الشرط الثاني: المتابعة، وهي شرط في جميع العبادات، لقوله تعالى: {قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَمَن كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صَالِحًا وَلا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا} (3)، والعمل الصالح هو ما كان موافقاً لشرع اللَّه تعالى، ويُراد به وجه اللَّه سبحانه، فلا بد أن يكون الدعاء والعمل خالصاً للَّه، صواباً على شريعة رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - (4)؛ ولهذا قال الفضيل بن عياض في تفسير قوله تعالى: {تَبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ* الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ} (5)، قال: هو أخلصه وأصوبه، قالوا: يا أبا علي، ما أخلصه وأصوبه؟ فقال: ((إن العمل إذا كان خالصاً، ولم يكن صواباً، لم يقبل، وإذا كان صواباً، ولم يكن خالصاً، لم يُقبل، حتى يكون خالصاً صواباً، والخالص أن يكون للَّه، والصواب أن يكون على السنة)) (1)، ثم قرأ قوله تعالى: {قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَمَن كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صَالِحًا وَلا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا} (2).
وقال تعالى: {وَمَنْ أَحْسَنُ دِينًا مِّمَّنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ للَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ واتَّبَعَ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَاتَّخَذَ اللَّهُ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلاً} (3).
وقال تعالى: {وَمَن يُسْلِمْ وَجْهَهُ إِلَى اللَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى وَإِلَى اللَّهِ عَاقِبَةُ الأُمُورِ} (4).
فإسلامُ الوجه: إخلاصُ القصد، والدعاء، والعمل للَّه وحده، والإحسانُ فيه: متابعة رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - وسنته (5).
فيجب على المسلم أن يكون متِّبعاً للنبي - صلى الله عليه وسلم - في كل أعماله؛ لقوله تعالى: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا} (6).
وقال: {قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ} (1).
وقال تعالى: {وَاتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ} (2).
وقال: {قُلْ أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ فَإِن تَوَلَّوا فَإِنَّمَا عَلَيْهِ مَا حُمِّلَ وَعَلَيْكُم مَّا حُمِّلْتُمْ وَإِن تُطِيعُوهُ تَهْتَدُوا وَمَا عَلَى الرَّسُولِ إِلا الْبَلاغُ الْمُبِينُ} (3).
ولا شك أن العمل الذي لا يكون على شريعة النبي - صلى الله عليه وسلم - يكون باطلاً؛ لحديث عائشة - رضي الله عنها - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: ((من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو ردٌّ)) (4).
الشرط الثالث: الثقة باللَّه تعالى، واليقين بالإجابة (5):
فمن أعظم الشروط لقبول الدعاء الثقة باللَّه تعالى، وأنه على كل شيء قدير؛ لأنه تعالى يقول للشيء كن فيكون، قال سبحانه: {إِنَّمَا قَوْلُنَا لِشَيْءٍ إِذَا أَرَدْنَاهُ أَن نَّقُولَ لَهُ كُن فَيَكُونُ} (6)، وقال سبحانه: {إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ} (7)، ومما يزيد ثقة المسلم بربه تعالى أن يعلم أن جميع خزائن الخيرات والبركات عند اللَّه تعالى، قال سبحانه: {وَإِن مِّن شَيْءٍ إِلاَّ عِندَنَا خَزَائِنُهُ وَمَا نُنَزِّلُهُ إِلاَّ بِقَدَرٍ مَّعْلُومٍ} (1).
_________
(3) سورة الكهف، الآية: 110.
(4) انظر: تفسير ابن كثير، 3/ 109.
(5) سورة الملك، الآيتان: 1 - 2.
(1) انظر: مدارج السالكين لابن القيم، 2/ 89.
(2) سورة الكهف، الآية: 110.
(3) سورة النساء، الآية: 125.
(4) سورة لقمان، الآية: 22.
(5) انظر: مدارج السالكين، 2/ 90.
(6) سورة الأحزاب، الآية: 21.
(1) سورة آل عمران، الآية: 31.
(2) سورة الأعراف، الآية: 158.
(3) سورة النور، الآية: 54.
(4) متفق عليه، صحيح البخاري، برقم 2697، ومسلم، برقم 1718
(5) انظر: جامع العلوم والحكم، 2/ 407، ومجموع فتاوى ابن باز جمع الطيار، 1/ 258.
(6) سورة النحل، الآية: 4.
(7) سورة يس، الآية: 82.
(1) سورة الحجر، الآية: 21.