منتديات الجلفة لكل الجزائريين و العرب - عرض مشاركة واحدة - تشريف الإسلام للمرأة
عرض مشاركة واحدة
قديم 2012-10-10, 10:26   رقم المشاركة : 40
معلومات العضو
mahmoudb69
عضو مميّز
 
الصورة الرمزية mahmoudb69
 

 

 
إحصائية العضو










افتراضي

خيار أهل الأرض ألزمهم للشام
ومن فضائل أهل الشام: أن خيار أهل الأرض ألزمهم مهاجر إبراهيم، ومهاجر إبراهيم هي بلاد الشام وخاصة فلسطين.
عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (سيكون هجرة بعد هجرة، فخيار أهل الأرض ألزمهم مهاجر إبراهيم).
ألزمهم: يعني من يلتزمون المكان ولا يرحلون عنه، فهم لا يجلسون فيه فترة ويتركونه وإنما يقيمون فيه إقامة دائمة.
قال: (ويبقى في الأرض شرار أهلها تلفظهم أرضوهم وتقذرهم نفس الله وتحشرهم النار مع القردة والخنازير).
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لتكونن هجرة بعد هجرة إلى مهاجر أبيكم إبراهيم حتى لا يبقى في الأرض إلا شرار أهلها تلفظهم أرضوهم وتقذرهم نفس الرحمن، وتحشرهم النار مع القردة والخنازير).
قال شيخ الإسلام ابن تيمية: إن رسولنا صلى الله عليه وسلم جعل مهاجر إبراهيم يعدل مهاجره صلى الله عليه وسلم، وقد انقطعت الهجرة إلى مهاجره صلى الله عليه وسلم بفتح مكة ولا تبقى إلا الهجرة إلى بلاد الشام.

(32/12)


الطائفة المنصورة في بلاد الشام
وفي بلاد الشام الطائفة المنصورة: فعن عمير بن هانئ رضي الله عنه قال: سمعت معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنهما على هذا المنبر يقول: (سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: لا تزال طائفة من أمتي قائمة بأمر الله لا يضرهم من خذلهم أو خالفهم حتى يأتي أمر الله وهم ظاهرون على الناس).
قال مالك بن يخامر السكسكي: يا أمير المؤمنين! سمعت معاذ بن جبل يقول: هم بالشام.
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم في حديث سعد بن أبي وقاص: (لا يزال أهل الغرب ظاهرين على الحق حتى تقوم الساعة).
قال الإمام أحمد وشيخ الإسلام ابن تيمية: أهل الغرب هم أهل الشام، فهم غرب المدينة المنورة، فلقد كان أهل المدينة يطلقون على الإمام الأوزاعي إمام أهل الشام: إمام أهل المغرب، فالمشرق والمغرب شيء نسبي، كل مدينة لها شرق وغرب، فالشام مغرب بالنسبة للمدينة.
وقد يقول قائل: إن النبي صلى الله عليه وسلم حدد الطائفة المنصورة هنا بأنها طائفة مقاتلة تقوم بأمر الله وحددها في بلاد الشام، والإمام أحمد بن حنبل وشيخه يزيد بن هارون وعلي بن المديني قرينه في طلب العلم، والإمام البخاري قالوا: الطائفة المنصورة هم أهل الحديث.
فكيف توفق بين القولين؟ قال الإمام النووي: إن الطائفة المنصورة مفرقة بين أنواع المؤمنين، فمنهم شجعان مقاتلون، ومنهم محدثون، ومنهم زهاد، ومنهم آمرون بالمعروف وناهون عن المنكر، والطائفة باعتبار زمانها، ففي أيام الإمام أحمد بن حنبل كان حفاظ الحديث والمحدثون هم الذين ينافحون عن الإسلام ويدافعون عنه أمام فلسفة اليونان وعلم الكلام، فهم الذين تصدوا للفلسفة اليونانية وحفظوا دين الأمة، ورفعوا النقل فوق العقل، ولولا صمود الإمام أحمد في محنة خلق القرآن لضاع الإسلام كما قال ذلك علي بن المديني، ففي وقت من الأوقات كان حفاظ الحديث هم الدرع الواقي للإسلام، وقد ينخفض صوتهم في زمان وتظل البركة فيهم، ولكن يقوم بأمر الله طائفة أخرى من الأمة وهم المقاتلون الذين يذودون عن الإسلام وعن حمى الإسلام، فهم طائفة مفرقة بين أنواع الطوائف الإسلامية من أهل السنة.

(32/13)


كثرة الشهداء ببلاد الشام
ومن فضائل بلاد الشام: كثرة شهداء بلاد الشام وأرض فلسطين، ونوع من شهدائهم أفضل الشهداء عند الله بنص حديث النبي صلى الله عليه وسلم.
فعن أبي عسيب مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: (أتاني جبريل بالحمى والطاعون فأرسلت الحمى إلى المدينة وأرسلت الطاعون إلى الشام).
فأكثر المناطق في الأمة تعرضاً للطاعون بلاد الشام، وأكثر المناطق تعرضاً للحمى هم أهل المدينة.
قال: (الطاعون شهادة لأمتي ورحمة لهم ورجس على الكافرين).
وطاعون عمواس مات فيه الآلاف، ومنهم أمين هذه الأمة أبو عبيدة، وأعلم الناس بالحلال والحرام معاذ بن جبل.
ومات فيه شرحبيل بن حسنة، وعبد الرحمن بن معاذ بن جبل، دخل عليه والده معاذ بن جبل قبل الموت، فقال: يا عبد الرحمن! كيف تجدك؟ قال: يا أبت {الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ فَلا تَكُنْ مِنَ الْمُمْتَرِينَ} [آل عمران:60]، ثم أصيب معاذ في إبهامه فجعل يقبله ويقول: إنك لصغير وقد يبارك الله في الصغير فيصبح كبيراً، فلما جاءه الموت قال: اخنق خنقك، فوعزتك إنني أحبك، حبيب جاء على فاقة لا أفلح من ندم، اللهم إني كنت أخافك وأنا اليوم أرجوك، اللهم إنك تعلم أني ما كنت أحب البقاء في الدنيا لغرس الأشجار ولا لكري الأنهار، وإنما لظمأ الهواجر ومكابدة الساعات ومزاحمة العلماء بالركب عند حلق الذكر.
أما كون أفضل الشهداء هم من أهل الشام فهذا في آخر الزمان وفي يوم الملحمة وفي أكبر معركة بين النصارى والمسلمين في الغوطة، وأرض الغوطة قريبة من دمشق، قال النبي صلى الله عليه وسلم: (لا تقوم الساعة حتى ينزل الروم بالأعماق أو بدابق، فيخرج إليه جيش من المدينة -والمدينة هنا هي دمشق بنص الأحاديث التي سنذكرها- من خيار أهل الأرض يومئذ، فإذا تصافوا قالت الروم -أي النصارى الذين هم بنو الأصفر- خلوا بيننا وبين الذين سبوا منا نقاتلهم، فيقول المسلمون: لا والله لا نخلي بينكم وبين إخواننا، فيقاتلونهم فينهزم ثلث لا يتوب الله عليهم أبداً، ويقتل ثلث هم أفضل الشهداء عند الله، ويفتتح الثلث لا يفتنون أبداً فيفتتحون القسطنطينية).
والنبي صلى الله عليه وسلم يقول في حديث آخر: (والله! إني لأعرف أسماءهم وأسماء آبائهم ولون خيولهم).
والقسطنطينية تفتح مرتين، والتي هي أسطنبول، مرة على يد محمد الفاتح الذي فتحها وكان عمره اثنتين وعشرين سنة، وكان شيخه الشيخ آغا شمس الدين يغدو به وهو لا زال صغيراً حتى يشرف به على البحر ويقول: أتنظر هذه المدينة يا بني؟ هذه مدينة القسطنطينية سيفتحها أمير مسلم هو خير الأمراء، ويفتحها جيش من خير الجيوش عند الله، ثم يخرج به مرة ثانية بعد ثلاثة أيام أو أربعة أيام كذلك، فكبر الطفل ومعه الأمل أنه ربما يكون هو الفاتح.
وينشأ ناشئ الفتيان فينا على ما كان عوده أبوه وإذا كان رب البيت بالدف ضارباً فشيمة أهل البيت كلهم الرقص والفتح الثاني سيكون آخر الزمان بعد يوم الملحمة الكبرى التي ينتصر فيها المسلمون على الجمع الكبير من النصارى، وهم أربعون لواء تحت كل لواء اثنا عشر ألف مقاتل يهزمهم المسلمون.
وما قاله نبينا على العين والرأس نصدق به ونوقن به، فممكن أن تكون حرب آخر الزمان بالسيوف، ولا تتعجب فإن أكبر علماء الجيولوجيا في الغرب يقولون: إن نجوماً كبيرة تنفجر في الجو بما يسمى موت النجوم، وإذا التصق نجم منها بالأرض وانفجر فسينهي كل ما على الأرض من أدوات إلكترونية.

(32/14)


في الشام شجر يشبه شجرة طوبى في الجنة
ومن فضائل الشام: أن بها شجر الجوز يشبه شجرة طوبى في الجنة: ففي حديث عتبة بن عبد السلمي حديث الأعرابي الذي أتى إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال له: (في الجنة فاكهة؟ قال: نعم، وبها شجرة تدعى شجرة طوبى وهي شجرة تطابق الفردوس.
قال: أي شجر أرضنا تشبه؟ قال: ليس شبه شيء من شجر أرضك، ولكن أتيت بلاد الشام؟ قال: لا.
قال: إن فيها شجرة تسمى الجوزة تنبت على ساق واحدة ثم تتفرع ثم تنتشر ثم ينتشر أعلاها) فهذه الشجرة تشبه شجرة طوبى بنص حديث النبي صلى الله عليه وسلم.

(32/15)


الشام آخر ديار الإسلام خراباً
ومن فضائلها: أنها آخر الديار الإسلامية خراباً: كما روى سيدنا معاذ بن جبل رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (خراب بيت المقدس خراب يثرب، وخراب يثرب خروج الملحمة، وخروج الملحمة فتح القسطنطينية) يعني: وبعد فتح القسطنطينية خروج الدجال، آيات يتلو بعضها البعض، والشام كما قلنا أرض المحشر والمنشر.

(32/16)


بشرى المولد النبوي كانت من الشام
وهناك شيء جميل من فضائل الشام متعلق بميلاد النبي صلى الله عليه وسلم.
عن أبي أمامة الباهلي رضي الله عنه قال: (قلت: يا نبي الله! ما كان بدء أمرك؟ قال: دعوة أبي إبراهيم، وبشرى عيسى، ورأت أمي نوراً أضاءت منه قصور الشام)، وهذا الحديث صححه الشيخ الألباني في كتابه صحيح السيرة، والمقصود بقصور الشام أي: التي ببصرى، قال العلامة ابن كثير: وهذه بشرى طيبة ومكانة عظيمة لأهل محلتنا بصرى.
ولذلك كانت أول مدينة من بلاد الشام حررت من قبضة الروم صلحاً، وأول فتح للمسلمين في بلاد الشام كانت مدينة بصرى.

(32/17)


فضائل بيت المقدس

(32/18)


وجود المسجد الأقصى ببيت المقدس
ثم بعد ذلك خص الله عز وجل بيت المقدس بفضائل منها أن بها المسجد الأقصى.
فعن أبي ذر رضي الله عنه قال: (قلت: يا رسول الله! أي مسجد وضع على الأرض أولاً؟ قال: المسجد الحرام.
قلت: ثم أي؟ قال: المسجد الأقصى.
قلت: كم بينهما؟ قال: أربعون سنة، وأينما أدركتك الصلاة فصل فإنه مسجد).
قال الحافظ ابن حجر العسقلاني: إن أول من بنى الكعبة هو آدم عليه السلام، ثم بناه بنوه من بعده.
وقول ثان: إن إبراهيم عليه السلام هو الذي بنى المسجد الحرام ثم ارتحل بعد بناء المسجد الحرام إلى الشام موطنه ومهاجره فبنى بها المسجد الأقصى، فإبراهيم خليل الرحمن هو باني المسجدين.
والقول الثالث: إن إبراهيم بنى الكعبة ثم بنى من بعده حفيده يعقوب المسجد الأقصى، والذي جدد البناء بعد ذلك هو سليمان بن داود عليه السلام.

(32/19)


بيت المقدس مهاجر بعض الأنبياء وموطن موتهم
ومن الفضائل: أنها أرض هاجر إليها إبراهيم ولوط، فمات إبراهيم بمدينة الخليل، فهي أرض يموت فيها خليل الرحمن إذاً هي أرض مباركة، ثم بعد ذلك تطؤها أقدام أنجاس الأرض من اليهود الملاعين.
وموسى عليه السلام يسأل ربه عند الموت أن يدنيه من الأرض المقدسة رمية بحجر، فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أرسل ملك الموت إلى موسى فلما جاءه صكه ففقأ عينه، فرجع إلى ربه وقال: أرسلتني إلى عبد لا يريد الموت، فرد الله إليه عينه، وقال: ارجع إليه وقل يضع يده على متن ثور فله بما غطت يده من الثور بكل شعرة سنة، قال: أي رب! ثم ماذا؟ قال: ثم الموت.
قال: فالآن، فسأل الله أن يدنيه من الأرض المقدسة -من فلسطين- رمية بحجر، ولكنه مات بالأردن عليه السلام، قال: فلو كنت ثم لأريتكم قبره إلى جانب الطريق عند الكثيب الأحمر).
فسيدنا موسى خرج ببني إسرائيل لفتح بيت المقدس ولكن لم يجعل الله تبارك وتعالى الفتح على يديه، فلما جاءه الموت تمنى من ربه أن يدنيه من الأرض المقدسة فمات قريباً منها.

(32/20)


حبس الشمس ليوشع بن نون حتى يفتح بيت المقدس
ومن الفضائل: أن يوشع بن نون فتى موسى الذي قال الله فيه: {وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِفَتَاهُ} [الكهف:60] حبست له الشمس حتى يفتحها.
وهو نبي عظيم من بني إسرائيل صلى الله عليه وسلم، قال فيه النبي صلى الله عليه وسلم: (ما حبست الشمس على بشر قط إلا على يوشع بن نون ليالي سار إلى بيت المقدس) أي: أن ربنا حبس له الشمس حتى يتم فتح بيت المقدس؛ لأنه دخل بيت المقدس لأجل أن يفتحه وكان عصر يوم الجمعة، وقد قاربت الشمس على المغيب، فقال: أنت مأمورة وأنا مأمور، اللهم احبسها علينا.
فحبسها وأوقف الشمس لهذه المدينة المباركة حتى أتم يوشع بن نون فتحها.
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (غزا نبي من الأنبياء فقال لقومه: لا يتبعني رجل ملك بضع امرأة وهو يريد أن يبني بها ولما يبن بها) أي: أنه عقد على واحدة ولم يدخل بها، (ولا أحد بنى بيوتاً ولم يرفع سقوفها، ولا أحد اشترى غنماً أو خلفات وهو ينظر ولادها، فدنا من القرية صلاة العصر -أو قريباً من ذلك- فقال للشمس: إنك مأمورة وأنا مأمور، اللهم احبسها علينا فحبست حتى فتح الله عليه).
فهذه من فضائل القدس التي حبس الله من أجلها الشمس.
حدائي حزين ترى هل سئمتم حدائي الحزين وماذا سأفعل قلبي حزين؟ زماني حزين تقاطيع وجهي وجدران بيتي حزين حزين حزين حزين فجدران بيتي دمار وريح وبين الجوانح قلب جريح فحيح الأفاعي يحاصر بيتي ويعبث في الصمت صوت كريه.
متى راح عهد قبيح السمات.
رأينا له كل يوم شبيه حزين الدار يا صاح.
جراحاتي تغذيني.
ودوماً تنزف القدسُ تعاتبنا وتسألنا ويصرخ خلفنا الأمسُ وما يضنيك يا قدساه يا أختاه يضنيني وما يبكيك يبكيني لأنك عشت في دمنا فهذا الجرح في عينيك شيء لا تداريه وجرحي آه من جرحي قضيت العمر يؤلمني وأخفيه وما يضنيك يا قدساه يا أختاه يضنيني وما يبكيك يبكيني لأنك عشت في دمنا فلن ننساك رغم البعد كنت أنيس وحدتنا ونهراً من ظلال الغيب يروينا يطهرنا وقد ننسى أمانينا وقد ننسى محبينا وقد ننسى طلوع الشمس من غدنا وقد ننسى غروب الحلم من يدنا ولن ننسى مآذننا ستجمعنا دماء قد سكبناها وأيام أضعناها ويجمعنا ويجمعنا ولن ننساك لن ننساك يا قدس!!

(32/21)


بيت المقدس ديار الأنبياء
ومن فضائل بيت المقدس أنها ديار يعقوب عليه السلام، فإسرائيل هو الذي بنى المسجد الأقصى، على أحد أقوال أهل العلم.
بينما الملاعين من يهود يقولون: إن روابيل بن إسرائيل زنا بامرأة أبيه، وإن يعقوب علم بذلك وسكت، فهذا النبي العظيم أبو يوسف جعلتموه ديوثاً، النبي الكريم بن الكريم جعلتموه قواداً؟ بل قالوا: إن يعقوب سرق مواشي حميهم، وهذا كله كذب وافتراء على أنبياء الله.
ومن الفضائل: أنه كان بالقدس محراب داود عليه السلام قال عنه النبي صلى الله عليه وسلم: (كان داود أعبد البشر)، وقال النبي صلى الله عليه وسلم: (أحب الصلاة إلى الله صلاة داود، وأحب الصيام إلى الله صيام داود؛ كان يصوم يوماً ويفطر يوماً، وكان ينام نصف الليل ثم يقوم ثلثه ثم ينام سدسه).
ولم يسلم داود عليه السلام من اليهود فقد قالوا عنه: إنه عندما كبر داود وشاخ أتوا إليه بفتيات صغيرات يدفئنه، وقالوا: إن ابن داود زنا بأخته.
وقالوا: إن لوط سقتاه ابنتاه الخمر فلما سكر ضاجعهما وحملتا منه.
فهم قتلة الأنبياء، والسفاكون، فالحرب بيننا وبينهم ليست لأجل قطعة أرض فقط، بل هي حرب دينية فقد سموا نبينا وقتلوا أنبياء الله عز وجل، وقالوا في مريم ما قالوا، وهم قتلة يحيى وزكريا.
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن سليمان بن داود لما بنى بيت المقدس سأل ربه خلالاً ثلاثاً: سأل الله حكماً يصادف حكمه -أي يوافق حكم الله عز وجل- فأعطيه، وسأل الله ملكاً لا ينبغي لأحد من بعده فأعطيه، وسأل الله حين فرغ من بناء البيت ألا يأتيه أحد لا ينهزه إلا الصلاة فيه أن يخرجه من خطيئته كيوم ولدته أمه، أما اثنتان فقد أعطيهما، وأرجو أن يكون قد أعطي الثالثة) فمن خرج من بيته يريد الصلاة ببيت المقدس غفر الله له كل ذنوبه ما تقدم من ذنوبه.
فكيف تترك هذه الأرض لليهود؟ أفلا يشتاق كل منا إلى غفران ذنبه؟ والنبي صلى الله عليه وسلم يقول في الحديث الذي سنتلوه: (وليوشكن أن يكون للرجل مثل شطن فرسه من الأرض بحيث يرى منه بيت المقدس خير له من الدنيا وما فيها).

(32/22)


محراب مريم في بيت المقدس
ومن فضائل هذه الأرض: أن فيها محراب مريم التي تولت خدمة بيت المقدس: قال تعالى: {كُلَّمَا دَخَلَ عَلَيْهَا زَكَرِيَّا الْمِحْرَابَ} [آل عمران:37] أي: في المسجد الأقصى، {وَجَدَ عِنْدَهَا رِزْقًا قَالَ يَا مَرْيَمُ أَنَّى لَكِ هَذَا قَالَتْ هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ} [آل عمران:37]، والمقصود بالمحراب: محراب المسجد الأقصى، وهو محراب زكريا عليه السلام.
ففي المسجد الأقصى سالت دموع زكريا وانطلقت دعواته خاشعة تبلل أجواء المسجد، فسأل ربه أن يهبه غلاماً يرث به ميراث يعقوب من النبوة فقال: {يَرِثُنِي وَيَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ} [مريم:6] فأعطى الله عز وجل لزكريا ما تمنى في بيت المقدس.
فكان الميلاد الفذ ليحيى، فيعطاه والده وقد كبر وطعن في السن وشاخ، وأمه كانت عاقراً، لكن يعطيه الله تبارك وتعالى جزاء التبتل والطاعة والرغبة والرهبة والخشوع لله تبارك وتعالى.
ويسميه الله جل وعلا يحيى وما سمى قبله أحداً، فهذا الاسم الفريد الذي ما تسمى به أحد سمي الله عز وجل ابن زكريا به، وجعله الله سيداً وحصوراً ونبياً من أنبياء بني إسرائيل، فذبحوه من أجل راقصة تسمى سالومي كانت عشيقة للملك هي وأمها، وأراد الملك أن يتزوج من بعض محارمه فوقف له نبي الله يحيى، وكانت عشيقة الملك تريد شيئاً من الفجور مع يحيى فأبى عليها وهو السيد الحصور، فتمنت أن تكيد ليحيى فقالت لابنتها: إذا قال لك الملك في ساعة صفاء ما تريدين فقولي له: أريد رأس يحيى.
ففعلت، فدعا بقاتلين من بني إسرائيل فذهبا وذبحا نبي الله يحيى، ثم أتت البنت برأس يحيى إلى أمها، ثم أتت إلى أمها فغاصت في الأرض إلى كعبيها، ثم إلى ركبتيها، ثم إلى حقويها، فنادت أمها السياف فقالت: جز رأس بنتي، فقد خافت عليها أن تغوص في الأرض بشكل كامل كما جزت رأس يحيى جُزَّ رأسها أمام أمها، بل وبأمر أمها.
ثم بعد ذلك كان الميلاد الفذ لسيدنا عيسى عليه السلام وقد كان بأرض فلسطين؛ لكن اليهود قالوا في مريم ما قالوا: {وَبِكُفْرِهِمْ وَقَوْلِهِمْ عَلَى مَرْيَمَ بُهْتَانًا عَظِيمًا} [النساء:156].
ثم أسري بالنبي صلى الله عليه وسلم إلى بيت المقدس وكان الإسراء بالروح والجسد، فقد رأى المسجد الأقصى رؤيا عين وليست رؤيا منامية.
فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لقد رأيتني في الحجر وقريش تسألني عن مسراي، فسألتني عن أشياء من بيت المقدس لم أثبتها، فكربت كربة ما كربت مثلها قط، قال: فرفعه الله إلي أنظر إليه ما يسألوني عن شيء إلا أنبأتهم به، وقد رأيتني في جماعة من الأنبياء فإذا موسى قائم يصلي، فإذا رجل ضرب جعد كأنه من رجال شنوءة، وإذا عيسى بن مريم قائم يصلي أقرب الناس به شبهاً عروة بن مسعود، وإذا إبراهيم قائم يصلي أشبه الناس به صاحبكم -يعني: نفسه- فحانت الصلاة فآذنتهم، فلما فرغت من الصلاة قال قائل: يا محمد! هذا مالك صاحب النار فسلم عليه، فالتفت إليه فبدأني بالسلام).
وقد أنكر صلاته صلى الله عليه وسلم بالنبيين سيدنا حذيفة بن اليمان ولكن هذا القول خالف فيه كل الصحابة، وأنكر كذلك أنه ربط البراق بالحلقة التي كان يربط فيها الأنبياء، ولكن هذا القول لا يصح.
الشاهد أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى بالأنبياء إماماً في هذه الليلة، والصلاة اختلف فيها أهل العلم فمن قائل يقول: إنه صلى قبل أن يعرج إلى السماء، ولكن الشيخ الألباني يقول: إن النبي صلى الله عليه وسلم أسري به فدخل المسجد ثم صلى فيه ركعتين وربط الدابة بالحلقة التي كانت تربط بها الأنبياء، ثم عرج إلى السماء فعرفه جبريل بالأنبياء كل في سماء، وبعد أن عرفه نزل بهم إلى الأرض فصلى بهم في بيت المقدس.
قال الشيخ الألباني: وهذا هو الصحيح.
والشيخ ابن كثير يقول: سواء كان هذا أو ذاك فهما ثابتان، والأصح أنه صلى بهم بعد أن نزل بهم من فصلى بهم في المسجد الأقصى، يعني: عرفهم أولاً في السماوات ثم أتى فصلى بهم في المسجد الأقصى.
وصلى النبي صلى الله عليه وسلم بالنبيين إماماً واعترفوا له بأنه نبي هذا الزمان، وإليه صارت ملكية هذا المكان ولقومه من بعده.
خطا موسى على زبد الصحاري تشق عن الرمال هوى دفينا هوى تتفتح الأكمام منه وتنفح من بشائره يقينا دعاء أبيه إبراهيم بشرى يرجع من صداها المرسلونا تفض على صفوف العيب نصراً لأحمد يأخذ العهد الأمينا بأبي هو وأمي صلى الله عليه وسلم.

(32/23)


فضائل المسجد الأقصى
والمسجد الأقصى قبلة المسلمين الأولى، صلى النبي صلى الله عليه وسلم نحوها وهو في مكة، ثم صلى نحوها ستة عشر وهو في المدينة، فكانت قبلة المسلمين الأولى.
وبيت المقدس أحد المساجد الثلاثة التي تشد إليها الرحال كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: (لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد: المسجد الحرام، ومسجدي هذا، والمسجد الأقصى).
والصلاة فيه بمائتين وخمسين صلاة، فعن أبي ذر رضي الله عنه قال: (تذاكرنا ونحن عند رسول الله صلى الله عليه وسلم أيهما أفضل، مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم أم بيت المقدس؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: صلاة في مسجدي هذا أفضل من أربع صلوات فيه، ولنعم المصلى هو، وليوشكن أن يكون للرجل مثل شطن فرسه من الأرض حيث يرى منه بيت المقدس خير له من الدنيا جميعاً)، وهذا الحديث أخرجه الحاكم وصححه ووافقه الذهبي وأخرجه المقدسي في فضائل بيت المقدس، وصححه الشيخ الألباني في تحذير الساجد.
وعن ميمونة بنت كعب مولاة النبي صلى الله عليه وسلم قالت: (قلت: يا رسول الله! أفتنا في بيت المقدس، قال: أرض المحشر والمنشر ائتوه فصلوا فيه فإن صلاة فيه كألف صلاة في غيره، قلت: أرأيت إن لم أستطع أن أحمل إليه؟ قال: من لم يستطع أن يأتيه فليهد إليه زيتاً يسرج فيه؛ فإن من أهدى إليه زيتاً كمن أتاه) صححه البوصيري في مصباح الزجاجة في زوائد ابن ماجة والحافظ العراقي والإمام الطحاوي وأيضاً قواه الإمام النووي في المجموع، وصححه الشيخ الألباني في تخريج أحاديث فضائل الشام ودمشق، ثم عاد وضعفه في ضعيف سنن ابن ماجة، والصحيح أن هذا الحديث ضعيف، ولكن حديث أبي ذر هو الحديث الصحيح.

(32/24)


قصيدة في البكاء على القدس
ونختم بهذه القصيدة نحدوها لكم باسم مرثية حزن: دعني وجرحي فقد خابت أمانينا هل من زمان يعيد النبض يحيينا يا ساقي الحزن لا تعجب ففي وطني نهر من الحزن يجري في روابينا كم من زمان كئيب الوجه فرقنا واليوم عدنا ونفس الجرح يدنينا جرح عميق خدعنا في المداوينا لا الجرح يشفى ولا الشكوى تعزينا كان الدواء سموماً في ضمائرها فكيف جئنا بداء كي يداوينا هل من طبيب يداوي جرح أمته هل من إمام لدرب الحق يهدينا كان الحنين إلى الماضي يؤرقنا واليوم نبكي على الماضي ويبكينا من يرجع العمر منكم من يبادلني يوماً بعمري ويحيي طيف ماضينا إنا نموت فمن بالحق يبعثنا لم يبق شيء سوى صمت يواسينا صرنا عرايا أمام الناس يفزعنا ليل تخطى طويلاً في مآقينا صرنا عرايا وكل الأرض قد شهدت أنا قطعنا بأيدينا أيادينا يوماً بنينا قصور المجد شامخة والآن نسأل عن حلم يوارينا نابلس في اليم ماتت قدسنا ذبحت ونحن في العار نسقي وحلنا طينا أي الحكايا ستروى عارنا جلل نحن الهوان وذل القدس يكفينا هذي دمانا رسول الله تغرقنا هل من زمان بنور العدل يحمينا أي الدماء شهيد كلها حملت في الليل يوماً سهام القهر تردينا القدس في القيد تبكي من فوارسها دمع المنابر يشكو للمصلينا أقزامنا ضيعونا حينما فسقوا باعوا المآذن والقرآن والدينا أقزامنا أشعلوا النيران في غدنا ومزقوا الصبح في أحشاء وادينا ما لي أرى الخوف فينا ساكناً أبدا ممن نخاف ألم نعرف أعادينا أقزامنا من أضاعوا السيف من يدنا وأودعونا سجون الليل تطوينا أقزامنا من توارى صوتهم فزعاً والأرض تسبى ونابلس تنادينا أقزامنا أوهمونا آه كم زعموا وكم خدعنا بوعد عاش يشقينا قد خدرونا بصبح كاذب زمناً فكيف نأمل في يأس يمنينا أي الحكايا تروى عارنا جلل نحن الهوان وذل القدس يكفينا من باعنا خبروني كلهم صمتوا والأرض صارت مزاداً للمرابينا هل من زمان نقي في ضمائرنا يحيي الشموخ الذي ولى فيحيينا يا ساقي الحزن دعني إنني ثمل إنا شربناه قهراً ما بأيدينا عمري شموع على درب المنى احترقت والعمر ذاب وصار الحلم سكينا قم من ترابك يا ابن العاص في دمنا ثأر طويل لهيب العار يكوينا قم يا بلال وأذن صمتنا عدم كل الذي كان طهراً لم يعد فينا هل من صلاح يداوي جرح أمته ويطلع الصبح ناراً من ليالينا هل من صلاح يعيد السيف في يدنا أو تبتروها فقد شلت أيادينا جرحي عنيد وجرحي أنت يا وطني جئنا نداويك تأبى أن تداوينا إني أرى القدس في عينيك ساجدة تبكي عليك وأنت الآن تبكينا ما زال في العين طيف القدس يجمعنا لا الحلم مات ولا الأحزان تنسينا وقد ننسى أمانينا وقد ننسى محبينا وقد ننسى طلوع الشمس من غدنا وقد ننسى غروب الحلم من يدنا ولن ننسى مآذننا ولن ننسى مآذننا ستجمعنا دماء قد سكبناها وأمجاد أضعناها وأيام حلمناها ويجمعنا ويجمعنا ويجمعنا ولن ننساك لن ننساك يا قدس

(32/25)


برد السماء في فضل الرحمة والرحماء
رحمة الله وسعت كل شيء، وأحاطت بكل حي، لا يعدها عدد، ولا يصدها حد، آثارها على الإنسان معروفة موجودة، وفي كل شيء ليست مفقودة.
وقد ذكر الله الرحمة في كتابه وأطلقها على عدة معانٍ تتجلى من خلالها سعة رحمة الله عز وجل، وقد وردت الكثير من الأحاديث، والغزير من الآثار والتي تحث على الرحمة والعمل بها منهجاً في الحياة.

(33/1)


معاني الرحمة
الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله تعالى فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ} [آل عمران:102].
{يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا} [النساء:1].
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا} [الأحزاب:70 - 71].
الرحمة لغة: الرقة والعطف والرأفة، يقال: رحمه يرحمه إذا رق له وعطف عليه، والرحم والمرحمة والرحمة يقال: رجل مرحوم ومرحم، والرُّحم بالضمة، الرحمة، كما قال أهل العلم، رحمهَ رحماً ورُحماً ورَحمةً ورُحمة كما قال سيبويه.

(33/2)


الجنة رحمة
ولقد أطلق الله عز وجل الرحمة في كتابه على أكثر من معنى، فسمى الجنة رحمة، قال الله تبارك وتعالى في محكم آياته وهو أصدق القائلين: {وَأَمَّا الَّذِينَ ابْيَضَّتْ وُجُوهُهُمْ فَفِي رَحْمَةِ اللَّهِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ} [آل عمران:107]، أي: ففي جنة الله هم فيها خالدون، وقال الله تبارك وتعالى: {أُوْلَئِكَ يَئِسُوا مِنْ رَحْمَتِي} [العنكبوت:23]، والجنة أعظم الرحمات، ففي الحديث القدسي يقول الله تبارك وتعالى: (أنت رحمتي أرحم بك من أشاء)، فالجنة رحمة يأمن فيها الناس من الخوف ويأمن فيها الناس من الحزن، هي دار السلام يدخلها الملائكة على عباد الله عز وجل من كل باب، قال تعال: {وَالْمَلائِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ مِنْ كُلِّ بَابٍ * سَلامٌ عَلَيْكُمْ بِمَا صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ} [الرعد:23 - 24].
قال الله عز وجل: {لا يَسْمَعُونَ فِيهَا لَغْوًا وَلا تَأْثِيمًا * إِلَّا قِيلًا سَلامًا سَلامًا} [الواقعة:25 - 26]، وآخر من يخرج من النار يقول: يا رب! اصرف وجهي عن النار لا أسألك شيئاً غير ذلك، فكيف إذا أدخله الله عز وجل دار رحمته ورضوانه؟

(33/3)


الإسلام رحمة
والإسلام رحمة، قال الله عز وجل: {وَاللَّهُ يَخْتَصُّ بِرَحْمَتِهِ مَنْ يَشَاءُ} [البقرة:105]، وقال تعالى: {يُدْخِلُ مَنْ يَشَاءُ فِي رَحْمَتِهِ} [الشورى:8] فقد كان الإسلام رحمة للعالمين، إذ أنقذهم الله من ذل العبودية لغير الله عز وجل، كما قال ربعي بن عامر: إن الله ابتعثنا لنخرج من شاء من عبادة العباد إلى عبادة رب العباد، ومن ذل الأديان إلى عدل الإسلام، ومن ضيق الدنيا إلى سعة الدنيا والآخرة.
قال الله عز وجل: {وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَكَ وَلِقَوْمِكَ} [الزخرف:44] يعني: رفعة لك ولقومك.
إذا أنت غُمَّت عليك السماء وضلت حواسك عن صبحها فعش دودة في ظلام القبور تغوص وتسبح في قيحها وقبل أن يأتي الإسلام كان سابور ذو الأكتاف قد قتل من العرب خمسين ألفاً بنزع أكتافهم، حتى سمي سابور ذو الأكتاف، فقد كان العرب رعاة شياه وماعز لا شأن لهم في الأرض ولا ذكرى، فرحمهم الله عز وجل بالإسلام.
والإيمان رحمة، قال الله تبارك وتعالى: {إِنْ كُنتُ عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّي وَآتَانِي رَحْمَةً مِنْ عِنْدِهِ فَعُمِّيَتْ عَلَيْكُمْ أَنُلْزِمُكُمُوهَا وَأَنْتُمْ لَهَا كَارِهُونَ} [هود:28]، فالإيمان رحمة فما يعطيه الله تبارك وتعالى للعبد المؤمن من ذوق طعم الإيمان، ووجدان حلاوته، والفرح والسرور بالله تبارك وتعالى، وبما يغرس في قلبه من بساتين الطاعة قال تعالى: {قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ} [يونس:58].
يقول ابن القيم: إنه لتمر بالقلب أوقات يرقص فيها القلب طرباً ويقول: إن كان أهل الجنة في مثل هذا العيش إنهم لفي عيش طيب.
ويقول ابن تيمية: ما يصنع أعدائي بي؟ أنا جنتي وبستاني في صدري، أينما رحت فهي معي.
ويقول ابن القيم: من قرت عينه بالله قرت به كل عين، ومن اشتاق إلى الله عز وجل اشتاقت إليه جميع الأشياء، ومن أنس بالله عز وجل أطاب به كل خبيث، وأنس به كل مستوحش.

(33/4)


النبوة رحمة
والنبوة رحمة، قال الله عز وجل: {أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَةَ رَبِّكَ} [الزخرف:32]، فالرحمة هنا بمعنى النبوة، فقد أتت النبوة رحمةً للعالمين، قال الله عز وجل لنبيه: {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ} [الأنبياء:107]، وكأن النبوة كلها قد حصرت في رحمة رسول الله صلى الله عليه وسلم للعباد، أن يبين لهم طريق الخير فيتبعوه وطريق الشر فيجتنبوه، كما قال سفيان بن عيينة رحمه الله: خلقت النار رحمة يخوف الله بها عباده لينتهوا.
فرسول الله صلى الله عليه وسلم يحذر الناس من النار ويرغبهم في الجنة، هل بعد ذلك من رحمة؟

(33/5)


القرآن رحمة
والقرآن رحمة قال الله تبارك وتعالى: {قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ} [يونس:58].
قال أبو سعيد الخدري: فضل الله القرآن ورحمته الإسلام.
وقال ابن عباس: فضل الله الإسلام ورحمته القرآن، قال الله عز وجل: {وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ} [الإسراء:82]، فالقرآن رحمة حفظ الله به حقوق الناس ورحم العباد بدستوره العلوي الذي لا يظلم مثقال ذرة، فرحمهم من ظلم الطواغيت: عجت فروج الناس ثم حقوقهم لله بالبكرات والآصال كم تستباح بكل شرع باطل لا يرتضيه ربنا المتعال والكل في قعر الجحيم سوى الذي يقضي بحكم الله لا لنوال أو ما سمعت بأن ثلثيهم غداً في النار في ذاك الزمان الخالي وزماننا هذا وربك أعلم هل فيه ذاك الثلث أم هو خالي أتى القرآن رحمةً للناس، ورفعهم إلى آفاق ما كانوا يتطلعون إليها، فقد رفعهم من مستنقع الجاهلية الآسن ومن حمأ الأرض المسنون ومن الطين والوحل، ووضعهم في مصاف تتقطع دونها أعناق الملائكة، رحم الله عباده بالقرآن إذ وضع لهم ميدان الناس الحقيقي، ومقادير الناس عنده تبارك وتعالى، فإن توهم ذو الدنيا أن جنته في الدرهم والدينار والقصر المنيف والزوجة الحسناء، فعند الله عز وجل قيم ومعايير أخرى، قال الله تبارك وتعالى: {إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ} [الحجرات:13].

(33/6)


المطر والرزق والعافية رحمة
وسمى الله عز وجل المطر رحمة، قال: {وَمَنْ يُرْسِلُ الرِّيَاحَ بُشْرًا بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ} [النمل:63]، وقال الله عز وجل: {فَانظُرْ إِلَى آثَارِ رَحْمَةِ اللَّهِ} [الروم:50]، فيرحم الله تبارك وتعالى عباده بالمطر، ولولا الشيوخ الركع والأطفال الرضع لصب الله تبارك وتعالى العذاب صباً.
كان مالك بن دينار رحمه الله يقول: أنتم تستبطئون المطر وأنا أستبطئ نزول الحجارة.
كان أحد الصالحين يرفع يديه إلى السماء في الاستسقاء ويقول: اللهم لا تهلك بلادك بذنوب عبادك.
وفي الأثر: أن الأرض وهوامها تقول: لعن الله ابن آدم منعنا القطر بشؤم معصيته.
والرزق رحمة، قال الله تبارك وتعالى: {رَبَّنَا آتِنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً وَهَيِّئْ لَنَا مِنْ أَمْرِنَا رَشَدًا} [الكهف:10]، وقال الله عز وجل: {يَنشُرْ لَكُمْ رَبُّكُمْ مِنْ رَحْمَتِهِ} [الكهف:16]، أي: من رزقه، والنعمة رحمة، قال الله عز وجل: {وَلَوْلا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ مَا زَكَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ أَبَدًا وَلَكِنَّ اللَّهَ يُزَكِّي مَنْ يَشَاءُ} [النور:21].
والعافية رحمة، قال الله عز وجل: {أَوْ أَرَادَنِي بِرَحْمَةٍ هَلْ هُنَّ مُمْسِكَاتُ رَحْمَتِهِ} [الزمر:38].

(33/7)


تابع معاني الرحمة
والنصر رحمة، قال الله عز وجل: {إِنْ أَرَادَ بِكُمْ سُوءًا أَوْ أَرَادَ بِكُمْ رَحْمَةً} [الأحزاب:17]، كما جاء في سورة الأحزاب.
فالنصر رحمة والهزيمة ذل ودمار وعار وشنار، انظر إلى الجندي المسلم حين يقع أسيراً في يد الرجل التتري فيقول له التتري: امكث ههنا حتى آتيك بحجر لأقتلك به، وكثير منا شاهد الجندي العراقي وهو يقبل قدم الجندي الأمريكي في حرب الخليج في عاصفة الصحراء حتى لا يقتله، وتتناقلها وكالات الأنباء.
يا شام أين هما عينا معاوية وأين من زاحموا بالمركب الشهبا فقبر خالد في حمص نلامسه فيرجف القبر من زواره غضبا فرب حي تراب القبر مسكنه ورب ميت على أقدامه انتصبا ورقة القلب رحمة، قال الله عز وجل: {وَجَعَلْنَا فِي قُلُوبِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ رَأْفَةً وَرَحْمَةً} [الحديد:27]، وقال النبي صلى الله عليه وسلم: (إذا أردت أن يلين قلبك وتدرك حاجتك، امسح رأس اليتيم وادنه منك وأطعمه من طعامك واسقه من شرابك).
والمنة رحمة، قال الله عز وجل: {وَمَا كُنتَ بِجَانِبِ الطُّورِ إِذْ نَادَيْنَا وَلَكِنْ رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ} [القصص:46].
ومغفرة الذنوب رحمة، قال الله تبارك وتعالى: {كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ} [الأنعام:54].
والسعة في الأمور الشرعية والأحكام الفقهية رحمة، قال الله تبارك وتعالى: {ذَلِكَ تَخْفِيفٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَرَحْمَةٌ} [البقرة:178].
والمودة رحمة، قال الله تبارك وتعالى: {مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُم} [الفتح:29]، لا تكتمل الصحبة حتى تقول لأخيك: يا أنا.
يا من تنهش في أحشائي! يا من أنت جزء من أجزائي! يا من تبدو للجهال كأنك دائي! إني أعلم أنك حتماً فيك شفائي قل لي: هل يأتيك ندائي؟ إنك مني أنت كأني لست أرائي أنت كأني حين شقائي حين جهلت طريق إلهي من عند الألف إلى الياء حين تصورت الدنيا حسي وغذائي وكسائي إنك مسلم تشهد أن إلهك واحد إنك فيها من شركائي لكنك دوماً تطعنني من خلفي في كعب حذائي حين أراك تقوم بهذا يغرقني خجلي وحيائي ووشاة القوم إذا بانوا تشري الطعنة في أحشائي قل لي هل يأتيك ندائي؟ العزة عند إلهي ليس العز دمي وبكائي وغداً من قواك يميتك إن أنت أهملت ندائي والعصمة من الذنوب رحمة، قال الله تبارك وتعالى: {إِنَّ النَّفْسَ لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ إِلَّا مَا رَحِمَ رَبِّي} [يوسف:53].
وطول العمر رحمة، قال الله تبارك وتعالى: {قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَهْلَكَنِيَ اللَّهُ وَمَنْ مَعِيَ أَوْ رَحِمَنَا} [الملك:28]، يعني: مد في آجالنا وأطال أعمارنا.
وقال الله تبارك وتعالى: {وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً} [الروم:21]، بعض العلماء قال: الرحمة هنا: هي الولد، فهذه هي المعاني التي ذكرت فيها الرحمة في القرآن الكريم.
ومن أسماء الله عز وجل: {الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} [الفاتحة:3]، وهما اسمان مشتقان من الرحمة، والرحمن خاص بالله لا يسمى به غيره، ورحمن أبلغ من رحيم، والرحيم يوصف به غير الله عز وجل، فيقال: رجل رحيم، ولا يقال: رحمن، والرحمة من صفات الذات لله تبارك وتعالى، والرحمن: ذو الرحمة الشاملة للخلق، والرحيم خاص بالمؤمنين.
يقول العلامة ابن القيم: من رحمته سبحانه ابتلاء الخلق بالأوامر والنواهي، رحمة لهم وحمية، لا حاجة منه إليهم بما أمرهم به، ومن رحمته أن نغص عليهم الدنيا وكدرها لئلا يسكنوا إليها، ولا يطمئنوا إليها ويرغبوا عن النعيم المقيم في داره وجواره، فساقهم إليها بسياق الابتلاء والامتحان، فمنعهم ليعطيهم وابتلاهم ليعافيهم، وأماتهم ليحييهم، ومن رحمته بهم أن حذرهم نفسه لئلا يغتروا به فيعاملوه بما لا تحسن معاملته به، ومن رحمته أن أنزل لهم كتباً وأرسل إليهم الرسل، ولكن الناس افترقوا إلى فريقين: فأما المؤمنون فقد اتصل الهدى في حقهم بالرحمة، فصار القرآن لهم هدى ورحمة، وأما الكافرون فلم يتصل الهدى بالرحمة، فصار القرآن لهم هدى بلا رحمة، وهذه الرحمة المقترنة بالهدى في حق المؤمنين رحمة عاجلة وآجلة.
فأما العاجلة فبما يعطيهم الله تبارك وتعالى من ذوق طعم الإيمان ومحبة الخير والبر ووجدان حلاوة الإيمان.
وأما الرحمة الآجلة فهي سكناهم في جواره وفي دار رحمته، ومن عظم الرحمة عند الله تبارك وتعالى أن الله كتب كتابها بيده فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن الله كتب بنفسه يوم خلق السماوات والأرض كتاباً فهو عنده فوق العرش: إن رحمتي سبقت غضبي).

(33/8)









رد مع اقتباس