صقور قريش السورية في حرب النجوم.. وعتاب قاس على زحل!!
جهينة نيوز- بقلم نارام سرجون:
منذ عامين وخبراء التحاليل السياسية يطلون علينا من كل النوافذ ويحلون ضيوفا ثقلاء علينا رغما عنا ليحددوا لنا مواجع النظام السوري وموالاته وأن وضعهما يشبه ركاب طائرة وطاقمها وهم يواجهون توقف محركات طائرتهم في الجو وهي تطير طيرانا شراعيا فإما أن تتحطم أو أن تحط اضطراريا في أحد المطارات الإسلامية ليقودها ذوو اللحى.. ويؤكد المعارضون بثقة اليقين أنه لا تبدو النجاة من مصائر تونس وليبيا ومصر واليمن إلا حلما مستحيلا وبأن علينا أن نختار إحدى طرق السقوط على النموذج الليبي أو اليمني أو يمكننا أن نختار طريقة خاصة بنا لا يشبهها شيء..
وقد كانت الأيام الأخيرة من عام 2012 في حياة الأزمة السورية تشبه صفحة "الحظ والنجوم" في المجلات والجرائد والتي فيها عبارات التطمين على المستقبل وبعض التحذيرات الملتبسة والبشائر لكلا الطرفين حيث تقول الأبراج لقرائها كلاما غامضا عن حب ينتظر ومال يسقط من السماء وعن عدو يتربص بك ويندم.. ولكن أظرف قراءات للنجوم والأفلاك هي تلك التي انخرط فيها السياسيون المشتغلون على تدمير الدولة الوطنية السورية وخلطوا "عبقريتهم" السياسية بنكهات رواسب القهوة وحب الهيل ونثروا عليها بعضا من غبار الأقمار والكواكب فأسقطوا النظام السوري في شباك عنكبوت العام 2012.. وأخذونا إلى نوافذ اليقين المطلة على الزمن لنرى زحلا يمر مع عطارد كثورين هائجين من ثيران الجحيم ويهرسان النظام السوري..
حتى عطارد والزهرة صارا ثائرين وعضوين من أعضاء المجالس الثورية والائتلافات.. وقرر زحل أن يرمي بالحلقات الشهيرة المحيطة به كالأساور ويرتدي علم الثورة السورية ويجلس إلى جانب القس جورج صبرة والنبي رياض الشقفة فيما أعلن المريخ والمشتري وعطارد انشقاقهم عن المجموعة الشمسية للالتحاق بالثورة.. وأمسك تيار المستقبل بمدارات الأفلاك وخطوطها المنحنية والمقوسة ولعب بالكواكب كما يلعب بكرة السلة.. ورمى برأس النظام السوري في سلة عام 2012..
وتدافع المنجمون وشربت الكواكب جميعا من فناجين القهوة وأمسك الجميع بيد النظام لقراءة بخته حتى أن عطارد مد يده لقراء الحظ ليقرؤوا له حظه لشدة ما أظهروه من يقين في علوم الغيب.. وكل يريد أن يسبق إلى نيل شرف إعلان سقوط النظام السوري الذي صار مثل نيزك بارد انتهت رحلته..
سهرة رأس السنة الماضية لا تنسى حيث النبوءات شربت من ماء اليقين وتنشفت من انعكاس وهج ضوء الشمس على وجه زحل ووجه المشتري وخاصة في حديث الثورة الذي قدمه لنا عضو الكنيست الإسرائيلي عزمي بشارة (سفير إسرائيل في الدوحة) الذي استهل حرب النجوم علينا.. وكان عبارة عن بيان وخطة عمل لما بعد الأسد بعد أن قام عزمي بتفتيش العام الجديد تفتيشا دقيقا كما رجال المباحث الجنائية.. وأفرغ لنا جيوب العام 2012 من الأسرار والمفاتيح ووضعها لنا على الطاولة قبل أن ينثر محتويات حقائبه على الأرض وثيابه الداخلية.. وكاد عزمي بشارة (المكلف بمهمة تجسس على عقولنا وزرع الألغام فيها) أن يمسك بشاربيه الكبيرين ويقول: سأحلق شاربي إن لم يسقط النظام عام 2012.. لكنه لم يفعل وتمالك نفسه في آخر لحظة لأن شاربيه عزيزان على قلبه كثيرا كما يبدو.. وأعتقد أن الرجل هذا العام سيكون أكثر تعقلا-إن عاود قراءة فناجين القهوة وممارسة فن التبصير والتنجيم- ولن يقترب من شاربيه الكبيرين العزيزين على قلبه اللذين كاد يفقدهما في لحظة حماس واندفاع في حرب النجوم والكواكب..
وأتوقع سهرة ممتعة في ليلة رأس السنة هذا العام.. لن تقل عن متعة العام الماضي وحكايا النيازك والشهب.. ولا أدري ماذا سيقول فيها ضباط حرب النجوم التائقون لإلقاء الفراش في شباك العنكبوت.. لكنني سأبحث في وجوه المنجمين وقراء (سوء الطالع) وأحضر نفسي لأسمع الحكيم سمير جعجع وهو يعاتب زحلا بعنف ويجلد ظهر عطارد على خذلانه ويلوم الزهرة ويوبخها بعد أن حلف بدماء من قتلهم على الحواجز وبدم رشيد كرامي وكل عمليات الاغتيال أنه سيحلق شاربيه أن لم يسقط النظام السوري عام 2012.. وأنه من الممكن أن يعود الشعر إلى رأسه العاري (إثر عملية انشقاق واسعة) وأن يمتلك غرة وشعرا مسبسبا لكن من غير الممكن أن ينتهي عام 2012 دون أن يكون هناك حاكم جديد لقصر الشعب.. ودون أن تسقط غرة دمشق كما سقطت غرته..
صحيح أنني لا أقرأ الطالع ولم أحاول أن أنظر في خطوط الكف لأي أحد لكنني عندما كنت أستمع لما يقال من ترهات كنت أعرف أن تلك الموجات من المنجمين ستجعل السوريين يسألون السوريين عن معنى القلق والمعارضين يسألون المعارضين كل الأسئلة عن معنى الوهم.. وعندما ترى الناس يقفون على النجوم أو يسافرون إليها في مركبات الجزيرة ورواد فضائها ومركبات المستقبل والعربية فعليك أن تبقى على الأرض... فأمام النبوءة يصمت العقلاء وتشيح السيوف ببصرها إلى البعيد في شرود واحتقار.. فالنبوءات لها عقول المجانين أو حلوم الأطفال ولها طعم ورق الجرائد الصفراء..
لاتقرؤوا الطالع ولا النازل ولا تصعدوا مراكب الفضاء وتسافروا في رحلات الوهم بل تعالوا نتجول على الأرض ونعرف لماذا لم يسقط النظام السوري ولم تحرف دعوات المؤمنين وسجودهم الطويل الذي عفّر الجباه وجعل ركبهم كركبة البعير لم تحرف كوكبا واحدا عن مساره.. ولماذا يصر زحل وأورانوس والزهرة على القفز فوق قامة الرئيس الأسد العالية.. وقامات الشعب السوري رغم جيوش الإيمان.. وانحناء ظهور المؤمنين الراكعين.. وسجودهم الطويل في القاهرة.. وطول دعائهم على جبل عرفات..
أنا شخصيا مذهول من حجم الرفض لهذه الثورة والصمود الذي يبديه السوريون على مختلف انتماءاتهم لأي احتمال للتخلي عن العناد الوطني المدهش.. تحدثت مع أناس فقراء وأناس لا يعرفون إلا الشقاء في البحث عن لقمة العيش.. وزرت بيوتا بائسة لجنود سوريين استشهدوا.. بيوت باردة في هذا الشتاء ومن غير كهرباء.. ليس فيها إلا بعض الأثاث البائس والحصر والوسائد المتهالكة وكراسي القش.. ولكن من يسكنها يجعلها كناطحات السحاب في ارتفاعها.. وكجزر أوناسيس في اتساعها.. وترى الكرامة لأول مرة بشحمها ولحمها تجلس معك على كرسي أو تتكئ على الأرائك بل وتعمل بنفسها في إعداد كأس الشاي أو المتّة أو فنجان القهوة السورية حيث لا تقدم فناجين القهوة "العربية" وحيث لا يوقد الغازولين النار ولا المصابيح إنما جمر المجامر.. قبل أن تسمع عبارة ينكمش لها جسمك: يجب أن نصبر على هذه المحنة من أجل سورية.. سورية هي كل ما تبقى لدينا من حب.. ولكنها كل شيء.. وسنعطيها كل شيء
وتعتقد أن الفقراء هم وحدهم من يعاني ومن يدفع الثمن فتمرّ ببعض الموسرين من الطبقة الوسطى والتجارية الذين لم يعرفوا طعم المعاناة يوما.. وتفاجأ أن بيوتهم باردة أيضا بسبب نقص الوقود.. وأنهم صاروا يعرفون مذاق الطعام من غير خبز.. وتنام مصابيحهم من غير أن توقظها ومضات الكهرباء لأيام.. ومع هذا فإنك تسمع نفس العبارة ذات الحنان والكبرياء التي سمعتها في بيوت الفقراء: يجب أن نصبر على هذه المحنة من أجل سورية.. لم يبق لنا في هذه الدنيا إلا سورية. . وسنعطيها كل شيء!!.
تذكرت وأنا أسمع هؤلاء الناس حادثة عندما زرت يوما عائلة بريطانية ولفت نظري أن الأم وبّخت ابنتها على المائدة لأنها لم تأكل كل ما في الصحن من الطعام وعرفت منها أنها اكتسبت هذه العادة في عدم إهمال أي طعام من تجربة الحرب العالمية الثانية لأن والدتها (الجدة) وبسبب الشح الشديد للمواد الغذائية أثناء الحرب كانت ترغم أبناءها على تناول كل الطعام في الطبق لأن الوجبة الثانية قد لا يتم تأمينها بسبب الحصار الألماني على السفن التجارية القادمة إلى بريطانيا حيث كانت سفن الألمان تغرق السفن التجارية المحملة بالغذاء.. ثم أرتني صورة شهيرة يعتز بها البريطانيون من زمن الحرب وهي صورة بائع الحليب الذي يحمل صندوق زجاجات الحليب ويسير فوق أنقاض البيوت المهدمة في لندن مبتسما مصمما على أن تستمر الحياة رغم الحرائق حوله ورجال الإطفاء والحصار.. وأرتني صورة لكومة هائلة من ملايين أوعية الطبخ المصنوعة من الألومنيوم المجموعة في الحقول والتي تخلى عنها الناس لصالح الصناعات العسكرية لإعادة صهرها لأن هياكل الطائرات المقاتلة كانت تصنع من تلك المواد لكن الحصار جعل صنع الطائرات صعبا في غياب الالومنيوم فيما كانت الطائرات الألمانية تغير بحرية على البواخر البريطانية.. فاستعمل البريطانيون أواني الفخار لطعامهم لتصنع أواني الالومنيوم هياكل الطائرات.
إنها روح من سينتصر كما قالت.. ومن يريد النصر عليه أن يدفع الثمن.. ولولا جوع الشعب أثناء الحرب لكانت بريطانيا الآن مجرد جزيرة مهزومة.. فيها قاعدة "عيديد" ألمانية قرب لندن وقاعدة سيلية يابانية مكان جامعة أوكسفورد.. وفيها أمير بليد بحجم حمد ووزنه.. وبدل دوقة كمبردج "كيت ماديلتون" أو أميرة ويلز الليدي دايانا.. موزة بنت مسند.. أو بالانكليزية (الليدي بانانا).. والفرق كبير بين حضارة دايانا.. وحضارة بانانا.. وثوار الليدي بانانا..
بالرغم من كل مايقال عن معاناة في سورية فإن هناك نوعا من العدالة في توزيع المعاناة وإن لم يكن في غاية الدقة والتساوي وهناك التحام من نوع ما بين طبقات المجتمع وذوبان في نزعة اللامبالاة واللا اكتراث التي أنتجت بعض الأزمة وقيام المشاعر الوطنية من أنقاض الهموم وانتشار الفساد.. وأذكر هنا أن أحد الإعلاميين المصريين قال بأنه عندما زار سورية قبل الأزمة لاحظ بأن هناك نوعا من العدالة الاجتماعية تمثل في رغيف الخبز.. فالخبز الذي كان يقدم له في الفنادق الفخمة والمطاعم وفي البيوت على اختلاف انتماءاتها الطبقية والوظيفية خبز واحد وبنفس النوعية والسعر.. ولاينتمي رغيف الخبز إلى أي طبقة والكل يأكل نفس نوع الرغيف على عكس الحال في مصر التي توجد فيها أنواع كثيرة من الخبز تتفاوت بين الرديء والممتاز.. فللخبز المصري طبقاته أيضا فما يؤكل في الأحياء الشعبية لا يؤكل في المهندسين والمعادي إطلاقا.. واليوم بدل أن ينصرف مرسي لإحضار رغيف الخبز إلى قوس العدالة الاجتماعية ليحاكمه فهو منشغل بالدساتير وحروب الفتوح الإسلامية وحصار الوقود السوري في قناة السويس ليجعل من رغيف الخبز السوري رمز العدالة الاجتماعية لا يؤكل إلا بنفس نظام توزيع الرغيف المصري حسب الطبقات..
ولكن لماذا لا يسقط النظام ويفضل الناس أن يصنعوا صمود ستالينغراد أو لينينعراد وسيأكلون حتى نشارة الخشب؟؟ ولماذا لا يعبأ الشعب بأفلام الرعب التي تنتجها جبهة النصرة عمدا لإرهابه ويصر على تحديها؟؟ ولماذا لا ينشق الجيش على الجيش؟؟.
فعندما كنت أسمع تحليلات المحللين وتصوراتهم ومحاولة فك شيفرة تماسك الجيش والشعب وهزال الانشقاقات كنت أعرف أن تلك الآراء تنظر إلى مؤسسة الجيش من الخارج ولكن النظرة الفاحصة من الداخل تظهر شيئا لاتدركه عيون المحللين في الاستوديوهات وحركات أيديهم المنفعلة.. وبالطبع لا يقدر عقل صفوت الزيات الصغير على تحمله أو استيعابه لأنه يرى في حمد قائده وملهمه و"راتبه" ومن كان حمد قائده العسكري لا يقدر على إجراء الاستطلاع على جيوش الآخرين إلا من على سنام البعير..