منتديات الجلفة لكل الجزائريين و العرب - عرض مشاركة واحدة - {}{}{}الانبياء و الرسل عليهم السلام (ابراهيم عليه السلام){}{}{}
عرض مشاركة واحدة
قديم 2007-10-12, 00:06   رقم المشاركة : 3
معلومات العضو
boulboul
مشرف سابق
 
الصورة الرمزية boulboul
 

 

 
إحصائية العضو










افتراضي

قال الله تعالى: (وقال إني ذاهب إلى ربي سيهدين رب هب لي من الصالحين فبشرناه بغلام حليم) الصافات 99 -101، يذكر الله تعالى عن خليله ابراهيم أنه لما هاجر من بلاد قومه سأل ربه أن يهبه ولداً صالحاً، فبشره الله تعالى بغلام حليم وهو إسماعيل عليه السلام، لأنه أول من ولد له على رأس ست وثمانين سنة من عمر الخليل، وهذا ما لا خلاف فيه، لأنه أول ولده وبكره. وقوله: (فلما بلغ معه السعي) أي شب وصار يسعى في مصالحه كأبيه قال مجاهد: (فلما بلغ معه السعي) أي شب وارتحل وأطاق ما يفعله أبوه من السعي والعمل فلما كان هذا رأى ابراهيم عليه السلام في المنام أنه يؤمر بذبح ولده. هذا وفي الحديث عن ابن عباس مرفوعاً: (رؤيا الأنبياء وحي) قاله عبيد بن عمير أيضاً وهذا اختبار من الله عزوجل لخليله في أن يذبح الولد (العزيز الذي جاءه) على كبر وقد طعن في السن، بعدما أمر بأن يسكنه هو وأمه في بلاد قفر وواد ليس به حسيس ولا أنيس ولا زرع ولا ضرع، فامتثل أمر الله في ذلك، وتركهما هناك ثقة بالله وتوكلاً عليه، فجعل الله لهما فرجاً ومخرجاً، ورزقهما من حيث لا يحتسبان ثم لما أمر بعد هذا كله بذبح ولده هذا الذي قد أفرده عن أمر ربه وهو بكره، ووحيده الذي ليس له غيره، أجاب ربه، وامتثل أمره، وسارع إلى طاعته. ثم عرض ذلك على ولده ليكون أطيب لقلبه، وأهون عليه من أ، يأخذه قسراً، ويذبحه قهراً: (قال يا بني إني أرى في المنام أني أّبحك فانظر ماذا ترى) فبادر الغلام الحليم سر والده الخليل ابراهيم، فقال: (يا أبت افعل ما تؤمر ستجدني إن شاء الله من الصابرين) وهذا الجواب غاية السداد، والطاعة للوالد ولرب العباد، قال الله تعالى: (فلما أسلما وتله للجبين) قيل: أسلما أي استسلما لأمر الله وعزما على ذلك. وقيل: هذا من المقدم والمؤخر والمعنى تله للجبين: أي ألأقاه على وجهه. قيل: أراد أن يذبحه من قفاه لئلا يشاهده في حال ذبحه. قاله ابن عباس ومجاهد وسعيد بن جبير وقتادة الضحاك. وقيل: بل أضجعه كما تضجع الذبائح، وبقي طرف جبينه لاصقاً بالأرض، وأسلما: أي سمى ابراهيم وكبر، وتشهد الولد للموت، قال السدي وغيره: أمر السكين على حلقه فلم تقطع شيئاً ويقال: جعل بينهما وبين حلقه صفيحة من نحاس، والله أعلم. فعند ذلك نودي من الله عزوجل: (أن يا إبراهيم قد صدقت الرؤيا) أي قد حصل المقصود من اختبارك وطاعتك ومبادرتك إلى أمر ربك، وبذلك ولدك للقربان كما سمحت ببدنك للنيران، وكما مالك مبذول للضيفان، ولهذا قال تعالى: (إن هذا لهو البلاء المبين) أي الاختبار الظاهر البين. وقوله (وفديناه بذبح عظيم) أي وجعلنا فداء ذبح ولده ما يسره الله تعالى له من العوض عنه والمشهور عن الجمهور: أنه كبش أبيض أعين أقرن، رآه مربوطاً بسمرة في ثبير (جبل خارج مكة) قال الثوري: عن عبد الله بن عثمان بن حيثهم عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال: كبش قد رعى في الجنة أربعين خريفاً. وقال سعيد بن جبير: كان يرتع في الجنة حتى تشقق عنه ثبير، وكان عليه عهن (صوف مصبوغ) أحمر، وعن ابن عباس: هبط عليه من ثبير كبش أعين أقرن له ثغاء فذبحه، وهو الكبش الذي قربه ابن آدم فتقبل منه. رواه ابن أبي حاتم.

عن ابن عباس أنه قال: المفدى إسماعيل وزعمت اليهود أنه إسحاق وكذبت اليهود. وقال عبد الله بن الإمام أحمد عن أبيه: هو إسماعيل. وقال ابن أبي حاتم: سألت عن الذبيح؟ فقال: الصحيح أنه إسماعيل عليه السلام. قال ابن أبي حاتم وروى عن علي وابن عمر وأبي هريرة وأبي الطفيل وسعيد بن المسيب وسعيد بن جبير والحسن ومجاهد والشعبي ومحمد بن كعب وأبي جعفر محمد بن علي وأبي صالح أنهم قالوا: الذبيح هو إسماعيل عليه السلام. وحكاه البغوي أيضاً عن الربيع بن أنس والكلبي وأبي عمرو بن العلاء قلت: وروى عن معاوية وجاء عنه أن رجلاً قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم يا ابن الذبيحين فضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم وإليه ذهب عمر بن عبد العزيز ومحمد بن إسحاق عن بريدة عن سفيان بن فروة الأسلمي عن محمد بن كعب: أنه حدثهم أنه ذكر لعمر بن عبد العزيز وهو خليفة إذ كان معه بالشام (يعني استدلاله بقوله بعد العصمة) فبشرناه بإسحاق ومن وراء إسحاق يعقوب. فقال له عمر: إن هذا الشيء ما كنت أنظر فيه وإني لأراه كما قلت ثم أرسل إلى رجل كان عنده بالشام كان يهودياً فأسلم وحسن إسلامه، وكان يرى أنه من علمائهم. قال: فسأله عمر بن عبد العزيز: أي ابني إبراهيم أمر بذبحه؟ فقال: إسماعيل والله يا أمير المؤمنين وإن اليهود لتعلم بذلك ولكنهم يحسدونكم معشر العرب على أن يكون أباكم الذي كان من أمر الله فيه والفضل الذي ذكره الله منه لصبره لما أمر به فهم يجحدون ذلك ويزعمون أنه إسحاق لأن إسحاق أبوهم.
قال الله تعالى: (وبشرناه بإسحاق نبياً من الصالحين. وباركنا عليه وعلى إسحاق ومن ذريتهما محسن وظالم لنفسه مبين) الصافات 112 - 113 وقد كانت البشارة به من الملائكة لإبراهيم وسارة لما مروا بها مجتازين ذاهبين إلى مدائن قوم لوط عليه السلام ليدمروا عليهم لكفرهم وفجورهم.
يذكر الله تعالى أن الملائكة قالوا: (وكانوا ثلاثة جبريل وميكائيل وإسرافيل) لما وردوا على الخليل حسبهم أضيافاً فعاملهم معاملة الضيوف، فشوى لهم عجلاً سميناً من خيار بقره فلما قربه إليهم وعرض عليهم لم ير لهم همة إلى الأكل بالكلية وذلك لأن الملائكة ليس فيهم قوة الحاجة إلى الطعام (فنكرهم) إبراهيم (وأوجس منهم خيفة قالوا لا تخف إنا أرسلنا إلى قوم لوط) أي لندمر عليهم فاستبشرت عند ذلك سارة غضباً لله عليهم وكانت قائمة على رؤوس الأضياف كما جرت به عادة العرب وغيرهم فلما ضحكت استبشاراً بذلك قال الله تعالى: (فبشرناها بإسحاق ومن وراء إسحاق يعقوب) أي بشرتهما الملائكة بذلك (فأقبلت امرأته في صرة) أي في صرخة (فصكت وجهها) أي كما تفعل النساء عند التعجب (وقالت يا ويلتي أألد وأنا عجوز وهذا بعلي شيخاً) أي كيف يلد مثلي وأنا كبيرة وعقيم أيضاً وهذا بعلي أي زوجي شيخاً؟! تعجبت من وجود ولد والحالة هذه ولهذا قالت: (إن هذا لشيء عجيب قالوا أتعجبين من أمر الله رحمة الله وبركاته عليكم أهل البيت إنه حميد مجيد) وكلك تعجب إبراهيم عليه السلام استبشاراً بهذه البشارة وتثبيتاً لها وفرحاً بها: (قال أبشرتموني على أن مسني الكبر فبم تبشرون. قالوا بشرناك بالحق فلا تكن من القانطين) أكدوا الخبر بهذه البشارة وقرروه معه فبشروهما (بغلام عليم) وهو إسحاق، وأخوه إسماعيل غلام حليم مناسب لمقامه وصبره وهكذا وصفه ربه بصدق الوعد والصبر. وقال في الآية الأخرى: (فبشرناها بإسحاق ومن وراء إسحاق يعقوب) وهذا مما استدل به محمد بن كعب القرظي وغيره على أن الذبيح هو إسماعيل وأن إسحاق لا يجوز أن يؤمر بذبحه بعد أن وقعت البشارة بوجوده ووجود ولده يعقوب المشتق من العقب من بعده.
أحضر إبراهيم عليه السلام مع العجل الحنيذ (وهو: المشوي) رغيفاً من مكة فيه ثلاثة إكاء وسمن ولبن. وعندهم: أنهم أكلوا. وهذا غلط محض. وقيل: كانوا يودون أنهم يأكلون والطعام يتلاشى في الهواء. وعندهم أن الله تعالى قال لإبراهيم: أما سارا امرأتك فلا يدعى اسمها سارا ولكن اسمها سارة: وأبارك عليها وأعطيك منها ابناً وأباركه ويكون الشعوب وملوك الأرض منه. فخر إبراهيم على وجهه (يعني ساجداً) وضحك قائلاً في نفسه: أبعد مائة سنة يولد لي غلام؟ أو سارة تلد وقد أتت عليها تسعون سنة؟ وقال إبراهيم لله تعالى: ليت إسماعيل يعيش قدامك. فقال الله لإبراهيم: بحقي إن امرأتك سارة تلد لك غلاماً وتدعو اسمه إسحاق إلى مثل هذا الحين من قابل وأوثقه ميثاقي إلى الدهر ولخلفه من بعده وقد استجبت لك في إسماعيل وباركت عليه وكبرته ونميته جداً كثيراً ويولد له إثنا عشر عظيماً وأجعه رئيساً لشعب عظيم. فقوله تعالى: (فبشرناها بإسحاق ومن وراء إسحاق يعقوب) دليل على أنها تستمتع بوجود ولدها إسحاق ثم من بعده بولد ولده يعقوب. أي ويلد في حياتهما لتقر أعينهما به كما قرت بولده. ولو لم يرد هذا لم يكن لذكر يعقوب وتخصيص التنصيص عليه من دون سائر نسل إسحاق فائده ولما عين بالذكر دل على أنهما يتمتعان به ويسران بولده كما سر بمولد أبيه من قبله وقال تعالى: (فلما اعتزلهم وما يعبدون من دون الله وهبنا له إسحاق ويعقوب) مريم 49. وهذا إن شاء الله ظاهر قوي ويؤيده ما ثبت في الصحيحين.
عن أبي ذر قال: قلت: يا رسول الله أي مسجد وضع أول؟ قال: المسجد الحرام. قلت: ثم أي؟ قال: المسجد الأقصى. قلت: كم بينهما؟ قال أربعون سنة. قلت ثم أي؟ قال: ثم حيث أدركت الصلاة فصل، فكلها مسجد. وعند أهل الكتاب: أن يعقوب عليه السلام هو الذي أسس المسجد الأقصى، وهو مسجد إيليا بيت المقدس شرفه الله. وهذا متجه، ويشهد له ما ذكرناه من الحديث فعلى هذا يكون بناء يعقوب (وهو إسرائيل) عليه السلام بعد بناء الخليل وابنه إسماعيل المسجد الحرام بأربعين سنة سواء، وقد كان بناؤهما ذلك بعد وجود إسحاق لأن إبراهيم عليه السلام لما دعا قال في دعائه كما قال تعالى: (وإذ قال إبراهيم رب اجعل هذا البلد آمناً واجنبني وبني أن نعبد الأصنام) إبراهيم: 35 جاء في الحديث من أن سليمان بن داود عليهما السلام لما بني بيت المقدس سأل الله خلالاً ُثلاثاً عند قوله: (رب اغفر لي وهب لي ملكاً لا ينبغي لأحد من بعدي) ص: 35. المراد من ذلك (والله أعلم) أنه جدد بناءه كما تقدم من أن بينهما أربعين سنة ولم يقل أحد إن بين سليمان وإبراهيم أربعين سنة سوى ابن حيان في تقاسيمه وأنواعه وهذا القول لم يوافق عليه ولا سبق إليه.
يذكر الله تعالى عن عبده ورسوله وصفيه وخليله إمام الحنفاء ووالج الأنبياء عليه أفضل صلاة وتسليم: أنه بنى البيت العتيق الذي هو أول مسجد وضع لعموم الناس يعبدون الله فيه وبوأه الله مكانه أي أرشده إليه ودله عليه. وقد روي عن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب وغيره أنه أرشد إليه بوحي من الله عزوجل. وقد ذكر في صفة خلق السملولت أن الكعبة بحيال البيت المعمور بحيث أنه لو سقط لسقط عليها.
قال الله تعالى: (إن أول بيت وضع للناس للذي ببكة مباركاً وهدي العالمين) أي أول بيت وضع لعموم الناس للبركة والهدى: البيت الذي ببكة. قيل: مكة. وقيل: محل الكعبة (فيه آيات بينات) أي على أنه بناء الخليل والد الأنبياء من بعده وإمام الحنفاء من ولده الذين يقتدون به ويتمسكون بسنته ولهذا قال: (مقام إبراهيم) أي الحجر الذي كان يقف عليه قائماً لما ارتفع البناء عن قامته فوضع له ولده هذا الحجر المشهور ليرتفع عليه لما تعالى البناء وعظم الفناء. وقد كان هذا الحجر ملصقاً بحائط الكعبة على ما كان عليه من قديم الزمان إلى أيام عمر بن الخطاب رضي الله عنه في هذا فإنه قد وافقه ربه في أشياء منها في قوله لرسوله صلى الله عليه وسلم: لو اتخذنا من مقام إبراهيم مصلى؟ فأنزل الله: (واتخذوا من مقام إبراهيم مصلى) البقرة: 125 وقد كانت آثار قدمي الخليل باقية في الصخرة إلى أول الإسلام.
يعني أن رجله الكريمة غاصت في الصخرة فصارت على قدر قدمه حافية لا منتعلة ولهذا قال تعالى: (وإذ يرفع إبراهيم القواعد من البيت وإسماعيل) أي في حال قولهما: (ربنا تقبل منا إنك أنت السميع العليم) فهما في غاية الإخلاص والطاعة لله عزوجل وهما يسألان من الله السميع العليم أن يتقبل منهما ما هما فيه من الطاعة العظيمة والسعي المشكور: (ربنا واجعلنا مسلمين لك ومن ذريتنا أمة مسلمة لك وأرنا مناسكنا وتب علينا إنك أنت التواب الرحيم) البقرة: 128.
والمقصود أن الخليل بنى أشرف المساجد في أشرف البقاع في واد غير ذي زرع ودعا لأهلها بالبركة وأن يرزقوا من الثمرات مع قلة المياه وعدم الأشجار والزروع والثمار أن يجعله جرماً محرماً وآمناً محتماً. فاستجاب الله - وله الحمد - له مسألته ولبى دعوته وأتله طلبته فقال تعالى: (أولم يروا أنا جعلنا حرماً آمناً ويتخطف الناس من حولهم) العنكبوت: 67 وقال تعالى: (أو لم نمكن لهم حرماً آمناً يجبي إليه ثمرات كل شيء رزقاً من لدنا) القصص: 57. وسأل الله أن يبعث فيهم رسولاً منهم أي من جنسهم وعلى لغتهم الفصيحة البليغة النصيحة لتتم عليهم النعمتان الدنيوية والدينية سعادة الأولى والأخرى. وقد استجاب الله له: فبعث فيهم رسولاً وأي رسول؟ ختم به أنبياءه ورسله وأكمل له من الدين مالم يؤت أحداً قبله وعم بدعوته أهل الأرض على اختلاف أجناسهم ولغاتهم وصفاتهم في سائر الأقطار والأمصار والأعصار إلى يوم القيامة، وكان هذا من خصائصه من بين سائر الأنبياء لشرفه في نفسه وكمال ما أرسل به وشرف بقعته وفصاحة لغته وكمال شفقته على أمته ولطفه ورحمته وكريم محتده وعظيم مولده وطيب مصدره ومورده ولهذا استحق إبراهيم الخليل عليه السلام إذ كان باني الكعبة لأهل الأ{ض أن يكون منصبه ومحله وموضعه في منازل السماوات ورفيع الدرجات عند البيت المعمور الذي هو كعبة أهل السماء السابعة المبارك المبرور الذي يدخله كل يوم سبعون ألفاً من الملائكة يتعبدون فيه ثم لا يعودون إليه إلى يوم البعث والنشور. قال السدي: لما أمر الله إبراهيم وإسماعيل أن يبنيا البيت ثم لم يدريا أين مكانه حتى يبعث الله ريحاً يقال الخجوج لها جناحان ورأس في صورة حية فنكست لهما ما حول الكعبة عن أساس البيت الأول وإتبعاها بالمعاول يحفران حتى وضعا الأساس وذلك حين يقول تعالى: (وإذ بوأنا لإبراهيم مكان البيت) فلما بلغا القواعد بنيا الركن.
قال إبراهيم لإسماعيل: يا بني اطلب لي الحجر الأسود من الهند وكان أبيض ياقوتة بيضاء مثل النعامة وكان آدم هبط به من الجنة فاسود من خطايا الناس. فجاءه إسماعيل بحجر فوجده عند الركن فقال: يا أبتي من جاءك بهذا؟! قال: جاء به من هو أنشط منك. فبنيا وهما يدعوان الله: (ربنا تقبل منا إنك أنت السميع العليم). وذكر ابن أبي حاتم: أنه بناه من خمسة أجبل وأن ذا القرنين - وكان ملك الأرض إذ ذاك - مربهما وهما يبنيانه فقال: من أمر كما بهذا؟ فقال إبراهيم: الله أمرنا به. فقال: وما يدريني بما تقول؟ فشهدت خمسة أكبس أنه أمره بذلك فآمن وصدق.
وذكر الأزرقي أنه طاف مع الخليل بالبيت وقد كانت على بناء الخليل مدة طويلة ثم بعد ذلك بنتها قريش فقصرت بها عن قواعد إبراهيم من جهة الشمال مما يلي الشام على ما هي عليه اليوم. وفي الصحيحين: من حديث مالك عن ابن شهاب عن سالم ابن عبدالله بن محمد بن أبي أبكر أخبر ابن عمر عن عائشة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (ألم تر إلى قومك جين بنو الكعبة اقتصروا عن قواعد إبراهيم؟! فقلت: يا رسول الله ألا تردها على قواعد إبراهيم؟ فقال: لولا حدثان قومك - وفي رواية لولا أن قومك حديث عهد بجاهلية أو قال بكفر - لأنفقت كنز الكعبة في سبيل الله ولجعلت بابها بالأرض ولأدخلت فيها الحجر). وقد بناها ابن الزبير - رحمه الله - في أيامه على ما أشار إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم حسبما أخبرته خالته عائشة أم المؤمنين عنه فلما قتله الحجاج في سنة ثلاث وسبعين كتب إلى عبدالملك بن مروان الخليفة إذ ذاك فاعتقدوا أن ابن الزبير إنما صنع ذلك من تلقاء نفسه فأمر بردها إلى ما كانت عليه فنقضوا الحائط الشامي وأخرجوا منها الحجر ثم سدوا الحائط وردموا الأحجار في جوف الكعبة فارتفع بابها الشرقي وسدوا الغربي بالكلية كما هو مشاهد إلى اليوم ثم لما بلغهم أن ابن الزبير إنما فعل هذا لما أخبرته عائشة أم المؤمنين ندموا على مافعلوا وتأسفوا أم لو كانوا تركوه وما تولى من ذلك. ثم لما كان في زمن المهدي بن المنصور استشار الإمام مالك بن أنس في ردها على الصفة التي بناها ابن الزبير فقال له: إني أخشى أن يتخذها الملوك لعبة - يعني كلما جاء ملك بناها على الصفة التي يريد - فاستقر الأمر على ما هي عليه اليوم.
قال الله تعالى: (وإذ ابتلى إبراهيم ربه بكلمات فأتمهن قال إمي حاعلك للناس إماماً. قال ومن ذريتي قال لا ينال عهدي الظالمين) البقرة 124 لما وفي ما أمره ربه به من التكالي ف العظيمة جعله للناس إماماً يقتدون به ويأتمون بهديه، وسأل الله أن تكون هذه الإمامة متصلة بسببه وباقية في نسبه وخالدة في عقبه، فأجيب إلى ما سأل ورام. وسلمت إليه الإمامة بزمام، واستثنى من نيلها الظالمون، واحتص بها من ذريته العلماء العاملون كما قال تعالى: (ووهبنا له إسحاق ويعقوب وجعلنا في ذريته النبوة والكتاب وآتيناه أجره في الدنيا وإنه في الآخرة لمن الصالحين) العنكبوت 27، الضمير في قوله: (ومن ذريته) عائد على إبراهيم على المشهور.
فكل كتاب أنزل من السماء على نبي من الأنبياء بعد إبراهيم الخليل فمن ذريته وشيعتهن وهذه خلعة سنية لا تضاهى، ومرتبة عليه لا تباهى. وذلك أنه ولد له لصلبه ولدان ذكران عظيمان: إسماعيل من هاجر، ثم إسحاق من سارة. وولد لهذا يعقوب أما إسماعيل عليه عليه السلام فكانت منه العرب على اختلا فقبائلها، ولم يوجد من سلالته من الأنبياء سوى خاتمهم على الإطلاق، وسيدهم، وفخر بني آدم في الدنيا والآخرة: محمد بن عبدالله بن عبدالمطلب بن هاشم القرشي الهاشمي المكي ثم المدني، صلوات الله وسلامه عليه. فلم يوجد من هذا الفرع الشريف، والغصن المنيف، سوى هذه الجوهرة الباهرة، والدرة الزاهرةـ وواسطة العقد الفاخرة، وهو السيد الذي يفتخر به أهل الجمع، ويغبطه الأولون والآخرون يوم القيمة. وقد ثبت عنه في صحيح مسلم أنه قال: ( سأقوم مقاماً يرغب إلى الخلق كلهم حتى إبراهيم) فمدح إبراهيم أباه مدحة عظيمة في هذا السياق، ودل كلامه على أنه أفضل الخلائق بعده عند الخلائق في هذه الحياة الدنيا ويوم يكشف عن ساق.
يتبع...










آخر تعديل boulboul 2007-10-12 في 00:14.