منتديات الجلفة لكل الجزائريين و العرب - عرض مشاركة واحدة - نظرية النقد العربي رؤية قرآنية معاصرة
عرض مشاركة واحدة
قديم 2012-11-13, 02:18   رقم المشاركة : 5
معلومات العضو
lakhdarali66
عضو متألق
 
الصورة الرمزية lakhdarali66
 

 

 
الأوسمة
مميزي الأقسام أحسن عضو لسنة 2013 
إحصائية العضو










افتراضي


1 ـ أبعاد هذه المعركة النقدية .
2 ـ الفريق الأول : تفضيل الألفاظ .
3 ـ الفريق الثاني : الجمع بين اللفظ والمعنى .
4 ـ الفريق الثالث : وحدة اللفظ والمعنى .
5 ـ الفريق الرابع : العلاقة القائمة بين اللفظ والمعنى .


ابعاد هذه المعركة النقدية
من المسائل الكبرى عند النقاد القدامى ، مسألة اللفظ والمعنى ، فقد قامت المعركة بينهم على أشدها في تحديد دور كل منهما في إعطاء النص الأدبي قيمته الفنية ، ومن ثم في تقويم شخصية كل منهما في السيادة والأولوية .
ولعل المحفز لهذه المعركة الإعجاز القرآني ، أو لفكرة الإعجاز في القرآن وارتباط الفكر النقدي والبلاغي بمضامينها ، باعتباره عريباً إسلامياً ، فكان النزاع محتدماً في أين يكمن الإعجاز ، في اللفظ وتأليفه ، أو المعنى ودلالته ، أو بهما معاً ، أم بالعلاقة المتولدة بين ذا وذا .
ويمكن حصر أبعاد هذه المعركة بأربعة فرقاء :
1 ـ فريق اللفظ ، ويمثله الجاحظ ( ت 255 هـ ) وأبو هلال العسكري ( ت 395 هـ ) .
2 ـ فريق اللفظ والمعنى ، ويمثله ابن قتيبة ( ت 276 هـ ) ، وقدامة بن جعفر ( ت 337 هـ ) .
3 ـ فريق لم يفصل بين اللفظ والمعنى ، ويمثله ابن رشيق ( ت 414 هـ ) وابن الأثير ( ت 637 هـ ) .
4 ـ فريق جرد اللفظ والمعنى ، وقال بالعلاقة القائمة بينهما ، ويمثله عبد القاهر ( ت 471 هـ ) .
ولا بد لنا من المسير شوطاً في غمار هذه المعركة للكشف عن مراميها ، وسبر أغوارها ، لنصل بعد هذا المسير إلى الميناء الذي ترسو عليه الصورة الأدبية .


1 ـ الفريق الأول : ما من شك أن الجاحظ ( ت 255 هـ ) هو أول من ألقح شرارة هذه المعركة ، تعلقاً منه بمذهب الصيغة ، وتعصباً للفظ ، ومشايعة للصياغة سواء فيما رآه وقرره ، أو بما نقله وأقحمه من آراء العلماء والأدباء والنقاد ، وهو في كل ذلك يضع الأناقة والجودة والجمال في الألفاظ ، فالمقياس عنده للقيمة الأدبية إنما يتقوم في جزالة اللفظ ، وجودة السبك ، وحسن التركيب لأن « المعاني مطروحة في الطريق يعرفها العجمي والقروي ، والبدوي والقروي ، إنما الشأن في إقامة الوزن ، و تخير اللفظ ، وسهولة المخرج ، وفي صحة الطبع وجودة السبك » (1) .
وتبعه على هذا الرأي أبو هلال العسكري ، فحذا حذوه ، وسلك منهجه حتى تقاربت الألفاظ ، وتشابهت العبارات ، فنراه في فصل يعقده لذلك ، وهو الفصل الأول من الباب الثاني من الصناعتين ، يقول :
الكلام ـ أيدك الله ـ يحسن بسلاسته ، وسهولته ، ونصاعته ، وتخير ألفاظه ، وإصابة معناه ، وجودة مطالعه ، وليس مقاطعه ، واستواء تقاسيمه ، وتعادل أطرافه ، وتشابه بواديه ، وموافقة أخيره فباديه ، حتى لا يكون في الألفاظ أثر ، فتجد المنظوم مثل المنثور في سهولة مطلعه ، وجودة مقطعه ، وحسن رصفه وتأليفه ، وكمال صوغه وتركيبه ، فإذا كان الكلام كذلك كان بالقبول حقيقاً ، وبالتحفظ خليقاً ) (2) .
فعيار سلامة الكلام عنده تنحصر في سلامة اللفظ وسهولته ونصاعته ، وجودة مطالعه ، ورقة مقاطعه ، وتشابه أطرافه ، وما نسجه على هذا المنوال وفي هذا الهدف ، أما إصابة المعنى ( فليس يطلب من المعنى إلا أن يكون صوابا ) (3) .
ثم يعزز رأيه بشواهد وأمثلة يختارها تعنى بالصياغة اللفظية ، تاركاً وراءه المعاني ، عازفاً عن قبولها قبولاً حسناً ، فهي مبتذلة يعرفها العربي والعجمي والقروي والبدوي ـ كما عبر عن ذلك الجاحظ بالنص ـ فيقول
____________
(1) الجاحظ ، الحيوان : 3|131 ـ 132 .
(2) الصناعتين : 61 .
(3) المصدر نفسه : 64 .


« وليس الشأن في إيراد المعاني ، لأن المعاني يعرفها العربي والعجمي والقروي والبدوي ، وإنما هو جودة اللفظ وصفائه ، وحسنه وبهائه ، ونزاهته ونقائه ، وكثرة طلاوته ومائه ، مع صحة السبك والتركيب ، والخلو من أود النظم والتأليف » (1) .
فالعسكري معني بالهيكل وأناقته ، ومفتتن بالألفاظ وإطارها باعتبارها الوسائل التي يتفاضل بحسن اختيارها الأدباء ، وهو يحكي ما قرره الجاحظ ويتناوله بالكشف والإيضاح ، ولا جديد عنده عليه ، فهما إذن يصدران عن قاعدة واحدة تشكل هذا الرأي الخاص ، ولعل مرد هذا الرأي في تعصبهما الظاهر للفظ إنما يرجع إلى دوافع نفسية وسياسية وعصبية قبلية ، وإن صح هذا فهذه الدوافع لا تشكل حكماً علمياً مجرداً ، ولنقف عندها قليلاً :
أ ـ الدافع النفسي : لا شك أن اللفظ الرقيق ، والجرس الناغم ، والتركيب الناصع ، مظاهر تسيطر على النفوس فتنجذب نحوها انجذاباً ، وجزالة الأسلوب تهيمن على القلوب فتبهر بها وتنساق إليها ، سيراً وراء هذا المظهر البراق ، ولعل الجاحظ والعسكري قد افتتنا بهذا فسيطر عليهما نفسياً ، حتى عاد ذلك قناعة ورأياً ، فكانت أراؤهما تعبيراً عما يعتقدان .
ب ـ الدافع السياسي : كانت السلطة الزمنية في الفترة ما بين عصري الجاحظ والعسكري فترة مزدهرة بالترجمة والتأليف والكتابة وصولة البيان ، وكان الخط السياسي معنياً بتقييم الكتاب ، فعليهم تقوم أركان الدولة ، وبهم ينهض مجد الحكم ، ومنهم يخرج عطاء الناس ، وبهم تتفاخر الأمراء والوزراء والولاة ، والكتاب إنما يتميزون بالأداة الصالحة والمهارة الفنية ، وهما يستقيمان باللفظ والتحكم فيه ، وإخضاع تلك المهارة لأغراض الدولة ومتطلبات السلطان ، وليست أغراض الدولة أغراضاً علمية فتحتاج إلى عميق المعاني وموضوعية البيان ، وإنما هي أغراض سياسية تحققها قعقعة الألفاظ وزبرجة الهياكل ، فإذا أضفنا إلى هذا مكانة الجاحظ وشخصية العسكري وما يقتضي مركزهما من التريث والتدبر حفاظاً على النفس ، وقضاء للمصالح ، فما المانع أن يندفعا هذا الاندفاع إرضاء لأولئك
____________
(1) المصدر نفسه : 63 ـ 64 .


الكتاب ، أو حذراً من ولاة الأمور ، ولكن هذا التعليل يقضي بأن الجاحظ والعسكري وأنصارهما قد تجاهلوا كيانهم الحضاري ومجدهم العلمي ، وفرطوا بذوقهم الأدبي وتراثهم العقلي راغبين أو راهبين .
ج ـ الدافع القومي : ومرده في إعطاء هذا الرأي وبخاصة من قبل الجاحظ هو محاولة دحض مزاعم الشعوبيين الذين حاولوا تفضيل نصوصهم الأدبية على النصوص العربية بكثرة معانيها ، وتدفق أغراضها ، و تعدد موضوعاتها ، فكان رد الفعل لدى النقاد العرب هو التقليل من قيمة المعاني وإعطاء القيمة للصناعة اللفظية .
2 ـ الفريق الثاني : وذهب الفريق الثاني وفي طليعته ابن قتيبة ( ت 276 هـ ) إلى القول بالجمع بين اللفظ والمعنى مقياساً في البلاغة ، وميزاناً للقيمة الفنية ، فرأى أن الشعر يسمو بسموهما وينخفض تبعاً لهما ، وقد قسم الشعر إلى أربعة أضراب :
1 ـ ضرب حسن لفظه وجاد معناه .
2 ـ ضرب منه حسن لفظه وحلا ، فإذا فتشته لم تجد هناك فائدة في المعنى .
3 ـ ضرب منه جاد معناه ، وقصرت ألفاظه .
4 ـ ضرب منه تأخر معناه ، وتأخر لفظه (1) .
فاللفظ والمعنى عند ابن قتيبه يتعرضان معاً للجودة والقبح ، ولا مزية لأحدهما على الآخر ، ولا استئثار بالأولوية لأحد القسيمين ، فقد يكون اللفظ حسناً وكذلك المعنى ، وقد يتساويان في القبح ، وقد يفترقان .
ولم يعدم ابن قتيبة الموافقين له على رأيه ، وفيه من الوجاهة ما يدعمه ، فقد سار على منهاجه قدامة بن جعفر في نقد الشعر وتحدث عن اللفظ والمعنى ، وجعلهما قسيمين في تحمل مظاهر القبح وملامح الجودة فيما أورده من آراء في عيوب الالفاظ والمعاني (2) .
____________
(1) ابن قتيبة ، الشعر والشعراء : 7 ـ 9 .
(2) قدامة ، نقد الشعر ، الفصل الثالث : 194 ـ 214 .


وإذا وافقنا ابن قتيبة في تقرير الموضوع الأصل وهو سليم جداً ، فإننا نخالفه في طبيعة فهمه ، وتطبيق الحكم على النماذج التي أختارها دليلاً على صحة دعواه . ولا سيما في الضرب الثاني الذي حسن لفظه وقصر معناه ، فإنه يستشهد بهذه الأبيات (1) .

ثم يعقب عليها ناقداً ومعلقاً بقوله « هذه الألفاظ كما ترى أحسن شيء مخارج ومطالع ومقاطع ، وإن نظرت إلى ما تحتها من المعنى وجدته : ولما قطعنا أيام متى ، واستلمنا الاركان ، وعالينا إبلنا الانضاء ، ومضى الناس لا ينتظر الغادي منهم الرائح ، ابتدأنا في الحديث وسارت المطي في الأبطح (2) .
فابن قتيبة ببساطة يحكم على سذاجة المعنى ، ويدعي في الألفاظ سلس العبارة ، وجودة المخارج ، وحسن المقاطع ، ولكنني ألمس مخالفته في الموضعين :
أ ـ اعتبر الألفاظ في سياقها جيدة المخارج والمقاطع والمطالع ، وقد يكون بعضهما كما رأى ، ولكن أقل ما قبح البعض الآخر مجتمعاً توالي حروف الحلق في حاءاتها وهاءاتها والعين والغين مما يمنع تقاطرها في النطق وانصبابها في التحدث إلا بتكلف ، وهي على وجه الضبط : حاجة ، ومسح ، هو ، ماسح ، على ، حدب ، المهارى ، رحالنا ، الغادي ، هو ، رائح ، الأحاديث ، أعناق ، الأباطح ، فما رأيك في أبيات عدة ألفاظها ثلاثون لفظاً اشتمل منها أربعة عشر لفظاً على حروف مخرجها واحد لا يتعداه وهو الحلق
____________
(1) تنسب الأبيات إلى كثير غزة كما في الديوان : 525 ، وقيل لابن الطثرية وقيل للمضرب كما في معاهد التنصيص : 241 . وتنسب للمضرب وحده كما في أمالي المرتضى : 1|458 ، وإلى هؤلاء وغيرهم كما في تخريج هامش أسرار البلاغة : 21 ، رقم 25 .
(2) ابن قتيبة ، الشعر والشعراء : 8 .


أو أقسى الحلق ؟ فأين حسن المخارج والمقاطع يا ترى ؟ .
ب ـ أما المعاني وقد عابها ، ونثرها نثراً سوقياً ، فلا حاجة إلى بيان ما اشتملت عليه من رقة وزهو وسلاسة لا سيما في البيت الثالث منها ، ويكفي أن أحيلك على عبد القاهر في كشف جمالها وبيان روعتها ، فقد تناولها بالتعليق في قوله : إن أول ما يتلقاك من محاسن هذا الشعر أنه قال : ( ولما قضينا من منى كل حاجة ) فعبر عن قضاء المناسك بأجمعها والخروج من فروضها وسنتها من طريق أمكنه أن يقصر سعة اللفظ وهو طريقة العموم : ثم نبه بقوله : ( ومسح بالأركان من هو ماسح ) على طواف الوداع الذي هو آخر الأمر ، ودليل المسير الذي هو مقصوده من الشعر ، ثم قال ( أخذنا بأطراف الأحاديث بيننا ) فوصل بذكر مسح الأركان ما وليه من زم الركاب وركوب الركبان ، ثم دل بلفظة ( الأطراف ) على الصفة التي يختص بها الرفاق في السفر من التصرف في فنون القول وشجون الحديث ، أو ما هو عادة المتطوفين من الإشارة والتلويح والرمز والإيماء ، وأنبأ بذلك عن طيب النفوس ، وقوة النشاط ، وفضل الاغتباط ، كما توجبه إلفة الأصحاب ، وأنسة الأحباب ، وكيف يليق بحال من وفق لقضاء العبادة الشريفة ورجا حسن الإياب .. ثم زان ذلك كله باستعارة لطيفة طبق بها معضل التشبيه ... فصرخ أولاً بما أومأ إليه في الأخذ بأطراف الأحاديث من أنهم تنازعوا أحاديثهم على ظهور الرواحل ، وفي حالة التوجه إلى المنازل وأخبر بعد بسرعة السير ، ووطأة الظهر ، إذ جعل سلاسة سيرها بهم كالماء تسيل به الأباطح ... » (1) .
وما أبديناه بالنسبة للألفاظ ، وما قرره عبد القاهر بالنسبة للمعاني ، كان سبب مخالفتنا لابن قتيبة في التطبيق ، وموافقتنا له في الحكم وعموم الأصل .

3 ـ الفريق الثالث : ويتمثل بابن رشيق ( ت 456 هـ ) فقد اعتبر اللفظ والمعنى شيئاً واحداً متلازماً ملازمة الروح للجسد ، فلا يمكن الفصل بينهما بحال ، قال :
____________
(1) الجرجاني ، أسرار البلاغة : 22 ـ 23 .









رد مع اقتباس