الفرع الثالث
الركن المعنوي في جريمة السرقة الإلكترونية
ويتكون القصد الجنائي للسرقة المعلوماتية من عنصرين هما : القصد العام والقصد الخاص.
أولا - القصد العام.
في إطار المعلوماتية الممثلة في شبكة الانترنت يكون الاعتداء على النظام الإلكتروني بفعل الدخول غير المشروع، طبقا للمادة 323/1 من قانون العقوبات الفرنسي، أو البقاء غير المشروع في النظام الإلكتروني [1] و ارتكاب الجرائم الأخرى. و بالإضافة إلى علمه بدخول نظلم معلوماتي بطريق غير مشروع، يتعين أيضا أن تتجه إرادته للاستيلاء على المعلومات وإخراجها من حوزة صاحبها و إدخالها في حيازته.
ثانيا- القصد الخاص.
يتمثل القصد الجنائي الخاص في نية تملك الشيء محل الاعتداء و ذلك باتجاه إرادة الجاني إلى الاستيلاء على المعلومات و تبديله حيازتها و ممارسة سلطات المالك عليها.
و يجب أن يكون هناك تزامن بين هذه النية و فعل الاختلاس، أما إذا كان القصد الجنائي الخاص لاحقا لفعل الاختلاس فان الجريمة لا تقع، و يدق الأمر في كيفية إثبات سوء النية لمن قام بالدخول في نظام معلوماتي بقصد تملك محل الاعتداء فلا بد من إثبات القصد الجنائي ولحظة تواجده، و التي يجب أن تكون لحظة ارتكاب الفعل.
و يمكن من الناحية القانونية استخلاص القصد بمجرد الدخول غير المشروع في النظام وتجاوز أنظمة الحماية المنذرة بعدم أحقية الدخول إلى النظام الآلي، و من الناحية الواقعية، فإن وجود نظام الحماية، يسمح للشخص المتواجد في النظام بالمعرفة.
و لقد أقر الفقه الفرنسي أن انتهاك نظام الأمن يعتبر في حد ذاته دليلا ضمنيا على وجود القصد و سوء النية لدى مرتكب الفعل، ويعد هذا الانتهاك في حد ذاته وسيلة إثبات، وأن الدخول غير المشروع يلزم كعنصر مقترن للجريمة لفكرة الاعتداء على النظام[2].
المطلب الثالث
مدى تطابق أركان جريمة السرقة الالكترونية مع أركان جريمة السرقة التقليدية
من خلال ما تمت دراسته مسبقا فيما يتعلق بالأركان العامة في جريمة السرقة التقليدية والأركان الخاصة لجريمة السرقة الإلكترونية نتناول في هذا المطلب مدى إمكانية تطابق أركان جريمة السرقة التقليدية مع أركان جريمة السرقة الإلكترونية الحديثة.
الفرع الأول
من حيث الركن المادي
أولا: فعل الاختلاس.
أن الاختلاس بالنسبة لجرائم الكمبيوتر يتصور في سلوك الجاني للاستحواذ على المعلومة من على حاسب الغير بطريقة آلية تخلو من استخدام العنف المادي المتصور في السرقات المادية على أن يتوافر بين فعل الجاني ونتيجته وهو الاستحواذ على المعلومة، رابطة السببية وذلك في إطار الشروط المكملة لجريمة السرقة من عدم رضاء المجني عليه بهذا الاستحواذ للمعلومة محل سلوك الجاني[3].ويرى الأستاذ الدكتور احمد خليفة الملط لأخذ بما يلي:
1- خضوع المعلوماتية للاختلاس و التي تجعلها محلا لجريمة السرقة لأنها تمثل مال منقول، قياسا على سرقة الكهرباء والتي تمثلها النبضات الكهربائية من خلال الأسلاك ، حيث يمكن تحديد قيمة وكمية المعلومات المختلفة من خلال الشريط أو الاسطوانة ، وبإمكانية حيازة الأشياء المادية و غير المادية و الاستيلاء عليها.
2- أن المعلومات الموجودة على الجهاز كما سبق أن بينا سواء كانت عبارة عن برامج أو معلومات معالجة آلية طالما انه تم وضعها والتعامل عليها فإنها تصبح مادية ومالية وبالتالي تصلح لان تكون موضوعا للاختلاس سواء تم نقلها أو نسخها أو الاطلاع عليها بالبصر أو السمع أي على طريق الالتقاط الذهني لأنه يمكن أن يترتب على ذلك إضرار بمالكها وبقيمتها الاقتصادية إذا ما قام الجاني باستخدامها وترجمتها على أي مخرجات سواء كانت اسطوانات أو شرائط أو أوراق وعرضها للبيع.
3- صلاحية المعلوماتية المخزنة على دعامات للاختلاس باعتبارها مال منقول لها قيمة اقتصادية لان الدعامة بدون المعلوماتية لا قيمة لها لدى العامة[4].
4- صلاحية وقت النظام ألمعلوماتي للاختلاس صواب يجب إتباعه والعمل به و ذلك يرجع أن النظام الإلكتروني المصمم للعمل عليه لمصلحة الجهة المالكة وليس للشخص الذي يعمل عليه والجهة في هذا تقوم بوضع مقابل مالي لهذا النظام من خلال ما به من مكونات ومستلزمات تشغيل وخلافه وبالتالي فان قيامه باستخدام الجهاز لمصلحته الشخصية يعد سرقة.
ثانيا: التسليم في المعلوماتية .
يرى الدكتور الملط خضوع عملية تجاوز العميل لرصيده في السحب من أجهزة التوزيع الآلي للنقود إلى جريمة السرقة، فالعبرة إذا هي مضمون العقد أو الالتزام الذي يوجد بين العميل والبنك.
كما انه يمكن للبنوك أيضا تعديل مضمون الالتزامات التي تفرضها على العملاء في حالة السحب من أجهزة التوزيع الآلي للنقود بان تفرض عليهم عدم السحب فيما يجاوز الرصيد الدائن، على أن يتم ربط أجهزة التوزيع الآلي للنقود بحسابات العملاء لأنه في هذه الحالة لن تقوم هذه الأجهزة بالصرف للعملاء إلا في حدود الرصيد الموجود فعلا في حسابهم لحظة السحب. وبالتالي يسأل العميل عن جريمة السرقة إذا تجاوز في سحبه المبالغ الموجودة في رصيده، حتى و لو تم التسليم برضا البنك [5].
الفرع الثاني
من حيث محل الاختلاس
أما فيما يتعلق بطبيعة المال المنقول الإلكتروني المملوك للغير فيمكن الأخذ بالرأي الذي اتجه إليه الدكتور أحمد خليفة الملط على أساس أنه اتجاه حديث و لا يتحالف مع مبدأ الشرعية من حيث النقاط التالية:
1- اعتبار المعلومات أموالا و تخضع للقواعد العامة للسرقة ، و ذلك لمنطقية المبررات التي أبداها، أما ما ذهب إليه الرأي المعرض في تبريره يرجع إلى أن الوقت الذي وضعت فيه نصوص السرقة قديما كانت في الأموال المعنوية قليلة القيمة ، وكان التركيز على حماية الأموال المنقولة ذات القيمة الكبيرة ، فضلا عن أن الأموال المعنوية و المعلومات أصبحت في هذا العصر بفضل التطور العلمي و التقني تشكل قيمة اقتصادية كبيرة بدرجة تفوق الأموال المادية المنقولة و العقارات . كما و أن هذه المعلوماتية لم تكن في ذهن المشرع عندما وضع نصوص السرقة .
2- صلاحية المعلومات لان تكون منقولا ، و يرجع ذلك إلى أن تحليل الأمور المنطقي يتفق مع التطور التكنولوجي الموجود و المحتمل وجوده فيما بعد بفرض فكرة الكيان المادي للشيء الناتج عن اختلاس المال الإلكتروني للبرامج والمعلومات فالبرامج و المعلومات و أن لم يكن لها شيء ملموس أو محسوس إلا أن لها كيان مادي يظهر من رؤيتها على شاشات النظام المعلوماتي و تنتقل عبر الأسلاك و عن طريق نبضات و رموز و شفرات و يمكن حلها إلى معلومات معينة إي أنها لها و مولد صادرة عنه و يمكن سرقتها و بالتالي لها محل مادي و يمكن الاستحواذ عليها و نقلها[6].
كما و انه نتيجة للتطور التكنولوجي في الأنظمة المعلوماتية و ظهور أشياء معنوية مثل المعلوماتية لها قيمة مالية أو اقتصادية تفوق بكثير في عددها و قيمتها الأشياء المادية والعقارية على السواء .
3- أن المعلومات تصلح لان تكون محلا للملكية باعتبار أن التحليل المنطقي الذي لا يمكن إنكاره هو ملكيتها لشخص ما و بالتالي فهي ليست ملكا للسارق بل يقوم بالاستحواذ عليها كشيء ليس مملوكا له وهذا هو جوهر الاختلاس في السرقة .وأيضا بالقياس على الأحكام الصادرة من محكمة النقض المصرية و التي أقرت بصلاحية التيار الكهربائي لان يكون محلا للاختلاس بالرغم من انه مال غير ملموس ,حيث أقرت باعتبار التيار الكهربائي وأن كان ليس مالا ماديا ملموسا فهو ذو كيان مادي متمثل في الأسلاك و التوصيلات التي تمر من خلالها وبالتالي يمكن اختلاسه و انطباق نص السرقة عليه .ما قضت به محكمة النقض بشأن سرقة الخط التليفوني في حكمها الصادر في 17 نوفمبر 1980 ويرى عدم الاكتفاء بتطبيق تلك النصوص بعمومها و أنما يجب أن يتدخل المشرع بالنص صراحة على صلاحية المعلوماتية بان تكون محلا لجريمة السرقة أو حمايتها بنصوص خاصة و ذلك لتزايد الجرائم الإلكترونية وانتشارها وتنوعها مثلما فعل حينما تزايدت سرقة منفعة السيارات فاصدر تشريع لها للحد من خطورتها[7].
الفرع الثالث
من حيث الركن المعنوي
فالسرقة جريمة عمدية ويفترض إثبات السرقة توافر القصد الجنائي الخاص وهو الذي يعبر عنه بنية التملك لأنها هي التي تكشف عن نية الجاني في حيازة الشيء ألمعلوماتي ويستدل على توافر القصد من القرائن والظروف .
ونية التملك المتصورة في جرائم الكمبيوتر هي نية الاستحواذ على الشيء المسروق وهي المعلومة أو البرنامج أو الملف المخزن على الحاسب[8].
المبحث الثاني
جريمة خيانة الأمانة بين المفهوم التقليدي و الالكتروني
سنتعرف من خلال هذا المبحث على أركان جريمة الخيانة في مفهوم قانون العقوبات الجزائري.و ذلك من خلال نص المادة 376 والتي تنص:" كل من اختلس أو بدد بسوء نية أوراقا تجارية أو نقودا أو بضائع أو أوراقا مالية أو مخالصات أو أية محررات أخرى تتضمن أو تثبت التزاما أو إبراء لم تكن قد سلمت إليه إلا على سبيل الإجارة أو الوديعة أو الوكالة أو الرهن أو عارية الاستعمال أو لأداء عمل بأجر أو بغير أجر بشرط ردها أو تقديمها أو لاستعمالها أو لاستخدامها في عمل معين وذلك إضرارا بمالكيها أو واضعي اليد عليها أو حائزيها يعد مرتكبا لجريمة خيانة الأمانة و يعاقب بالحبس من ثلاث سنوات و بغرامة من 500 إلى 20.000 دينار." ثم في المفهوم الالكتروني لنصل في الأخير لمعرفة مدى انطباق أركان الجريمة التقليدية مع الالكترونية.
المطلب الأول
أركان جريمة خيانة الأمانة التقليدية في القانون الجزائري
حسب المادة 376 من قانون العقوبات الجزائري"كل من اختلس أو بدد بسوء نية..."تعرف خيانة الأمانة على أنها قيام الجاني بتبديد أو اختلاس مال منقول سلم إليه بعقد أمانة إضرارا بمالكه أو حائزه أو واضع اليد عليه, أين يحوز الشيء حيازة ناقصة و يتصرف فيه بتبديده أو اختلاسه.
ولذلك حتى نفهم أكثر هذه الجريمة لابد من التطرق إلى الركن المادي لها كفرع أول ثم إلى محل الجريمة كفرع ثاني و أخيرا الركن المعنوي كفرع ثالث.
حسب نص المادة 376 من قانون العقوبات الجزائري: "كل من اختلس أو بدد بسوء نية..." تتحقق جريمة خيانة الأمانة بكل فعل يدل على أن الأمين اعتبر المال المؤتمن عليه مملوكا له يتصرف فيه تصرف المالك, ومن ثم فله الحق في تبديده أو اختلاسه.
وأن القانون لا يعاقب مبدئيا على عدم تنفيذ عقد من العقود المذكورة في المادة 376 قانون العقوبات الجزائري بصفتها عقود أمانة أو غيرها من العقود وإنما يعاقب على عدم رد الأمانة باعتبار الرد أهم واجب ملقى على الأمين, إذ بعدمه يتحقق الاعتداء على ملك الغير[9] وعليه فما المقصود بالاختلاس و التبديد؟.
أولا الاختلاس:
هو أن يقصد المختلس تغير نوع الحيازة التي له على الشيء من حيازة مؤقتة ناقصة إلى حيازة تامة و دائمة. فمن يبيع شيء مودع لديه فقد تصرف بشيء تصرف المالك بملكه و يفيد بذلك اختلاسه. و يقبل القضاء كقاعدة عامة بان الاستعمال المتعسف للشيء لا يترتب عنه تطبيق م 376 من قانون العقوبات الجزائري، و لكن الاختلاس يمكن أن ينشأ إذا كان استعمال الشيء مخالفا بوضوح تام لتخصيص ذلك الشيء كما اتفق عليه الطرفان و قصداه. فنكون بصدد خيانة أمانة مثلا عندما يقوم تاجر بالتصرف عمدا لحاجات تجارته في مبلغ مالي تلقاه تحت وصف الوديعة. كما يوجد الاختلاس إذا كان عدم تقديم الأشياء أو إتلافها، كان الهدف منه غش المالك في حقوقه و حرمانه في استعمالها على الشيء و مثال ذلك: أن يحطم الفاعل عمدا الشيء المسلم له على سبيل الأمانة.
ثانيا :التبديد:
إن المبدد مثله مثل المختلس, يتصرف في الشيء المسلم إليه تصرف المالك في ملكه وكلاهما يغير حيازته الناقصة في الشيء إلى حيازة تامة لكن في حالة التبديد كثيرا ما يتجسد هذا التغيير في عمل مادي كإتلاف أو إحراق أو استهلاك الشيء المسلم أو في عمل قانوني كالبيع و الهبة و الرهن[10].
ففي جريمة خيانة الأمانة قد يتبدد الشيء و لا يدل ذلك على أن الجاني عاجز عن رد ما بدد، و عليه أن القول باكتمال الجريمة لا بد من مراجعة العقد المبرم بين الجاني و الضحية. فإذا كانت الأشياء المسلمة معينة و مطلوب ردها بعينها فان مجرد تبديدها يقيم الجريمة لان ردها يصبح مستحيلا. أما إذا كانت الأشياء مثلية فبإمكان المؤتمن استهلاكها و يرد قيمتها أو مثلها فلا تقوم الجريمة.
[1]_ أحمد خليفة الملط، المرجع السابق، ص 273.
[2]_ محمد أمين أحمد الشوابكة، المرجع السابق، ص 160 الى 162.
[3]_ عبد الفتاح مراد، شرح جرائم الكمبيوتر و الإنترنت، دون دار النشر، دون سنة النشر، ص 458.
[4]_ أحمد خليفة الملط، المرجع السابق،من ص 254 إلى 260 .
[6]_ أحمد خليفة الملط، المرجع السابق، ص 241 – 245.
[7]_ أحمد خليفة الملط، المرجع نفسه ، ص 245 – 248 - 249 .
[8]_ عبد الفتاح مراد،المرجع السابق ، ص459.
[9]_2دردوس مكي، المرجع السابق ،ص51_52.
[10]- عبد الله سليمان، دروس في شرح قانون العقوبات الجزائري، القسم الخاص، الطبعة الرابعة، ديوان المطبوعات الجامعية، الجزائر، 1996، ص277.