وشم اسود على جسد الربيع العربي!
2012/12/03
يستمر صراع الآراء والمواقف بين صناع القرار ورجال السياسة ووسائل الاعلام حول ما ستؤول اليه ثورات الربيع العربي وإمكانية تحقيقها لشعارات المتطلعين إلى الإنعتاق من استبداد الأنظمة ونيل أبسط الحقوق في العيش الكريم، ومع انتشار عدوى الثورة يتصاعد اختلاف الأراء حول مستقبلها، وترتفع أصوات رافضة لربيع تراه شتاء اصطبغ باللون الأحمر وخطف من بلدان عقودا تحتاجها لبناء ما دمره الاقتتال أوالآلة العسكرية الغربية حاملة الحرية للشعوب العربية، فهل حصلت هذه الثورات بفعل الحراك الشعبي حقا؟ أما أن يدا أخرى رسمت معالمها ومسارها قبل إندلاعها بزمن طويل؟
ربما لا يختلف اثنان على أن تراكمات الظلم والإستبداد وحرمان الإنسان من أبسط حقوقه المدنية وغياب الديمقراطية وتهميش رجال الفكر والأدب والاعلام كان السبب الاساس في اشتعال لهيب الثورات التي أطلق جسد الفقير التونسي بوعزيزي شرارتها الأولى.
لكن لماذا ضلّت الثورات طريقها وغيّرت مسارها السلمي فوجدت الشعوب العربية نفسها في غابة تسودها لغة القتل؟ ولماذا تدين الغابة بدين الإسلام؟ الرئيس التونسي منصف المرزوقي أكد/ان القوى الاسلامية التي وصلت الى السلطة ستحافظ على حقوق الانسان وتحترم قواعد الديمقراطية / لكن الواقع غير ذلك فلم نر حتى اليوم من هذه الثورات سوى اعادة شعوبها سنوات الى الخلف دون تغيير شيئ من الواقع المأساوي الذي عاشته في ظل الانظمة البائدة.
ليس صدفة أن نجد الغرب أول من ركب صهوة حصان الربيع العربي ليحول مساره خدمة لمصالحة الاستراتيجية في المنطقة، بل يمكن القول إن اسرائيل هي المستفيد الأكبر من كل ما جرى في بلداننا. قبل اشتعال الثورة التونسية كان وضع القيادة الإسرائيلية صعبا تحت ضغوط دولية للإعتراف بحق الشعب الفلسطيني في تقرير مصيره، أما اليوم فالكسول فقط لايساند حكام تل أبيب في المضي لتحقيق مشروعهم التوسعي، تغيرت قواعد اللعبة ونجحت إسرائيل عبر استخدامها ليدها القوية في الادراة الامريكية في صب المزيد من الزيت على نار الربيع العربي لإطالة زمن الحريق والقتل والدمار وتجزئة المجزء واضعاف آخر محاور المقاومة.
اسرائيل التي لم تتوقف يوما عن بناء مستوطناتها على الأراضي الفلسطينية استطاعت خلال الربيع العربي بناء ألاف الوحدات السكنية. والبناء مستمر سيأتي بعد سنوات على الضفة الغربية برمتها إذا استمر على هذا المنوال.
العام القادم سيكون يوبيليا، تكون قد مضت عشرون سنة على المفاوضات بين الفلسطينين والاسرائيلين، دون تغيير في سياسة تل أبيب تجاه حقوق العرب، لابل حققت نجاحا في ترويضهم بما يتناسب مع مصالحها ومخططاتها، وأكبر دليل على ذلك موقفها من مبادرة العرب للسلام عندما نعتتها بأنها لا تساوي الحبر الذي كتبت به، وجاءت مواقف العرب مجتمعة في أخر تحد لهم خلال أحداث غزة الأخيرة لتشير الى ما وصلنا اليه، وربما تكون قصة الذئب والنعاج قريبة من الصورة التي ترانا عليها اسرائيل من خلال رؤيتها لحكامنا الذين لم يحركوا ساكنا لمساندة شعب غزة المحاصر بل استمروا بمتابعة حلقات مسلسل الربيع العربي الممول حصريا من قبلهم بسخاء، حتى أن البعض قدر أن العرب لو سخروا الأموال المنفقة على ثورات الربيع العربي لإستطاعوا بناء دولة حضارية للشعب الفلسطيني .
ليس غريبا أن تقوم الادارة الامريكية وبإيحاء مباشر من تل أبيب بدعم التغييرات التي تحدث في عالمنا العربي وليس غريبا أن يهلل الغرب لوصول الأنظمة الاسلامية الى الحكم وربما سيكون من الصعب فهم السكوت على مساهمة تنظيم القاعدة في كل هذه التغيرات على مرأى من الرأي العام العالمي ودون ردود فعل عقلانية لا من العرب ولا من الغرب، لكن كل هذا ساعد إسرائيل على تحقيق مكاسب مهمة، لأن واقع الشعوب العربية وفقرها وغياب ابسط حقوق الانسان لم تره الولايات المتحدة وحلفائها خلال حكم الانظمة الموالية، المعادلة اليوم تغيرت وكان لا بد من ايصال الأنظمة الاسلامية الى سدة الحكم لتستطيع اسرائيل في المستقبل المنظور إعادة طلبها وبقوة هذه المرة للاعتراف بيهوديتها. كيف لا والعالم يعترف بإقامة جمهوريات إسلامية.
الرئيس الروسي فلاديمير بوتين كان قد أكد على أنه من السابق لأوانه الحديث عن نتائج ثورات الربيع العربي خاصة بعد أحداث ليبيا وما آلت إليه من نتائج واليوم تقف روسيا بقوة أمام عملية التغيير التي يسعى لها الغرب في سوريا ليس لأنها ضد ارادة الشعب السوري أو لأنها تريد بقاء الرئيس السوري في منصبه بل لإدراكها بأن التغيير الذي يسعى له البعض سيؤدي الى كارثة حقيقية في العالم العربي إذا ما لم يتم أيقافة في الوقت المناسب لذلك نرى أن موسكو لا تزال تصر على أن مصير الشعب السوري يجب أن يحدده هو بنفسه بعيدا عن الاملاءات الخارجية ويبدو أن القادة الروس أدركو خطر التغيير القادم والناتج عن الربيع العربي عندما قال وزير الخارجية سرغي لافروف / لا نريد أن تصبح هذه الثورات مثلا يحتذى به/ .
من هنا نرى ان ثورات الربيع العربي تمت مصادرتها، سرقوا منها لونها الأبيض وألبسوها السواد