منتديات الجلفة لكل الجزائريين و العرب - عرض مشاركة واحدة - فَضْلُ التَّوحيد و تكفيرُه للذُّنوب
عرض مشاركة واحدة
قديم 2012-12-24, 18:10   رقم المشاركة : 6
معلومات العضو
miramer
عضو محترف
 
الصورة الرمزية miramer
 

 

 
إحصائية العضو










افتراضي

( الثامن من آثار التوحيد وفضائله وحسناته أنّ التوحيد يحرّر العبد من الرِّق للخلق والمبالغة في مراعاتهم، إلى عزّة الرّق والعبودية للواحد الأحد السميع البصير جل جلاله وتقدست أسماؤه. العباد عند الله جل وعلا سواسية، ابتلى الله العباد وجعل بعضهم لبعض فتنة كما قال سبحانه {وَجَعَلْنَا بَعْضَكُمْ لِبَعْضٍ فِتْنَةً أَتَصْبِرُونَ وَكَانَ رَبُّكَ بَصِيرًا}[الفرقان:20]، ما معنى (أَتَصْبِرُونَ)؟ جعل الله الفقير فتنة للغني، والغني فتنة للفقير.
الفقير فتنة للغني هل يتعاظم ويعظم، وينظر أنه إذا حصل ألف أو ألفين أو مائة ألف أو مليون أو عشرات الملايين أو المئات أنّه عظُم وعظُم حتى صار عند نفسه أنه فوق الخلق، أُبتلي بالفقير ماذا يعمل معه، وهل يترفّع عليه أم لا؟ لهذا نبينا صلى الله عليه وسلم ماذا قال الله له؟ قال الله له { وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلَا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا}[الكهف:28]، حتى لما رغِب عليه الصلاة والسلام في إسلام بعض الأغنياء والأثرياء وترك الفقير؛ لأنه في تقديره عليه الصلاة والسلام أنّه إذا أسلم الغني فإنه سينفع الإسلام أكثر وأكثر وترك الفقير، عاتبه الله جل وعلا، وقال له {عَبَسَ وَتَوَلَّى(1)أَنْ جَاءَهُ الْأَعْمَى(2)وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّهُ يَزَّكَّى(3)أَوْ يَذَّكَّرُ فَتَنْفَعَهُ الذِّكْرَى(4)أَمَّا مَنْ اسْتَغْنَى(5)فَأَنْتَ لَهُ تَصَدَّى(6)وَمَا عَلَيْكَ أَلَّا يَزَّكَّى(7)وَأَمَّا مَنْ جَاءَكَ يَسْعَى(8)وَهُوَ يَخْشَى(9)فَأَنْتَ عَنْهُ تَلَهَّى(10)كَلَّا إِنَّهَا تَذْكِرَةٌ}[عبس:1-11] له عليه الصلاة والسلام وللناس جميعا.
جعل الله أيضا الغني فتنة للفقير، هل يحسد الفقير الغني، أو يسأل اله جل وعلا السلامة؟ هل ينظر إليه بحنق وحقد وكذا، أم يعظم رغبته في الله؟
أيضا المريض والصحيح جعل الله بعضهم فتنة لبعض.
أيضا الملك والرعية جعل الله جل وعلا بعضهم فتنة لبعض.
وهذا كله كما قال جل وعلا (أَتَصْبِرُونَ)، (جعَلْنَا بَعْضَكُمْ لِبَعْضٍ فِتْنَةً) لاحظ كلمة (فِتْنَةً) فتان (أَتَصْبِرُونَ) من يصبر ممن لا يصبر، من حقق التوحيد من أخذ بالتوحيد، من عمل بالتوحيد، نظر إلى الخلق نظرا صحيحا وتخلّص من الرّق للخلق ومن كثرة مراعاة الخلق، وعظُم في قلبه ربه جل جلاله وتقدست أسماؤه، وكان عزيزا لله الواحد الأحد، وكان مرتفعا لله والواحد الأحد، وكان عظيما لله الواحد الأحد، كما قال سبحانه {وَلَا تَهِنُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمْ الْأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ}[آل عمران:139] (وَلَا تَهِنُوا وَلَا تَحْزَنُوا) أوش تقدير الآية؟ بعض الناس يظن تفسير الآية وأنتم الأعلون إن كنتم مؤمنين إن تكونوا مؤمنين فلستم بالأعلون، ليس هذا هو التفسير، تفسير الآية ولا تهنوا ولا تحزنوا إن كنتم مؤمنين وأنتم الأعلون لأنكم في حال إيمانكم، ما دام أنكم مؤمنون فلا تهنوا ولا تحزنوا فأنتم الأعلون. (وَأَنْتُمْ الْأَعْلَوْنَ) هذه جملة من المبتدأ والخبر حاليا؛ يعني ولا تحزن ما دامك مؤمن لا تهن ولا تحزن فإنك أنت العالي .
إذن من فوائد التوحيد في القلب أنه يخلصه من الرّق للمخلوق، ومن الذل له، وإنما يعامل الموحد المخلوق بما أمر الله جل وعلا؛ لا يتكبر عليه، ولا يهينه وإنما يعامله لأنه مؤمن أو يعامله بحسب شأنه -نستمع للأذان-
وبعد هذا فضائل التوحيد وآثاره، كما أنها متعلقة بأفراد المؤمنين، فهي أيضا متعلقة بالبلد المسلم الموحِّد والمجتمع والدولة، قال جل جلاله {وَلَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلَاحِهَا وَادْعُوهُ خَوْفًا وَطَمَعًا إِنَّ رَحْمَةَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِنْ الْمُحْسِنِينَ}[الأعراف:56] والإفساد في الأرض بعد إصلاحها هي أن يُسلَك فيها بما يناقض التوحيد، أو بما يُنقص كمالَه بالشرك الأكبر أو بالشرك الأصغر، هذا هو الإفساد أعظم الإفساد في الأرض، وكذلك ما يحصل من التعديات على الخلق هذا إفساد في الأرض، وقال أيضا جل وعلا في بيان ذلك في سورة النور {وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُم فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمْ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا}[النور:55] هنا وعد وموعود وحالة يكون عليها الوعد.
أما الموعود أولا فهم أهل الإيمان (وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ) هؤلاء هم الموعودون.
أما ما وُعدوا به فجاء في ثلاثة أشياء:
أولا (لَيَسْتَخْلِفَنَّهُم فِي الْأَرْضِ) يعني إنْ لم يكن لهم غلبة ومنعة واستخلاف فالله يعدهم طال الزمان أو قصر أنْ يستخلفهم في الأرض كما استخلف الذين من قبلهم.
ثم قال الوعد الثاني (وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمْ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ) أعظم شيء يختاره المؤمن ويريده أنْ يكون يعبد الله جل وعلا بتمكين؛ لا يَسْتَخْفِ بدين الله، ولا يكون مُهانا وهو يَدِينُ بدين الله؛ بل يكون مرفوع الرأس، يكون بما وعد الله جل وعلا له.
أما الوعد الثالث بقوله (وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا) يعني بعد أن كانوا قلة يخافون، استخلفهم ومكّن لهم دينهم، فصاروا بعد الخوف أَمْنَى؛ آمنين على أنفسهم، على دينهم، على أنفسهم، وعلى أولادهم، وعلى أعراضهم، وعلى أموالهم، هذه كلها مِنَن، ووعد من الله جل وعلا له.
ما حالتهم؟ بين الحالة في الجملة الفعلية بقوله (يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا) يعني إذا استخلفهم وبدّلهم ومكّن لهم دينهم وبدّلهم بعد الخوف أمنا، ما حالتهم في هذا كلِّه وقبله؟ أنهم (يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا)، وهذا أعظم أثر للتوحيد على الناس في دولتهم وفي مجتمعه، أنهم إذا عبدوه ولم يشركوا به شيئا وأقروا التوحيد ونبذوا الشرك فإنهم موعودون بفتح فضل الله جل وعلا لهم بهذه الثلاث، وكذلك بأنهم تُفتح لهم بركات من السماء ومن الأرض، فيوسِّع الله عليهم في الأرزاق، ويكونون في حياة طيبة مطمئنة.
وبعد هذا كله يظهر لك أنّ فضائل التوحيد وآثاره وحسناته على الناس؛ على أهل الإيمان وعلى غيرهم، وعلى الأفراد، وعلى الدولة والمجتمع كبير جدا جدا، فلهذا يعظم حينئذْ الواجب، وتشتدّ حينئذن التبعة في أن نهتم بالتوحيد في أنفسنا وفيما حولنا إن رغبنا في هذا الخير العظيم، وإلاّ فليس هو من باب الفضائل، هو من لم يأخذ بالتوحيد ويجتنب الشرك فقد قال الله جل وعلا في شأنه {إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنصَارٍ}[المائدة:76].
أسأل الله جل وعلا أن يجعلني وإياكم من أهل توحيده الذين علموه واعتقدوه وشهدوا به وعملوا به ودعوا إليه وأعلنوه، إنه سبحانه ولي الصالحين، وهو ذو الفضل والإحسان.
كما أسأله سبحانه أن يجعلنا جميعا ممن حاز هذه الفضائل، اللهم لا تحرمنا فضلك بذنوبنا ولا بتقصيرنا وبإسرافنا في أمرنا، اللهم اجعل عاقبة أمرنا إلى خير، واجعل لنا فواتح الأمر من الخير وخواتمه إنك على كل شيء قدير رحمن رحيم.
كما أسأله سبحانه أن يوفق ولاة أمورنا لما فيه رضاه، وأن يجعلنا وإياهم من المتعاونين على البر والتقوى، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد.