لهم؛ في أنّ ما به حياتهم؛ قيام حياتهم البدنية، وما به قيام دينهم، وقيام نجاتهم في الدنيا والآخرة، أنّ هذا شيء مشاع دائما.
حديث موسى عليه السلام رواه ابن حبان في صحيحه، والحاكم، ورواه النسائي أيضا من حديث أبي سعيد الخدري في إسناد حسن، وصحح الإسناد الحافظ ابن حجر في فتح الباري، وله روايات أخر يصير مجموعها حسنا أو صحيحا.
إذا تبين هذا تبين لك عظم هذا الشأن، وهو شأن التوحيد، وسهولته وفضله، وأنّ العلم به أعظم المهمات، أعظم المهمات، ولهذا يُعلم الصغير التوحيد؛ لأنّ هذا أعظم الإحسان لهذا الصغير، وترك الصّغير أو حتى ترك الكبير من تعلّم وتعليم التوحيد هذا نقص وسعي فيما هو دونه، لهذا تنتبه لأصل من الأصول، وهو أن في حديث موسى عليه السلام أنّ التذكير بفضل التوحيد يحتاجه حتى أُولي المقامات العالية في الدين، لهذا لا يستغني أحد، يقول أحد أنا تعلمتُ، درستُ التوحيد، وعرفتُ فضله، ما يحتاج أكرر هذا، ما يحتاج أعطيه الناس، ليس الأمر كذلك؛ لأن هذا إذا علمته، أول من سيدرك هذا الفضل أنتَ، ومن ذلك الفضل أنه يكفِّر الذنوب؛ لأنه يزيد عند العلم الاعتقاد بتكريره، كما أنَّه يُنسى بعدم تعليمه وتدريسه.
إذن تحصّل لنا مما ذُكر أنّ من فضل التوحيد ومن أثره:
( أنّه يكفّر الله به الذنوب.
( وأن به ترجح كِفة الحسنات على كفة السيئات.
( أما الأمر الثالث فإنه يمنع الخلود في النار وهو الذي ذكرته لك في الأحاديث السابقة (حَرّمَ الله عَلَيْهِ النَّار).
والتحريم في النصوص؛ تحريم الجنة أو تحريم النار على نوعين؛ في النصوص:
( تحريم أبدي.
( وتحريم أمدي.
(حَرّمَ الله عَلَيْهِ النَّار) من شهد شهادة التوحيد حرم الله عليه النار، يعني أنْ يكون خالدا مخلّدا فيها، قد يدخلها، وقد لا يدخلها، بحسب ذنوبه، وحسب ما عنده، لكنه متعرض للوعيد، لكن هل يَخْلُد فيها صاحب التوحيد؟ لا، بوعد الله جل وعلا لا.
حرم الله الجنة على الكفار هذا تحريم أيضا أبدي، الكافر لا يمكن أنْ يدخل الجنة حتى يلج الجمل في سمّ الخياط.
المؤمن هل تَحْرُم عليه الجنة؟ جاء في بعض النصوص أنّ بعض المسلمين بسبب الذنوب أنه حرم الله عليه الجنة، مثل «حرّم الله الْجَنّةَ على قَاطِعِ الرَحِمِ» «لا يجد ريح الجنة وإنّ ريحها ليوجد من مسيرة كذا وكذا » هذا التحريم ليس تحريما أبديا على أهل التوحيد، ولكنّه تحريم مؤقت؛ لأنّهم يُنَقَّون من ذنوبهم قبل ذلك، ثمّ بعد ذلك يتأخر دخولهم للجنة حتى يصيبهم ما شاء الله جل وعلا من العذاب بعدله وحكمته.
فإذن من فضل التوحيد أن أهله تَحْرُم عليهم النار أن يخلّدوا فيها.
( الرابع أنّ من فضل التوحيد على أهله أنّ التوحيد أعظم الأسباب لنيل شفاعة محمد بن عبد الله النبي الأكرم عليه الصلاة والسلام، سأل أبو هريرة النبي صلى الله عليه وسلم قال: يا رسول الله من أسعد الناس بشفاعتك. قال النبي صلى الله عليه وسلم لأبي هريرة «لقد علمت أنّه لا يسألني أحد قبلك يا أبا هريرة عنْ هذا، لما علمت من حرصك على الحديث، أسعد الناس بشفاعتي من قال لا إله إلا الله خالصا منْ قلبه ونفسه»، ومعنى (أسعد الناس بشفاعتي) يعني سعيد الناس بشفاعتي؛ السعيد من الناس بشفاعتي من قال لا إله إلا الله خاصا من قلبه ونفسه، مَن قال لا إله إلا الله مخلصا فيها من قلبه ونفسه، شاهدا شهادة الحق، عالما بمعناها، فإنه أحق الناس بشفاعة محمد عليه الصلاة والسلام، وشفاعة النبي صلى الله عليه وسلم تنال بوسائل كثيرة عد العلماء منها -أمور كثيرة تزيد على العشرة- ما جاء في الأحاديث الصحيحة ولكن أسعد الناس بها الموحد الذي أخلص في توحيده، وهو أول الناس نيلا لهذه الشفاعة.
( أما الخامس فهو أنّ التوحيد هو السبب الأعظم لتفريج الكُرُبات في الدنيا وفي الآخرة:
قال جل وعلا {الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنَّا الْحُسْنَى أُوْلَئِكَ عَنْهَا مُبْعَدُونَ(101)لَا يَسْمَعُونَ حَسِيسَهَا وَهُمْ فِي مَا اشْتَهَتْ أَنفُسُهُمْ خَالِدُونَ(102)لَا يَحْزُنُهُمْ الْفَزَعُ الْأَكْبَرُ وَتَتَلَقَّاهُمْ الْمَلَائِكَةُ}[الأنبياء:101-103]الآية، هؤلاء الذين سبقت لهم من الله الحسنى، من هم؟ هم أهل التوحيد؛ أهل الإيمان بالله الحق، بتوحيد الله جل وعلا، والإيمان فيه بأنه هو المستحق للربوبية وحده، وهو المستحق لإلهية، وهو المستحق لأسماء والصفات، والإيمان بملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر والقدر، وعمل صالحا، هؤلاء هم الذين سبقت لهم من الله الحسنى، حالتهم بالآخرة لا يحزنهم الفزع الأكبر.
وأما في الدنيا {مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً}[النحل:97] فلهم الحياة الطيبة وتفريج الكربات في الدنيا وفي الآخرة.
قد قال نبينا صلى الله عليه وسلم لابن عباس رضي الله عنهما «يَا غُلاَمُ, إِنّي أُعَلّمُكَ كِلمَاتٍ: احْفَظِ الله يَحْفَظْكَ» (اِحْفَظِ الله يَحْفَظْكَ)، ثم قال له «إِذَا سَأَلْتَ فَاسْأَلِ الله» هذا توحيد «وَإِذَا اسْتَعَنْتَ فَاسْتَعِنْ بالله» توحيد، ثم قال له «وَاعْلَمْ أَنّ الأُمّةَ لَوِ اجْتَمَعَتْ عَلَى أَنْ يَنْفَعُوكَ بِشَيْءٍ لَمْ يَنْفَعُوكَ إِلاّ بِشَيْءٍ قَدْ كَتَبَهُ الله لَكَ, ولو اجْتَمَعُوا عَلَى أَنْ يَضُرّوكَ بِشَيْءٍ لَمْ يَضُرّوكَ إِلاّ بِشَيْءٍ قَدْ كَتَبَهُ الله عَلَيْكَ, رُفِعَتِ الأَقْلاَمُ وَجَفّتِ الصّحُف» وفي رواية «واعلم أن الفرج مع الصبر وأن النصر مع الكرب»(1) وهذا كله لأهل التوحيد الذين أخلصوه.
( الأمر أو الفضل السادس أنّ صاحب التوحيد الذي وحّد الله وتخلص من الشرك قولا وعملا واعتقادا، له الأمن والهدى في الدنيا والآخرة، قال جل وعلا { الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُوْلَئِكَ لَهُمْ الْأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ}[الأنعام:82]، لما نزلت هذه الآية شقّ ذلك على صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم، قالوا: يا رسول الله أينا لم يظلم نفسه. كل أحد لابد يظلم نفسه بأيّ شيء، إما أن يفرط في واجب، أو أنه يرتكب منهي عنه، فإذا تذكر تاب من التفريط، وإذا ذُكر أيضا انتبه لتفريطه في أداء الواجب أو في عمله بعض المحرمات، أينا لم يظلم نفسه؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم «ليس هذا التي تذهبون إليه، الظلم الشرك، ألم تسمعوا إلى قول العبد الصالح {إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ}[ لقمان: 13]»، وذلك أن الظلم ثلاثة أنواع:
( ظلم العبد في حق نفسه بالذنوب.
( وظلم العبد لغيره بالاعتداء على حقوق الناس وأموالهم وأعراضهم.
( وظلم العبد في حق ربه جل وعلا بالشرك بالله جل وعلا.
__________
(1) في مسند الإمام أحمد قال النبي صلى الله عليه وسلم «وإنّ النصر مع الصبر, وإنّ الفرج مع الكرب».