بيان بطلان اتهام مصطفى المأربي للشيخ ربيع المدخلي –حفظه الله- فيما يتعلق بحسن الظَّن في الذين خُلِّفوا
1- قال المأربي: "ثانياً:الشيخ ربيع يدعي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يحسن الضن بكعب مالك وصاحبيه ,ويدعي أنهم متهمون ,بل قال: وقد يكونون متهمين بالنفاق!! فقد جاء في شريط:"الموقف الصحيح من أهل البدع"وجه (أ) قال الشيخ ربيع: (وذا كان قد أمر بهجران الصحابة الذين تخلفوا في غزوة تبوك، حتى بعد توبتهم، وهم لم يركضوا بهذه الفتنة، ولم يتحركوا بها، بل تابوا وندموا، واعترفوا، ومع ذلك لما وقعوا فيه من المخالفةِ؛ أمر الرسول صلى الله عليه وسلم بهجرانهم،لأنهم متهمون في هذه الحالة،وقد يكونون متهمين بالنفاق،فإحسان الظن بأهل الإنحرافات وأهل البدع والضلالات؛ مخالف لمنهج الله تبارك وتعالى، فلا بد من الحذر منهم، ولهذا قال الرسول عليه الصلاة والسلام: " فإذا رأيتم من يتبع المتشابه، فأولئك الذين عنى الله، فاحذروهم" ما قال أحسنوا بهم الظن، كما يقول الآن كثير من أهل الأهواء، أنتم تتكلمون عن النوايا، أنتم تتكلمون عن المقاصد، يا أخي،إذا رأينا عندك شبهاً وضلالات؛ أنت متهم، الله حذر منك، ورسول الله حذر منك، كيف ما نحذر منك؟، وكيف نحسن بك الظن؟ وقد نبهنا الله تبارك وتعالى إلى سوء قصدك، وحذر رسول الله منك؟فالرسول ليش ما أحسن الظن بهؤلاء؟! وهم صحابةٌ، وبعضهم بدريون، وتخلفوا لعذر من الأعذار، وبينوا، وهم لسبب من الأسباب، ما نقول عذر من الأعذار، بينوا الحقيقة" إ هـ .
فهل جوّز أحد اتهام هؤلاء الصحابة الصادقين بالنفاق؟!ومعلوم أن الهجر لم يقع إلا على الصادقين،وإلا فالمنافقون قد قبل منهم رسول الله صلى الله عليه وسلم علانيتهم، ووكل سرائرهم إلى الله تعالى،وكيف يُجَوِّز الشيخ ربيع عليهم هذا الحكم الجائر،وهو معترف بأنهم صحابة، وبعضهم بدْريّ،وأنهم تابوا، وندموا، واعترفوا، فهل من كان كذلك، قد يكون متهماً بالنفاق؟!ولو سلمنا أن أحداً اتهمهم بذلك؛ فهل كلام الشيخ ربيع هذا عنهم ـ رضي الله عنهم ـ من جملة ذكر الصحابة بالجميل، والإمساك عما جرى منهم؟!"
الجواب من وجوه:
الوجه الأول: أن الشيخ ربيعاً-حفظَهُ اللهُ- أثنى على الذي خُلِّفوا -رضي الله عنه- .
فقد قال: "الصحابة ... حتى بعد توبتهم، وهم لم يركضوا بهذه الفتنة، ولم يتحركوا بها، بل تابوا وندموا، واعترفوا، ... وهم صحابةٌ، وبعضهم بدريون، وتخلفوا لعذر من الأعذار، وبينوا، وهم لسبب من الأسباب، ما نقول عذر من الأعذار، بينوا الحقيقة للرسول -صلى الله عليه وسلم- كما هي، قال: أما هؤلاء فقد صدقوا ولكن نكل أمرهم إلى الله عز وجل وحتى قبل الله فيهم ما أراد ..."
فكل هذا ثناء عليهم، بل لما قال: عذر .. صحح العبارة وقال: لسبب من الأسباب .
فهو قد ذكرهم بالجميل ولكن ذكر الحال الذي وقع من باب استنباط الحكم الشرعي دون زيادة أو تزيد.
الوجه الثاني: أن المأربي زعم أن الهجر لم يقع إلا على الصادقين فإن كان أراد الثلاثة الذي خلفوا -رضي الله عنه- فمسلم، ولكن إنما ظهر صدقهم بعد توبة الله عليهم .
وإلا لو علم الرسول -صلى الله عليه وسلم- صدقهم فلماذا يأمر بهجرهم؟
حتى أن أحدهم يسلم على النبي -صلى الله عليه وسلم- لا يدري هل حرك شفتيه بالسلام أم لا؟
وإنما أمر بهجرهم لوقوعهم في المعصية وهي التخلف عن الغزو المتعين مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- .
فالهجر معلق بالمعصية التي حصلت وليس لصدقهم في عدم اعتذارهم .
فلم يأمر بهجرهم لأنهم صادقون!!
الوجه الثالث: زعمه أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قبل من المنافقين فقط فيما يظهر من كلام المأربي وهذا باطل فقد قبل النبي -صلى الله عليه وسلم- عذر ذوي الأعذار من قبل سفره لغزوة تبوك كالعرج والمرضى والعمي ومن لا يجد نفقة للسفر ونحو ذلك من الأعذار المقبولة شرعاً.
وكذلك كعب بن مالك وهلال بن أمية ومرارة بن الربيع لم يقبل النبي -صلى الله عليه وسلم- منهم لأنهم ما قدموا عذراً، ولم يعتذروا كذباً كالمنافقين ولكنهم اعترفوا بذنبهم فوكل النبي -صلى الله عليه وسلم- أمرهم إلى الله حتى تاب عليهم عز وجل.
الوجه الرابع: أن الشيخ ربيعاً-حفظَهُ اللهُ- لم يتهمهم بنفاق أو نحوه كما زعمه المأربي وإنما قال: "لأنهم متهمون في هذه الحالة،وقد يكونون متهمين بالنفاق" فذكر واقع الحال، ونزههم الشيخ ربيع-حفظَهُ اللهُ- عن النفاق بعبارات كثيرة نقلتها سابقاً من ذلك قوله: "وهم صحابةٌ، وبعضهم بدريون، وتخلفوا لعذر من الأعذار، وبينوا، وهم لسبب من الأسباب، ما نقول عذر من الأعذار، بينوا الحقيقة للرسول -صلى الله عليه وسلم- كما هي، قال: أما هؤلاء فقد صدقوا ولكن نكل أمرهم إلى الله عز وجل وحتى قبل الله فيهم ما أراد".
الوجه الخامس: أن شيخ الإسلام -رحمه الله- قال بنحو قول الشيخ ربيع-حفظَهُ اللهُ- .
قال شيخ الإسلام -رحمه الله- في مجموع الفتاوى(24/174-175): "نعم صح عنه أنه هجر كعب بن مالك وصاحبيه رضي الله عنهم لما تخلفوا عن غزوة تبوك، وظهرت معصيتهم، وخيف عليهم النفاق، فهجرهم وأمر المسلمين بهجرهم، حتى أمرهم باعتزال أزواجهم من غير طلاق خمسين ليلة، إلى أن نزلت توبتهم من السماء .
وكذلك أمر عمر رضي الله عنه المسلمين بهجر صبيغ بن عسل التميمى لما رآه من الذين يتبعون ما تشابه من الكتاب، إلى أن مضى عليه حول وتبين صدقه في التوبة؛ فأمر المسلمين بمراجعته، فبهذا ونحوه رأى المسلمون أن يهجروا من ظهرت عليه علامات الزيغ من المظهرين للبدع، الداعين إليها، والمظهرين للكبائر .
فأما من كان مستتراً بمعصية، أو مسراً لبدعة غير مكفرة فان هذا لا يهجر، وإنما يهجر الداعي إلى البدعة، إذ الهجر نوع من العقوبة، وإنما يعاقب من أظهر المعصية قولاً أو عملاً.
وأما من أظهر لنا خيراً فإنا نقبل علانيته، ونكل سريرته إلى الله تعالى، فإن غايته أن يكون بمنزلة المنافقين الذين كان النبي صلى الله عليه وسلم يقبل علانيتهم ويكل سرائرهم إلى الله لما جاءوا إليه عام تبوك يحلفون ويعتذرون".
وقال المأربي: "وكذلك قوله في حق النبي صلى الله عليه وسلم: " فالرسول ليش ما أحسن الظن بهؤلاء"؟ أهذا من الأدب مع رسول الله صلى الله عليه وسلم؟! أليس رسول الله صلى الله عليه وسلم قد قال لكعب:" أما هذا فقد صدق، فقم حتى يقضيّ الله فيك"؟وهو صلى الله عليه وسلم الذي كان يحب أن يكون صدره سليماً على إخوانه الصحابة الكرام،فأين عدم حسن الظن بكعب؟!وحال صاحبيْه ـ رضي الله عنهم ـ كذلك، فأين عدم حسن الظن بهم؟! هل عندك دليل على نسبة هذا الخُلُق الذميم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم؟! فإن كان؛ فأين هو؟ وإلا فما عليك إلا الإستغفار، وإعلان التراجع عن ذلك، والله أعلم ."
الجواب من وجوه:
الوجه الأول: أما جعل سوء الظن من الخلق الذميم مطلقاً فباطل شرعاً وعقلاً.
فسوء الظن بالعدو والكافر والمنافق الذي ظهرت علامات نفاقه أمر واجب .
قال ابن حبان في روضة العقلاء(ص/127): "سوء الظن على ضربين:
أحدهما: منهي عنه بحكم النبي -صلى الله عليه وسلم- .
والضرب الآخر: مستحب.
وأما الذي نهى عنه فهو استعمال سوء الظن بالمسلمين كافة على ما تقدم ذكرنا له .
وأما الذي يستحب من سوء الظن فهو كمن بينه وبينه عداوة أو شحناء في دين أو دنيا، يخاف على نفسه مَكْرَه، فحينئذ يلزمه سوء الظن بمكائده ومكره لئلا يصادفه على غِرَّةٍ بمكره فيهلكه .
وفي ذلك أنشدني الأبرش:
وحسن الظن يحسُنُ في أمور ويمكن في عواقبه ندامهْ
وسوء الظن يسمُج في وجوه وفيه من سماجته حزامهْ
وأنشدني محمد بن إسحاق الواسطي:
ما ينبغي لأخي ود وتجربة أن يترك الدهر سوء الظن بالناس
حتى يكون قريباً في تباعده عنا ويدفع ضر الحرص بالياس".
وانظر العزلة للخطابي(ص/168-180) فإنه مهم .
الوجه الثاني: أن مراد الشيخ ربيع-حفظَهُ اللهُ- بسوء الظن وارد في سياق كلامه.
وأراد بسوء الظن هو اتخاذ اللازم مع من وقع في المعصية أو وقع في البدعة .
فإحسان الظن الذي ينكره الشيخ ربيع-حفظَهُ اللهُ- هنا هو ترك هجرهم، والتحذير منهم .
فالنبي -صلى الله عليه وسلم- لم يحمله معرفته بهم وبسابقتهم أن يعاقبهم بأن هجرهم وأمر بهجرهم حتى يحكم الله فيهم بما شاء، فتاب الله عليهم وعفا عنهم ورفع درجتهم، ونفعهم الله بذلك الهجر.
وهذا الذي بينته واضح جداً من سياق الشيخ ربيع-حفظَهُ اللهُ-.
فإنه قال: "ولهذا قال الرسول عليه الصلاة والسلام: " فإذا رأيتم من يتبع المتشابه، فأولئك الذين عنى الله،فا حذروهم" ما قال أحسنوا بهم الظن، كما يقول الآن كثير من أهل الأهواء، أنتم تتكلمون عن النوايا، أنتم تتكلمون عن المقاصد، يا أخي،إذا رأينا عندك شبهاً وضلالات؛ أنت متهم، الله حذر منك، ورسول الله حذر منك، كيف ما نحذر منك؟، وكيف نحسن بك الظن؟..".
ثم قال: "فالرسول ليش ما أحسن الظن بهؤلاء؟! وهم صحابةٌ، وبعضهم بدريون،..".
فليس المراد مطلق إحسان الظن وإنما أراد إحسان الظن الذي يلزم منه ترك المعاقبة.
الوجه الثالث: أن شيخ الإسلام -رحمه الله- بين أنهم خشي عليهم النفاق بسبب المعصية وهذه الخشية هي التي أوجبت هجرهم ومعاقبتهم بما أنعم الله عليهم بالتوبة والإنابة ورفعة الدرجات -رضي الله عنهم- .
والخلاصة:
1- أن المأربي بتر كلام الشيخ ربيع-حفظَهُ اللهُ- ليلحق به الشين فعاد القدح عليه ولا يحيق المكر السيء إلا بأهله .
2- أن الشيخ ربيعاً-حفظَهُ اللهُ- تكلم بكلام ينزه الله فيه، وينكر على أهل البدع جعلهم دين الله وسيلة لتحقيق مآرب دنيوية فجعله المأربي من الكلام القبيح في الله عز وجل!!
فنعوذ بالله من الجهل والغباء.
3- أن المأربي افترى على الشيخ ربيع-حفظَهُ اللهُ- وادعى عليه أنه يتهم الصحابة بالنفاق، والحقيقة أن الشيخ ربيعاً-حفظَهُ اللهُ- يحكي الواقع ويثني على الصحابة ويبين رفعتهم وصدقهم وعلو منزلتهم .
4- أن الشيخ ربيعاً-حفظَهُ اللهُ- تكلم بكلام صحيح، والسياق يوضح ما حاول المأربي عيب الشيخ به .
5- ظهر أن المأربي متكلف في القدح في أسد السنة –حفظه الله وكسر شوكة عدوه- .
6- وظهر أن المأربي أنكر على الشيخ ربيع-حفظَهُ اللهُ- أمراً هو حق، وقد سبقه بنحوه شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله- .
والله أعلم وصلى الله وسلم على نبينا محمد .
المقال في ملف مرفق مع تقريظ الشيخ العلامة أحمد بن يحيى النجمي رحمه الله لكتابي إرواء الغليل
https://m-noor.com/otiby.net/book/mqalat/ebtal.doc