منتديات الجلفة لكل الجزائريين و العرب - عرض مشاركة واحدة - *«•¨*•.¸¸.»منتدى طلبة اللغة العربية و آدابها «•¨*•.¸¸.»*
عرض مشاركة واحدة
قديم 2012-12-23, 20:32   رقم المشاركة : 148
معلومات العضو
**د لا ل**
عضو مميّز
 
إحصائية العضو










افتراضي

كما تجدر الإشارة إلى أن الاتجاهات الشعرية الأخرى كالتقليدية والاتجاه الوجداني، بقيت قائمة وقت الثورة لكن طغى الجانب الثوري على الساحة الشعرية، ومن نماذج الاتجاهات الأخرى نجد الاتجاه الوجداني في طابعه الغزلي ومن ذلك ما كتبه أبو القاسم خمار في قصيدته ربيعي الجريح التي أرّخها بسنة 1955 حيث يقول:

هتف الحمام ورفرف الشحرور يشدو بالصفير
وتسابقت في الأفق أسراب القطا جدلى تطير[1]
وفي قصيدته شقراء التي أرّخها بسنة1960 يقول:
شقراء...يا فاتنة * الشعاع والضياء
يا باسمة الشروق* يا واهبة الإغراء
إليك يا ساحرتي* يا منبع الصفاء[2]
يظهر بوضوح الطابع الوجداني في هذين النموذجين، حيث لا يحملان أي إشارة للثورة ولا للمحتل، بل يزخران بألفاظ العواطف والوجدان، وكل ما له علاقة بالجانب الرومانسي، كالهتف والشحرور والقطا، والفاتنة ومنبع الصفاء وغيرها من الألفاظ التي تشير للبعد الوجداني مباشرة.


المحاضرة الثامنة: نص ما بعد الاستقلال:
تمتد فترة ما بعد الاستقلال، التي نقصدها، من الاستقلال سنة 1962م إلى غاية بداية السبعينات سنة 1970، وهي الفترة التي توقّفت فيها الحركة الشعرية الجزائرية بشكل نسبي، ويعلل الدارسون توقف الشعراء الرواد عن تطوير أساليب تعبيرهم الشعرية بسبب انصراف بعضهم الشعراء إلى الدراسة المتخصصة والبحث الأكاديمي وبعضهم الآخر أصابته دهشة الاستقلال، كما عملت الخِلافات التي شبّت بين أبناء الثورة قبيل الاستقلال وبعده، وأحداث إقليمية أخرى لصرفهم على المواصلة في قول الشعر[3]، وعليه كُتب للحركة الشعرية الجزائرية في هذه الفترة أن تتوقّفت ولو مؤقتا، وقد مسّ هذا التوقّف القصيدة العمودية والحرة على السواء، فلا نكاد نجد إنتاجا جديرا بالذكر لمرحلة كانت تستحق أكثر، خصوصا إذا قارنا هذه المرحلة بمرحلة الثورة قبلها، التي شهدت كما رأينا انتفاضة شعرية على مختلف المستويات. ومما يمكن تسجيله في هذه الفترة من النصوص المتفرّقة كتبها رواد جيل الثورة، الذين هجر بعضهم قرض الشعر كما حدث مع محمد العيد ومفدي زكريا، ومن هذه النماذج نذكر قصيدة يا غرفتي للشاعر أبو القاسم خمار التي ضمنها ديوانه ربيعي الجريح، وقد أرّخها الشاعر بسنة 1965م، ومنها يقول:
كم مقعد في غرفتي ينتظر
كم شمعة في ليلتي تحتضر[4]
إضافة لأبي القاسم خمار نجد الشاعر محمد الأخضر عبد القادر السائحي الذي كتب عن فرحة وبهجة الاستقلال، كما تغنى بالتصحيح الثوري في 19 جوان 1965 وفي ذلك يقول في قصيدته في ذكرى 19 جوان وهي مؤرّخة في سنة 1966 وقد تضمنها ديوانه "اقرأ كتابك أيها االعربي"*:
(يونيو) أيها الشهر الخلود * وطيف أحلام القلوب
أنت الحياة لموجة الأمجاد * في الوطن الحبيب[5]
إضافة لموضوع الثورة والاستقلال فقد كتب الشاعر في هذه الفترة وفق الطابع الرومانسي فجاءت قصائده تعجّ بالعواطف ومن نماذج ذلك نذكر قصيدته همسات المؤرّخة بسنة 1966، وهي من الشكل الحر ومنها يقول:
همسات
نشر السحر عليها صورا
أين منها وشوشات الطيف لصب العميد
همسات[6]
من خلال هذه الأسطر يظهر البعد الرومانسي الذي انتهجه الشاعر، فاللغة هامسة وقاموسها مليء بألفاظ العاطفة ومنها؛ همسات وشوشات الصب وغيرها، مما يجعلنا نصنفها في خانت الشعر الوجداني الذي ظل محافظا على مساره حتى بعد الاستقلال، ومن نماذج هذا الاتجاه أيضا في هذه الفترة، نذكر قصيدة فراشتي المؤرّخة سنة 1968 لذات الشاعر ومنها يقول:
فراشــتي هيا معي * إلى رمال الشاطئ
فراشـــتي هيا معي * إلى النسيم الهادئ
فالشمس أشرقت هنا * والبحر أصبح المنى[7]
عبر الأبيات يظهر بوضوح الوجه الرومانسي والمسحة العاطفية التي ميّزت الشاعر الذي أنتج العديد من النصوص في ذات الغرض خلال هذه الفترة، مما يقدّم الدليل على وجود إنتاج خلال هذه الفترة، لكن ظل الوجه العام للشعر الجزائري في تلك الفترة مندهشا من الفضاء الحر الذي دخله، فصمت وكأنه يستعد للانطلاق في اتجاه جديد يؤسس لثورة شعرية توازي الثورة التحريرية، بهذا لم يدم سكوت الشعراء طويلا فما كانت عشرية السبعينات تطل حتى انطلقت حركة شعرية كبيرة وشاملة قادت الشعر الجزائري بحلّته المعاصرة.

- بنية النص في شعر فترة السبعينات:
جاء النص في هذه الفترة مشبّعا بقيم إيديولوجية وافدة، نسخت النص بتصورات حوّلته إلى مجرد خطاب وشعارات ففقد أهم مقوّمات شعريته، ومن جهة أخرى تأثر رواد هذا النص ببعض الشعراء الحداثيين في المشرق العربي[8] الذين قطعوا شوطا في التحرّر من قيود عمود الشعر، لهذا فقد حاول رواد هذه الفترة الانطلاق من النموذج المشرقي من جهة ومتأثرين بالفكر الاشتراكي من جهة أخرى، ومن خصائص نصهم علة مستوى البنية نذكر:
1- مستوى اللغة الشعرية:
لم تخرج اللغة الشعرية لشعر هذه المرحلة عن قاموس الإيديولوجية الاشتراكية فجاءت قصائد الشعراء معبّئة بألفاظ العمال والمحراث والمنجل والتعاون وغيرها من الألفاظ الاشتراكية ومن أمثلة ذلك نذكر مما قاله أحمد حمدي* في ديوانه قائمة المغضوب عليهم:
حين تحلم طفلة
في حوض "الأمازون"
ومن أشعار "النيرودا"
تنفجر قنبلة موقوتة
يتحرك قلب العالم ينفض قبح القرن العشرين
...
ويرتفع العلم الوطني
على أسوار"أريتيريا"
يمتلئ العالم بالثوار[9]
نلاحظ المعجم المفعم بالألفاظ الاشتراكية كالوطنية والثورة والثوار والعلم الوطني، وغيرها مما حوّل النص لما يشبه الخطاب السياسي الداعي للحرية وكسر قيود المحتل، فلا نعثر فيه على ما يقرّبه لروح الشعر المفعم بالعواطف أو الأفكار والرؤى، وهذا ليس غريبا عن الشاعر أحمد حمدي الذي يعد من أبرز رواد الشعر في جيل السبعينات حيث تأثر بشكل كبير بالتغير الشعري الحاصل في الشعرية العربية الحديثة، وارتبط بإيديولوجية الخطاب السياسي في تلك المرحلة التي تعد امتداد للخط الثوري[10]، لهذا جاء نصه مفعما بأفكار الاشتراكية التي حمّلها قاموسه الشعري.
1- مستوى الإيقاع والتشكيل الهندسي:
مثلما تأثر النص الشعري الجزائري في هذه الفترة في جانبه اللغوي بالنص الحر في المشرق، فقد أخذ عنه الإيقاع الحر كذلك مسقطا بذلك قواعد عمود الشعر، فصارت قصائدهم تُبنى على التفعيلة الموحّدة أو على كسرها نهائيا، ومن أمثلة ذلك نذكر قصيدة الصوت والصدى لمصطفى محمد الغماري من ديوانه مقاطع من ديوان الرفض ومنها يقول:
يرفض أن تمارس العهارة
اه اا اه ااه ااه ااه ااه
مفْتعلن متفْعلن متفْعلن
باسم الحضاره!
اه اه ااه اه
مستفعلاتن
يرفض أن تمارس الطهارة
اه اا اه ااه ااه ااه ااه
مفْتعلن متفعلن متفعلن
في محفل التتويج والترويج للأمير والإمارة!
اه اه ااه اه اه ااه اه اه ااه ااه ااه ااه اه
مستفعلن مستفعلن مستفعلن متفعلن فعولن
يا زمن الحقارة![11]
اه اااه ااه اه
من خلال تقطيع النص نلاحظ أنه بني على تفعيلة مستفعلن وهي تفعيلة بحر الرجز، رغم ما دخل عليها من زحافات وعلل أخرجها في عدد من الأسطر من تفعيلة هذا البحر، وهذا يعكس عدم احتفاء الشاعر بالتفعيلة بشكل كبير فهو يريد كسرها مثله مثل بقية شعراء هذا الجيل الذين تمرّدوا على عمود الشعر وبدؤوا محاولات كسر الإيقاع المبني على التفعيلة، حيث، لم يُرضهم الالتزام بالتفعيلة والقافية، ليتخلى بعضهم عن التفعيلة بشكل نهائي، وهذا لا يعني قصيدة النثر بحال من الأحوال، بل جاء نوع من الرفض لأي شيء من الماضي فالتمرّد الذي تميز به هذا الجيل جعله يكفر بماضيه محاولا التأسيس لذاته من عدم، وهذا محال من الناحية الشعرية.
ومن خلال تتبع عدد من النماذج نجد أن هناك العديد من النماذج تلاعبت بإيقاع التفعيلة وأسقطته بشكل نسبي ومن ذلك ما نقرؤه في قصيدة ما ذنب المسمار أيا خشبة؟! لحمري بحري ومنها يقول:
قمر مشلول يجلس في العتبة
اااه اه اه اه اه اا اه اااه
فعلن فالاتن فعلن فعلن
والليل رهيب
اه اه ا ااه اه
والليل عجيب
اه اه ا ااه اه
لكي أسمع في الفجر الأتي
ااه اه اه اه اه اه اه اه
إنشاد...
إنشاد...
...... في منجل فلاح
في مطرقة الحداد
إنشاد...[12]
من خلال تقطيع الأسطر نلاحظ عدم استقرار تفعيلاتها فلا يمكن انتظامها في شكل محدد مما يجعلنا نُسقط إيقاع التفعيلة عنها، وهذا لا يُدخلها في باب قصيدة النثر كما ذكرنا لكون الأخيرة تقوم على تقنيات تختلف عما كرّسه شعراء مرحلة السبعينات.
إضافة لتطوير الإيقاع فقد مس التحوّل التشكيل الهندسي للقصيدة فقد أخذت أشكال القصيدة الحرة، من الشكل الشجري إلى الذي يعتمد على الرموز والإشارات غير اللغوية، إلى جعل النص بأكمله يشكّل شكلا هندسيا كالخط المستقيم والمثلث وغيرها من الأشكال، ومن أمثلة ذلك قصيدة الغماري أواه يا سفر من ديوانه أغنيات الورد والنار يقول:
جرح يغيم..
وموجة تنأى
وشطآن تلوب
ومدى..
تسكّع في شفاه الدهر
يُجهضه الغروب[13]
يظهر بوضوح الشكل الشجري للأسطر المختلفة الأطوال، حيث يرتبط ذلك بعدد التفعيلات في كل سطر، مما يعكس تعدد الدفقات الشعرية في القصيدة التي اعتمدت الجملة الشعرية كبنية لتشكيل أسطرها، حيث تنتهي أول جملة في قوله "شطآن تلوب" والجملة الثانية في قوله "يُجهضه الغروب" وقد عملت الجمل على المساهمة في التوزيع المختلف للأسطر مما يعبّر على اختلاف في رؤى الشاعر عبر محطات القصيدة.



خاتمة : لم تتوقف الحركة الشعرية عند فترة السبعينات بل استمرت في التطور عبر مراحل مختلفة متأثرة بالمد الشعري المشرقي من جهة، وقدرة الشعراء الرواد على تطوير نصوصهم من جهة أخرى، حيث ظهرت شعرية الاختلاف (الثمانينيات) التي قدّمت نموذج قصيدة النثر في شكله الأكثر تطوّرا، ويدخل هذا النص في الشعرية الجزائرية المعاصرة.


[1]محمد أبو القاسم خمار، ربيعي الجريح، ص 17.

[2]المصدر نفسه، ص 41.

[3]أحمد يوسف، يتم النص، الجينيالوجيا الضائعة، ص73

[4]محمد أبو القاسم خمار، ربيعي الجريح، ص 115.

* المؤسسة الوطنية للكتاب، الجزائر، 1985م.

[5]محمد الأخضر عبد القادر السائحي، اقرأ كتابك أيها العربي، المؤسسة الوطنية للكتاب، الجزائر، دط، 1985م، ص 19.

[6]المصدر نفسه، ص 15.

[7]المصدر نفسه، ص 29.

[8]ينظر، أحمد يوسف، يتم النص، الجينيالوجيا الضائعة، ص78.

* أحمد حمدي شاعر جزائري معاصر، له عدة دواوين منها انفجارات، وقد أصدره سنة 1982 ليدخل في مرحلة السبعينات، وديوان؛ تحرير ما لا يحرر سنة 1985 وفيه بدأ يتخلص من وطأة الإيديولوجية ويدخل في جيل الاختلاف واليتم.

[9]أحمد حمدي، قائمة المغضوب عليهم، الشركة الجزائرية للنشر والتوزيع، الجزائر، 1980، دط، ص 99. عن أحمد يوسف، ص 81.

[10]ينظر، مشري بن خليفة، مقال بعنوان "دلالة العنوان في ديوان-أشهد أنني رأيت- للشاعر أحمد حمدي"، مجلة الأثر، دورية أكاديمية محكّمةـ تصدر عن كلية الآداب واللغاتـ جامعة ورقلة – الجزائر، العدد الثاني، ماي 2003م، ص 200.

[11]مصطفى محمد الغماري، مقاطع من ديوان الرفض، المؤسسة الوطنية للكتاب، الجزائر 1989، دط، ص 33.

[12]حمري بحري، ما ذنب المسمار يا خشبة؟!، 1981، ص 11، ص 12.

[13]مصطفى محمد الغماري، أغنيات الورد والنار، الشركة الوطنية للنشر والتوزيع، الجزائر، 1980م، دط، ص 53.









رد مع اقتباس