أما الأدلة من السنة فهي كثيرة جدا جدا, ونأخذ أيضا أمثلة:
من الأمثلة في سنة الرسول-صلى الله عليه وسلم-قول الرسول-صلى الله عليه
وسلم-في التحذير وذم الخوارج, قال النبي-صلى الله عليه وسلم-:
« يخرج من ضئضئ هذا » تعرفون قصة الخوارج مع الرسول أن النبي-صلى الله
عليه وسلم-لما غنم أموال حنين أعطى المؤلفة, ولم يعط بقية الجيش,
فقام رجل من بني تميم, فقال: « اعدل يا محمد فإن هذه قسمة لا يراد بها وجه الله»
هذا الحديث لو تأملناه لوجدنا وفهمنا منهج الخوارج, وسياسة الخوارج
ودوافع حركة الخوارج هذا الرجل قام لله أم للدنيا؟ للدنيا, فهؤلاء قاموا للدنيا لم يقوموا
للدين, يريد مالاً؛ هذا الرجل اعترض على خير الناس, اعترض على رسول الله-
صلى الله عليه وسلم-, وطعن في قسمته, وطعن في تقواه, وطعن في علمه,
إذاً ما دون الرسول من باب أولى يطعنوا فيهم حكاماً وعلماء, لذلك تجد من منهج
الخوارج أول منهج لهم أن يطعنوا في الأمراء والعلماء, يفصلوا الناس, يفصلوا
الشباب عن قيادتهم الحقيقية, ولذلك تسمعون منهم الآن كما سمع سلفنا من أسلافهم,
يطعنون في علم العلماء, فهذا عمرو بن عبيد يقول: " فقه الشافعي وفقه أبي حنيفة
لا يتعدى سراويل امرأة " يعني محصور في الحيض والنفاس؛ والمعاصرون
منهم يقولون عن علمائنا: " علماء الحيض والنفاس "؛ وهذا الرجل الذي طعن
في علم الرسول, وفي تقوى الرسول, قام وطعن بسفاهة, وجرأة على الله ورسوله,
ولذلك تجد هؤلاء على مر التاريخ يتصفون بالجرأة ويتصفون برقة الدين ويتصفون
بسفه الأحلام وحداثة الأسنان.
المهم هذا الرجل ذو الخويصرة قال: « اعدل يا محمد فإن هذه قسمة لا يراد بها
وجه الله» فقال له الرسول:
«ويحك من يعدل إذا لم أعدل فإني أعلمكم بالله وأتقاكم له» ثم قال الرسول-
صلى الله عليه وسلم- مبيّناً:
« يخرج من ضئضئ هذا » من نسله, ومن ذريته, ومن عقبه قوم؛ انظروا
إلى الخوارج؛ لذلك إخواني لا تستغربوا الناس إذا اتبعوا الدجال الأكبر, لأن الذي
ما عنده منهج تغرّه طول اللحية وتقصير الثوب وتنتنة, يقل لك هذا عابد زاهد صائم
النهار قائم الليل, عيناه غارتا من السهر, جبهته تقرّحت من السجود, لا تنظر
إلى هذا, انظر إلى منهجه, هل عنده منهج ملتزم به؛ يقول الرسول-صلى الله عليه
وسلم-:« يخرج من ضئضئ هذا قوم تحقرون صلاتكم مع صلاتهم, وصيامهم
مع صيامكم يقرؤون القرآن لا يجاوز حناجرهم», الخوارج يصلون ويصومون
ويقرؤون القرآن, عبّاد, زهاد, ومع ذلك انظروا إلى النبي-صلى الله عليه وسلم-
ماذا يحكم على عبادتهم وعلى صيامهم وعلى قراءتهم للقرآن التي هي أكبر
وأكثر من عبادة الصحابة, «تحقرون صلاتكم» تحقرون يعني إيش؟ تقالّون صلاتكم
مع صلاتهم, صيامكم مع صيامهم يقرؤون القرآن لا يجاوز حناجرهم أو تراقيهم
«يمروقون من الإسلام كما يمرق السهم من الرمية حدثاء الأسنان, سفهاء الأحلام
يقولون من قول خير البرية, لأن أدركتهم لأقتلنّهم قتل عاد وثمود شر قتلى تحت أديم
السماء طوبى لمن قتلهم وقتلوه» هذا الحديث هو في حكم المتواتر, لأنه ثبت
عن جمع من الصحابة يزيد عددهم عن عشرين وهو مخرج في كتب السنة.
الرسول-صلى الله عليه وسلم-قارن بين عبادتين, عبادة الصحابة وعبادة الخوارج,
عبادة الخوارج أكثر وأكبر, وعبادة الصحابة أقل, لكن هذه الأكثرية تزيدهم من الله
بعداً, وهذا الاقتصاد يزيدهم من الله قرباً, لأن الحكم ليس على الكثرة والقلّة,
الحكم على المنهج, لذلك قال بعض الصحابة ابن عباس-رضي الله عنه- إسناد
صحيح عنه قال: " اقتصاد في سنة خير من اجتهاد في بدعة ".
ما المعيار الذي جعله الرسول حكماً على فساد عبادة الخوارج؟ المقارن به,
قارن الرسول عبادة الخوارج مع عبادة الصحابة, فجعل عبادة الصحابة,
وجعل منهج الصحابة, وجعل عقيدة الصحابة هي الحكم على فساد عقيدة الخوارج,
لأن الرسول-صلى الله عليه وسلم-يعلمنا في هذا الحديث الشريف أن منهج صحابته
حجة على من بعدهم, أن منهج الصحابة حجة على من بعدهم, وأن القرب من السنة,
وأن البعد من السنة, وأن القرب من الإسلام وأن البعد من الدين ينبغي أن يقاس
بمنهج الصحابة.
هذا النبي-صلى الله عليه وسلم-يقرر في سنته أن فهم أصحابه وفهم السلف-
رضوان الله عليهم-حجة على الأمة من بعده.
وهناك حديث آخر, هو حديث أبي موسى في صحيح مسلم: «أن النبي-صلى الله
عليه وسلم-صلى المغرب ثم صلى معه بعض الصحابة, فجلسوا فخرج إليهم
الرسول-صلى الله عليه وسلم-قال: ما زلتم قالوا: نعم قال: أصبتم أو أحسنتم,
ثم رفع رسول الله-صلى الله عليه وسلم-بصره إلى السماء, وقال-صلى الله عليه
وسلم-: النجوم أمنة للسماء فإذا ذهبت النجوم أتى السماء ما توعد, وأنا أمنة
لأصحابي فإذا ذهبت أتى أصحابي ما يوعدون, وأصحابي أمنة لأمتي فإذا ذهب
أصحابي أتى أمتي ما توعد».
جعل النبي-صلى الله عليه وسلم-أصحابه في أمته كمنزلته في أصحابه.
يتبع و يليه : منزلة الرسول صلى الله عليه و آله و سلم في الأمة ...