منتديات الجلفة لكل الجزائريين و العرب - عرض مشاركة واحدة - **الغربان السود**
عرض مشاركة واحدة
قديم 2013-01-03, 13:41   رقم المشاركة : 17
معلومات العضو
طارق النور
مشرف سابق
 
الصورة الرمزية طارق النور
 

 

 
الأوسمة
وسام أحسن قصيدة شعرية وسام التميز 
إحصائية العضو










افتراضي

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة صرخة صمت مشاهدة المشاركة



...ثبتت عينيها عند قمة الجبل المحفوف بأشجار الصنوبر...و بدأت بالحديث :-...أتذكر ذلك اليوم جيدا...غيوم سوداء غشت ذلك


الجو الربيعي الذي أعلن حداده فجأة...ظلمة حالكة...صمت رهيب عكرته قطرات المطر...اشتدت الطبيعة غضبا...رياح تعوي كذئاب


جائعة...نباح كلاب...و سماء تبكي دموع الأم الثكلى...







...كنت وولداي حينها نتقاسم ألم البرد و نقاومه بدف اللمة العائلية...في غرفة صغيرة...أنهكتها الشتاء القاسية التي اخترقت جدرانها،


وهددت بقاءها صامدة...






...طرقات متكررة...بقوة في الباب الخارجي...قفزت قلوبنا...ارتعشت أجسادنا...هي الطرقات نفسها تعلن اقتراب الخطر...أمام


الباب...كان واقفا...رجل تتوالى الشهقات في قطع كلماته المبعثرة..." أسرعوا...اهربوا للمنزل الجبلي...الغربان السود في طريقهم


للبيوت المتبقية.."






...ترتجف يديها و هي لا تزال تحدق بقمة الجبل ، تكمل الحديث :-...اسبقاني هناك ...سألحق بكما...- هذا ما قالته لولديها...






...ترفع ابهامها الى مجال رؤيتها مرددة : -...بين هضابه...يوجد بقايا منزل...جدران عارية، ارتدت أشجار الصنوبر لتحمي أرواحنا


المهددة الهاربة...






...كنت أطرق أبواب الجيران...أدق ناقوس الخطر...صرخات الرعب...الخوف...بكاء أطفال...نحيب نساء...






...هجرنا القرية، متجهين لشبه بيت...دموعنا المالحة أنستنا قطرات المطر المتساقطة...ركضنا ساعدنا لسحق ذلك البرد



القارس...أشعلت نيران ملتهبة داخل أجسادنا....كنا نسير دون وعي...دماء كانت تنزف من أرجل بعضنا ...بسبب






– السدرة- ...الأحجار الضخمة...خدوشات...لدغات...و ظلمة لا تنيرها سوى مصابيحنا اليدوية...






...تنهدت بعمق و أكملت :-...وصلنا أخيرا...ولج الكل الى ركام بيت...كنا نخدع أنفسنا بأمان مهدد بالاغتيال...بحماية قد تزول في أي


لحظة و نزول و اياها من الوجود...






...أسئلة تنفجر صارخة....كاسرة ذلك الصمت ...لما العذاب...لما الألم؟؟...و أجوبة تائهة تكتفي بترديد صدى تلك الأسئلة، مضيفة لها


علامات الاستفهام.






...مرت دقائق بعمر السنين...و لم يصل ولداي بعد...






...ضغطت بيدها اليمنى على اليسرى و راحت تفركهما بقوة...






: -...اعتقدت أنهما سلكا الطريق الصعبة و لا يزالان يقاومان أشواكها...-...قلق ...اضطراب...خوف و تساؤلات تحتجز ريقي و تمنعه


من المرور...لماذا لم يصلا؟؟...ما الذي عطلهم؟؟...

يتبع

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة صرخة صمت مشاهدة المشاركة

...دموع لم تجف بعد...بكاء رضع أهلكهم الجوع...و أثداء جفت الا من قطرات البؤس و

الشقاء...برد اخترق الأجسام...تسلل في العروق...فاصفرت الوجوه...احمرت الأنوف...ازرقت

الشفاه...الأيادي والأرجل...و عبرات جامدة في المآقي...ايقاع موسيقي كان وليد تصادم أسنان

ترتجف...شهقات ترتطم بجدار الخوف المكبوت...و أنا رهينة الانتظار...أغرق في

التفكير...تتضارب الأمواج داخلي...لحظة أستسلم لموجة تحمل جثتهما أمامي...و لحظة تنقذني موجة

أخرى الى شاطئ الأمل بأني سأراهم بعد قليل...

...لكن مرت ساعة...ساعتين...و أنا أواسي نفسي بأنهم ربما اختبئا مع الآخرين بضريح سيدي –بن

ميرة- أو بمحل جارنا –مولود-...


...انجلى الليل...- ولا نزال أحياء-...نجونا مرة أخرى من سكاكين الموت...لملمنا شظايانا و عدنا

لبيوتنا...وصلت للبيت...كان مفتوحا على مصراعيه ..."قد مروا من هنا"...جلست أنتظر

عودتهما...لكن لم أتمكن من الانتظار أكثر....حملت جسدي المنهك و اتجهت مسرعة الى محل

مولود...كان صراخ النسوة مدويا...حشد أمام المحل...نحيب...صراخ...أجل...هي مجزرة...حطموا

المحل و...أجل..."ذبحو...هم..."...انتفضت من مكانها و الحروف تتصادم في فاهها...أمسكت مرفقي

و الدموع تسيل من عينيها... : -....دماء...دماء سقت التربة...كانوا مرميين على الأرض...وجوههم

شاحبة ...و دماء جامدةعلى أعناقهم....ملابسهم...كان هناك معهم...فلذة كبدي...دماء لطخت

براءته...أجل قتلوه...ذبحوه...ذبحوا وحيدي...،...بحثت عنها بينهم لكن لم أجدها...كانت تصرخ و

تردد :...أخذوها معهم...خطفوا ابنتي...حطموا حلمي برؤيتها في زيها الأبيض...غادرني زوجي ثم

ابني و ابنتي...قتلوهم...لا ..أنا من قتلتهم...أنا من تركتهم خلفي...راحت تردد . :..دماء

أبنائي...جيراني...و قريتي الملطخة باللون الأحمر...بيوتها...محلاتها...أحجارها و أشجارها التي

سقيت بدمائهم...


...بهدوء راحت تكرر :-...أنا قتلتهم...وحدي سلمتهم للموت...-


...انتفضت من أمامي...وقفت و ارتدى وجهها فجأة رداء الحداد...و كأنها عايشت اللحظة هاته

المأساة...صرخت في...أيقظتني فجأة من كابوس.

...كانت تبتعد عني...تنظر يمينا و شمالا...تشير بإبهامها الى الجبل...تمسك المارين أمامها و هي

تقول : -...اهربوا....انهم قادمون...اذهبوا للمنزل الجبلي...أسرعوا الغربان السود في طريقهم الى

هنا...-...كلهم كانوا يرددون : " اللهم ثبت علينا العقل "...رغم أنها كانت أعقل منهم بكثير...كانت

وحدها تدرك الحياة و آلامها...




من المجموعة القصصية : *قلوب منكسرة*


لصرخة صمت

تبارك ربي...
..
ولمّا تأكدت مما خاطرني لدى قراءة ما افتتحت به هذه الرائعة.. أثني عليك بقوة على توفيقك التام في انتقاء الموضوع...
..
وأهنئك على تمكنك البارز في تشييد بنائها وإعطائها حقها.. سردا وحبكا ووصفا.. وتشويقا...
..
..
.... ثم؛ يا صرخة الجمال؛ دومي بهذه الروعة.. وصبي بكاسات فضولنا صفحات تفيض إبداعا وتألقا..
..
..
... سلام









رد مع اقتباس