كل ما يخطر بنفس العباد من التعظيم فالله أكبر منه
88-
وكذلك قوله: "الله أكبر"؛ فإنه تعالى كل ما يخطر بنفس العباد من التعظيم فهو أكبر منه، الملائكة والجن والإنس، فإنه أي شيء قدر في الأنفس من التعظيم كان دون الذي هو متصف به.
89-
كما أنه سبحانه فوق ما يثني عليه العباد، كما قال أعلم الناس به: "لا أحصي ثناء عليك أنت كما أثنيت على نفسك"(1).
90-
فكلما قال العبد "الله أكبر" تحقق قلبه بأن يكون الله في قلبه أكبر من كل شيء؛ فلا يبقى لمخلوق على القلب ربانية تساوي ربانية الرب فضلا عن أن تكون مثلها.
المحبة المأمور بها والمنهي عنها
91-
وهذا داخل في التوحيد لا إله إلا الله، فلا يكون في قلبه لمخلوق شيء من التأله؛ لا قليل ولا كثير، بل التأله كله لله ولكن للمخلوق عنده نوع من القدر والمنزلة والمحبة، وليست كقدر الخالق، والمحبة المأمور بها هي الحب لله كحب الأنبياء والصالحين، فهو يحبهم؛ لأن الله أمر بحبهم، فهذا هو الحب لله، فأما من أحبهم مع الله فهذا مشرك.
92-
كما قال تعالى: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَنْدَاداً يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ} (البقرة: من الآية165).
الحب في الله إيمان والحب مع الله شرك
93-
فالحب في الله إيمان، والحب مع الله شرك.
94-
وكذلك إذا قال: "سبحان الله والحمد لله" فقد نزه الرب فنزه قلبه أن يصف الرب بما لا ينبغي له، فكلما سبح الرب تنزهت نفسه عن أن يصف الرب بشيء من السوء.
95-
كما قال سبحانه: {سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ} (الصافات:180).
96-
وقال: {سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يَقُولُونَ عُلُوّاً كَبِيراً} (الإسراء:43).
97
-فهو سبحانه سبح نفسه عما يصفه المفترون والمشركون.
تسبيح الرب فيه تزكية للنفس
98-
فإذا سبح الرب كان قد زكى نفسه، وقد سمى الله الأعمال الصالحة زكاة وتزكية في مثل قوله: {وَوَيْلٌ لِلْمُشْرِكِينَ * الَّذِينَ لا يُؤْتُونَ الزَّكَاةَ} (فصلت:6، 7).
99-
قال ابن أبي طلحة عن ابن عباس: {وَيُزَكِّيهِمْ} (البقرة: من الآية129). قال: يعني بالزكاة طاعة الله والإخلاص(1).
فجمع بين التزكية من الكفر والذنوب.
100- وقال مقاتل بن حيان: {وَيُزَكِّيكُمْ} (البقرة: من الآية151): "يطهركم من الذنوب"(2)، هكذا قال في آية البقرة.
101-
وقال في آية الصف: "يطهرهم من الذنوب والكفر"(3).
102-
وقال ابن جريج: "يطهرهم من الشرك ويخلصهم منه"(4).
103-
وقال السدي: "يأخذ زكاة أموالهم"(5).
104- ففسروا الآية بما يعم زكاة الأعمال وغيرها من الأعمال، فقال: بالإخلاص والطاعة؛ وتزكيتهم من الذنوب والكفر أعظم مقصود الآية والمشركون نجس، والصدقة من تمام التطهر والزكاة، كما قال تعالى: {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا} (التوبة: من الآية103).
__________
(1) جزء من حديث رواه مسلم (486) (22) من حديث عائشة رضي الله عنها.
(2) "تفسير الطبري" (1/558)، و"تفسير القرطبي"(2/17)، و"فتح القدير" (4/35). وطريق علي بن طلحة عن ابن عباس مرسلة لأنه لم يلق ابن عباس بل أرسل عنه التفسير، فقيل سمعه من مجاهد، وقيل من غيره، على أن علي بن طلحة قال فيه أحمد: له أشياء منكرات، قاله العلائي في "جزء الباقيات الصالحات" ص (42،41).
(3) "تفسير الطبري" (1/558) و"تفسير القرطبي" (2/131).
(4) "تفسير القرطبي" (18/92).
(5) "تفسير القرطبي" (18/92).