منتديات الجلفة لكل الجزائريين و العرب - عرض مشاركة واحدة - نظرية النقد العربي رؤية قرآنية معاصرة
عرض مشاركة واحدة
قديم 2012-11-13, 02:13   رقم المشاركة : 3
معلومات العضو
lakhdarali66
عضو متألق
 
الصورة الرمزية lakhdarali66
 

 

 
الأوسمة
مميزي الأقسام أحسن عضو لسنة 2013 
إحصائية العضو










افتراضي

نظرية النقد العربي ( رؤية قرآنية معاصرة ) ( 3 / 13 )


دون الجاحظ الذي استعمل المادة في هيئة أخرى ، وهي التصوير فقد اعتبراها أداة للتعبير عن الإطار الخارجي لمثال الشيء وهيئته وصفته ، وقد امتد هذا الاستعمال إلى عصر عبد القادر الذي يقول : تشبيه الشيء بالشيء من جهة الصورة والشكل . أو جمع الصورة واللون (1) . يريد بذلك الهيئة والصفة مقابل المادة والجوهر .
وأما ابن الأثير فقد تأثر نسبياً بقدامة ، وجعل الصورة قسيماً للمعنى ، أو في مقابلة أي اعتبرها الشكل ، واعتبر المعنى مادة لهذا الشكل ، وقوم الصورة فرأى تشبيه المعنى بالصورة ابلغ أقسام التشبيه الأربعة ، لتصويره المعنى الوهمي المجرد بالصور المشاهدة عياناً ورأى تشبيه الصورة بالمعنى ألطف الأقسام لأنه تصرف حي ينقل الصورة المحسوسة إلى الصورة المعنوية المتخيلة .
ويبدو أن الصورة في حدود ما عرضوه لا تتعدى ما ذكر لها في مداليل لغوية ، وإن توسع فيه إلى ما يشمل الصورة المتخيلة في أقسام التشبيه ، وإنما ارادوا بذلك الشكل كما أراد ذلك اللغويون ، فهذا ابن سيده ( ت 458 هـ ) يقول : « الصورة في الشكل » (2) وهو يريد بالشكل الهيئة الخارجية التي يتمثل فيها الشيء . وقد تطلق عند اللغويين على الحقيقة والهيئة معاً ، قال ابن الأثير : الصورة ترد في كلام العرب على ظاهرها ، وعلى معنى حقيقة الشيء وهيئته ، وعلى معنى صفته ، يقال صورة الفعل كذا وكذا أي هيئته ، وصورة الأمر كذا وكذا أي صفته (3) .
ولعل عبد القادر الجرجاني هو أول من أعطى للصورة دلالة اصطلاحية وهي تعني لديه الفروق المميزة بين معنى ومعنى ، وشبهها بالفروق التي تميز هيكل إنسان ما عن إنسان ، وخاتم عن خاتم ، وسوار عن سوار ، ولكن هذه الفروق بوقت انطباعها على هيئة الشيء فإنها يستدل بها على حقيقته .
____________
(1) الجرجاني ، اسرار البلاغة : 81 .
(2) ابن منظور ، لسان العرب : 6|143 .
(3) المصدر نفسه : 6|144 .


وقد وجد عبد القادر في استعماله لهذا الاصطلاح غرابة نظراً نظراً لجدته في مجاله الخاص به ، وخشي أن ينكر عليه النقاد ذلك فتستر بالجاحظ كلمة التصوير لم تكن واضحة تماماً ، إذ التصوير عند الجاحظ ـ كما يبدو من سياق تعبيره ـ لا يتعدى حدود الجهد العقلي أو العملي الذهني في صياغة الشعر ، وهو أجنبي عن مصطلح عبد القاهر الذي استعمله مبتكراً له ومبتدعاً لمدلوله . فالجرجاني بهذا قد أعطى للصورة رؤية جديدة ، وما ذكره دقيق جداً ، فالصورة عنده ليست هي نفس الشيء ، وإنما هي مميزاته المفرقة له عن غيره ، وهذه المميزات قد تكون في الشكل وقد تكون في المضمون ، لأن الصورة مستوعبة لهما ، والنظرة لأحدهما لا بد أن تنعكس على الآخر .
لهذا فإن ما أبداه عبد القاهر ، يصلح أن يكون نواة لما استقر عليه المصطلح النقدي الأصيل للصورة لدى المحدثين . وليس هنا مجال للتفصيل في الاستدلال على صحة هذا الرأي ، لأننا سبق وأن بحثناه في خطوطه العريضة (1) ، إلا أننا سنلمح له في المقارنة كما سيأتي .
وأما ما أبداه التهانوي ، وهو من المتأخرين عن عصر عبد القاهر كثيراً ، فقد ترجم رأي عبد القاهر في استجلاء الفروق والمميزات فيما يحصل في الذهن من معلومات ، هذا لو أراد الصورة في مصطلحها الفني ، أو لو حملنا كلامه على الصورة في اصطلاح الفلاسفة ـ وهي تعني الهيولي في مقابل المادة عند القوم ـ فحديثه لا يعنينا حينئذ ، ويحمل كلامه على ما حمل عليه كلام من سبقه .
____________
(1) ظ المؤلف : الصورة الأدبية في الشعر الأموي : 20 ـ 35 .


3 ـ الصورة عند النقاد المحدثين
على الرغم من الاتجاه السائد عند النقاد المعاصرين من العرب والغربيين والمستشرقين في محاولة دراسة الصورة الفنية لأي عمل أدبي ، فإن حقيقة الصورة ما زالت موضع اختلاف لديهم في مجالات التحديد ، ويذهبون بذلك مذاهب هي أقرب إلى الغموض منها إلى الوضوح .
لقد عرف ( فان van ) الصورة بقوله : « الصورة كلام مشحون شحناً قوياً ، يتألف عادة من عناصر محسوسة ، خطوط ، ألوان ، حركة ، ظلال ، تحمل في تضاعيفها فكرة أو عاطفة أي إنها توحي بأكثر من المعنى الظاهر ، وأكثر من انعكاس الواقع الخارجي ، وتؤلف في مجموعها كلاً منسجماً » (1) .
وهذا يعني أنها مجموعة العناصر المحسوسة التي ينطوي عليها الكلام ، وتوحي بأكثر مما تحمله من تضاعيف المعنى الظاهر ، وإنها تنحصر في جانبين :
1 ـ الجانب الحسي المرتكز على الفكرة والعاطفة والمشاهدة .
2 ـ الجانب الإيحائي الذي يضفي على الشكل أكثر من تفسيره الظاهري .
وعرف « بوند » الصورة بأنها « ما ينقل عقدة فكرية أو عاطفية في لحظة زمنية » (2) . فهي عنده الوسيلة التي تعبر في طريقة عرضها من مركب فكري ، أو إحساس عاطفي مرتبطين بلحظة زمنية معينة .
____________
(1) روز غريب ، تمهيد في النقد الحديث : 192 وما بعدها .
(2) إحسان عباس ، فن الشعر : 90 .


ويعرف البعض الصورة بأنها « مشهد أو رسم قوامه الكلمات » (1) . فهي عنده لوحة فنية تتضافر على إخراجها الألفاظ ، سواء بمدلولها الحسي ، أم بمدلولها الإيحائي متناسياً أن كثيراً من المشاهد والرسوم تبدو مفتقرة إلى الصورة الفنية وإن تقومت بالكلمات .
ويعبر عنها البعض الآخر بأنها « حركة متصلة في قلب العمل الأدبي تتبصر بها في دوائره ومحاوره ومنعطفاته ، وننتقل بها داخل العمل الأدبي في مستوى تعبيري إلى مستوى تعبيري آخر ، حتى يتكامل لدينا البناء الأدبي كائناً عضوياً حياً (2) .
ولا يخلو هذا التعريف من غرابة وطرافة وإيهام ، لأنه مجموعة من الألفاظ المتشابهة والمعاني المترادفة التي لا نصل معها إلى تحديد ، ولا تكشف لنا عن جديد ، إلا في إرادة التنقل من تعبير حقيقي ـ فيما يبدو ـ الى تعبير استعاري .
ويعتبر الأستاذ أحمد الشايب « الوسائل التي يحاول بها الأديب نقل فكرته وعاطفته معاً إلى قرائه وسامعيه (3) هي الصورة الفنية » ثم يذكر أن لها معنيين :
الأول : ما يقابل المادة الأدبية ، ويظهر في الخيال والعبارة .
الثاني : ما يقابل الأسلوب ، ويتحقق بالوحدة ، وهي تقوم على الكمال والتأليف والتناسب (4) .
ومقياس الصورة عنده « هو قدرتها على نقل الفكرة والعاطفة بأمانة ودقة ـ فالصورة هي العبارة الخارجية للحالة الداخلية ـ وهذا هو مقياسها الاصيل ، وكذا ما نصفها به من روعة وقوة إنما مرجعه هذا التناسب بينها وبين ما تصور من عقل الكاتب ومزاجه تصويراً دقيقاً خالياً من الجفوة والتعقيد ، فيه
____________
(1) أحمد نصيف الجنابي ، في الرؤية الشعرية المعاصرة : 119 .
(2) محمود أمين العالم وعبد العظيم أنيس ، في الثقافة المصرية : 58 .
(3) أحمد الشايب ، أصول النقد الأدبي : 242 .
(4) المصدر نفسه : 259 .


روح الأديب وقلبه ، بحيث نقرؤه ، كأنا نحادثه ، ونسمعه كأنا نعامله » .
وهذا القياس ذو أهمية جديرة بالتأمل ، فالصورة من جانب قوة خلاقة قادرة على نقل الفكرة ، وإبراز العاطفة ، وهي الشكل الخارجي المعبر عن الحالة النفسية للمنشئ وعن تفاعله الداخلي ، وهي الضوء الكاشف عن كفاءة المبدع الفنية ، وروحه الشفافة الرقيقة ـ نتيجة لإيجاده الملاءمة بين نقل الفكرة وتعبيرها النفسي أسلوبياً ـ وبها يتميز عقل المتكلم ويحكم عليها بالدقة والإبداع والتطوير دون وساطة أخرى ، وإنما نقرؤه تجسيداً ، ونسمعه تشخيصاً وإدراكاً من خلال هذا التناسب والارتباط الذي حققه في هذا العمل الأدبي أو ذاك ، وهو الصورة . فالصورة عنده إيجاد للملاءمة والتناسب بين الفكر والأسلوب ، أو اللغة والأحاسيس .
ولعل هذا التحديد للصورة في تعريفها ومعناها ورؤية هويتها ومقياسها من أفضل التعاريف الفنية نظراً لما يحمله في تضاعيفه من الوضوح والمرونة والدقة العلمية ، ولأنه جامع مانع كما يقول المناطقة .
ويقول الدكتور داود سلوم « إن امتزاج المعنى والألفاظ والخيال كلها هو الذي يسمى بالصورة الأدبية ، ومن ترابطها وتلاؤمها والنظر إليها مرة واحدة عند نقد النص يقوم التقدير الأدبي السليم » (1) .
فمقياس الصورة عند الدكتور داود سلوم يقوم على أساس تجسيد الفكرة العامة للعلاقات الجزئية في النص الأدبي لتشكل كلاً فنياً واحداً .
وتقول روز غريب « الصورة في أبسط وصف لها تعبير عن حالة أو حدث بأجزائهما أو مظاهرهما المحسوسة . هي لوحة مؤلفة من كلمات ، أو مقطوعة وصفية في الظاهر لكنها في التعبير الشعري توحي بأكثر من المظاهر ، وقيمتها ترتكز على طاقتها الإيحائية ، فهي ذات جمال تستمده من اجتماع الخطوط والألوان والحركة ونحو ذلك من عناصر حسية ، وهي ذات قوة إيحائية تفوق قوة الإيقاع لأنها توحي بالفكرة كما توحي بالجو والعاطفة » (2) .
____________
(1) داود سلوم ، النقد الأدبي : 1|81 .
(2) روز غريب ، تمهيد في النقد الحديث : 190 .


وهذا التعريف ـ في كثير من ابعاده ـ تعريب تقليدي لتعريف « وليم فان » السابق ، وشرح له ، وكشف لدوافعه ، وإن أعوزته جودة التركيب وقوة الصياغة ، ولكنه يشير من طرف خفي إلى البعد الرمزي في الصورة بكونها تعبيراً يوحي بأكثر من الظاهر ، والكاتبة هنا تلاحظ في الجانب الإيحائي قوة تفوق الإيقاع والنغم وصنوف المحسنات البيانية ، ولكنها قد تعارض هذا الرأي الذي نقلته في خطوطه العامة دون إدراك لهذه المعارضة ، فهي تعتبر الصورة تتخطى حدود الاستعارة والمجاز والتشبيه ، وتتعدى الخيال والعاطفة فقد تنشأ عن أصل واقعي بعيد عن الخيال من جهة ، وضروب البيان من جهة أخرى ، وهما الجانب الإيحائي في الصورة والذي أكدته في الرأي نفسه ، ثم تعود للتعبير عنه بقولها :
« الصورة الشعرية لا تنحصر في التشابيه والاستعارات وسواها من ضروب المجاز ، ولكنها كل صورة توحي بأكثر من معناها الظاهر ، ولو جاءت منقولة عن الواقع » (1) متناسية أن الإيحاء بأكثر من المعنى الظاهر لا يتم إلا باللحن ، أو الرمز ، أو التعريض ، أو الكناية ، أو التشبيه أو الاستعارة ، وكلها من ضروب المجاز بمعناه العام .
ويرى الدكتور مصطفى ناصف أن الصورة تستعمل عادة : « للدلالة على كل ما له صلة بالتعبير الحسي ، وتطلق أحياناً ، مرادفة للاستعمال الاستعاري » (2) .
فالصورة عنده ما استدل بها على التعبير الشاخص الذي يوصلنا إلى إدراك حقيقة الشيء من جهة ، وعلى دلالة الكلمة الاستعارية من جهة أخرى ، فالشق الأول من كلامه يعني بإيحاء الصورة ، والثاني يعني بشكلها الخارجي في الدلالات المجازية .
ثم يأتي بعد هذا فيحدد الصورة بأنها :
« منهج ـ فوق المنطق ـ لبيان حقيقة الأشياء » (3) وهذا التحديد لمفهوم
____________
(1) المصدر نفسه : 203 .
(2) مصطفى ناصف ، الصورة الأدبية : 3 .
(3) المصدر نفسه : 8 .










رد مع اقتباس