وتنقاد النفس إلى كتابات هذا الشيخ الجليل (ابن باز )
الذي تمثل آداب الإسلام وهديه فيما يصدر عنه من أقوال ، دع عنك بقية أحواله . ومن باب النصح لله ولكتابه ولرسوله صلى الله عليه وسلم ولخاصة المسلمين وعامتهم ، وبما أوجبه الله على أهل العلم من قول الحق وعدم كتمانه ، والقيام بالدعوة إلى الله والإرشاد إلى سبيله ، والدفاع عن دينه ، والذب عن حياضه ، قام ابن باز بواجبه المنوط به على مدى عقود من الزمن ، فجاهد بلسانه وقلمه ، فوقف في وجه الدعوات الهدامة والاتجاهات المنحرفة ، وشارك في معالجة كثير من القضايا المستجدة ، وتكلم وكتب موجهاً للجاهلين ، ومصححاً للمخطئين ، ومناقشاً للمجتهدين ، ورداً على المعاندين ، سواء ما كان في الوسائل المسموعة أو المقروءة . وقد وصل عدد ما طالعته من رسائله ومقالاته التي حررها للتنبيه عن الأخطاء وبيان الحق (الردود) ما يقرب من ثلاثين ، كان معظمها حول ما ورد في صحف ومجلات ، وباقيها القليل حول ما جاء عبر التليفزيون والإذاعة ، وقد كانت نسبة ضئيلة منها رداً على أحد تعرض له ، أما القسم الأكبر فقد أنشأه الشيخ لما يراه واجباً عليه من كشف الباطل وإيضاح الحق ، وتعليم الجاهل ، وتوجيه الغافل ، ورد الشارد إلى الطريق المستقيم . ومن خلال ما اطلعت عليه من آثار الشيخ في نقد أقوال الآخرين وكتاباتهم رصدت مجموعة من الضوابط والآداب التي كان يلتزم بها ويستند إليها عند عرضه للآراء والأقوال ، ومن ثم مناقشتها والحكم على أصحابها ، وأستطيع أن أجملها في النقاط التالية :
أولاً : ذكره لصاحب المقال أو البحث أو الكتاب المراد مناقشته باسمه الذي وقع به مقاله أو بحثه أو كتابه ، وذلك من حين أن يبدأ بيان الحق له وحتى النهاية ، كما أنه لا يُغفل لقبه العلمي كالشيخ أو الدكتور ونحوهما ، ثم إنه لا يأخذه الحماس في الرد – كما يفعل بعضهم – إلى تحريف الاسم أو الاكتفاء بجزء منه ازدراءً واحتقاراً ، كما لا تجره حدة المناقشة إلى السخرية من عنوان المقالة أو البحث أو الكتاب ، أو التندر ببعض ألفاظ الكتاب كما يفعل بعض المولعين بالردود على الآخرين وانتقاد كتاباتهم .ثانياً : نقله لأقوال المتحدث أو الكاتب بنصوصها الكاملة غير مبتسرة من وسطها أو أطرافها ، ثم مناقشتها مناقشة علمية ، عبارة بعد أخرى ، أو مقطعاً بعد آخر .ثالثاً: استخدام الألفاظ الدارجة ، والعبارات السهلة في حواره مع الكاتب أو المتحدث ، بحيث يفهم المقصود من أول وهلة ، فهو يهتم بالمعنى قبل المبنى ، فلا يرص كلمات وعبارات من حوشى الكلام ، فتضيع الفائدة في ركام من الكلمات والعبارات ، وقد يفهم منها خلاف المقصودرابعاً : اعتماده في تنبيهاته للمخطئين في كتاباتهم على كتاب الله تعالى وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ثم أقوال السلف والأئمة الأعلام من المتقدمين والمتأخرين ، ويكون نقله نقلاً موثقاً .خامساً : الصدع بكلمة الحق وما يراه صواباً دون مماراة أو مداهنة ، ولكن ذلك يكون بأدب جم ، وأسلوب هادي ، وتوجيه حكيم ، وكلمات مهذبة ، وكل كتاباته في هذا الميدان تشهد بما نقول ، ولنأخذ مثلاً واحداً ، فلقد دعا أحد المشايخ – في مقالٍ له – إلى جمع الكلمة بين الفئات الإسلامية ، وتضافر الجهود ضد أعداء الإسلام ، وأن الوقت ليس وقت مهاجمة أتباع المذاهب . فرد الشيخ رحمه الله بقوله :" ولا ريب أنه يجب على المسلمين توحيد صفوفهم ، وجمع كلمتهم على الحق ، وتعاونهم على البر والتقوى ضد أعداء الإسلام كما أمرهم الله سبحانه بذلك عز وجل { واعتصموا بحبل الله جميعاً ولا تفرقوا } وحذرهم من التفرق بقوله سبحانه { ولا تكونوا كالذين تفرقوا واختلفوا من بعد ما جاءهم البينات } الآية . ولكن لا يلزم من وجوب اتحاد المسلمين وجمع كلمتهم على الحق واعتصامهم بحبل الله ألا ينكروا المنكر على من فعله أو اعتقده من الصوفية وغيرهم ، بل مقتضى الأمر الاعتصام بحبل الله أن يتآمروا بالمعروف ، ويتناهو عن المنكر ، ويبينوا الحق لمن ظنه ، أو ظن ضده صواباً بالأدلة الشرعية حتى يجتمعوا على الحق وينبذوا ما خالفه ، وهذا مقتضى قوله سبحانه { وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان } ، وقوله سبحانه :{ ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر وأولئك هم المفلحون } ، ومتى سكت أهل الحق عن بيان أخطاء المخطئين ، وأغلاط الغالطين لم يحصل منهم ما أمرهم الله به من الدعوة إلى الخير والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، ومعلوم ما يترتب على ذلك من إثم الساكت عن إنكار المنكر وبقاء الغالط على غلطه ، والمخالف للحق على خطئه ، وذلك خلاف ما شرعه الله سبحانه من النصيحة والتعاون على الخير ، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والله ولي التوفيق ".سادساً : توقيره للعلماء داخل البلاد وخارجها على حد سواء ، واحترامه لآرائهم وفتاويهم ، وإن خالفهم في شيء منها بيِّن رأيه المدعم بالأدلة متجنباً تجهيل الآخر ، أو تسفيه قوله ، بل تراه يدعو لنفسه أولاً وللقائل ثانياً بالتوفيق لإصابة الحق ، فمثلاً أفتى أحد العلماء المعاصرين بأن اللحوم المستوردة من أهل الكتاب مما يذكر بالصعق الكهربائي ونحوه حلال لنا ما داموا يعتبرونها حلالاً . فرد عليه – رحمه الله – بقوله:" أقول هذه الفتوى فيها تفصيل " ثم راح يفصل ما يحل منها للمسلمين وما يحرم ، ثم قال :" وبما ذكر يتضح ما في جواب الشيخ ...(1). وفقه الله من الإجمال " ثم أكمل بقية بيانه ، ثم قال :" ولواجب النصح والبيان والتعاون على البر والتقوى جرى تحريره ". وبعدها ختم كلمته بالدعاء بقوله : " وأسأل الله أن يوفقنا وفضيلة الشيخ ... وسائر المسلمين لإصابة الحق في القول والعمل إنه خير مسئول ..."
