...دموع لم تجف بعد...بكاء رضع أهلكهم الجوع...و أثداء جفت الا من قطرات البؤس و
الشقاء...برد اخترق الأجسام...تسلل في العروق...فاصفرت الوجوه...احمرت الأنوف...ازرقت
الشفاه...الأيادي والأرجل...و عبرات جامدة في المآقي...ايقاع موسيقي كان وليد تصادم أسنان
ترتجف...شهقات ترتطم بجدار الخوف المكبوت...و أنا رهينة الانتظار...أغرق في
التفكير...تتضارب الأمواج داخلي...لحظة أستسلم لموجة تحمل جثتهما أمامي...و لحظة تنقذني موجة
أخرى الى شاطئ الأمل بأني سأراهم بعد قليل...
...لكن مرت ساعة...ساعتين...و أنا أواسي نفسي بأنهم ربما اختبئا مع الآخرين بضريح سيدي –بن
ميرة- أو بمحل جارنا –مولود-...
...انجلى الليل...- ولا نزال أحياء-...نجونا مرة أخرى من سكاكين الموت...لملمنا شظايانا و عدنا
لبيوتنا...وصلت للبيت...كان مفتوحا على مصراعيه ..."قد مروا من هنا"...جلست أنتظر
عودتهما...لكن لم أتمكن من الانتظار أكثر....حملت جسدي المنهك و اتجهت مسرعة الى محل
مولود...كان صراخ النسوة مدويا...حشد أمام المحل...نحيب...صراخ...أجل...هي مجزرة...حطموا
المحل و...أجل..."ذبحو...هم..."...انتفضت من مكانها و الحروف تتصادم في فاهها...أمسكت مرفقي
و الدموع تسيل من عينيها... : -....دماء...دماء سقت التربة...كانوا مرميين على الأرض...وجوههم
شاحبة ...و دماء جامدةعلى أعناقهم....ملابسهم...كان هناك معهم...فلذة كبدي...دماء لطخت
براءته...أجل قتلوه...ذبحوه...ذبحوا وحيدي...،...بحثت عنها بينهم لكن لم أجدها...كانت تصرخ و
تردد :...أخذوها معهم...خطفوا ابنتي...حطموا حلمي برؤيتها في زيها الأبيض...غادرني زوجي ثم
ابني و ابنتي...قتلوهم...لا ..أنا من قتلتهم...أنا من تركتهم خلفي...راحت تردد . :..دماء
أبنائي...جيراني...و قريتي الملطخة باللون الأحمر...بيوتها...محلاتها...أحجارها و أشجارها التي
سقيت بدمائهم...
...انتفضت من أمامي...وقفت و ارتدى وجهها فجأة رداء الحداد...و كأنها عايشت اللحظة هاته
المأساة...صرخت في...أيقظتني فجأة من كابوس.
...كانت تبتعد عني...تنظر يمينا و شمالا...تشير بإبهامها الى الجبل...تمسك المارين أمامها و هي
تقول : -...اهربوا....انهم قادمون...اذهبوا للمنزل الجبلي...أسرعوا الغربان السود في طريقهم الى
هنا...-...كلهم كانوا يرددون : " اللهم ثبت علينا العقل "...رغم أنها كانت أعقل منهم بكثير...كانت
وحدها تدرك الحياة و آلامها...