المطلب الثاني
القواعد الخاصة بجريمة السرقة الإلكترونية
عرضنا من خلال دراستنا إلى الجرائم الإلكترونية في الفصل التمهيدي بأنها جرائم لها طبيعة خاصة و متميزة و أن محل الجريمة الإلكترونية ينصب على الأنظمة الإلكترونية سواء ما يقع عليها أو ما يقع باستخدام أدواتها الإلكترونية المادية من أجهزة وشرائط وكابلات و دعامات ممغنطة و نظرا لان دراستنا في هذا الفصل تتعلق بالاعتداء على المال الإلكتروني فقد قمنا بإيضاح القواعد العامة لجريمة السرقة و بينا أركانها و رأي القضاء فيها .
في هذا المطلب سوف نبين جريمة السرقة من حيث اتصالها وعلاقتها بالمعلوماتيـــة (المعالجة الإلكترونية ) ونظرا لان هذا الموضوع يتسم بقدر كبيــر من الدقـة و المشقة بما يتطلبه من تحليل لعناصر المعلوماتية و معرفة قابليتها لكي تكون محـلا للسرقـــة. و مدى قبول هذه العناصر إلى الحماية المقررة لجريمة السرقة بسبب أوجه القصور التي ما زالت موجودة حتى الآن سواء في القانون الجزائري أو في القوانيـن المقارنة التي لم تتعرض بشكل مباشر إلى حل تشريعي في سرقة المال الإلكتروني فكان من الواجب علينا في هذه الدراسة المقارنة أن نوضح آراء الفقه و القضاء في العناصر المكونة لجريمة السرقة وفقا للنص الجنائي القائم و بين عناصر سرقة المال الإلكتروني .
فتدور دراستنا بين الرأي المعارض و الرأي المؤيد لجريمة السرقة الإلكترونية هل يمكن أن تقع جريمة السرقة على المال الإلكتروني أم لا؟ و في حالة الإجابة بالنفي فما هو موقف المشرع و الفقه و القضاء في التصدي لهذه الظاهرة الإجرامية الخطيرة ؟ لأنه من الواجب أمام هذه الصورة المستحدثة من جرائم السرقة الإلكترونية تبيين مدى تطابق القواعد القانونية العامة لجريمة السرقة مع القواعد الخاصة لسرقة المال الإلكتروني أو أن يقترح ما يمكن من التشريع ليساير تلك الظاهرة. و إذا كانت الإجابة بالقبول فكيف يمكن تحديد العناصر المكونة لجريمة السرقة الإلكترونية ؟ .
و سوف نتناول في دراستنا للموضوع الإجابة على هذه الأسئلة ذلك من خلال الفروع التالية :
الفرع الأول: الركن المادي لسرقة المال الإلكتروني.
الفرع الثاني: محل جريمة السرقة الإلكترونية.
الفرع الثالث: الركن المعنوي في لسرقة المال الإلكتروني.
مع تبيان الرأي المأيد و الرأي المعارض ضمن كل فرع على حدي.
الفرع الأول
الركن المادي لسرقة المال الإلكتروني
بينا في الركن المادي للقواعد العامة للسرقة(الاختلاس)بأنه الاستيلاء على حيازة الشيء بغير رضاء مالكه أو حائزه و يتوافر الاختلاس إذا قام الجاني بحركة مادية ينقل بها الشيء إلى حيازته أيا كانت طريقته في ذلك بالنزع أو السلب أو الخطف أو النقل وما إليها.و يشترط أن يكون الاستيلاء بفعل الجاني وليس من الضروري أن يكون بيده بل بواسطة أشياء أخرى خاصة بالجاني ، ثم عرضنا عنصري الاختلاس وهما العنصر الموضوعي و الذي يعني الاستيلاء على حيازة المال المنقول موضوع السرقة,و العنصر المعنوي و الذي يعني عدم رضاء المجني عليه بالإضافة إلى نية التملك لدى الجاني ثم بينا التسليم وآثاره في الاختلاس من خلال التسليم الصادر من المالك أو الحائز القانوني و التسليم الناقل للحيازة و التسليم الصادر عن إرادة حرة ونظرا لان موضوع دراستنا في هذا الفرع هو إيضاح الركن المادي لجريمة السرقة في الإلكترونية [1].
سوف نبين أراء الفقهاء المتباينة بين الرفض و التأييد، و أحكام المحاكم الصادرة بخصوص الركن المادي للسرقة الإلكترونية من خلال النقطتين التاليتين:
الأول: فعل الاختلاس وعناصره في السرقة الإلكترونية.
الثاني: التسليم في السرقة الإلكترونية.
أولا: فعل الاختلاس و عناصره في السرقة الإلكترونية:
لا خلاف بين الفقهاء على أن الاختلاس الواقع على المكونات المادية للنظام الإلكتروني من أجهزة وملحقاتها و البرامج و البيانات المدونة على دعامات مادية كالاسطوانات و الشرائط و التي يتم نقلها و الاستيلاء عليها و حيازتها بدون رضاء مالكها أو حائزها و بنية تملكها تخضع وفقا للمفهوم التقليدي للقواعد العامة للسرقة و لا يشترط أن تكون الحيازة الجديدة للمتهم نفسه بل يمكن أن تكون لشخص آخر غيره و على ذلك فمن يقوم باختلاس برامج معالجة الكترونية و يسلمها لشخص آخر لتدخل في حيازة هذا الأخير تقوم بها جريمة السرقة حال اكتمال أركانها لأنه يفترض هنا دخول الشيء في حيازة المتهم قبل دخوله في حيازة الآخر.
ويبقى الخلاف قائما بين الفقهاء فيما يتعلق بتطبيق فعل الاختلاس وعناصره على المكونات غير المادية للنظام الإلكتروني و.بهمنا إيضاح ذلك من خلال عنصري الاختلاس.
1_العنصر الموضوعي: الاستيلاء في السرقة الإلكترونية.
نشأ خلاف بين الفقهاء حول الاستيلاء في السرقة الإلكترونية من خلال رأيين
الأول-:يرى عدم توافر ركن الاختلاس في حالة الاستيلاء في السرقة الإلكترونية .
الثاني-:يرى توافر ركن الاختلاس في حالة الاستيلاء في السرقة الإلكترونية.
و قد ظهر أوجه هذا الخلاف من خلال الصور التالية:
أ_الصورة الأولى: الطبيعــة الإلكترونية.
ب_الصورة الثانية: المعلومات المخزنة بالنظام الإلكتروني.
ج_الصورة الثالثة: المعلومات المخزنة علـى دعــامات.
د_الصورة الرابعة: سرقـــة وقت النظـام الإلكتروني.
أ_الصورة الأولى:-الطبيعة الإلكترونية.
الرأي الأول: يرى أنصار هذا الرأي عدم خضوع المعلومات الإلكترونية إلى الاختلاس: وهذا يرجع لان طبيعة المال الإلكتروني طبيعة معنوية بينما طبيعة الاختلاس طبيعة مادية واستندوا إلى الأدلة التالية:
1- إن المحل في جريمة السرقة، لابد أن يكون ذا طبيعة مادية، و يقصد بالشيء المادي الشيء الذي ينتمي إلى عالم المحسوسات فيمكن لمسه مباشرة واستغلاله على الوجه الذي يحقق منفعة مالكه أو حائزه ، و بعبارة أخرىالشيء المادي الذي يقبل السلطات المادية التي تنطوي عليها الملكية والحيازة. وتتطلب بعض التشريعات صراحة أن يكون المحل ماديا وذلك بالإشارة إلى المنقول المملوك للغير ومن ذلك على سبيل المثال قانون العقوبات المصري و الاسباني و السويسري و الفنلندي ولا شك أن المعلومات في ذاتها منفصلة عن إطارها المادي تخرج من مجال السرقة وفقا لهذه القوانين لافتقارها للطبيعة المادية التي تشترطها هذه النصوص[2].
2- المعلومات غير قابلة للقياس أو للتحديد، بالإضافة إلى أن هناك اختلاف من حيث الطبيعة بين المعلومة المختزنة في النظام ألمعلوماتي و التي يجرى البحث عن محتواها المعنوي وبين الطاقة الكهربائية التي هي حقيقة مادية حتى ولو كانت غير ملموسة.
3- المعلومات تتعارض مع اعتبارها من قبل الأشياء حيث يتم الحصول عليها عن طريق السمع أو بقراءة المعطيات على الشاشة أو بطريقة إعداد نسخ البرامج على دعامات (اسطوانات)يملكها الجاني ذاته و في جميع الفروض فان المعلومات لا تعد من الأشياء.
4- أن الاختلاس اللازم لوقوع السرقة بمعناها المعروف غير متحقق لأنه ينطوي على تبديل الحيازة و ينحصر في الحصول على منفعة الشيء فقط دون أصله الذي يبقى في حيازة صاحبه و لا صعوبة في القول بأننا نكون هنا بصدد سرقة منفعة بشرط وجود نص بهذا الأمر وفي حالة عدم وجود نص فلا سرقة في الأمر[3].
الرأي الثاني: يرى أنصار هذا الرأي خضوع المال الإلكتروني إلى الاختلاس: وذلك للأسباب التالية:
1 - إن المعلومة قابلة للتحديد و القياس مثل الطاقة الكهربائية و يمكن قياسها عن طريق كمية المعلومات الموجودة بالشريط أو الاسطوانة، أو عن طريق طول الشريط أو الفترة التي يستغلها[4].
2- ليس من الضروري أن يكون المحل في جريمة السرقة ماديا ويتضح ذلك من نصوص قانون العقوبات الفرنسي وغيره من القوانين المشابهة كالقانون البلجيكي فكلمة"" شيء"" الواردة بالنصوص الخاصة بجريمة السرقة في هذه القوانين هي من العموم بحيث تسمح بإدراج الأشياء غير المادية كالمعلومات ويدلل أنصار هذا الاتجاه بالنصوص التي تعالج الجرائم الأخرى كالنصب على سبيل المثال إذ تحدد نصوصها الأشياء القابلة لان تكون محلا للجريمة على سبيل الحصر[5].
3- يمكن اختلاس المال الإلكتروني باعتباره (خلق فكرى) و أن ركن الاختلاس سيكون من نفس طبيعة الشيء أي الحيازة الفكرية لهذا الشيء ألمعلوماتي .
4- استند أنصار هذا الرأي إلى الحكم الصادر في قضية بوركان (Bourquin) و التي تتلخص وقائعه في قيام مبرمج كان قد ترك عمله في احد الشركات ونتقل إلى شركة أخرى ثم قام بعد ذلك بزيارة الشركة الأولى التي كان يعمل بها وزار مطبعتها وأخذ شرائط أخرى نسخها بمعرفته في مطبعته بهدف إنشاء شركة منافسة فحكمت عليه محكمة الاستئناف بالحبس شهرا مع إيقاف التنفيذ تطبيقا للمواد 401 ,379قانون العقوبات الفرنسي بتهمة السرقة.
ب_ الصورة الثانية: المعلوماتية المخزنة بالنظام الإلكتروني.
نعرض في هذه الصورة مدى صلاحية المعلومات المخزنة بالنظام لإلكترونيي للاختلاس من خلال موضوعين:
أ- نسخ ونقل المعلومات من النظام الإلكتروني.
ب- الالتقاط الذهني و السمعي للمعلوماتية من النظام الإلكتروني.
أ- نسخ و نقل المعلومات من النظام الإلكتروني:
اختلف الفقهاء من حيث صلاحية نسخ و نقل المعلوماتية من النظام الإلكتروني للاختلاس إلى رأيين :
الرأي الأول : يرى عدم صلاحية نسخ و نقل المعلومات من النظام الإلكتروني.
الرأي الثاني: يرى صلاحية نسخ و نقل المعلومات من النظـــام الإلكتروني.
الرأي الأول : يرى عدم صلاحية نسخ و نقل المعلومات من النظام الإلكتروني:
فلا يتحقق فعل السرقة حتى و إن أدى ذلك في بعض الأحيان إلى الإضرار بالمعلومات أو إتلافها أو التأثير على قيمتها و يؤيد هذا الرأي مايلي:
1- إن المعلومات المخزنة على النظام الإلكتروني و إن كانت لا تعتبر في ذاتها أشياء مادية فلا يتصور انتزاع حيازتها ولا تكون محلا للسرقة إلا إذا أمكن تحيزها داخل إطار مادي.
2- الصعوبة التي تثار في عدم اعتبار نسخ ونقل المعلوماتية اختلاس يرجع إلى أن الجاني لم يستولي على أصل المعلومة ولكن نقل الصورة منها وبالتالي لا ينطبق عليها وصف السرقة ومما لاشك فيه أن مشروعية هذا الفعل قد يعد تقليدا أو سرقة منفعة بشرط وجود نص خاص في هذا الشأن أما في حالة عدم وجود هذا النص فلا يعد سرقة. كما أن ذلك لا يعد سرقة لأصل المعلومة حتى ولم تم تدميرها أو إتلافها[6] .
الرأي الثاني: يرى صلاحية نسخ و نقل المعلومات من النظـــام الإلكتروني: وذلك للأسباب التالية:
[1]- أحمد خليفة الملط، المرجع السابق،ص249.
[2]- نائلة عادل محمد فريد قورة، جرائم الحاسب الآلي الاقتصادية، دراسة نظرية وتطبيقية، الطبعة الأولى، منشورات الحلبي الحقوقية، 2005، ص 157- 158.
[3]_ أحمد خليفة الملط، المرجع السابق، ص 252.
[4]- أحمد خليفة الملط، نفس المرجع ، ص 252.
[5]- نائلة عادل محمد فريد قورة، المرجع السابق، ص152.
[6]-2 أحمد خليفة الملط، المرجع السابق، ص 253 الى256.