تكملة...............
إثبــات جريمة التحرش الجنســي
أدلـــة الإثبــــات
يقصد بالإثبات بصفة عامة الدليل و البرهان على حقيقة أمر من الأمور توصلا لغاية معينة و هو ما يسمى بالإثبات العام أو الإثبات العملي.
أما الإثبات بمعناه القانوني فيعني إقامة الدليل أمام القضاء بالطرق التي حددها القانون على وجود واقعة قانونية ترتبت آثارها و هو إقامة الدليل أمام القضاء على وجود حق منازع فيه أو على حدوث واقعة قانونية بصفة عامة مهما كان أثر ثبوت هذه الواقعة.
و يسمى الإثبات طبقا للمعنى الثاني بالإثبات القضائي، ذلك لأنه يتم أمام القضاء، فإذا تم الإثبات خارج مجلس القضاء فانه يخرج عن معنى الإثبات القضائي ليدخل في الإثبات بمعناه العام أو العملي، و يجب أن يتم الإثبات بإحدى الطرق التي حددها القانون و متى تم الإثبات فانه يلزم القاضي أن يقضي بالنتائج القانونية المترتبة على هذا الإثبات.
و تتأثر أنظمة الإثبات الجزائية في أي مجتمع من المجتمعات البشرية بالعوامل السياسية و الاجتماعية و بالقيم السائدة في تلك المجتمعات، كما تتأثر أدلة الإثبات و وسائله بدرجات النمو و التقدم في الدولة و بالعلاقة القائمة بين الدولة من جهة و أفراد المجتمع من جهة أخرى من خلال مدى ضمان الحريات و الحقوق الفردية و صيانتها من أي شكل من أشكال الاستغلال.
تختلف نظم الإثبات في إقامة الدليل حيث يمتاز نظام الأدلة القانونية بالدور الرئيسي الذي يقوم به المشرع في عملية الإثبات فقد يشترط دليلا معينا و متماسكا معتمدا على صحته و قوته كأدلة كاملة و هي التي تكفي لوحدها حيث يترتب على وجودها تطبيق العقوبة المنصوص عليها قانونا و في موضوعنا هذا و لكي تكون البينة دليلا كاملا يشترط في أدلة الإثبات ما يلي:
شهادة شاهد على نفس الواقعة كما يشترط في الشاهد أن يكون شاهد الواقعة بنفسه و أن يتصف الشاهد بالاستقامة و أن يكون جازما في شهادته لفعل التحرش الجنسي.
إن العمل و الحزم على إثبات جريمة التحرش الجنسي يوجب إظهار دليل متماسك وفق المعايير التي خلص إليها المشرع الجزائري و وفقا لقانون الإجراءات الجزائية، و بالرجوع إلى الجريمة المتعلقة بالتحرش الجنسي و التي ترك فيها المشرع عبء الإثبات على عاتق المجني عليه بتقديم الدليل كشهادة الشهود، الاعتراف، المحررات أو الخبرة.
إن مسألة إثبات جريمة التحرش الجنسي تبقى مسألة جد صعبة لان الفاعل أو مرتكب الجريمة يقترف فعله في سرية تامة متخذا كل التدابير و جميع الاحتياطات التي من شأنها استبعاد كشف سلوكه الإجرامي، و بالتالي فان نطاق الإثبات لا يقتصر على إقامة الدليل أمام قضاة الحكم بل يتسع إلى سلطات الضبطية القضائية المكلفة بجمع الاستدلالات - ضابط الشرطة القضائية و أعوانه -، و سلطة الاتهام - النيابة العامة و وكيل الجمهورية -، و سلطة التحقيق - قاضي التحقيق - ، فالقانون أعطى للقاضي كامل الحرية في تقدير الأدلة المقدمة له في الدعوى تطبيقا لمبدأ حرية الإثبات.
و قد يلجأ القاضي في إصدار الحكم في جريمة التحرش الجنسي على ضوء الأدلة التي تناقش أمامه و التي نص عليها المشرع في المواد - 212 و 235 ق.ا.ج -.
و انطلاقا من نص المادة 212 من قانون الإجراءات الجزائية،“ يجوز إثبات الجرائم بأي طريقة من طرق الإثبات “ و ينص هذا الشطر من الفقرة الأولى من المادة أعلاه على أن أطراف الدعوى لهم الحرية في إثبات ادعائهم بكل الأدلة المشروعة سواء الكتابية منها و الشفهية، دون أن يقيدهم بأي قيد كان أو يحدد لهم دليلا يجب اللجوء إليه دون غيره، و أهم أدلة الإثبات في جريمة التحرش الجنسي ما تم التنويه به أعلاه، و يبقي القاضي هو الوحيد في تقدير هذه الأدلة من خلال اقتناعه الشخصي المبني على ملاحظة الوقائع و التفكير فيها للوصول إلى الحقيقة و هذا ما يوضح لنا أن القاضي في اقتناعه يبذل جهدا عقليا و فكريا لبنائه، و نشير إلى أن اللجوء إلى الاجتهاد القضائي في هذه الجريمة لا يزال حثيث الخطى، نظرا لحداثة تجريم هذا الفعل في القانون الجزائري.
إن أدلة الإثبات هي وسيلة إقرار الحقوق أمام القضاء و بدون إثبات لا يكون للحق أي معنى و تبدو أهمية الإثبات فيما يعرض يوميا من منازعات أمام القضاء إذ يتعين على من يدعي حقا في جريمة التحرش الجنسي أن يقيم الدليل على هذا الحق و ثبوته له، و نجد أن الفقهاء قد اهتموا بتقسيم وسائل الإثبات حتى يمكن حصرها و تسهل عملية البحث عنها فمنهم من قسمها إلى أدلة تامة و أدلة ناقصة و نجد منها:
- أدلة تامة و هي الاعتراف القضائي و شهادة الشهود.
- أدلة ناقصة و هي الاعتراف غير القضائي و شهادة شاهد واحد.
عــــبء الإثبــــات
طلب عبء الإثبات في جريمة التحرش الجنسي تطبيق القواعد العامة لحرية الإثبات و المتمثلة في:
- الاعتـــراف - المادة 212 ق.ا.ج.
- الشهــــادة - المادتين 220 و 234 ق.ا.ج.
- المحـــررات - المادتين 214 و 218 ق.ا.ج.
- الخبـــرة – المادة 219 ق.ا.ج.
من خلال تمعننا لنص المادة 341 مكرر من قانون العقوبات الجزائري نجد أن جريمة التحرش الجنسي تعتبر جريمة جد صعبة في مجال إثباتها أمام القضاء لان الجاني قد يأخذ كل الاحترازات و الاحتياطات اللازمة لاستبعاد كشفه، وعليه يبقى إقامة دليل الإثبات وفقا للقواعد العامة للإثبات على عاتق المجني عليه استنادا لمبدأ قرينة البراءة، حيث يكون المجني عليه مطالب بتقديم الأدلة المتماسكة أمام القاضي، الذي يعتمد في تحليله لأدلة الإثبات المقدمة من طرف المجني عليه في جريمة التحرش الجنسي على مدى صحتها و قوتها بغية الوصول إلى الحقيقة و هذا اعتمادا على الاقتناع الشخصي و يتم ذلك بأحد سبيلين:
1- حرية القاضي في الاستعانة بكافة وسائل الإثبات التي تمكنه من الوصول إلى تحقيق قناعته الشخصية.
2- حرية القاضي في تقدير جميع عناصر الإثبات التي تكونها ظروف و معطيات الدعوى المطروحة أمامه.
إن عبء الإثبات الذي يكون موضوع تقدير القاضي و المتمثلة طرقه في الاعتراف، شهادة الشهود و المحررات ملقى على عاتق الضحية فيما يخص جنحة التحرش الجنسي، و عليه نتطرق بالشرح لكل واحدة من هاته الطرق، مبرزين مدى أهمية عبء الإثبات من أجل إقامة دليل الجريمة أمام القاضي حتى يتسنى له تقدير الأدلة المطروحة أمامه .
أولا... الاعتـــراف
هو إقرار المتهم بكل أو بعض الوقائع المنسوبة إليه، و بعبارة أخرى هو شهادة المرء على نفسه، و لما كان الاعتراف أقوى من الشهادة بل إن الاعتراف الصحيح يعتبر سيد الأدلة و مع ذلك فهو خاضع إلى تقدير القاضي، هذا الأخير الذي تكمن مهمته في تحليل و وزن الاعتراف للوصول إلى مدى صحته و مطابقته للتحقيق.
ثانيا... شهادة الشهــود
تظهر أهمية الشهود كدليل إثبات في جريمة التحرش الجنسي بصفة خاصة في طبيعة الجريمة باعتبارها تنطوي على أفعال و حركات و إيماءات قد لا يفهمها أو يعطي لها بالا غير المتحرش به، فشهادة الشهود هي الطريق الوحيد لإثبات الجريمة لأنها تنصب في المعتاد على حادثة عابرة تقع فجأة و لا يسبقها اتفاق، و بالتالي إن الشهادة هي تصريح الشخص بما رآه أو سمعه أو تحسسه بباقي حواسه، ذات صبغة معنوية أي أنها تنصب على مجرد أقوال مستقاة من المشاهدة أو الاستماع عن طريق الحواس، و يرجع القاضي في تقديره لصحة الشهادة إلى عاملين، الواقعة المشهود عليها و مدى احتمال وقوعها منطقيا من جهة، و من جهة أخرى الشهادة الخاصة و هي تتعلق بمدى نزاهة الشاهد و علاقته بالخصم أي المتهم.
ثالثا... المـــحررات
تشمل المحررات الأدلة الكتابية التي يمكن أن تقدم للمحكمة كدليل إثبات مادي في الدعوى الجزائية و هي نوعان.
يتمثل النوع الأول في المحررات التي تحمل جسم الجريمة، كالورق الذي يتضمن التهديد بالفصل من العمل أو كشف أسرار شخصية،... أما النوع الثاني من المحررات فيكون مجرد دليل على الجريمة كورقة تحمل اعتراف المتهم.
و يلاحظ من الناحية العملية أن القاضي يهتم بالمحررات التي توجد بملف القضية المتعلقة بجريمة التحرش الجنسي أكثر من التصريحات الشفوية و ذلك راجع بطبيعة الحال إلى تأثير الدليل الكتابي نتيجة عامل الاستقرار و ثبات المعلومات التي يحتويها أو ينفيها بخصوص الجريمة محل الدراسة.
الصعوبات الميدانية لإثبات جريمة التحرش الجنسي
إن مسألة الإثبات في جريمة التحرش الجنسي تبقى من أصعب المسائل على الإطلاق حيث يواجه إثبات هذه الجريمة عدة إشكاليات ، و قد أبدى القضاء الفرنسي تشددا في تقدير الدليل إذ لا تكفي تصريحات المجني عليه لإقامة الدليل إن لم تكن هذه التصريحات مصحوبة بشهادة الشهود، تؤيدها معاينات موضوعية.
و هكذا يجد القاضي الجزائي نفسه أمام وقائع مادية، غالبا ينبغي عليه أن يستنتج منها قرائن قضائية و هي أهم دليل يستند عليه القاضي في حكمه من خلال تكوين قناعته و لعله من المفارقات العجيبة أن القانون الجزائي الجزائري بشقيه الإجرائي و الموضوعي لا يشير إلى القرائن القضائية إلا نادرا و ذلك بصفة ضمنية رغم الدور المهم الذي تكتسيه القرائن القضائية في القانون الجزائي في مجال الإثبات و خطورة النتائج المترتبة عن ذلك لان الأحكام الجزائية يترتب عنها مساس بحريات الأفراد و حقوقهم الخاصة.
و يتساءل بعض الفقهاء حول ما إذا كانت هذه الجريمة من جرائم الاعتياد بدعوى أن المشرع استعمل مصطلح التحرش الذي ينطوي على فكرة التكرار و المعاودة، و أن مختلف أساليب إساءة استعمال السلطة سواء بالأوامر ، التهديد، الإكراه أو الضغط تتجلى في قانون العقوبات الجزائري غير أننا نميل إلى الاعتقاد أن نية المشرع هي ردع جريمة التحرش الجنسي و لو تمثل في عمل منفرد أو معزول.
و من ضمن إشكاليات إثبات جريمة التحرش الجنسي صعوبة الحصول على أدلة التي تثبت الجريمة مما يجعل المتهم يفلت في كثير من الحالات من العقاب، بحيث أن دليل الاعتراف، الشهادة و المحررات الذي اعتمده المشرع الجزائري في هذه الجريمة و التي يبقى عبء إثباتها على عاتق المجني عليه دون اشتراك المتهم عن طريق الدفوع يتناقض و أخلاقيات المجتمع الجزائري الذي يرى في هذا الفعل مساس بشرف المرأة خاصة و العائلة بصفة عامة.
إن البحث داخل الأسرة الجزائرية في هذه الجريمة يبقى جد صعب، كون عدد الذين تعرضوا لهذه الظاهرة سواء من النساء في أماكن العمل أو في الأسرة يبقى سريا نظرا لتكتم الأطراف المعنية على هذه الجريمة خوفا من الفضيحة و ما يتهدد المستقبل المهني للنساء العاملات اللاتي تعرضن للتحرش الجنسـي.
و للحديث بقية .....................