التغيير ... أكثر الكلمات سحرا و أشدها غموضا ... الكل ينادي بالتغيير و لكن قلة قليلة منا تتطوع لتعرض علينا تفاصيل الواقع المراد تغييره ... فالتغيير يقتضي معرفة ما يجب تغييره و من ثم تحديد الوسائل و السبل اللازمة لإحداثه.
لا احد منا ينكر ان التغير لم يكن يوما حاجة طارئة أو ظرفية، فهو من الحتميات التي يفرضها التطور الإجتماعي نفسه منذ أول ظهور للإنسان على سطح هذا الكوكب و إبتداعه أطرا و قواعد تنظم حياته الإجتماعية و علاقته بالآخر فردا كان أم مجموعة ... و هو بالتالي من متطلبات التنظيم قبل أن يكون حاجة أو رغبة فردية، فالتنظيم من خلال عيوبه و نقائصه و عدم فعاليته ينتج أو يدفع إلى التغيير حتى يستمر و هو يستمر لأنه لا يمكن تصور إستمرار الحياة البشرية دونه.
إذن ليس التغيير خيارا إن شئنا لجانا إليه و إن أبينا تركناه، بل نحن في موقف المجبر عليه و على توفير أسبابه و خلق الظروف الضرورية لنجاحه.
غير أنني أستغرب شخصيا أن تقترن الدعوة إلى التغيير بالشكل دون المضمون، فتجد الجيمع ينادون بتغيير النظام ممثلا في رئيس الدولة و طاقمه الحكومي أو تغيير رئيس بلدية ما و كأن ذلك كفيل بإصلاح الخلل، و لو عكسنا الطرح قليلا لكان التغيير أمرا متاحا بقليل من الجهد و بثمن يكون الوطن أكثر قدرة على إحتماله.
لذلك أرى أن كل أدوات إحداث التغيير غير العنفية متاحة و مشروعة و قابلة للنقاش، فالأحزاب السياسية و الجماعات الضاغطة و مراكز الإشعاع الفكري كلها مدعوة إلى ممارسة الضغط المطلوب لإحداث تغييرات عامة على صعيد النظم و النصوص و الممارسات وصولا إلى الإصلاح المنشود و الذي لن يكون سوى مرحلة من عمر الأمة لا تلبث العقول أن تعود مستقبلا لتغيير ما نعتبره اليوم هدفا و غاية.
نحن الشعوب لا يهمنا من يحكمنا بل نهتم أكثر بـ " كيف يحكمنا " ... و حين تترسخ هذه القناعة في أذهاننا نكون قد وضعنا اولى الخطى على درب التغيير و الإصلاح.