كلمة في التوحيد : ( وكذلك جعلناكم أمة وسطاً ) وتعليق على بعض أعمال الحدادية الجديدة
( لقاء مع شيخنا العلامة ربيع بن هادي المدخلي في 21/12/1425هـ )
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله و الصلاة و السلام على رسول الله أماّ بعد , فإنّ الله تبارك و تعالى أكمل الرسالات وختم النبوات برسالة محمد صلى الله عليه وسلم أكمل الرسالات و أشملها وأرحمها وأوسطها ؛ كانت في الشرائع السابقة –خاصة في بني إسرائيل – آصار وأغلال فالله تبارك و تعالى رفع الآصار و الأغلال )الذين يتبّعون الرسول النبيّ الأمي الذّي يجدونه مكتوبا عندهم في التوراة يأمرهم بالمعروف وينهاهم عن المنكر ويحلّ لهم الطيّبات ويحرم عليهم الخبائث ويضع عنهم إصرهم والأغلال التّي كانت عليهم فالذّين آمنوا به وعزّروه ونصروه و اتبعوا النّور الذّي أنزل معه أولئك هم المفلحون ( [الأعراف 157] يجدون محمداً صلى الله عليه وسلم في كتبهم بهذه الصفات .
وقد أثنى الله على محمد صلى الله عليه وسلم وأصحابه في الكتب السابقة ) محمد رسول الله والذّين معه أشدّاء على الكفار رحماء بينهم تراهم ركعاً سجدًّا يبتغون فضلاً من الله ورضوانا سيماهم في وجوههم من أثر السجود ذلك مثلهم في التوراة ومثلهم في الإنجيل كزرع أخرج شطأه فآزره فاستغلظ فاستوى على سوقه يعجب الزُرَّاع ليغيظ بهم الكفار وعد الله الذين ءامنوا وعملوا الصالحات منهم مغفرة وأجرا عظيما (
[الفتح 29]
فهذه صفات محمد وأصحابه في التوراة والإنجيل فقال في وصفهم في الإنجيل ) ليغيظ بهم الكفار ( واستنبط مالك وغيره تكفير الروافض الذين يغيظهم أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم فهم خير أمة أخرجت للناس وهم أمة وسط , وهذه أمة وسط كما وصفها الله تبارك وتعالى بين الأمم كلها )وكذلك جعناكم أمة وسطا لتكونوا شهداء على الناس ويكون الرسول عليكم شهيدا ( [البقرة 143] .
يأتي الله يوم القيامة بنوح فيسأله هل بلَّغتَ فيقول :نعم ,ثم يسأل الله قومه فيقولون :ما أتانا من نذير ! فيقول الله : من يشهد لك ؟ فيقول نوح r : محمد صلى الله عليه وسلم وأمته ,فيشهدون له وهم عدول وشهود في تبليغ هذه الرسالة بلّغها الأمناء العدول ولهذا وضع أئمة الحديث –رضوان الله عليهم – شروطا لقبول الرواية ووضعوا هم والفقهاء شروطا لقبول الشهادة فلا يقبل الخبر والشهادة إلاَّ من العدول الضابطين إلى شروط أخرى اتّصال الإسناد عدم الشذوذ عدم العلَّة ضبط شديد جدًّا ومحكم لحفظ دين الله تبارك وتعالى وحمايته من روايات الكذَّابين والضعفاء والمجهولين وأمثال ذلك ممَّا ذكروه في كتب علوم الحديث واشترطوا اتِّصال السند فلا يقبل المرسل ولا المعضل ولا المنقطع ... ولا يقبلون رواية المبتدع الداعية , ويختلفون في رواية غير الداعية . منهم من يقبلها ومنهم من لا يقبلها لأنَّ غلاة أهل البدع ودعاتهم تحملهم بدعهم على الكذب على رسول الله r كم كذبوا على رسول الله صلى الله عليه وسلم لكن تصدى لهم جهابذة أهل السنة وحفاظها وأئمة الجرح والتعديل فغربلوا سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم مما شابها من دسِّ هؤلاء حتى إنَّه لم يخفَ على أئمة أهل الحديث حرف واحد يُكذَب أو يخطأ فيه على رسول الله صلى الله عليه وسلم فلا تجد كذبة على رسول الله صلى الله عليه وسلم أو كذبات إلا وقد بيَّنُوها .
ولا خطأً من أي أحدٍ-حتى من صحابي إلا بيَّنُوه للناس وقدَّموا هذا الدين خالصاً نقياً لهذه الأمة وسيبقى إلى يوم يأذن الله في زوال هذا الكون وقيام الساعة فرضي الله عنهم فهم العدول والشهداء يجرحون : فمن جرحوه فقد هلك ومن عدَّلوه فقد ارتفع وأصبح أهلاً للشهادة ونقل هذا الدين رضوان الله عليهم فأهل السنَّة وسط بين الفرق كلها كما أنَّ هذه الأمة وسط بين الأمم كلها ,أهل السنة وسط بين الفرق التي انحرفت عن دين الله الحق وعن صراطه المستقيم ومنهاجه القويم فهم وسط في باب صفات الله بين الجهمية المعطلة وبين المشبهة الغالية في الإثبات فالجهمية غلوا في تنـزيه الله عن مشابهة المخلوقين كما يزعمون فأدى بهم غلوُّهم وإفراطهم في هذا التنـزيه المفتعل إلى أن عطَّلوا الله من صفات كماله : فالله عند غلاة الجهمية عندهم لا يسمع ولا يبصر ولا يرى ولا ينزل ولا استوى على العرش ولا ولا ....ولا رحمة ولا غضب ولا رضا ... ولا فوق ولا تحت ولا داخل العالم ولا خارجه ولا ... وبعضهم يقول : إنَّه في كلِّ مكان ... قاتلهم الله !
ويحتجون بمثل قوله تعالى ليس كمثله شيء( وينسون آخر الآية ) وهو السميع البصير ( [الشورى 11].
فأوَّل الآية ينـزه الله عن مشابهة المخلوقين وآخرها يثبت له صفات الكمال: فنحن نثبت له الصفات-صفات كماله-على أساس )ليس كمثله شيء وهو السميع البصير( نجمع بين الإثبات والتنـزيه : بينما المعطلة يأخذون أوَّل الآية ) ليس كمثله شيء ( وينسون آخرها ) وهو السميع البصير ( فيجردونه ويعطلونه من صفات كماله . وأخذ المشبهة بمبدأ الإثبات وغَلَوْا فيه وشبَّهوا الله بمخلوقاته : له سمع كسمعنا ! وبصر كبصرنا ! واستواء كاستوائنا ! ونزول كنزولنا ! ... !! تعالى الله عن ذلك علواً عظيماً .
وأهل السنة توسطوا فأثبتوا لله صفات الكمال ونزَّهوه عن مشابهة المخلوقات : أثبتوا له صفات كماله ,ونزَّهوه عن مشابهة مخلوقاته والآيات في إثبات الصفات كثيرة جدا والأحاديث كذلك وآيات التنـزيه موجودة أيضاً .