لن نختلف في الطابع القمعي للنظام السوري كغيره من الأنظمة العربية الأخرى، فهذا واقع لا ينكره سوى جاحد أو جاهل ... و لكنني أردت من خلال الموضوع أن أثير مسألة العشوائية التي صارت تطبع تفكيرنا و حجم الخطر الذي نعانيه كأمة بسبب أمر قد يبدو بسيطا و لكنه على درجة كبيرة من الحساسية .. و أقصد حرب المصطلحات ... و لا يخفى على أحد منكم أن طريقة تداول المصطلحات و إستعمالها هي من يحدد في نهاية المطاف المواقف و يشكل الوعي .... و حرب المصطلحات هذه لن تتوقف عند هذا الحد ... بل ستطال حتى أقدس مقدساتنا ... و ستؤدي إلى تغيير كامل نظامنا الروحي المعنوي في غضون أقل من 20 سنة مقبلة.
فلا يجب تبرير إساءة إستخدام المصطلحات ...
لنقل أن هؤلاء الصحفيين قد إستقالوا إحتجاجا عن قمع النظام السوري ....و هو تعبير لا يغير من حقيقة الموقف السياسي لهذه الإستقالة .... و لا ينقص من قيمة الموقف بصرف النظر عن تقييمنا له .....
و إذا بقينا مصرين على إساءة إستخدام المصطلح فسيأتي يوم تصبح فيه كل إستقالة إنشقاقا بالمعنى الذي يراد الترويج له من طرف الدوائر التي تعمل على نشر هذا المصطلح في مجتمعاتنا .. و هو امر لن يقتصر على ليبيا أو سوريا .. بل سيطال دولا اخرى كثيرة ما تزال على قائمة الإنتظار في المشرق و المغرب.
كما أن المغالطات غير مقبولة أخلاقيا مهما كانت الغاية منها مقبولة و مشروعة ... فكيف ينشق عن الدولة من لا تربطه بها أي رابطة .. كان من المفترض أن لا نستعمل أمرا قد يعود علينا بنتائج عكسية و بدل أن نحقق مكسبا محددا فإننا نخسر كثيرا من المصداقية التي هي أساس " العمل الثوري " ... فندفع الناس إلى الشك فينا حتى حين نقول الحقية ... و هذا مع الأسف ما حدث لنا في الأزمة السورية ... فنظرا لحجم التلفيق و التزوير و المغالطات ضاعت الحقيقة و صار كل شيء مشكوكا فيه حتى الحقائق الصارخة ...
ربما أكون أنا من أكثر الناس صدقا في تأييد مطالب الشعب السوري ... لأنني ببساطة أدعو إلى عدم الإتيان بأي سلوك يؤثر على مصداقيتها في نظر الناس ... فالناس ليسوا قطيعا يسهل خداعه و جره ..للناس عقول تأبى الكذب و التلفيق ... و هذا الكذب و التلفيق هو أكبر خدمة يقدمها البعض للنظام لأنهم يصنعون له من الأوراق ما لم يكن يحلم به يوما معتمدا على وسائله الذاتية الخاصة.
يعتقد البعض أن الإنتصار في الحروب متوقف على ما يملكه هذا الطرف من قدرة و قوة ... و الصحيح في الواقع أن كثيرا من عوامل الإنتصار تجد تفسيرها في الأخطاء التي يرتكبها الطرف الآخر ...