وهذه أيضًا قصة يرويها أحد الأفاضل عن لقاء له مع الشيخ -رحمه الله- تُظهر مدى تمسّكه -رحمه الله- بالسُنة
يقول الأخ: علي الفضلي:
الحمد لله رب العالمين و الصلاة و السلام على أفضل المرسلين أما بعد:
لقاء مع العلامة الألباني مُعْلي السنة -رحمه الله تعالى وجمعنا به في الفردوس الأعلى- لا أنساه أبدا ، ولا أنسى – وإن كنت أنسى- ذلك الموقف السنّي منه في حرصه على تطبيق السنة وإحيائها.
زرت الشيخ في أواسط التسعينات في بيته ، برفقة أحد الإخوة من شباب الكويت ، وبيت الشيخ الألباني -رحمه الله تعالى- في منطقة اسمها ماركا الجنوبية في عمّان ، فزرناه بين المغرب والعشاء -إن لم أنس- فاستقبلنا -رحمه الله تعالى- فاعتنقته وأنا فرح جدا! ، وقبّلته على رأسه ، وكأني أنظر إلى نظرته الحادة التي تكاد تخترق الجدار! ، ولون عينيه كان مميزا ، وإن لم أنس كان لونها أزرق .
فرحب بنا وقال : تفضلوا ، فأدخلنا إلى شرفة في بيته لها بلكونة صغيرة تطل على الشارع ، وجلسنا على طاولة أنا وصاحبي ومن هيّأ لنا اللقاء ، والشيخ جلس مقابلا لنا ، وبدأ صاحبي الأسئلة ، وأثناء ذلك جاءت امرأة بصحن فيه الشاي ، فرفع الشيخ شايه وأنا أراقبه ، فرأيت شفتيه تمتمتا ، ثم حسا حسوة ثم تمتم أيضا ، أي: قال: "بسم الله" ، قال: "الحمد لله" ، ووضع الكأس الصغيرة (و تُسمى إبْيالَة في لهجة الخليج) ، أخذ دقيقة أو أكثر يتكلم ، ثم رفع وتمتم ثانية! فحسا حسوة ثم تمتم! ثم أنزل الكأس ، ثم تكلم قليلا ، ثم رفع الكأس الثالثة فتمتم كما فعل أول مرة ! ثم حسا ، ثم تمتم الثالثة ، ووضع الكأس !
فاستغربت هذا الفعل منه -رحمه الله تعالى- ، وبعد أن انفض هذا اللقاء التأريخي!
رجعت أبحث في السلسلة الصحيحة ، فكانت المفاجأة! أني وجدت الشيخ يطبق حديثا نبويا حذو القذة بالقذة ، وإذا بفعله له أصل في السنة ، هو بنفسه قد صححه في السلسلة الصحيحة ، وهو :
"كان يشرب في ثلاثة أنفاس ، إذا أدنى الإناء إلى فمه سمى الله تعالى ، وإذا أخره حمد الله تعالى ، يفعل ذلك ثلاث مرات " . والحديث في الصحيحة (1277).
فرحمه الله تعالى رحمة واسعة ، وجمعنا الله به في الفردوس الأعلى ، ما كان أشد تمسكه بالسنة وتطبيقه لها !.
سبق هذا اللقاء آنف الذكر أن جئناه قبله بيوم ، وكلنا فرح ، بل نكاد نطير من الفرح!
ولما وصلنا عند باب حوش البيت ، وكان معنا الأخ الذي رتّب اللقاء بالشيخ ، فلما دق أخونا جرس البيت ، رد الشيخ علينا بالسماعة الخارجية عند الباب (ويسميها البعض إنتركم) ، فقال : أنا أعتذر عن اللقاء !!!، ولكم أن تتخيلوا إخواني مدى خيبة الأمل عندنا ، لقد أصابنا إحباط مفاجئ ، فجعلنا نضغط على أخينا بالإشارة ، فقال : يا شيخ : الإخوة جاؤوا من الكويت ، ومتلهفون لرؤيتك أو كما قال ! ، فقال الشيخ : الحقيقة كنت أريد أن أستقبلكم اليوم ، لكني الآن لا أستطيع ! لقد زارني بناتي زيارة مفاجئة ، وأنا الآن منشغل بهن ، واجعلوا لقاءكم غدا ، فألح أخونا أكثر ، فقال له الشيخ : { وَإِن قِيلَ لَكُمُ ارْجِعُوا فَارْجِعُوا هُوَ أَزْكَى لَكُمْ } ، السلام عليكم ، ثم أغلق سماعة الباب الخارجي ، فرجعنا أدراجنا ونحن في أشد الضيق ، لكنّ سلواننا أن الموعد غدا .
تأملوا أيها الإخوة هنا أمورا :
الأول : احتفاءه ببناته ، وإلغاءه لكل المواعيد من أجلهن ، وهذا يدلك على الجانب الإنساني العظيم المرهف عند شيخنا -رحمه الله تعالى-.
الثاني: حبه لبناته وحرصه على الجانب الأبوي معهن .
الثالث: تأسّيه الحسن برسول الله -صلى الله عليه وسلم- في حبه لبناته حبا عظيما والسيرة شاهدة بذلك، وكيف لا يكون للشيخ أسوة برسول الله -صلى الله عليه وسلم- وهو المحدِّث الفذ ، والسني المتبع -نحسبه كذلك ولا نزكيه على الله تعالى .
الرابع: تأملوا استدلال الشيخ بالآية ، فهو استدلال موفق فيه حضور ذاكرة الشيخ رغم كبر سنه ، وحسن استدلاله فهو الموافق للموقف ولمعنى الآية.
فرحمة الله الواسعة عليه ، عسى الله تعالى أن يجمعنا به في الفردوس الأعلى.
ومن التربية العملية في سيرة العلامة الألباني ما ذكره صاحبه الذي أوصى الشيخ أن يقوم بتغسيله ، وهو عزت خضر :
أن الشيخ قرر أن يعتمر مع أهله ، فانطلقوا ، فلما وصلوا الحدود ، طلب الجوازات ، ليختمها ، فقالت له زوجه : لقد نسيتها في المنزل !!!
فقال الشيخ : قدّر الله وما شاء فعل!
فرجعوا إلى المنزل ونزلت زوجه فالتقطت الجوازت من المنزل ، ثم انطلقوا إلى الحدود ، فتح الموظف الجوازات ، فقال : الجوازات منتهية يا شيخ !!
فقال الشيخ : قدّر الله وما شاء فعل !!
فرجعوا و أجلوا حتى جددوا الجوازات .
فانظروا لحلم الشيخ ، ما أحلمه !
قال بعض أحباب الشيخ ، لو امرأتي فعلت ذلك لطلقتها!!!
والحمد لله رب العالمين.
_______________
كتبـه: علي الفضلي -وفقه الله -
آخر تعديل تصفية وتربية 2015-10-12 في 13:24.
|