منتديات الجلفة لكل الجزائريين و العرب - عرض مشاركة واحدة - *«•¨*•.¸¸.»منتدى طلبة اللغة العربية و آدابها «•¨*•.¸¸.»*
عرض مشاركة واحدة
قديم 2012-11-29, 22:46   رقم المشاركة : 136
معلومات العضو
**د لا ل**
عضو مميّز
 
إحصائية العضو










افتراضي

رابعا : الوصف
إن التطور الذي عرفه الوصف في العصر العباسي استهدف أسلوبه ومعناه ولفظه ,
إلا أن هذا لا يعني أن موضوع الوصف قد تخلص كلية من الطريقة التقليدية , بل
لبث في بعض نواحيه يساير مواضيع الوصف القديم كوصف الإبل والنياق والذئب
والطير والبقر الوحشي وغيرها .
*والشاعر في هذا الغرض بعد أن كان يحلق ببصره في ربوع تهامة ونجد والجزيرة
وما تحويه من فيافي وقفار و وهاد موحشة ومظاهر أخرى هي وليدة البيئة
العربية الخالصة كالخيام المضروبة هنا وهناك، وما كان يحيط بها من شياه
وخيول ،أصبح بعد التحول الذي طرأ على المجتمع العربي المتنقل من حياة
البداوة و الترحال إلى حياة التمدن والاستقرار , يرفل في ألوان المدنية
وينعم بضروب الترف والبذخ , ويلهو
بمسرات الدنيا وطيباتها .
وقد تعرض ابن الرشيق في أثناء حديثه عن الوصف الذي قال عنه بأن أكثر الشعر
يرجع إليه , إلى تفاضل الناس في الوصف وإلى أهم موصوفاته أو موضوعاته على
عهد المولدين فقال " الأولى بنا في هذا الوقت صفات الخمر والقيان وما
مشاكلها وما كان مناسبا لهما كالكؤوس والقنان والأباريق ,و باقات الزهر،
إلى مالا بد منه من صفات الخدود والقدود و... , ثم صفات الرياض والبرك
والقصور وماشاكل المولدين , فإن ارتفعت البضاعة , فصفات الجيوش وما يتصل
بها من ذكر الخيل والسيوف والرماح والدروع والعصي والنبل , إلى نحو ذلك من
ذكر الطبول والبنود وليس يتسع بنا هذا الموضوع لإستقصاء ما في النفس من هذه
الأوصاف – العمدة لابن الرشيق ج2 , ص 295-296 .
*ثم يقول ابن الرشيق " وليس بالمحدث من الحاجة إلى أوصاف الإبل ونعوتها
والقفار ومياهها .... لرغبة الناس في ذلك الوقت عن تلك الصفات، وعلمهم أن
الشاعر إنما تكلفها تكلفا ليجري على سنن الشعراء قديما" .
1- ومن الموضوعات التي دار حولها الوصف عند أكثر من شاعر في هذا العصر وصف
الخمر والغناء ووصف مجالسهما وآلاتهما، وجاهروا بالدعوة إلى ممارسة ذلك
وبالغوا في الأمر مما نجم عنه الاستهتار بالدين .
*فأبو نواس جاهر بالخمر والدعوة إليها فيقول :
ألا فاسقني خمرا وقل لي هي الخمر *** ولا تسقني سرا إذا أمكن الجهر
فعيش الفتى في سكرة بعد سكرة *** فإن طال هذا عنده قصر العمر
وما الغبن إلا أن تراني صاحيا *** وما الغنم إلا أن يتعتعني السكر
فبح باسم من أهوى ودعني من الكنى *** فلا خير في اللذات من دونها ستر
*وقال في قصيدة أخرى :
لا تبك هندا ولا تطرب إلى كعب *** واشرب على الورد من حمراء كالورد
كأسا إذا انحدرت من حلق شاربها *** أجدته خمرتها في العين والخد
فالخمر ياقوتة والكأس لؤلؤة *** من كف لؤلؤة ممشوقة القد
تسقيك من طرفها خمرا ومن يدها *** خمرا فمالك من سكرين من بد
لي نشوتان وللندمان واحدة *** شيء خصصت به من بينهم وحدي
2-وأخذ الشاعر العباسي يصف الطبيعة في الحاضرة ببساتينها ورياحينها , وقد
أخذ يخص هذه الطبيعة بمقطوعات وقصائد كثيرة حيث أصبحت موضوعا جديدا واسعا ,
وكان يمزج نشوته بها في بعض الأحيان بنشوة الحب أو نشوة الخمر وسماع
القيان وفي كثير من الأحيان كان يقف عند تصوير فتنته بها وبورودها
ورياحينها من مثل قول إبراهيم بن المهدي في النرجس:
ثلاث عيون من النرجس *** على قائم أخضر أملس
يذكرنني طيب ريّا الحبيب *** فيمنعنني لذة المجلس
3-وقد أكثروا من وصف الأمطار والسحب ووصف الرياض خاصة في الربيع , وعبروا
عن أحاسيسهم ومشاعرهم أحيانا خلال هذا الوصف , ومن خير ما يصور ذلك مخاطبة
مطيع بن اياس لنخلتي حلوان :
أسعداني يا نخلتي حلوان *** وأبكيا لي من ريب هذا الزمان
واعلما أن ريبه لم يزل يفـ *** رق بين الألاف والجيران
ولعمري لو ذقتما ألم الفر **** قة أبكاكما الذي أبكاني
أسعداني وأيقنا أن نحسا *** سوف يلقاكما فتفترقان
كم رمتني صروف هذي الليالي *** بفراق الأحباب والخلاّن
4- ونرى شعراء كثيرين يعنون بوصف مظاهر الحضارة العباسية المادية وما يتصل
بها من الترف في الطعام والتأنق في الملابس والثياب ووصف القصور وما حولها
من البساتين وما يجري فيها من الظباء والغزلان من مثل قول أبي عيينة
المهلبي في وصف قصر ابن عمه عمر بن حفص المهلبي :
فيا طيب ذاك القصر قصرا ومنزلا*** بأفيح سهل غير وعر ولا ضنك
بغرس كأبكار الجواري وتربة *** كأن ثراها ماء ورد على مسك
وسرب من الغزلان يرتعن حوله *** كما استل منظوم من الدّر من سلك
5- وأكثروا من وصف الحيوان والطير والحشرات , واشتهر بذلك خلف الأحمر وجهم بن خلف وفي كتاب الحيوان للجاحظ من ذلك مادة وافرة .
6- وقد وضعوا وصف دقيقا الأمراض والآفات التي أصابتهم . فهذا عبد الصمد بن المعذل يصف حمى اعترته فيقول :
وبنت المنية تنتابني *** غدوّا وتطرقني سحرة
كأن لها ضرما في الحشا *** وفي كل عضو لها جمرة
7-وقد صوروا كثيرا من العواطف الدقيقة من ذلك التعاطف الرفيق بين الأب
وبنيه وبناته وما يطوى فيه من الرحمة والبر والحنان , و مثال ذلك تصوير
ووصف ابن يسير عطفه على بنية له , كيف يستأثر به ويجشمه اقتحام المصاعب من
أجل سعادتها , وكيف يحببه في الحياة خوفه عليها من ذل اليتم وجفوة الأهل ,
وأنه ليشفق عليها حتى من الدموع التي سترسلها حين يتأهب لمفارقة الحياة
فيقول :
لولا البنية لم أجزع من العدم *** ولم أجب في الليالي حندس الظلم
وزادني رغبة في العيش معرفتي *** ذل اليتيمة يجفوها ذوو الرحم
أخشى فظاظة عم أو جفاء أخ *** وكنت أخشى عليها من أذى الكلم
إذا تذكرت بنتي حين تندبني *** جرت لعبرة بنتي عبرتي بدم
8-وحللوا كثيرا من المشاعر كالغيرة والشعور بالبؤس والمصغبة .









 


رد مع اقتباس