلا، وقد قال حسان بن عطية أحد التابعين: كان جبريل ينزل على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بالسنة كما ينزل عليه بالقرآن. وهذا المعنى صحيح لما دل عليه الحديث الصحيح الذي فيه قول النبي - صلى الله عليه وسلم - «ألا وإن ما حرّم رسول الله كما حرّم الله» يعني كالذي حرمه الله جل وعلا وقوله قول ان عباس (يوشك أن تنزل عليكم حجارة من السماء، أقول: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وتقولون: قال أبو بكر وعمر؟!) هذه قالها لما احتج عليه في مسألة التمتع في الحج، وكان ابن عباس يرى وجوب ذلك ويحتج عليه بحديث النبي - صلى الله عليه وسلم -، وأبو بكر وعمر رضي الله عنهما كانا يريان الإفراد في الحج ويقولان: الإفراد بالحج أفضل من التمتع. والنبي - صلى الله عليه وسلم - كان قارنا في حجه ولو لا أنه ساق الهدي لفسخ القران إلى عمرة فصار متمتعا بالعمرة إلى الحج، فقوله «لو استقبلت من أمري ما استدبرت» يدل على أن التمتع هو أفضل الأنساك، وأبو بكر وعمر رضي الله عنهما، وأيضا جمع من الصحابة رأوا أن الإفراد أفضل، وذلك حتى لا يخلو البيت من المعتمرين، والله جل وعلا جعل البيت مثابة للناس؛ يعني يثوبون إليه، وعمارة البيت بالطواف وبالسعي بين الصفا والمروى من العبادات العظيمة التي يحبها الله جل جلاله، فرأى أبو بكر وعمر رضي الله عنهما وجمع أيضا من غيرهما رأوا أن الاكتفاء بالتمتع يجعل الناس يكتفون في سنة برحلة واحدة إلى بيت الله يعتمرون فيها ويحجون، ويتركون البيت في باقي السنة فلا يقصدونه ولا يؤمونه بالعمرة، وهذا فيه إخلاء لبيت الله الحرام من قاصديه، إذا اكتفي بتمتّع والناس منازلهم تباعدت وفُتحت البلاد وصار الناس يبعدون عن بيت الله الحرام، لهذا كان رأي أبو بكر وعمر هو اجتهاد اجتهداه بما يناسب حال الناس وبما يحقق القصد الشرعي من كثرة ورود الناس إلى بيت الله الحرام.
وأبو بكر وعمر رضي الله عنهما لم يجعلا الإفراد أفضل مطلقا، وإنما قالا إن الإفراد أفضل لأنه يأتي بعمرة مستقلة في سفر مستقل، فيأتي إلى الحج في سفر، ويقصد أيضا البيت الحرام للعمرة في سفر آخر، فيفرد العمرة عن الحج، ويفرد الحج عن العمرة، وينشئ لكل واحد منهما سفرا. وأما من أراد التمتع وهو يريد أن ينشئ سفرا آخر للعمرة فهذا أفضل، وليس هو مما نهى عنه أبو بكر وعمر رضي الله عنهما.
ابن عباس رأى أن التّمتع واجب للأحاديث التي جاءت في الفسخ، والأدلة معروفة في كتاب الحج من الفقه.
المقصود من هذا الأثر هو أنّه أنكر على من احتج بقول أبي بكر وعمر وقابل به قول النبي - صلى الله عليه وسلم -، ولاشك أن هذا لا يجوز أن يقول لك قائل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كذا بحكم وتقول قال العالم الفلاني كذا.
وأبو بكر وعمر هما أفضل هذه الأمة، وإذا كان قولهما لا يجوز أن يقابل به قول النبي - صلى الله عليه وسلم -، كذلك من هو أدنى منهما من باب أدنى وأحرى، فإذا جاءته السنة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - وعلمها لم يكن له أن يدعها لقول أحد من أهل العلم؛ بل يجب عليه أن يتّبع السنة إذا كان هو ممن من يعلم معاني ألفاظ الأحاديث، أما من لا يفهم اللغة تماما فإنه يعمل بها إذا بُيّن له معناها.
ومن جهة العمل كما سيأتي العمل بالسنن المقام فيه له جهتان:
الجهة الأولى: أن يسمع السنة فيفهم معناها بحسب ما عنده من كلام العربي، ويعمل به في نفسه، فهذا هو الذي ينبغي، ولا يتوقف ذلك على أن يعلم ما عند أهل العلم، أو ما عند أصحاب المذاهب المتبوعة؛ لأنه حين الحاجة إلى السنة يعمل بها، فإذا تركها وهو محتاج فيها إلى العمل، محتاج في المسألة إلى العمل بهذه السنة، وقال: لا أعمل حتى أرى أقوال الناس. يكون قد خالف مقتضى طاعة الرسول - صلى الله عليه وسلم -، فإن أخطأ في العمل؛ يكون قد أصاب من جهة الطاعة والإتباع وأخطأ من جهة قد يكون هذا الدليل منسوخا وقد يكون مخصوصا وقد يكون مقيدا أو يكون عاما يراد به الخصوص أو يكون مجملا له بيان أو نحو ذلك.
الجهة الثانية: أن يأمر به غيرَه، والأمر بما يعلمه من الحديث يأمر به غيره، هذه ليست لأفراد الناس، وإنما هي لأهل العلم الذين يعلمون الخاص والعام يعلمون كيف تستنبط الأحكام من حديث النبي - صلى الله عليه وسلم - بل ومن كتاب الله جل جلاله.
فهناك فرق بين العمل بالسنة في النفس -يعني في حالك إذا احتجت إلى ذلك أو إذا جاءك ما تتذكر فيه سنة وحديث- وبين أمرك لغيرك في ذلك، الأمر للآخرين إنما هو لأهل العلم، أما من لم يكن عالما فيكون معذورا إذا عمل بما بلغه من الحديث، كما جاء في الحديث الذي مر معنا -يعني في الأثر- قد أحسن من انتهى إلى ما سمع، فمن انتهى إلى ما سمع من السنة فقد أحسن؛ ولكن لا يأمر غيره إلا إذا كان عالما بذلك، وإذا احتاج غيره إلى أن يذكر بالسنة وهو غير عالم يتلو عليه حديث النبي - صلى الله عليه وسلم - الذي حفظه، فيكون غيره يعمل به كما عمل به الأول، ولا يأمره بذلك وإنما يتلو عليه السنة، فيكون ذاك مخاطبا من جهة العمل.
أما من جهة التفقه العام فإنّ كلام أهل العلم، كلام صحابة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وفتاواهم، كذلك كلام التابعين وفتاوى التابعين، وكلام الأئمة، كذلك كلام الفقهاء الذين صنفوا الكتب، وهذه الكتب الكبيرة المؤلفة في بيان الكتاب والسنة، بيان الأحكام، هذه كلها معينة على فهم الكتاب والسنة، ووظيفتها الإعانة، وظيفتها ومنزلتها أنها وسائل لفهم الكتاب والسنة، كتب الفقه تصور لك المسائل وتذكر لك دليلا على المسألة على حسب ما استدل به عالم، فتستفيد منها صورة المسألة والدليل الذي استدل به، وكتب الفقه لا يجوز أن تُجعل كالكتاب والسنة في إلزام الناس بها، أو جعل ما فيها حجة مطلقا، وتُترك المراجعة لكتب السنة والحديث والنظر فيها وابتغاء العلم منها.
ولهذا لما قام إمام هذه الدعوة الشيخ محمد بدعوته، وكانت له فتاوى مخالفة لما عهده الناس من كلام علماء المذاهب رحمهم الله تعالى وأجزل لهم المثوبة، احتجوا عليه بكلامهم، فبيّن أنه قال ذلك لما دل عليه الدليل في مسائل معروفة كثيرة، قالوا: هو يبطل العمل بالمذاهب ويدعي بالاجتهاد.
حتى إنه تحمّس من تحمس فأعلن فإغلاق باب الاجتهاد مطلقا، وقال -والعياذ بالله- من قال: إن نصوص الكتاب والسنة ظواهر لا يحل لأحد أن يعمل بها الآن، وذلك لاشتراط شروط فيها، فشرطوا في الأخذ بالكتاب والسنة أن يكون عالما باللغات، أن يكون بالناسخ والمنسوخ، أن يكون عالما بأصول الفقه، أو يكون عالما بالكتاب؛ بآيات الأحكام من الكتاب، أن يكون عالما بكثير من السنة، أن يعلم الأحاديث المنسوخة؛ الأحكام المنسوخة، أن يعلم الأحاديث المخصوصة والآيات المخصوصة، وأن يعلم المقيد والمطلق، ونحو ذلك من الشروط التي قال الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله أنها إذا تُحقق الأمر فإنها لا تجتمع في أكثر الصحابة؛ لأنها شروط صعبة، فإذا توقف في العمل بالكتاب والسنة على هذه الشروط فإنه معنى ذلك أن لا يعمل أحد بالقرآن والسنة.
نعم تلك الشروط صحيحة لكن في مسائل الاجتهاد؛ يعني لا يجوز لأحد أن يجتهد، أن يجعل نفسه مجتهدا في المسائل إلا إذا توفرت فيه آلة الاجتهاد، وهي تلك الشروط التي ذكرت بعضها.
أما العمل -ليس الاجتهاد- أما العمل بنصوص الكتاب والسنة فهو كما أوضحتُ لك من أنه يعمل إذا سمع، إذا سمع ذلك، فإذا كان يعلم فتوى لعالم يثق بعلمه، وعارض قول العالم الحديث فإنه يراجع العالم فيه، يقول: رأيت حديث فيه كذا وكذا وأنت قلت كذا فما توجيهه ونحو ذلك، فإذا وجهه له كان على بينة من الأمر.
المقصود من هذا تفريق فيما يعمل به المرء في نفسه، وبما يفتي به غيره، أو يأمر به غيره، فلا يجوز لأحد أن يفتي هكذا بمجرد سماعه للحديث؛ لكن إذا عمل به فإنه قد أطاع الرسول - صلى الله عليه وسلم -، وهذا هو الواجب عليه، وهذا فيما إذا لم يتمكن من سؤال أهل العلم عن معنى السنة.
قول ابن عباس هنا (أقول: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وتقولون: قال أبو بكر وعمر؟!) هذا في مقام المعارضة، معارضة قول الرسول لقول أبي بكر وعمر، هذا لا يجوز ومحرم؛ بل أبو بكر وعمر رضي الله عنهما يؤخذ قولهما وهما أفضل الأمة وأفضل الخلفاء الراشدين في فهم الكتاب والسنة وفي الفتاوى التي نقلت عنهما وفيما بين فيه معاني الكتاب والسنة، ثم في مسائل الاجتهاد العام.
وهذا هو الذي ذكره الشارح لك -الشيخ عبد الرحمن رحمه الله- في أن مسائل الاجتهاد يقبل فيها قول العالم، ويعني بمسائل الاجتهاد المسائل التي اجتهد فيها العلماء فيما نزل من الحوادث، فيما استجد، إذا استجدت حادثة فتأخذ بكلام العالم؛ لأنه اجتهد في هذه النازلة.
أما إذا كانت المسألة موجودة في عهد النبي - صلى الله عليه وسلم - وفيها سنة، فإنه يعرض كلام العالم على السنة فإن كان -من طالب العلم الذي يحسن الفهم- فإن وافق قبله وإن لم يوافق السنة لم يقبله وهذا أصل عظيم في طاعة الله جل وعلا وطاعة رسوله - صلى الله عليه وسلم -.
وكما سبق أن ذكرت أن الكتب التي بين أيدينا إنما هي آلات لفهم دلالات الكتاب والسنة وأما الطاعة والاستجابة فإنما هي لله ورسوله - صلى الله عليه وسلم -، وما عدا ذلك من كلام أهل العلم فإنما هو بتقريب وفهم كلام الله جل وعلا وكلام رسوله - صلى الله عليه وسلم -.
فبهذا يتبين أن المسألة نخرج بها عن طرفي الغلو والجفاء:
أما الجفاء ففي قول جهلة مقلّدي الفقهاء الذين يقولون نأخذ بقول العالم وإن خالف السنة لأنه أدرى من أهل السنة، ولعل عنده معارض، لعل عنده مخصص، لعل عنده مقيد لم نطلع عليه، نقول نعم لعل عنده؛ ولكن الواجب علينا أن نأخذ ما بين أيدينا من كلام الله ومن كلام رسوله، وما ينفعنا من كلام النبي - صلى الله عليه وسلم - فإنه لن يحجب عن الأمة؛ بل الحق باق في الأمة،… لا يجوز أن يقال إنه تخلو الأمة من معرفة ما يحتاج إليه من كلام النبي - صلى الله عليه وسلم -.
بين الغلو والجفاء هؤلاء الجفاة من مثل ما وقفت عليه في بعض الكتب أنه قال: قال أبو حنيفة كذا، وفي صحيح مسلم عن فلان سمى الصحابي قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كذا ثم قال الله أعلم. وهذا من الجفاء الذي فيه أخذٌ لقول أهل العلم الذي السنة بخلافه، وترك السنة، ثم يقول الله أعلم أيهما الصواب، أو الله أعلم ما الحكم، فإن الواجب إذا قامت السنة أن نأخذ بها وقول العالم على احترامه وهو مأجور فيه بأجرين إن أصاب وبأجر واحد إن أخطأ؛ لأنه مجتهد ولكن المتابعة مع استبانة الدليل لا تجوز إلا فيما وافق الدليل.
أما أهل الغلو فالذين ذهبوا إلى أنه يعمل بنصوص الكتاب والسنة من الجهلة ويؤمر الناس بذلك ويلزمون وينكرون ويأخذون بذلك دون تفقه منهم، فلم يسلكوا طريقة أهل العلم التفقه والعلم والفهم في معاني الكتاب والسنة، ومعلوم أن نصوص الكتاب والسنة تفهم باللسان العربي، فإذا كان اللسان العربي قويما سليما كان للمرء أن يعمل بذلك ويأمر به، وهذا انتهى مع نهاية القرن الثالث الذي هو قرن تابع التابعين، لهذا ينص علماء اللغة على أنه لا يحتج في اللغة بأقوال من بعد سنة مائة وخمسين هجرية، ومن ذلك الشعراء يقولون آخر الشعراء الذي يحتج بقولهم إبراهيم بن [هيمة] وكانت وفاته قريبة من ذلك، لماذا لا يحتج فيما بعدهم؟ لأنه فشت المولدات وفشا الاختلاط بالأعاجم، واحتاج الناس بعد ذلك إلى ضبط اللغة بوضعها في نحوها وصرفها وفي مفرداتها، كذلك إلى وضع قوانين استنباط الأحكام من النصوص، وهو المسمى بعلم أصول الفقه، وأصلا علم أصول الفقه من اللغة يفهمه العربي لأنه خاص وعام ومطلق ومقيد، هذا كله من مباحث اللغة في الأصل، لهذا أهل الغلو راموا أن يعملوا بذلك ويأمروا الناس به وينهون عما فهموه دون نظر في هذا الأصل المهم.
فإذا تفقه المرء في الكتاب والسنة وعلم ما يحتاجه من اللغة فيما يفهم به المعاني والتراكيب، ونظر في فهم أهل العلم للمسائل والنصوص صار عنده ملكة، يمكنه بها أن يفهم النصوص على وجه الصواب، فأهل الغلو هم الذي طردوا هذا الباب، وجعلوا أن سماع الحديث فقط كافي، وهذا الأئمة ما أخذوا به الإمام أحمد اختلف أبي عبيد يقرأ عليه اللغة مدة، اختلف إلى فلان يقرأ الفقه مدة، وهكذا الشافعي اختلف إلى مالك قرأ عليه مدة وروى عنه من الأحاديث وأخذ عنه الفقه، وكان يحفظ من اللغة ديوان الهذليين، ويقول طلبت الأدب في عشرين سنة، وطلبت الفقه سبع سنين أو نحو ما قال، وبهذا صارت لهم آلات الاجتهاد التي بها يفهم معاني الكتاب والسنة ويمكنه أن يستنبط ويجتهد.
فإذن تفرق في هذا المقام بين عمل المرء في نفسه الذي أوضحت لك فيما سلف، وما بين أمره غيره، وهذا الناس فيه بين الغالي والجافي على هذا النحو.
أيضا من الغلاة من ترك كتب الفقه البتة، وقال هذه كتب ليس فيها أحاديث وليس فيها نفع؛ بل هي آراء الرجال وأقوال مطرحة، ولا يجوز الأخذ بها، هي الرأي المجرد.
هذا صحيح من جهة وباطل من جهة أخرى.
أما وجه صحته فإنه إذا اقتصر عليها، وترك طالب العلم النظر في النصوص وطلب الدليل في المسائل والاهتمام بذلك، إذا تركه في طلبه للعلم واقتصر على كلام الفقهاء، فإن ذاك قصور منه ولاشك مخالف لما عليه سنة أهل الحديث في العلم، وموافق لطريقة أهل الرأي، وباطل من جهة أخرى، ووجه بطلانه أنه بتركها يحصل عدم الفهم للنصوص، وعدم التصور للمسائل لأن كتب الفقه ميزتها أنها تصور لك المسائل تصور لك الوقائع، تفهم بها النصوص، فالذين يقرؤون في كتب الفقه ويحفظونها، حتى يحفظوا صورة المسائل، حتى يحفظوا صورة المسألة وقول عالم في هذه المسألة التي اتضحت له صورتها، ومعلوم أن المسائل منها ما عليه الدليل من الكتاب والسنة، ومنها ما دليله قول الصحابي، ومنها ما دليله الإجماع، ومنها ما دليله القياس، ومنها ما دليله اجتهاد الإمام الذي في المذهب، فليست مسائل الفقه كلها راجعة من جهة الدليل إلى الكتاب والسنة؛ بل فيها مسائل أدلتها في غير ذلك.
المقصود أن فائدة كتب الفقه هي إحداث التصور، فمن ترك ذلك صار عليه من النقص بقدر ما فاته من ذلك، لهذا كل أهل العلم الذين نعلمهم ونعرفهم ونحسبهم -والله حسيبهم ولا نزكي على الله أحدا- أنهم من أهل الاتباع التام للنصوص كل هؤلاء درسوا الفقه على مذهب من المذاهب، وفائدة هذه الدراسة أنها تحدث لك ملكة في التصور والفهم ومعرفة قول الإمام بدليله أو قول المصنف بدليله أو قوله بتعليله أو بإلحاقه بقاعدة ونحو ذلك، حتى إذا احتجت إلى عمل في مسألة لم تستحضر فيها سنة، فأنْ تعمل فيها بقول عالم أولى من أن تجتهد فيها رأيك ولست من أهل الاجتهاد، لهذا نحتاج كثيرا في مسائل تقع ما نتذكر فيها دليل؛ ولكن نذكر فيها قول لعالم من أهل العلم سواء في الحاجة لا تجتهد رأيك ولست من أهل الاجتهاد في النصوص، وإنما أن تعمل بقول عالم هذا يخلصك من التبعة.
فإذن المقام الناس فيه بين مفرِّطين ومفرِطين بين جفاة وغلاة، وعجبا أن تجد هذا في أهل التوحيد الذين في كتابهم هذا الباب العظيم فالناس فيه ما بين غال وجاف والله المستعان.
فيه عبارة أخيرة التي هي آخر كلمة في مسائل الاجتهاد.
(3) القياس اللغوي مِصحف، كمِنبر، والمشهور المُصحف تفريقا فيه بين كتاب الله جل وعلا وما بين غيره من الصحف التي تجمع، فإذا جمعت صحف تسميه العرب مِصحفا، الصحف المجموعة تسميها مِصحفا هذا هو القياس، والقرآن سمي مُصحفا وعلى القياس مِصحفا؛ لأنه مجموع في صحف، فهي مُصحف ومِصحف، قال بعضهم وأيضا مَصحف لكن هذه ضعيفة.