منتديات الجلفة لكل الجزائريين و العرب - عرض مشاركة واحدة - \\\رجال صنعوا التاريخ-تابع-( موسى عليه السلام)
عرض مشاركة واحدة
قديم 2007-10-10, 00:14   رقم المشاركة : 6
معلومات العضو
boulboul
مشرف سابق
 
الصورة الرمزية boulboul
 

 

 
إحصائية العضو










افتراضي

هكذا دعا موسى على فرعون وملائه أن يطمس على أموالهم ويشدد على قلوبهم فلا يؤمنوا حتى يروا العذاب الأليم. أي حين لا ينفعهم ذلك ويكون حسرة عليهم. وقد قال تعالى لهما أي لموسى وهارون حين دعوا بهذا: (قد أجبت دعوتكما) يونس 89. فهذا من إجابة الله تعالى دعوة كليمه وأخيه هارون عليهما السلام. ومن ذلك الحديث الذي رواه الإمام أحمد حدثنا سليمان بن حرب حدثنا حماد بن سلمة عن علي بن زيد عن يوسف بن مهران عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لما قال فرعون (آمنت أنه لا إله إلا الذي آمنت به بنو إسرائيل) قال: قال لي جبريل: لو رأيتني وقد أخذت من حال البحر فدسسته في فيه مخافة أن تناله الرحمة ورواه الترمذي وابن جرير وابن أبي حاتم عند هذه الآية من حديث حماد بن سلمة وقال الترمذي حديث حسن. وقال أبو داود الطيالسي: حدثنا شعبة عن عدي بن ثابت وعطاء بن السائب عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (قال لي جبريل: لو رأيتني وأنا آخذ من حال البحر فأدسه في فم فرعون مخافة أن يناله الرحمة) ورواه الترمذي وابن جرير من حديث شعبة وقال الترمذي حسن غريب صحيح. وأشار ابن جرير في رواية إلى وقفة. وقال ابن أبي حاتم حدثنا أبو سعيد بن جبير عن ابن عباس قال: لما أغرق الله فرعون أشار بإصبعه ورفع صوته: (آمنت أنه لا إله إلا الذي آمنت به بنو إسٍرائيل) قال: فخاف جبريل أن تسبق رحمة الله فيه غضبه فجعل يأخذ الحال بجناحيه فيضرب به وجهه فيرمسه (يرميه به) رواه ابن جرير من حديث أبي خالد به. وقد رواه ابن جرير من طريق كثير بن زاذان وليس بمعروف وعن ابن حازم عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (قال لي جبريل: يا محمد لو رأيتني وأنا أغطه وأدس من الحال في فيه مخافة أن تدركه رحمة الله فيغفر له) يعني فرعون. وقد أرسله غير واحد من السلف كإبراهيم التيمي وقتادة وميمون بن مهران. ويقال: إن الضحاك بن قيس خطب به الناس. وفي بعض الروايات: إن جبريل قال: ما بغضت أحداً بغضي لفرعون حين قال: أنا ربكم الأعلى ولقد جعلت أدس في فيه الطين حين قال ما قال. وقوله تعالى: (الآن وقد عصيت قبل وكنت من المفسدين) استفهام وإنكار ونص على عدم قبوله تعالى منه ذلك لأنه والله أعلم لو رد إلى الدنيا كما كان لعاد إلى ما كان عليه كما أخبر تعالى عن الكفار إذا عاينوا النار وشاهدوها أنهم يقولون: (ياليتنا نرد ولا نكذب بآيات ربنا ونكون من المؤمنين) الأنعام 27. قال ابن عباس وغير واحد شك بعض بني إٍرائيل في موت فرعون حتى قال بعضهم: إنه لا يموت فأمر الله البحر فرفعه على مرتفع قيل: على وجه الماء وقيل: على نجوة من الأرض وعليه درعه التي يعرفونها من ملابسه ليتحققوا بذلك من هلاكه ويعلموا قدرة الله عليه. ولهذا قال: (فاليوم ننجيك ببدنك) أي مصاحباً درعك المعروفة بك لتكون أي أنت آية لمن خلفك أي من بني إسرائيل دليلاً على قدرة الله الذي أهلكه. ولهذا قرأ بعض السلف: لتكون لمن خلفك آية. ويحتمل أن يكون المراد ننجيك مصاحباً لتكون درعاً علامة لمن وراءك من بني إسرائيل على معرفتك وإنك هلكت والله أعلم. وقد كان هلاكه وجنوده في يوم عاشوراء كما قال الإمام البخاري في صحيحه حدثنا محمد بن بشار حدثنا غندر حدثنا شعبة عن أبي بشر عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال: قدم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة واليهود تصوم يوم عاشوراء فقالوا: هذا يوم ظهر فيه موسى على فرعون قال النبي صلى الله عليه وسلم: (أنتم أحق بموسى منهم فصوموا). وأصل هذا الحديث في الصحيحين وغيرهما والله أعلم.
يذكر الله تعالى ما كان من أمر فرعون وجنوده في غرقهم وكيف سلبهم عزمهم ومالهم وأنفسهم وأورث بني إسرائيل جميع أموالهم وأملاكهم كما قال: (كذلك وأورثناها بني إسرائيل) (الشعراء 59)، وقال: (ونريد أن نمن على الذين استضعفوا في الأرض ونجعلهم الوارثين) (القصص 5) وقال: (وأورثناها القوم الذين كانوا يستضعفون مشارق الارض ومغاربها التي باركنا فيها وتمت كلمة ربك الحسنى على بني إسرائيل بما صبروا ودمرنا ما كان يصنع فرعون وقومه وما كانوا يعرشون) (الأعراف 137)، أي أهلك ذلك جميعه وسلبهم عزهم العزيز العريض في الدنيا وهلك الملك وحاشيته وأمراؤه وجنوده ولم يبق ببلد مصر سوى العامة والرعايا.
وعند أهل الكتاب: أن بني إسرائيل لما أمروا بالخروج من مصر جعل الله ذلك الشهر أول سنتهم وأمروا أن يذبحوا كل أهل بيت حملاً من الغنم فإن كانوا لا يحتاجون إلى حمل فليشترك الجار وجاره فيه فإذا ذبحوه فلينضجوا من دمه على أعتاب أبوابهم ليكون علامة لهم على بيوتهم ولا يأكلونه مطبوخاً ولكن مشوياً برأسه وأكراعه وبطنه ولا يبقوا منه شيئاً ولا يكسروا له عظماً ولا يخرجوا منه شيئاً إلى خارج بيوتهم. وليكن خبزهم فطيراً سبعة أيام ابتداؤها من الرابع عشر من الشهر الأول من سنتهم وكان ذلك في فصل الربيع. فإذا أكلوا فلتكن أوساطهم مشدودة وخفافهم في أرجلهم وعصيهم في أيديهم وليأكلوا بسرعة قياماً ومهما فضل عن عشائهم فما بقي إلى الغد فليحرقوه بالنار وشرع لهم هذا عيداً لأعقابهم ما دامت التوراة معمولاً بها فإذا نسخت بطل شرعها وقد وقع.
قالوا: وقتل الله عز وجل في تلك الليلة أبكار القبط وأبكار دوابهم ليشتغلوا عنهم وخرج بنو إسرائيل حين انتصف النهار وأهل مصر في مناحة عظيمة على أبكار أولادهم وأبكار أموالهم ليس من بيت إلا وفيه عويل وحين جاء الوحي إلى موسى خرجوا مسرعين فحملوا العجين قبل اختماره وحملوا الأزواد في الأردية وألقوها على عواتقهم. وكانوا قد استعاروا من أهل مصر حلياً كثيراً فخرجوا وهم ستمائة ألف رجل سوى الذراري ما معهم من الأنعام وكانت مدة مقامهم بمصر أربعمائة سنة وثلاثين سنة، هذا نص كتابهم وهذه السنة عندهم تسمى سنة الفسخ وهذا العيد عيد الفسخ ولهم عيد الفطير وعيد الحمل وهو أول السنة وهذه الأعياد الثلاثة أكد أعيادهم منصوص عليها في كتابهم.
ولما خرجوا من مصر أخرجوا معهم تابوت يوسف عله السلام وخرجوا على طريق بحر يسوف وكانوا في النهار يسيرون والسحاب بين أيديهم يسير أمامهم في عامود نور وبالليل أمامهم عامود نار فانتهى بهم الطريق إلى ساحل البحر فنزلوا هناك وأدرهم فرعون وجنوده من المصريين وهم هناك حلول على شاطئ اليم فقلق كثير من بني إسرائيل حتى قال قائلهم كان بقاؤنا بمصر أحب إلينا من الموت بهذه البرية وقال موسى عليه السلام لمن قال هذه المقالة (لا تخشوا فإن فرعون وجنوده لا يرجعون إلى بلدهم بعد هذا) قالوا: وأمر الله موسى أن يضرب البحر بعصاه وأن يقسمه ليدخل بنو إسرائيل في البحر واليبس وصار الماء من ههنا وههنا كالجبلين وصار وسطه يبساً لأن الله سلط عليه ريح الجنوب والسموم فجاز بنو إسرائيل البحر واتبعهم فرعون وجنوده فلما توسطوه أمر الله موسى فضرب البحر بعصاه فرجع الماء كما كان عليهم. لكن عند أهل الكتاب: أن هذا كان في الليل وأن البحر ارتطم عليهم عن الصبح.

لما أغرق الله فرعون وجنوده سبح موسى وبنو إٍرائيل بهذا التسبيح للرب وقالوا: (نسبح الرب البهي الذي قهر الجنود ونبذ فرسانها في البحر المنيع المحمود) وهو تسبيح طويل. قالوا: وأخذت مريم النبية أخت هارون دفاً بيدها وخرج النساء في أثرها كلهن بدفوف وطبول وجعلت مريم ترتل لهن وتقول: سبحان الرب القهار الذي قهر الخيول وركبانها إلقاء في البحر. ولعل هذا هو الذي حمل محمد بن كعب القرظي على زعمه أن مريم بنت عمران أم عيسى عليه السلام وافقتها في الإسم واسم الأب واسم الأخ لأنهم كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم للمغيرة بن شعبة لما سأله أهل نجران عن قوله يا أخت هارون فلم يدر ما يقول لهم حتى يسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك فقال: أما علمت أنهم كانوا يسمون بأسماء أنبيائهم. رواه مسلم. وقولهم النبية كما يقال للمرأة من بيت الملك ملكة ومن بيت الأميرة الأميرة وإن تكن مباشرة شيئاً من ذلك فكذا هذه استعارة لها لا أنها نبية حقيقية يوحى إليها وضربها بالدف في مثل هذا اليوم الذي هو أعظم الأعياد عندهم دليل على أنه قد كان شرع من قبلنا ضرب الدف في العيد وهذا مشروع لنا أيضاً في حق النساء لحديث الجارتين اللتين كانتا عند عائشة تضربان بالدف في أيام منى ورسول الله صلى اللع عليه وسلم مضطجع مولي ظهره إليهم ووجهه إلى الحائط فلما دخل أبوبكر زجرهن وقال: أبمزمور الشيطار في بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فقال: دعهن يا أبابكر فإن لكل قوم عيداً وهذا عيدنا. وهكذا يشرع عندنا في الأعراس ولقدوم الغياب كما هو مقرر في موضعه. والله أعلم.
وذكروا أنهم لما جاوزوا البحر وذهبوا قاصدين إلى بلاد الشام مكثوا ثلاثة أيام لا يجدون ماء فتكلم من تكلم منهم بسبب ذلك فوجدوا ماء زعاقاً أجاجاً لم يستطيعوا شربه فأمر الله موسى فأخذ خشبة فوضعها فيه فحلا وساغ شربه وعلمه الرب هنالك فرائض وسنااً ووصاه وصايا كثيرة. وقد قال الله تعالى في كتابه العزيز المهيمن على ما عداه من الكتب: (وجاوزنا ببني إسرائيل البحر فأتوا على قوم يعكفون على أصنام لهم قالوا يا موسى اجعل لنا إلهاً كما لهم آلهة قال إنكم قوم تجهلون. إن هؤلاء متبر ما هم فيه وباطل ما كانوا يعملون) (الأعراف 138 - 139) قالوا هذا الجهل والضلال وقد عاينوا من آيات الله وقدرته ما دلهم على صدق ما جاءهم به رسول ذي الجلال والإكرام وذلك أنهم مروا على قوم يعبدون أصناماً قيل: كانت على صور البقر فكأنهم سألوهم لم يعبدونها فزعموا لهم أنها تنفعهم وتضرهم ويستزقون بها عند الضرورات فكأن بعض الجهال منهم صدقوهم في ذلك فسألوا نبيهم الكليم الكريم العظيم أن يجعل لهم آلهة كما لأولئك آلهة فقال لهم مبيناً لهم: أنهم لا يعقلون ولا يهتدون إن هؤلاء متبر (مهلك) ما هم فيه وباطل ما كانوا يعملون. ثم ذكرهم نعمة الله عليهم في تفضيله إياهم على عالمي زمانهم بالعلم والشرع والرسول الذي بين أظهرهم وما أحسن به إليهم وما إمتن به عليهم من إنجائهم من قبضة فرعون الجبار العتيد وإهلاكه إياه وهم ينظرون وتوريثه إياهم ما كان فرعون وملؤه يجمعونه من الأموال والسعادة وما كانوا يعرشون وبين لهم أنه لا تصلح العبادة إلا لله وحده لا شريك له لأنه الخالق الرزاق القهار وليس كل بني إسرائيل سأل هذا السؤال.

الضمير عائد على الجنس في قوله: (وجاوزنا ببني إسرائيل البحر فأتوا على قوم يعكفون على أصنام لهم قالوا يا موسى اجعل لنا إلهاً كما لهم من آلهة) أي قال بعضهم كما في قوله: (وحشرناهم فلم نغادر منهم أحداً وعرضوا على ربك صفاً لقد جئتمونا كما خلقناكم أول مرة بل زعمتم أن لن نجعل لكم موعداً) فالذين زعموا هذا بعض الناس لا كلهم وقد قال الإمام أحمد: حدثنا عبدالرزاق حدثنا معمر عن الزهري عن سنان بن أبي سنان الديلي عن أبي واقد الليثي قال: خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل حنين فمررنا بسدره (شجر النبق) فقلنا: يا رسول الله اجعل لنا ذات أنواط كما للكفار ذات أنواط - وكان الكفار ينوطون سلاحهم بسدة ويعكفون حولها - فقال النبي صلى الله عليه وسلم (الله أكبر هذا كما قال بنو إسرائيل لموسى: اجعل لنا إلهاً كما لهم آلهة إنكم تركبون سنن الذين من قبلكم) ورواه النسائي عن محمد بن رافع عن عبدالرزاق به ورواه الترمذي عن سعيد بن عبدالرحمن المخزومي عن سفيان بن عيينة عن الزهري به ثم قال حسن صحيح. وقد روى ابن جرير من حديث محمد بن اسحاق ومعمر وعقيل عن الزهري عن سنان ابن أبي سنان عن أبي واقد الليثي: أنهم خرجوا من مكة مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى خيبر. قال: وكان للكفار سدرة يعكفون عندها ويعلقون بها أسلحتهم يقال لها: ذات أنواط. قال: فمررنا بسدرة خضراء عظيمة. قال: فقلنا: يا رسول الله اجعل لنا ذات أنواط كما لهم ذات أنواط. قال: قلتم: والذي نفسي بيده كما قال قوم موسى لموسى: (اجعل لنا إلهاً كما لهم آلهة قال إنكم قوم تجهلون إن هؤلاء متبر ما هم فيه وباطل ما كانوا يعملون) والمقصود: أن موسى عليه السلام لما انفصل من مصر وواجه بيت المقدس وجدفيها قوماً من الجبارين من الحيثانيين والفزاريين والكنعانيين وغيرهم فأمرهم موسى عليه السلام بالدخول عليهم ومقاتلتهم وإجلائهم إياهم عن بيت المقدس فإن الله كتبه لهم ووعدهم إياه على لسان إبراهيم الخليل - أو موسى الكليم - الجليل - فأبوا ونكلوا عن الجهاد فسلط الله عليهم الخوف وألقاهم في التيه يسيرون ويحلون ويرتحلون ويذهبون ويجيون في مدة السنين طويلة هي من العدد أربعون كما قال الله تعالى: (وإذ قال موسى لقومه يا قوم اذكروا نعمة الله عليكم إذ جعل فيكم أنبياء وجعلكم ملوكاً وآتاكم مالم يؤت أحداً من العالمين) المائدة 20.
يذكرهم نبي الله نعمة الله عليهم وإحسانه عليهم بالنعم الدينية والدنيوية ويأمرهم بالجهاد في سبيل الله لكم ولا ترتدوا على أدباركم) أي تنكصوا على أعقابكم وتنكلوا على قتال أعدائكم (فتنقلبوا خاسرين) أي فتخسروا بعد الربح وتنقصوا بعد الكمال (قالوا يا موسى إن فيها قوماً جبارين) أي عتاة كفرة متمردين (وإنا لن ندخلها حتى يخرجوا منها فإن يخرجوا منها فإنا داخلون) خافوا من هؤلاء الجبارين وقد عاينوا هلاك فرعون وهو أجبر من هؤلاء وأشد بأساً وأكثر جمعاً وأعظم جنداً وهذا يدل على أنهم ملومون في هذه المقالة ومذمومون على هذه الحالة من الذلة عن مصاولة الأعداء ومقاومة المردة الأشقياء.
وقد ذكر كثير من المفسرين هنا آثاراً فيها مجازفات كثيرة باطلة يدل العقل والنقل علة خلافها من أنهم كانوا أشكالاً هائلة ضخاماً جداً حتى أنهم ذكروا أن رسل بني إسرائيل لما قدموا عليهم تلقاهم رجل من رسل الجبارين فجعل يأخذهم واحداً واحداً ويلفهم في أكمامه وحجزة (مكان التكة من السروال) سراويله وهم إثنا عشر رجلاً.
(قالوا يا موسى إنا لن ندخلها أبداً ماداموا فيها فاذهب أنت وربك فقاتلا إنا ههنا قاعدون) فصمم ملاؤهم على النكول عن الجهاد ووقع أمر عظيم ووهن كبير، فيقال: أن يوشع وكالب لما سمعا هذا الكلام شقا ثيابهما وأن موسى وهارون سجدا إعظاماً لهذا الكلام وغضباً لله عزوجل وشفقة عليهم من وبيل هذه المقالة (قال رب إني لا أملك إلا نفسي وأخي فافرق بيننا وبين القوم الفاسقين) قال ابن عباس: اقض بيني وبينهم (قال فإنها محرمة عليهم أربعين سنة يتيهون في الأرض فلا تأس على القوم الفاسقين) عوقبوا على نكولهم بالتيهان في الأرض يسيرون إلى غير مقصد ليلاً ونهاراً وصباحاً ومساءً، ويقال: إنه لم يخرج أحد من التيه ممن دخله بل ماتوا كلهم في مدة أربعين سنة ولم يبق إلا ذراريهم سوى يوشع وكالب عليهما السلام. لكن أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم يوم بدر لم يقولوا له كما قال قوم موسى بل استشارهم في الذهاب إلى النفير تكلم الصديق فأحسن وغيره من المهاجرين ثم جعل يقول: أشيروا علي. حتى قال سعد بن معاذ: (كأنك تعرض بنا يا رسول الله فوالذي بعثك بالحق لو استعرضت بنا هذا البحر فخضته لخضناه معك ما تخلف منا رجل واحد وما نكره أن يلقى بنا عدونا غداً إنا لصبر في الحرب صدق في اللقاء لعل الله يريك منا ما تقر به عينك فسر على بركة الله) فسر رسول الله صلى الله عليه وسلم بقول سعد وبسطه ذلك. وقال الإمام أحمد: حدثنا وكيع حدثنا سفيان عن مخارق بن عبدالله الأحمسي عن طارق هو ابن شهاب أن المقداد قال لرسول الل صلى الله عليه وسلم يوم بدر: يا رسول الله إنا لا نقول لك كما قالت بنو إٍسرائيل لموسى: (اذهب أنت وربك فقاتلا إنا ههنا قاعدون)، ولكن اذهب أنت وربك فقاتلا إنا معكما مقاتلون. وهذا اسناد جيد من هذا الوجه وله طرق أخرى. قال أحمد: حدثنا أسود بن عامر حدثنا إسرائيل عن مخارق عن طارق بن شهاب قال: قال عبدالله بن مسعود: لقد شهدت من المقداد مشهداً لأن أكون أنا صاحبه أحب إلي مما عدل به: أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يدعو على المشركين قال: (والله يا رسول الله لانقول لك كما قالت بنو إسرائيل لموسى: (اذهب أنت وربك فقاتلا إنا ههنا قاعدون) ولكنا نقاتل عن يمينك وعن يسارك ومن بين يديك ومن خلفك فرأيت وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم يشرق لذلك وسر بذلك. رواه البخاري في التفسير والمغازي من طرق عن مخارق به. وقال الحافظ أبوبكر مردويه: حدثنا حميد عن أنس: (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما سار إلأى بدر استشار المسلمين فأشار عليه عمر ثم استشارهم فقالت الأنصار: يا معشر الأنصار إياكم يريد رسول الله صلى الله عليه وسلم. قالوا: إذا لا نقول له كما قال بنو إسرائيل إسرائيل لموسى: (اذهب أنت وربك فقاتلا إنا ههنا قاعدون) والذي بعثك بالحق إن ضربت أكبادنا إلى برك الغماد لاتبعناك.
قد ذكر نكول بني إسرائيل عن قتال الجبارين وأن الله تعالى عاقبهم بالتيه وحكم بأنهم لا يخرجون منه إلى أربعين سنة - ويوشع جهزه موسى لقتال طائفة من الكفار وأن موسى وهارون وخور جلسوا على رأس أكمة ورفع موسى عصاه فكلما رفعها انتصر يوشع عليهم وكلما مالت يده بها من تعب أو نحوه غلبهم أولئك وجعل هارون وخور يدعمان يديه عن يمينه وشماله ذلك اليوم إلى غروب الشمس فانتصر حزب يوشع عليه السلام.