منتديات الجلفة لكل الجزائريين و العرب - عرض مشاركة واحدة - \\\رجال صنعوا التاريخ-تابع-( موسى عليه السلام)
عرض مشاركة واحدة
قديم 2007-10-10, 00:12   رقم المشاركة : 4
معلومات العضو
boulboul
مشرف سابق
 
الصورة الرمزية boulboul
 

 

 
إحصائية العضو










افتراضي

يذكرنا الله تعالى أنه أمرهما أن يذهبا إلى فرعون فيدعواه إلى الله تعالى أن يعبده وحده لا شريك له وأن يرسل معهما بني إسرائيل ويطلقهم من أسره وقهره ولا يعذبهم (قد جئناك بآية من ربك) وهو البرهان العظيم في العصا واليد (والسلام على من اتبع الهدى) تقيد مفيد بليغ عظيم. ثم تهدداه وتوعداه على التكذيب فقالا (إنا أوحي إلينا أن العذاب على من كذب وتولى) أي كذب بالحق بقلبه وتولى عن العمل بقالبه.
وقد ذكر السدي وغيره: أنه لما قدم من بلاد مدين دخل على أمه وأخيه هارون وهما يتعيشان من طعام فيه الطفشيل - وهو اللفت - فأكل معهما ثم قالك يا هارون إن الله أمرني وأمرك أن ندعو فرعون إلى عبادته فقم معي. فقاما يقصدان باب فرعون فإذا هو مغلق فقال موسى للبوابين والحجبة: أعلموه أن رسول الله بالباب فجعلوا يسخرون منه ويستهزئون به.
وقد زعم بعضهم أنه لم يؤذن لهما عليه إلا بعد حين طويل. وقال محمد بن اسحاق: أذن لهما بعد سنتين لأنه لم يك أحد يتجاسر على الاستئذان لهما. فالله أعلم. ويقال: أن موسى تقدم الباب فطرقه بعصاه فانزعج فرعون وأمر بإحضارهما فوقفا بين يديه فدعواه إلى الله عزوجل كما أمرهما.
وعند أهل الكتاب: أن الله قال لموسى عليه السلام أن هارون اللاوى - يعني من نسل لاوى ابن يعقوب - سيخرج ويتلقاك. وأمره أن يأخذ معه مشايخ بني إسرائيل إلى عند فرعون وأمره أن يظهر ما أتاه من الآيات وقال له: سأقسى قلبه فلا يرسل الشعب وأكثر أياتي وأعاجيبي بأرض مصر، وأوحى الله إلى هارون أن يخرج إلى أخيه يتلقاه بالبرية عند جبل حوريب، فلما تلقاه أخبره بما أمره به ربه فلما دخلا مصر جمعا شيوخ بني إسرائيل وذهبا إلى فرعون فلما بلغاه رسالة الله قال: من هو الله؟لا أعرفه؟ ولا أرسل بني إسرائيل.
يقول تعالى مخبراً عن فرعون أنه أنكر إثبات الصانع تعالى قائلاً (فمن ربكما يا موسى. قال ربنا أعطى كل شيء خلقه ثم هدى) أي هو الذي خلق الخلق وقدرلهم أعمالاً وأرزاقاً وآجالاً وكتب ذلك عنده في كتابه اللوح المحفوظ ثم هدى كل مخلوق إلى ما قدره له فطابق عمله فيهم على الوجه الذي قدره وعلمه، لكمال علمه وقدرته وقدره. وهذه الآية كقوله تعالى: (سبح اسم ربك الأعلى. الذي خلق فسوى. والذي قدر فهدى) الأعلى 1 - 3. أي قدر قدراً وهدى الخلائق إلأيه (قال فما بال القرون الأولى) طه 51. يقول فرعون لموسى: فإذا كان ربك هو الخالق المقدر الهادي الخلائق لما قدره، وهو بهذه المثابة من أنه لا يستحق العبادة سواه فلم عبد الأولون غيره وأشركوا به من الكواكب والأنداد ما قد علمت، فهلا اهتدى غإلى ما ذكرته القرون الأولى؟ (قال علمها عند ربي في كتاب لا يضل ربي ولا ينسى) أي هم وإن عبدوا غيره فليس ذلك بحجة لك ولا يدل على خلاف ما أقول، لأنهم جهلة مثلك كل شيء فعلوه مسطر عليهم في الزبر من صغير وكبير وسيجزيهم على ذلك ربي عزوجل، ولا يظلم أحداً مثقال ذرة لأن جميع أفعال العباد مكتوبة عنه في كتاب لا يضل عنه شيء ولا ينسى ربي شيئاً. ثم ذكر له عظمة الرب وقدرته على خلق الأشياء وجعله الأ{ض مهاداً، والسماء سقفاً محفوظاً وتسخيره السحاب والأمطار لرزق العباد ودوابهم وأنعامهم، كما قال: (كلوا وارعوا أنعامكم إن في ذلك الآيات لأولي النهى) طه 54. أي لذوي العقول الصحيحة المستقيمة والفطر القويمة غير السقيمة فهو تعالى الخالق الرزاق.
يخبر الله تعالى عن شقاء فرعون وكثرة جهله وقلة عقله في تكذيبه بآيات الله، واستكباره عن اتباعها وقوله لموسى: إن هذا الذي جئت به سحر ونحن نعارضك بمثله. ثم طلب من موسى أن يواعده إلى وقت معلوم ومكان وكان هذا من أكبر مقاصد موسى عليه السلام أن يظهر آيات الله وحججه وبراهينه جهرة بحضرة الناس ولهذا قال: (موعدكم يوم الزينة) وكان يوم عيد من أعيادهم ومجتمع لهم (وأن يحشر الناس ضحى) أي من أول النهار وقت اشتداد ضياء الشمس فيكون الحق أظهر وأجلى، ولم يطلب أن يكون ذلك ليلاً في ظلام لهم كيما يروج عليهم محالاً وباطلاًن بل طلب أن يكون نهاراً جهرة لأنه على بصيرة من ربه ويقين أن الله سيظهر كلمته ودينه وأن رغمت أنوف القبط. يخبر الله تعالى عن فرعون أنه ذهب فجمع من كان ببلاده من السحرة وكانت بلاد مصر في ذلك الزمان مملوءة سحرة فضلاء في فنهم غاية فجمعوا له من كل بلد ومن كل مكان فاجتمع منهم خلق كثير وجم غفير، فقيل: كانوا ثمانين ألفاً قاله محمد بن كعب. وقيل: سبعين ألفاً. قاله القاسم بن أبي بردة. وقال السدى: بضعة وثلاثين ألفاً. وعن أبي أمامة: تسعة عشر ألفاً. وقال محمد بن إسحاق: خمسة عشر ألفا. وقال كعب الأحبار: كانوا اثني عشر ألفاً. وروى ابن أ[ي حاتم عن ابن عباس: كانوا سبعين رجلاً. وروى عنه أيضاً: أنهم كانوا أربعين غلاماً من بني إسرائيل أمرهم فرعون أن يذهبوا إلأى العرفاء فيتعلموا السحر ولهذا قالوا: وما أكرهتنا عليه من السحر. وفي هذا نظر.
حضر فرعون وأمراؤه وأهل دولته وأهل بلده عن بكرة أبيهم وذلك أن فرعون نادى فيهم أن يحضروا هذا الموقف العظيم فخرجوا وهم يقولون: لعلنا نتبع السحرة إن كانوا هم الغالبون وتقدم موسى عليه السلام إلى السحرة فوعضهم وزجرهم عن تعاطي السحر الباطل الذي فيه معارضة لآيات الله وحججه فقال: (ويلكم لا تفتروا على الله كذباً فيسحتكم بعذاب وقد خاب من افترى فتنازعوا أمرهم بينهم) طه 61 - 62. قيل معناه: أنهم اختلفوا فيما بينهم، فقائل يقول: هذا كلام نبي وليس بساحر وقائل منهم يقول: بل هو ساحر - فالله أعلم - وأسروا التناجي بهذا وغيره: (قالوا إن هذان لساحران يريدان أن يخرجاكم من أ{ضكم بسحرهما) يقولون: إن هذا وأخاه هارون ساحران عليمان مطبقان متقنان لهذه الصناعة ومرادهم أن يجتمع الناس عليهما ويصولا على الملك وحاشيته ويستاصلاكم من آخركم ويستأمروا عليكم بهذه الصناعة (فاجتمعوا كيدكم ثم أئتوا صفاً وقد أفلح اليوم من استعلى) وإنما قالوا الكلام الأول ليتدبروا ويتواصوا ويأتوا بجميع ما عندهم من المكيدة والمكر والخديعة والسحر والبهتان وهيهات كذبت والله الظنون وأخطأت الآراء أنى يتعارض البهتان والسحر والهذيان خوارق العادات التي أجراها الديان على يدي عبده الكليم ورسوله الكريم المؤيد بالبرهان الذي يبهر الأبصار وتحار في العقول والأذهان. لما اصطف السحرة وقف موسى وهارون عليهما السلام تجاههم قالوا له: إما أن تلقي قبلنا وإما أن نلقي قبلك (قال ألأقوا) الأعراف 116. أنتم وكانوا قد عمدوا إلى حبال وعصي فأودعوها الزئبق وغيره من الآلات التي تضرب بسببها تلك الحبال والعصي اضطراباً يخيل للرائي أنها تسعى باختيارها وإنما تتحرك بسبب ذلك فعند ذلك سحروا أعين الناس واسترهبوا وألقوا حبالهم وعصيهم وهم يقولون: بعزة فرعون إنا لنحن الغالبون. أي خاف على الناس أن يفتتنوا بسحرهم ومحالهم قبل أن يلقي ما في يده فإنه لا يضع شيئاً قبل أن يؤمر فأوحى الله إليه الساعة الراهنة: (لا تخف إنك أنت الأعلى وألق ما في يمينك تلقف ما صنعوا إنما صنعوا كيد ساحر ولا يفلح الساحر حيث أتى) فعند ذلك ألقى موسى عصاه وقال: ما جئتم به السحر إن الله سيبطله إن الله لا يصلح عمل المفسدين (ويحق الله الحق بكلماته ولو كره المجرمون) يونس 82.
حين ألقى موسى عليه السلام عصاه صارت حية عظيمة ذات قوائم فيما ذكره واحد من علماء السلف وعنق عظيم وشكر هائل مزعج بحيث أن الناس انحازوا منها وهربوا سراعاً وتأخروا عن مكانها وأقبلت هي على ما القوه من الحبال والعصي فجعلت تلقفه واحداً واحدتً في أسرع ما يكون من الحركة والناس ينظرون إليها ويتعجبون منها. وأما السحرة فإنهم رأوا ما هالهم وحيرهم في أمرهم وأطلعوا على أمر لم يكن في خلدهم و لا بالهم ولا يدخل تحت صتاعاتهم وأشغالهم. فعند ذلك وهنالك تحققوا بما عندهم من العلم أن هذا ليس بسحر ولا شعوذة ولا محال ولا خيال ولا زور ولا بهتان ولا ضلال بل حق لا يقدر عليه إلا الحق الذي ابتعث هذا المؤيد به بالحق وكشف الله عن قلوبهم غشاوة الغفلة وأنارها بما خلق فيها من الهدى وأزاح عنها القسوة وأنابوا إلى ربهم وخروا له ساجدين وقالوا جهرة للحاضرين ولم يخشوا عقوبة ولا بلوى: آمنا برب موسى وهارون كما قال تعالى: (فألقى السحرة سجداً قالوا آمنا برب موسى وهارون) طه 70.
قال سعيد بن جبير وعكرمة والقاسم بن أبي بردة الأوزاعي وغيرهم: لما سجد السحرة رأوا منازلهم وقصورهم في الجنة تعيأ لهم وتزخرف لقدموهم ولهذا لم يلتفتوا إلأى تهويل فرعون وتهديده ووعيده. وذلك لأن فرعون لما رأى هؤلاء السحرة قد أسلموا وأشهروا ذكر موسى وهارون في الناس على هذه الصفة الجميلة أفزعه ذلك ورأى أمراً أبهره وأعمى بصيرته وبصره وكان فيه كيد ومكر وخداع وصنعة بليغة في الصد عن سبيل الله فقال مخاطباً للسحرة بحضرة الناس (آمنتم له قبل أن آذن لكم) أي هلا شاورتموني فيما صنعتم من الأمر الفظيع بحضرة رعيتي. ثم تهدد وتوعد وأبرق وأرعد وكذب فأبعد قائلاً: (إنه لكبيركم الذي علمكم السحر) وقال في الآية الأخرى (إن هذا لمكر مكرتموه في المدينة لتخرجوا منها أهلها فسوف تعلمون). وهذا الذي قاله من البهتان يعلم كل فرد عاقل ما فيه من الكفر والكذب والهذيان بل لا يروج مثله على الصبيان فإن الناس كلهم من أهل دولته وغيرهم يعلمون أن موسى لم يره هؤلاء يوماً من الدهر فكيف يكون كبيرهم الذي علمهم السحر ثم هو لم يجمعهم ولا علم باجتماعهم حتى كان فرعون هو الذي استدعاهم واجتباهم من كل فج عميق وواد سحيق ومن حواضر بلاد مصر والأطراف ومن المدن والأ{ياف. قال الله تعالى في سورة الأعراف (ثم بعثنا من بعدهم موسى بآياتنا إلى فرعون وملائه فظلموا بها فانظر كيف كان عاقبة المفسدين) الأعراف 103.
إن فرعون كذب وافترى وكفر غاية الكفر قوله: إنه لكبيرهم الذي علمكم السحر وأتى ببهتان يعلمه العالمون بل العالمون في قوله: (إن هذا لمكر مكرتموه في المدينة لتخرجوا منها أهلها فسوف تعلمون) وقوله: (لأقطعن أيديكم وأرجلكم من خلاف) يعني يقطع اليد اليمنى والرجل اليسرى وعكسه (ولأصلبنكم أجمعين) أي ليجعلهم مثلة ونكالاً لئلا يقتدى بهم أحد من رعيته وأهل ملته. ولهذا قال: (لأصلبنكم في جذوع النخل) أي على جذوع النخل لأنها أعلى وأشهر (ولتعلمن أينا أشد عذاباً وأبقى) يعني في الدنيا (قالوا لن نؤثرك على ما جاءنا من البينات) أي لن نطيعك ونترك ما وقر في قلوبنا من البينات والدلائل القاطعات (والذي فطرنا) قيل: معطوف. وقيل: قسم (فاقض ما أنت قاض) أي فافعل ما قدرت عليه (إنما تقضي هذه الحياة الدنيا) أي إنما حكمك علينا في هذه الحياة الدنيا فإذا انتقلنا منها إلى الدار الآخرة صرنا إلى حكم الذي أسلمنا له واتبعنا رسله (إنا آمنا بربنا ليغفر لنا خطايانا وما أكرهتنا عليه من السحر والله خير وأبقى) أي وثوابه خير مما وعدتنا من التقريب والترغيب (وأ[قى) أي وأدوم من هذه الدار الفانية. وفي الآية الأخرى (قالوا لا ضير إنا إلى ربنا منقلبون. إنا نطمع أن يغفر لنا ربنا خطايانا) أي ما اجترمناه من المآثم والمحارم (أن كنا أول المؤمنين) أي من القبط بموسى وهارون عليهما السلام.
وقالوا له أيضاً: (وما تنقم منا إلا أن آمنا بآيات ربنا لما جاءتنا) أي ليس لنا عندك ذنب إلا إيماننا بما جاءنا به رسوله وأتباعنا آيات ربنا لما جاءتنا (ربنا أفرغ علينا صبراً) أي ثبتنا على ما ابتلينا به من عقوبة هذا الجبار العنيد والسلطان الشديد بل الشيطان المريد (وتوفنا مسلمين) وقالوا أيضاً يعظونه ويخوفونه بأس ربه العظيم: (إنه من يأت ربه مجرماً فإن له جهنم لا يموت فيها ولا يحيى) يقولون فإياك أن تكون منهم فكان منهم (ومن يأته مؤمناً قد عمل الصالحات فأولئك لهم الدرجات العلى) أي المنازل العالية (جنات عدن تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها وذلك جزاء من تزكى) (طه 74 - 76) فاحرص أن تكون منهم. فحالت بينه وبين ذلك الأقدار التي لا تغالب ولا تمانع وحكم العلي العظيم بأن فرعون لعنه الله. من أهل الجحيم ليباشر العذاب الأليم يصب من فوق رأسه الحميم ويقال له على وجه التقريع والتوبيخ وهو المقبوح المنبوح والذميم اللئيم (ذق إنك أنت العزيز الكريم) (الدخان 49)
يخبر تعالى عن الملأ من قوم فرعون وهم الأمراء والكبراء أنهم حرضوا ملكهم فرعون على أنية نبي الله موسى عليه السلام ومقاتلته بدل التصديق بما جاء به بالكفر والرد والأذى قالوا: (أتذر موسى وقومه ليفسدوا في الأرض ويذرك وآلهتك) يعنون قبحهم الله أن دعوته إلى عبادة الله وحده لا شريك له والنهي عن عبادة ما سواه فساد بالنسبة إلى اعتقاد القبط.
وقرأ بعضهم (ويذرك وآلهتك) أي وعبادتك. ويحتمل شيئين: أحدهما: ويذر دينك وتقويه القراءة الأخرى. الثاني: ويذر أن يعبدك. فإنه كان يزعم أنه إله (لعنه الله) (قال سنقتل أبناءهم ونستحي نساءهم) أي لئلا يكثر مقاتلتهم (وإنا فوقهم قاهرون) أي غالبون.
كان فرعون الملك وهامان الوزير وكان قارون إسرائيلياً من قوم موسى عليه السلام إلا أنه كان على دين فرعون وملائه وكان ذا مال جزيل جداً فلما جاءهم بالحق من عندنا قالوا اقتلوا أبناء الذين آمنوا معه واستحيوا نساءهم وما كيد الكافرين إلا في ضلال) (غافر 25) وهذا القتل للغلمان من بعد بعثة موسى إنما كان على وجه الإهانة والإذلال والتقليل لملأ بني إسرائيل لئلا يكون لهم شوكة يمتنعون بها ويصولون على القبط بسببها وكانت القبط منهم يحذرون فلم ينفعهم ذلك ولم يرد عنهم قدر الذي يقول للشيء كن فيكون (وقال فرعون ذروني أقتل موسى وليدع ربه إني أخاف أن يبدل دينكم أو أن يظهر في الأرض الفساد) ولهذا يقول الناس على سبيل التهكم: (صار فرهون مذكراً) وهذا منه فإن فرعون في زعمه يخاف على الناس أن يضلكم موسى عليه السلام (وقال موسى إني عذت بربي وربكم من كل متكبر لا يؤمن بيوم الحساب) (غافر 27) أي عذت بالله ولجأت إليه بجانبه من أن يسطو فرعون وغيره علي بسوء. وقوله: (من كل متكبر) أي جبار عنيد لا يرعوي ولا ينتهي ولا يخاف عذاب الله وعقابه لأنه لا يعتقد معاداً ولا جزاء. ولهذا قال: (وقار رجل مؤمن من آل فرعون يكتم إيمانه أتقتلون رجلاً أن يقول ربي الله) (غافر 28) وهذا الرجل ابن عم فرعون وكان يكتم إيمانه من قومه خوفاً منهم على نفسه.
قال ابن جريج: قال ابن عباس: لم يؤمن من القبط بموسى إلا هذا والذي جاء من أقصى المدينة وامرأة فرعون. رواه ابن أبي حاتم. قال الدارقطني: لا يعرف من اسمه شمعان بالشين المعجمة إلا مؤمن آل فرعون. حكاه السهيلي: وفي تاريخ الطبراني: إن اسمه خير. فالله أعلم.
هذا الرجل كان يكتم إيمانه فلما هم فرعون - لعنه الله - بقتل موسى عليه السلام وعزم على ذلك شاور ملأه فيه خاف هذا المؤمن على موسى فتلطف في رد فرعون بكلام جمع الترغيب والترهيب فقال على وجه المشورة والرأي. وقد ثبت في الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم : (أنه قال أفضل الجهاد كلمة عدل عند سلطان جائر) وهذا من أعلى مراتب هذا المقام فإن فرعون لأشد جوراً منه وهذا الكلام لا أعدل منه لأن فيه عصمة نبي. ويحتمل أن كاشرهم (كاشفهم) بإظهار إيمانه وصرح لهم بما كان يكتمه. والأول أظهر. والله أعلم. قال: (أتقتلون رجلاً أن يقول ربي الله) أي من أجل أن قال ربي الله! فمثل هذا لا يقابل بهذا بل الإكرام والاحترام والموادعة وترك الانتقام يعني لأنه: (قد جاءكم بالبينات من ربكم) أي بالخوارق التي دلت على صدقه فيما جاء به عمن أرسله فهذا إن وادعتموه كنتم في سلامة لأنه: (إن يك كاذباً فعليه كذبه) ولا يضركم ذلك (وإن يك صادقاً) وقد تعرضتم له (يصبكم بعض الذي يعدكم) أي وأنتم تشفقون أن ينالكم أيسر جزاء مما يتوعدكم به فكيف بكم إن حل جميعه عليكم.
وهذا الكلام في هذا المقام من أعلى مقامات التلطف والاحتراز والعقل التام وقوله: (يا قوم لكم الملك اليوم ظاهرين في الأرض) يحذركم أن يسلبوا هذا الملك العزيز، وكذا وقع لآل فرعون ما زالوا في شك وريب ومخالفة ومعاندة لما جاءهم موسى به حتى أخرجهم الله مما فيه من الملك والأملاك والدور والقصور والنعمة والحبور ثم حولوا إلى البحر مهانين ونقلت أرواحهم بعد العلو والرفعة إلى أسفل السافلين ولهذا قال هذا الرجل المؤمن المصدق البار الراشد التابع للحق الناصح لقومه الكامل العقل: (ياقوم لكم الملك اليوم ظاهرين في الأرض) أي عالين على الناس حاكمين عليهم (فمن ينصرنا من بأس مالك الممالك (قال فرعون) أي في جواب هذا كله: (ما أريكم إلا ما أرى) أي ما اقول لكم إلا ما عندي (وما أهديكم إلا سبيل الرشاد) وكذب في كل من هذين القولين وهاتين المقدمتين فإنه قد كان يتحقق في باطنه وفي نفسه أن هذا الذي في كل من هذين القولين وهاتين المقدمتين فإنه قد كان يتحقق في باطنه وفي نفسه أن هذا الذي جاء به موسى من عند الله لا محالة وإما كان يظهر خلافه بغياً وعدواناً وعتواً وكفراناً قال الله تعالى إخباراً عن موسى (لقد علمت ما أنزل هؤلاء إلا رب السماوات والأرض بصائر وإني لأظنك يا فرعون مثبوراً. فأراد أن يستفزهم من الأرض فأغرقناه ومن معه جميعاً. وقلنا من بعده لبني إسرائيل اسكنوا الأرض فإذا جاء وعد الآخرة جئنا بكم لفيفاً) (ال'سراء 102 - 104) وقال تعالى: (فلما جاءتهم آياتنا مبصرة قالوا هذا سحر مبين. وجحدوا بها واستيقنتها أنفسكم ظلماً وعلوا فانظر كيف عاقبة المفسدين) (النمل 13 - 14) وأما قوله: (وما اهديكم إلا سبيل الرشاد) فقد كذب أيضاً فإنه لم يكن على رشاد من الأمر بل كان على سفه وضلال و خبل وخيال فكان أولاً ممن عبد الأصنام والأمثال ثم دعا قومه الجهلة إلى أن اتبعوه وطاعوه وصدقوه فيما زعم من الكفر المحال في دعواه أنه رب، تعالى الله ذو الجلال قال الله تعالى: (ونادى فرعون في قومه قال يا قوم أليس لي ملك مصر وهذه الأنهار تجري من تحتي أفلا تبصرون. أم أنا خير من هذا الذي هو مهين ولا يكاد يبين. فلولا ألقي عليه أسورة من ذهب أو جاء معه الملائكة مقترنين فاستخف قومه فأطاعوه إنهم كانوا قوماً فاسقين. فلما آسفونا اتقمنا منهم فأغرقناهم أجمعين) (الزخرف 51 - 55) .