كم منّا من عكفتْ على تناولِ المأكولاتِ الغنيّة بـ (البروتينات) و (الفيتامينات) من فاكهةٍ ولحومٍ وخُضرواتٍ طازجة ؛ بل وقد تستعملُ إحدانا بعضَ الدِّهانات والأعشاب ؛ لتحظى بصحّةٍ في جسمِها ، ونقاءٍ في بشرتِها!؟ نعم . ستلحظُ مثلُ هذه تحسُّناً في صحّتِها ، وبهاءاً في بشرتِها! لكنّها وربّي ، قد تمرُّ بها أوقات ؛ تجدُ في جِسمِها من التّعبِ والضّعف ، وفي بشرتِها من الشُّحوب ، ما يجعلُ النّاظرَ لا يظنُّ -بحرصِها على نفسها- خيراً! فتعالَي: نتأمّلْ حديثاً لرسول الله-صلّى اللهُ عليهِ وسلّم ، قد لا نكونَ تأمّلناهُ ووفقنا عليه وقوفنَا هذا! هذا الحديث يرويه عبدُ الله بن مسعود -رضي الله عنه- عن رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم ، يقول : " نَضَّرَ اللَّهُ امْرَءًا ... سَمِعَ مَقَالَتِي ... فَوَعَاهَا ... فَأَدَّاهَا كَمَا سَمِعَهَا ، فَرُبَّ مُبَلَّغٍ أَوْعَى مِنْ سَامِعٍ ، وَرُبَّ حَامِلِ فِقْهٍ إِلَى مَنْ هُوَ أَفْقَهُ مِنْهُ ، وَرُبَّ حَامِلِ فِقْهٍ لَيْسَ بِفَقِيهٍ " . قد رأى بعضُ العلماء المصطفى -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- في النّوم فقال له: أنت قلتَ نضر الله امرءا إلخ؟ قال: نعم ، ووجهه يتهلّلُ أنا قلته وكرّرَهُ ثلاثا . قالوا: ولذلك لا يزال في وجوه المُحدِّثينَ نضارةً ببركةِ دعائه " . فيض القدير ، ج6 ، ص 283 . قوله: « نضَّر الله امرءًا » ، أي: نعَّمَه . والنّضارة في الأصل: حُسنُ الوجهِ والبريق. وإنّما أرادَ حُسنَ خَلقه وقَدره. قاله في النهاية. قال بعضهم: إني لأرى في وجوه أهل الحديث نُضرة. أشار به إلى إجابةِ دعوة -رسول الله- لهم. ( والنّضارة في الأصل حُسنُ الوجه وبريقة ، كما جاء في قوله تعالى {وجوه يومئذ ناضرة إلى ربها ناظرة} أي: حسَّنةٌ بهيةٌ مشرقةٌ مسرورة ، وقال الشّيخ محمّد مُختار الشّنقيطي-حفظه الله في معنى نضّر الله: قال "أي: بيَّضَ الله وجهَه". وقال بعضُ العُلماء : إنّه يُحشر يومَ القيامة أبيضَ الوجهِ مُشرق ، مستنيرًا بهذا العِلم . وقال البعض: إن الله يُنَضِّرُ لأهلِ الحديث وجوهَهُم في الدُّنيا و الآخرة . وتقديره عند بعض العُلماء: جمّلهُ الله وزيّنه ، وأحسن من فسّرها هو القرآن {وجوه يومئذ ناضرة إلى ربها ناظرة} أي: كما تقدّم: مُشرقة حسنةٌ بهيّةٌ ناعمة ، وهذا التّفسير يوافقُ قولَ من قالَ من العُلماء: ( جمَّلهُ الله وزيَّنَه ) . كتابُ العملِ الصّالح ، للشّيخ سامي محمّد ، ج1 ، ص664 . قال بعضُ الشُرّاح في هذا الحديث : وفيه: فضيلة للضابط الحافظ ألفاظ السنَّة . كَانَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ-رضي الله عنه وأرضاه- يَمْكُثُ ( السَّنَةَ) لَا يَقُولُ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : فَإِذَا قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، أَخَذَتْهُ الرَّعْدَةُ ، وَيَقُولُ : " أَوْ هَكَذَا ، أَوْ نَحْوُهُ ، أَوْ شَبَهُهُ! " !! وقالَ أحدُ الشُرَّاح في هذا الحديث / المتواري على تراجم أبواب البخاري ، ج1 ، ص34: " فوظيفة الْحَامِل الْجَاهِل فِي هَذِه الْأَمَانَة أَن يُؤَدِّيهَا إِلَى أَهلهَا بِالْوَفَاءِ وَالتَّسْلِيم، ووظيفة الْحَامِل الحاذق أَيْضا أَن يُؤَدِّيهَا إِلَى من عساه أحذق مِنْهُ فِي الْفَهم والتَّفهيم " . وفي هذا الحديث بيانُ فضلِ من اشتغلَ بسُنّة الرَّسولِ- صلى الله عليه وسلم ؛ حيثُ دعا له الرسولُ -صلّى الله عليه وسلّمَ- بهذه الدَّعوةِ العظيمة . يقول ابن القيم- رحمه الله تعالى- عن هذا الحديث: «ولو لم يكن في فضل العِلم إلا هذا وحده لكفى به شرفا ، لأنَّ من قامَ بتبليغ حديثِ رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- وبثِّه في الأُمَّة ؛ دخل تحتَ هذه الدَّعوة النبويّة المُتضمِّنة لجمالِ الظّاهر و الباطن ، فإن النُّضرة هي البهجةُ والحُسْنُ الذي يُكساهُ الوجهُ من آثار الإيمان وابتهاج الباطن به ، وفرح القلب وسروره ، حيث تظهر هذه البهجة ، وذلك السُّرور ، وتلك الفرحة نضارة على الوجه ، ولهذا جمع الله سبحانه بين السرور والنضرة ، في قوله تعالى: فَوَقاهُمُ اللَّهُ شَرَّ ذلِكَ الْيَوْمِ وَلَقَّاهُمْ نَضْرَةً وَسُرُوراً . فالنّضرة في وجوههم ، والسُّرور في قلوبهم ، من حيث إن النَّعيم وطيب القلب (كلاهما) يُظهر نضارةً في الوجه ، كما قال تعالى: إِنَّ الْأَبْرارَ لَفِي نَعِيمٍ* عَلَى الْأَرائِكِ يَنْظُرُونَ* تَعْرِفُ فِي وُجُوهِهِمْ نَضْرَةَ النَّعِيمِ . والمقصود أن هذه النَّضرة في وجه من سمع سُنَّة رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- هي أثرُ تلك الحلاوة ، وهذه البهجة ، وذلك السُّرور الذي في قلبه وباطنه" . مفتاح دار السعادة لابن القيم، ص 275 . قلتُ بعدَ هاتِه البُشريات التي تنشرحُ لهُ القلوب ، وتبتهجُ لهُ النّفوسُ: أيْ أخيّة - إن كنتَ تريدينَ حلاوةً وطلاوةً ونضارةً في وجهِك ؛ فأحسني فَهمَ حديثِ رسولِ الله -صلَّى اللهُ عليه وسلّم - وكوني دقيقةً في حِفظهِ وضَبطِه ، وفي تبليغ هذا العِلم للنّاس ؛ فإنَّك إن فعلتِ ؛ نلتِ سناءاً وبهاءاً ونُضرةً ونعيماً في الدُّنيا والآخرة .. ( أنعِم وأكرِم بها من حظْوة )! أسألُ اللهَ أن يرزقنيها وأخيّاتي طالباتِ العِلم المُباركات ..
قلتُ بعدَ هاتِه البُشريات التي تنشرحُ لهُ القلوب ، وتبتهجُ لهُ النّفوسُ: أيْ أخيّة - إن كنتَ تريدينَ حلاوةً وطلاوةً ونضارةً في وجهِك ؛ فأحسني فَهمَ حديثِ رسولِ الله -صلَّى اللهُ عليه وسلّم - وكوني دقيقةً في حِفظهِ وضَبطِه ، وفي تبليغ هذا العِلم للنّاس ؛ فإنَّك إن فعلتِ ؛ نلتِ سناءاً وبهاءاً ونُضرةً ونعيماً في الدُّنيا والآخرة .. ( أنعِم وأكرِم بها من حظْوة )! أسألُ اللهَ أن يرزقنيها وأخيّاتي طالباتِ العِلم المُباركات ..