سابعاً: القرآن الكريم يأمر بالاجتماع على الحق وينهى عن الاختلاف:
قال الله تعالى: {وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ الله جَمِيعًا وَلاَ تَفَرَّقُواْ وَاذْكُرُواْ نِعْمَتَ الله عَلَيْكُمْ إِذْ كُنتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُم بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَكُنتُمْ عَلَىَ شَفَا حُفْرَةٍ مِّنَ النَّارِ فَأَنقَذَكُم مِّنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ الله لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ} (1)، فأمر بعد الاعتصام بالكتاب بعدم التفرق.
قال الإمام ابن كثير رحمه الله: ((أمرهم بالجماعة ونهاهم عن التفرقة، وقد وردت الأحاديث المتعددة بالنهي عن التفرّق والأمر بالاجتماع والائتلاف)) (2).
كما في صحيح مسلم عن أبي هريرة - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ((إن الله يرضى لكم ثلاثاً ويكره لكم ثلاثاً، فيرضى لكم أن تعبدوه ولا تشركوا به شيئاً، وأن تعتصموا بحبل الله جميعاً، ولا تفرقوا، ويكره لكم: قيل وقال، وكثرة السؤال، وإضاعة المال)) (3).
وقال الله - عز وجل -: {وَمَن يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا} (4). والمعنى من سلك غير طريق الشريعة التي جاء بها محمد - صلى الله عليه وسلم - فصار في شق والشرع في شق عن عَمْدٍ منه بعدما ظهر له الحق، واتّبع غير سبيل
المؤمنين فيما أجمعوا عليه، فإنا نجازيه على ذلك (5).
ثامناً: الاعتصام بالقرآن والسنة نجاة من مضلات الفتن:
ومما يوضح ذلك، وصية النبي - صلى الله عليه وسلم - بكتاب الله تعالى في عرفات، وفي غدير خم، وعند موته عليه الصلاة والسلام، وتقدمت الإشارة إلى ذلك.
وجاءت الأحاديث الصحيحة الكثيرة التي تدل على أن من استمسك بما كان عليه النبي - صلى الله عليه وسلم - كان من الناجين، ومن ذلك حديث العرباض بن سارية - رضي الله عنه - قال: ((صلى بنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ذات يوم، ثم أقبل علينا فوعظنا موعظة بليغة، ذرفت منها العيون، ووجلت منها القلوب، فقال قائل: يا رسول الله كأن هذه موعظة مودع، فماذا تعهد إلينا؟ فقال: ((أوصيكم بتقوى الله، والسمع والطاعة، وإن عبداً حبشيّاً، فإنه من يعشْ منكم بعدي فسيرى اختلافاً كثيراً، فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين، تمسّكوا بها، وعضّوا عليها بالنواجذ، وإياكم ومحدثات الأمور؛ فإن كل مُحدثةٍ بدعة، وكل بدعة ضلالة)) (6).
ومما يؤكد أهمية السمع والطاعة ما حصل للصحابة مع رسول الله
__________
(1) سورة آل عمران، الآية: 103.
(2) تفسير ابن كثير، ص255.
(3) مسلم، كتاب الأقضية، باب النهي عن كثرة السؤال من غير حاجة، والنهي عن منع وهات، برقم 1715.
(4) سورة النساء، الآية: 115.
(5) تفسير ابن كثير، ص361.
(6) أبو داود، كتاب السنة، باب في لزوم السنة، برقم 4607، والترمذي، كتاب العلم، باب ما جاء في الأخذ بالسنة واجتناب البدعة، برقم 2676، وغيرهما، قوله: ((ذرفت)) أي: دمعت، وقوله: ((وجلت)) أي خافت وفزعت، وقوله: ((تعهد)) يقال: عهد إليه بكذا: إذا أوصى إليه، وقوله: ((وإن عبداً حبشياً)) أي: أطع صاحب الأمر، واسمع له وإن كان عبداً حبشياً، فحذف كان وهي مزادة. قوله: ((عضوا عليها بالنواجذ)) النواجذ: الأضراس التي بعد الناب، وهذا مثل في شدة الاستمساك بالأمر. قوله: ((محدثات الأمور)) أي: ما لم يكن معروفاً في كتاب ولا سنة، ولا إجماع. انظر: جامع الأصول لابن الأثير، 1/ 280.