منتديات الجلفة لكل الجزائريين و العرب - عرض مشاركة واحدة - فَضْلُ التَّوحيد و تكفيرُه للذُّنوب
عرض مشاركة واحدة
قديم 2012-12-24, 18:04   رقم المشاركة : 3
معلومات العضو
miramer
عضو محترف
 
الصورة الرمزية miramer
 

 

 
إحصائية العضو










افتراضي

(أما الأول: فمن حقق التوحيد دخل الجنة بغير حساب ولا عذاب، وتحقيق التوحيد معناه تكميله؛ من أن يكون إخلاصه لربه، وخوفه منه، ورجاؤه فيه، أن يكون في نقص بوجه من الوجوه.
ومعنى تحقيق التوحيد: أن يكون متخلصا وخالصا من الشرك الأكبر والأصغر، ووسائل الشرك الأكبر والأصغر، ومن البدع صغيرها وكبيرها، ومنَ المعاصي والذنوب الكبائر والصغائر، إلا من تاب، والعمل بالصالحات كما أمر الله جل وعلا.
فهذا التوحيد فضله عليه أنّه يدخل الجنة بلا حساب ولا عذاب، وهؤلاء الذين يدخلون الجنة بلا حساب ولا عذاب عِدَّتهم سبعون ألفا بنص الحديث أنّه في هذه الأمة سبعون ألفا؛ يعني إذا أتوا يوم القيامة فيهم؛ في هذه الأمة سبعون ألفا يدخلون الجنة بلا حساب ولا عذاب، ومنّة من الله جل وعلا وكرم أنه مع كل ألف سبعون ألفا، وهذا ميدان يتنافس فيه المتنافسون، وأعظِم به أمنا وأمانا، وأعظِم به أثرا وفضلا في الدنيا والآخرة.
( أما القسم الثاني من الناس: فَهُم الذين عملوا بالتوحيد؛ شهدوا شهادة التوحيد وآمنوا واعتقدوا الاعتقاد الحق في الله جل وعلا في توحيده؛ في إلهيته، وربوبيته، وفي أسمائه وصفاته، عبدوه وحده لا شريك له، وتخلصوا من الشرك امتثالا لقوله {فَمَنْ كَانَ يَرْجُوا لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا}[الكهف:110]، ولكنهم خلطوا عملا صالحا وآخر سيئا، فهؤلاء التوحيد فضله عليهم:
أنهم إنْ تابوا تاب الله عليهم.
وإن لقوا الله جل وعلا بكبائر بغير توبة فإنه يغفر سبحانه وتعالى ذلك لمن يشاء؛ يعني بدون محاسبة لهم يغفر لمن يشاء.
ومنهم من يكون عمله السيئ بالموازنة ويرجح التوحيد بأعماله السيئة فضلا من الله جل وعلا وتكرم.
(وأما الصنف الثالث: فهؤلاء الذين أتوا بالتوحيد، وقوي إخلاصهم، وقوي توحيدهم وقويت حميتهم لتوحيد الله، وبراءتهم من الشرك، وبغضهم للشرك والكفر ولأهل الشرك والكفران، وكفرهم بالطاغوت وهو كراهتهم لعبادة غير الله، وبغضهم للشرك بالله جل وعلا وللكفر بأنواعه، عَظُم ذلك عندهم، ولكن كثرت سيئاتهم وذنوبهم، فهؤلاء مَثَلُهم مَثَل الرجل الذي يؤتى به يوم القيامة كما ثبت بذلك الحديث «يؤتى برجل يوم القيامة بين الخلائق، وينشر له تسعة وتسعون سجلا، كل سجل مد البصر فيها سيئاته وذنوبه، فإذا رأى ذلك خاف وأصابه الهلع، فيقول الله له: أتنكر من هذا شيئا؟ فيقول: لا أنكر من هذا شيئا. فتوضع هذه السجلات في كِفّة السيئات، ترجح كِفّة السيئات، ثم يقول الله له: ألك عمل؟ فيقول: لا يا رب. فيقول الله له: بلى. فيؤتى ببطاقة، فيقول: ما هذه يا رب؟ فتوضع في كِفّة الحسنات، فتطيش تلك السجلات» يعني من قوة رجحانها، كفة الميزان رجح بقوة، فارتفعت الكفة الأخرى، فطاشت السجلات وتناثرت من قوة ثقل هذه البطاقة، هذه البطاقة مكتوب فيها لا إله إلا الله محمد رسول الله.
لكن هل هذا الفضل لكل من قال لا إله إلا الله محمد رسول الله؟ لو كان الأمر كذلك لما دخل النار أحد من أهل التوحيد، والله جل وعلا قد توعد أهل التوحيد من أهل الكبائر وأهل الذنوب بأنهم يدخلون النار ويُنَقَّون فيها، ثم مصيرهم إلى الجنة، لكن هذه حالة خاصة لمن كان التوحيد في قلبه عظيما، وحُبُّه لله جل وعلا ولرسوله صلى الله عليه وسلم، وإخلاصه لله؛ بأنه مؤمن بتوحيد الله بربوبيته وبماهيته وبأسمائه وصفاته، وأنّ هذا التوحيد بأنه لا يعبد إلاّ الله ولا يشرك بالله جل وعلا شيئا، وأنه يحبّ التوحيد، ويحب أهله، ويبغض الشرك ويُبغض أهله، فتكون هذه البطاقة مَيَّزَتْه عن سائر الأمة، فطاشت سجلات السيئات، مقابلة بعظم التوحيد وعظم شأنه، والتوحيد في القلب أيضا إذا عظم، إذا عَظُم التوحيد في القلب فإنه لا يكاد يكون معه إقدام على سيئة أو إصرار على كبيرة من كبائر الذنوب، فتكون حالة خاصة لعبد يُخرج من بين الخلائق أو لمن هو مِثْلُه ممن كثرت سيئاته لكن عظم توحيده وإخلاصه لله جل وعلا.
وهذا يُرَغَّب فيه كلُّ أحد، ويَرْغَب فيه كل أحد منّا ممن لا يأمن على نفسه المعصية والذنب وممن يغشى الذنوب أو تَقِلُّ عنده الحسنات، وكلما زاد علم العبد بربه كلما علم أنه محتاج لما يخلصه من الذنوب والآثام، ومن قلة الامتثال للواجبات، وأعظم ذلك هو الإخلاص وتوحيد الله جل وعلا علما وعملا وانقيادا، لهذا «قال موسى عليه السلام لربه جل وعلا: يا ربّ علمني دعاء أدعوك به أو أذكرك به، قال: يا موسى قل لا إله إلا الله. فقال موسى عليه السلام: يا رب كل عبادك يقول هذا -أو يقولون هذا، يعني أراد شيئا يختص به؛ لأنّه ظنّ أنه كما أنه من أولي العزم من الرسل، وأنه كليم الله، وأن الله أعطاه التوراة، فإنّ هناك شيئا خاصا يدعو الله ويذكر الله به - فقال جل وعلا له: يا موسى لو أنّ السموات السبع وعامرهن غيري، والأراضين السبع في كفة، ولا إله إلا الله في كفة، ما لت بهن لا إله إلا الله» وهذا الحديث فيه فوائد عظيمة، الفائدة الأولى: فيه بيان فضل كلمة التوحيد، وأنّ الله جل وعلا من منته وكرمه وتفضله جعل الكلمة العظيمة ذات الفضل العظيم التي ترجح بالسموات ومن يعمرها وترجح بالأرض ومن فيها، جعلها كلمة سهلة متاحة للجميع لمن علمها وشهد بها شهادة الحق، وهذا من رحمة الله جل وعلا المتصلة بربوبيته والمتصلة بألوهيته والمتصلة بأسمائه وصفاته، كيف ذاك؟ رحمة الله جل وعلا بعباده في آثار كونه، سبحانَ ربًّا لهم أنْ جعل الرِّزق الذي به قوام حياتهم ليس مختصا بفئة منهم، الرِّزق الذي به قوام الحياة شائع؛ يناله الغني ويناله الفقير، الماء والحب، البُرّ والتمر ونحو ذلك بحسب البلد، يكون شائعا؛ ليس نادرا في بلد أو في أرض حتى لا يُدرك هذا الشيء إلا الأغنياء أو إلا الشرفاء أو إلا قلة الناس، ربوبية الله جل وعلا على خلقه العامّة جعلت ما يحتاجونه بما به قوام حياتهم جعلته شائعا بينهم؛ يمكن تحصيله، وكذلك في توحيد إلهيَّته جعل من رحمته أنّ ما به يُحقّق العباد، توحيد الإلهية يشترك فيه الجميع بأبسط شيء وهو كلمة لا إله إلا الله، ونبّه الله موسى عليه السلام على ذلك ليبيّن له أنّ ما يحتاجه العباد من فضل التوحيد لا يختص به الأنبياء، ولا يختص به الرسل، ولا يختصّ به أولي العزم، ولا يختصّ به كليم الله جل جلاله، وإنما هذا شائع، (قال موسى: يا رب كل عبادك يقولون هذا) فدل هذا أن رحمة الله بعباده أدركتهم في ربوبيته لهم وفي ألوهيته لهم وفي أسمائه وصفاته