الفصل الأول
مدى انطباق النصوص التقليدية على الجريمة الالكترونية
درسنا في الفصل التمهيدي الجرائم المعلوماتية بصفة عامة ،وقد بينا فيه بيان الجريمة الالكترونية وماهية الجريمة الالكترونية وأوضحنا خصائص هذه الجريمة وما يميزها عن غيرها،لننتقل إلى عرض صور الجريمة المعلوماتية ،فوجدنا أن المعلوماتية لم تعد مجرد وسيلة لإلحاق الضرر بالغير ،بل أن قدرتها على معالجة البيانات ونقلها سواء في شكل منتجات أو خدمات مستحدثة اكتسبت قيمة تجارية ذات طابع مالي وهو ما هيأ الفرصة لظهور قيمة اقتصادية مستحدثة.
_ وموضوع دراستنا في هدا الفصل هو الإشكال الذي تثيره جرائم الاعتداء على الأموال الناجمة عن استخدام الحواسيب المرتبطة بشبكة الانترنت تساؤلات عدة حول طبيعة الاعتداءات،ومدى كفاية النصوص التقليدية لمواجهتها؟؟؟.
فإذا كان موضوع الاعتداء على الأموال في نطاق المعالجة الآلية للمعلومة ينصب على الحاسب الالى ذاته و ما يرتبط به من أسلاك وما يتعلق به من ملحقات،فإنه لم يعد هناك صعوبة فى تطبيق النصوص الجزائية التقليدية كون الأمر يتعلق بمال مادي منقول وفق المفهوم التقليدي الدارج ،أما إذا وقع الاعتداء على ما يتعلق بفن الحاسب الآلي من برمجيات (soft ware)ونظم ،فإن النصوص التقليدية تأتى قاصرة عن حمايتها لهذا المال من طابع خاص غير تقليدي.
وفى نطاق شبكة الانترنت ،يعتبر الحاسب الآلي أداة سلبية لارتكاب الجريمة ضد الفرد،إذا استخدم الحواسب المرتبطة بشبكة الانترنت كوسيلة لتنفيذ الجرائم والاعتداء على أموال الغير والتي اتخذت صور مستحدثة لهذا برزت الدعوى إلى فرض الحماية الجنائية من مخاطر استخدام شبكة الانترنت ممثلة بالنظام والبرامج والبيانات المتبادلة عبرها.
وللإجابة على هذه الإشكالية ،ندرس الجرائم المتعلقة بالاعتداءات على الأموال الالكترونية من خلال التفصيل في جرائم واقعة على المعلوماتية وعما إذا كانت النصوص التقليدية الحالية تكفى لمواجهة هذه الجرائم الجديدة أم لا؟؟وذلك من خلال شرح جريمة السرقة المعلوماتية في المبحث الأول ،و في المبحث الثاني جريمة التزوير المعلومات،وجريمة خيانة الأمانة في المعلوماتية في مبحث ثالث.
المبحث الأول
جريمة السرقة بين المفهوم التقليدي والالكتروني
الواقع أن لموضوع جرائم الاعتداء على المال الإلكتروني أهمية متزايدة سواء من الناحية العملية أو النظرية. فنظريا ينطبق على مجموعة من جرائم الأموال التي لا ستهان بها ومن أهمها السرقة، و عمليا يمس الإجرام الواقع على المال الإلكتروني كثير من مصالح المجتمع وعلى وجه الخصوص البنوك من خلال التعامل الإلكتروني و السحب من الأرصدة بواسطة بطاقات الائتمان أو الدفع الإلكتروني و التجارة الإلكترونية.
و تفتح الثورة المعلوماتية مجالا جديدا لخلق أدوات جديدة في التعامل فبعد أن كان الإثبات في الجرائم عبارة عن مستندات مادية و ورقية أصبحت معظم المستندات المالية عبارة عن تسجيلات و شرائط و اسطوانات، بل الأكثر خطورة من ذلك أصبحت عبارة عن قيمة مالية للمعلومات المسجلة على هذه الأوساط.
و بما أن ظاهرة الإجرام الإلكتروني تتعلق بكل سلوك غير شرعي أو غير مسموح يتعلق بالمعلوماتية ( المعالجة الآلية للبيانات و المعلومات أو نقل هذه البيانات) فهذه المعالجة الآلية غير الشرعية تدفعنا إلى إعمال نصوص القانون الجنائي الذي يعتبر حتى وقتنا هذا عاجز في معظم نصوصه عن مواجهة التطور المعلوماتي، و ذلك للإشكال المطروح حول مدى إمكانية تطبيق قواعد السرقة التقليدية على السرقة الإلكترونية، و لم يطرح هذا الموضوع إشكالات فقط على مستوى الفقه و القضاء الجزائري بل هي إشكالية واسعة المجال تمتد إلى جميع القارات في العالم ككل تجعل قانون عقوبات هذه الدول يخضع لامتحان يحدد مدى مرونة هذه القوانين وقابليتها للتجديد و التطور، نظرا لأن الصورة الغالبة لسرقة المال المعلوماتي المعنوي، أن أمكن الوصف تأخذ صورة اختلاس البيانات و المعلومات ، و الإفادة منها باستخدام السارق للمعلومات الشخصية – مثل الاسم ، العنوان – الخاصة بالمجني عليه و الاستخدام غير الشرعي لشخصية المجني عليه ليبدأ بها عملية السرقة المتخفية عبر الانترنت بحيث تؤدي بالغير إلى تقديم الأموال الكترونية أو المادية إلى الجاني. فيثور التساؤل فيما إذا كان الاعتداء بسرقة المعلومات المادية ، و المخزنة في قواعد البيانات أو المتبادلة عبر خطوط الإنترنت، تشكل جريمة السرقة بنفس المفهوم الذي تشير إليه قواعد السرقة الإلكترونية ؟ أم أنها تختلف عنها ؟ أم أن هذا النوع من الاختلاس لا يعد أصلا من قبيل الأعمال الموصوفة بالسرقة وفقا لقانون العقوبات؟
و للإجابة على كل هذه التساؤلات نتعرض بالدراسة لشرح جريمة السرقة التقليدية وفقا للقانون الجزائري ثم ندرس أحكام السرقة الإلكترونية وفقا لمنهج مقارن باستعراض مختلف الآراء الفقهية العربية و الغربية و كذا موقف القضاء من الموضوع محل الدراسة،؟ لننتقل بعدها إلى عملية المطابقة بين أحكام السرقة التقليدية و السرقة الإلكترونية و كل ذلك تبعا للخطة التالية:
المطلب الأول: أركان جريمة السرقة التقليدية في القانون الجزائري.
المطلب الثاني: القواعد الخاصة بجريمة السرقة الإلكترونية.
المطلب الثالث: مدى تطابق أركان جريمة السرقة الإلكترونية مع أركان جريمة السرقة التقليدية.
المطلب الأول
أركان جريمة السرقة في القانون الجزائري
السرقة هي أول الجرائم الواردة في الفصل الثالث من التقنين الجزائي الجزائري لسنة 1966تحت عنوان : الجنايات والجنح و المخالفات .
يعرفها المشرع في المادة 350 من قانون العقوبات( كل من اختلس شيء غير مملوك له يعد سارقا و يعاقب بالحبس من 1 سنة إلى 5 خمس سنوات بغرامة من 100.000 دج الى 500.000 دج .
و تطبق نفس العقوبة على اختلاس المياه و الغاز و الكهرباء يجوز أن يحكم على الجاني علاوة على ذلك بالحرمان من حق أو أكثر من الحقوق الواردة في المادة 9 مكرر 1 لمدة سنة على الأقل و 5 خمس سنوات على الأكثر، و بالمنع من الإقامة طبقا للشروط المنصوص عليها في المادتين 12 و 13 من هذا القانون .
و يعاقب على الشروع في هذه الجنحة بالعقوبات ذاتها المقررة للجريمة التامة ) في أركانها التكوينية ويحدد عقوبتها في حالتها البسيطة ثم يعلن عن معاقبة المحاولة فيها وعن تطبيق نفس العقوبة على مختلس المياه والغاز والكهرباء ويخصص المواد من 351 إلى 354 للسرقة في صورتها المشددة وبوصفها جناية فيذكر حالات التشديد والعقوبات المنوطة بها . أما المواد: 355-356-357-358-360 فان المشرع أعدها للتدليل. على التوالي على مفهوم السكن المسكون والكسر والتسلق أو المفاتيح المصطنعة والطرق العمومية مضيفا في المادة 359 عقوبة الحبس لمقلد ومزيف المفاتيح أما المواد: 361-362-363-364-365 فان المشرع أخرجها لمعاقبة أنواع خاصة من السرقة أو لسد ثغرات كشفت عنها الممارسة اليومية مثل ما جاء في المادتين 366 و367 أخيرا فان المشرع اعد المادتين 370 و371 لمعاقبة من ينتزع شيئا بالقوة أو يحصل عليه بطريق التهديد ... وخصص المادتين 368 و369 لمعالجة حالات الإعفاء في السرقة المرتكبة بين أفراد العائلة[1].
و من خلال التعريف الوارد في المادة 350 ق.ع جزائري للسرقة كما يلي : "كل من اختلس شيئا غير مملوك له يعد سارقا "ومن هذا التعريف يبين أن جريمة السرقة تقوم على ثلاثة أركان هي:
- الفرع الأول : فعل الاختلاس ، وهو الركن المادي للجريمة .
- الفرع الثاني : محل الجريمة ، ويتمثل في شيء منقول مملوك للغير .
- الفرع الثالث : القصد الجنائي، وهو الركن المعنوي للجريمة.[2]
الفرع الأول
الركــن المـــــادي
للركن المادي عنصران وهما:
أولا: فعــل الاختــــــلاس.
ثانيا: عدم رضي الحائز المجني عليه.
أولا: فعل الاختلاس.
لم يحدد القانون معنى الاختلاس ، وهو الركن الأساسي في جريمة السرقة ، وفي غياب تعريف صريح يتفق الفقه والقضاء على أن: " الاختلاس هوالاستيلاء على شيء بغير رضا مالكه أو حائزه " .ولقد تطور مفهوم الاختلاس فلم يعد محصورا في الاستيلاء على الشيء إذ أصبح من المسلم به اليوم أن تسليم الشيء لا ينفي الاختلاس.
ويقوم الاختلاس على عنصرين : عنصر مادي ، وهو الاستيلاء على الحيازة ، وعنصر معنوي ، وهو عدم رضا مالك الشيء أو حائزه عن الفعل .
1_الاستيلاء على الشيء : يتحقق الاختلاس بالاستيلاء على الشـيء أي بنقل الشيء أو نزعه من حيازة المجني عليه وإدخاله في حيازة الجاني .
وهذا يقتضي أن يقوم الجاني بحركة مادية يتم بها نقل الشيء إلى حيازته مهما كانت الطريقة المستعملة سواء النزاع أو السلب أو الخطف أو النـقـل أو أية طريقة أخرى .
وكل ما يشترط هو أن يقع الاستيلاء على الشيء بفعل الجاني ولذلك ليس من الضروري أن يكون بيده فيعد سارقا الشخص الذي يدرب كلبا على السرقـة أو الذي يستعمل آلة لارتكاب السرقة.
ويشترط أيضا لكي يعد الفاعل سارقا أن ينقل الشيء إلى حيازتـه ، أمــا إذا اعدم في مكانه فالفعل يعد إتلافا وليس اختلاسا ، ولكن لا يلزم أن يحتفظ الجاني بالشيء في حوزته ، فقد يتخلى عن حيازته لأخر وقد يستهلكه كذلك في الحال إذا كان من المأكولات أو المشروبات .
يترتب على تحديد الاختلاس على النحو السابق نتيجتان :
النتيجة الأولى: لا يتحقق الاختلاس إذ كان الشيء موجودا أصلا في حوزة المتصرف : فإذا كان الشيء في حوزة الجاني من قبل وامتنع عن رده إلى مالكه الأصلــي أو حائزه أو تصرف فيه تصرفا ضارا فلا يعتبر سارقا لأنه لا ينقل الشيء برفضه أو تصرفه وإنما يستبقيه، الاستبقاء لا يحقق الاختلاس الذي يتحقق بالنقل فقط [3].
النتيجة الثانية: لا يعتبر مختلسا البائع الذي يحبس المبيع بين يديه بعد أن يتسلم ثمنه: وكذلك من يعثر على شيء ملك للغير فيأخذه بدون سوء نية ثم يمسكه بنية التملك.[4]
ومما سبق ، نستخلص أن الاختلاس ينتفي إذا كان المال في حيازة الجاني ابتداء غير انه يشترط أن يظل الشخص محتفظا بالحيازة فان نقلها إلى الضحية ولو لمدة قصيرة ثم اختلسها يعد سارقا، فالبائع الذي يسلم البضاعة للمشتري أو يضعها تحت تصرفه ثم يختلس البعض منها فيما بعد يعد سارقا، كذلك الحال بالنسبة للدائن الذي يحرر مخالصة لمدينه تحت تصرف المدين وإذا ما قبض الدين اختلسها.
2- التسليم يمنع توافر الاختلاس: ينتفي الاختلاس بالتسليم سواء كان حرا أو مبنيا على خطأ أو مشوبا بغلط أو نتيجة تدليس، و تسليم الشيء يتناف مع نزع الحيازة.
ولكن لا ينتفي الاختلاس بأي تسليم إنما يشرط لذلك أن يكون التسليم حاصلا من شخص له صفة على الشيء المسلم ، وان يكون صادرا عن وعي واختيار، وان يكون بقصد نقل الحيازة الكاملة أو الناقصة، كما نوضح في ما يلي :
أ- شروط التسليم النافي للاختلاس : يشترط فيه ما يأتي :
1– يجب أن يكون التسليم حاصلا من شخص له صفة على الشيء المسلم : يقتضي التسليم النافي للاختلاس أن يكون قد حصل من شخص له صفة على الشيء كمالكه أو حائزه ، وأما إذا حصل من شخص لا صفة له على الشيء فلا ينفي هذا التسليم قيام الاختلاس .
2- يجب أن يكون التسليم قد حصل عن إدراك واختيار : ويقصد به التسليم الحر، وعلى هذا الأساس لا ينتفي الاختلاس بالتسليم الحاصل من الطفل غير المميز أو المجنون أو من المعتوه أو السكران أو النائم أو المكره ماديا أو معنويا وهكذا قضى في فرنسا بقيام جنحة السرقة في حق من استلم شيئا من شخص غير مميز بسبب صغر سنه، أو ناقص التمييز.
ويكون التسليم حاصلا عن إدراك واختيار ، ولو بني على خطا أو كان مشوبا بغلط أو كان نتيجة تدليس .
-التسليم الحاصل بخطأ : ينتفي الاختلاس بالتسليم إذا حصل بخطأ لأنه تم عن إرادة واختيار وإدراك، وفي هذه الحالة لا يمكن القول أن الفاعل انتزع حيازة الشيء من صاحبه ، فالخطأ الذي وقع به التسليم يرتب المسؤولية المدنية ليس إلا .والأمثلة على ذلك كثيرة كمن يسلم شخصا ورقة نقدية بألف دينار ظنا منه أنها ورقة بخمس مائة دينار يصرفها له فيعطيه بدلها نقودا معدنية قيمتها بخمس مائة دينار فقط وهو يعلم حقيقة الورقة النقدية التي تسلمها .
أو العكس إذ أعطاه ورقة بخمس مائة دينار فاعتقد الصراف أنها من فئة ألف دينار وصرفها له على هذا الأساس .
ومن هذا القبيل أيضا الدائن الذي يستلم من المدين مبلغا يزيد عن الدين دفعه خطا ولا تهم هنا نية المستلم فسيان أن يكون حسنا أو سيء النية .[5] فالقضاء الفرنسي كان يعتبر التسليم في حالة جهل قيمة أو طبيعة الشيء المسلم تسليما غير إرادي سرقة لكن الفقه استنكر هذا الحل واعتبره توسعا في التجريم يتعارض مع مبادئ القانون الجنائي, رغم تطابقه مع الحلول التي يقول بها القانون المدني إذ يعتبر الخطأ من عيوب الرضاء .
وكذلك الحال بالنسبة للموظف الذي يحول لحسابه خطا راتبا شهريا يفوق راتبه.[6]
وعلى ذلك قضى في فرنسا حديثا بعدم قيام الاختلاس في حق من استغل خللا في سير الموزع الآلي للبنزين فحصل على كمية من البنزين بسعر اقل من سعرها الحقيقي.
وقد يكون الخطأ واقعا على شخصية المسلم كمن يسلم الدين لغير الدائن أو كساعي البريد الذي يسلم طردا إلى غير المرسل إليه ففي الحالتين ينتفي الاختلاس.
التسليم المشوب بالغش: ينفي التسليم المشوب بالغش ركن الاختلاس للأسباب نفسها، وهي أن التسليم قد حصل باختيار المسلم ولم تنزع منه حيازة الشيء.
وعلى هذا الأساس يكون التسليم عن إدراك واختيار إذا حصل ممن يملك الشيء ولو لجأ المستفيد من الشيء إلى استخدام الغش والتدليس لاستلامه فهذه الأساليب مهما بلغت جسامتها لا يمكن أن يتوفر بها ركن الاختلاس في السرقة وان جاز أن تقوم بها جريمة النصب .
وهكذا لا يعتبر اختلاسا استخدام أساليب الغش للاستيلاء على نقود لاعبي القمار أو إخفاء قطع من النقود أثناء استلام صرف ورقة مالية أو الغش في كمية المبيع بإخفاء بعضه أثناء عده أو كيله أو وزنه .
وبالمقابل يقوم الاختلاس بالتسليم الحاصل بخطأ إذا كان الخطأ نتيجة لغش أو تدليس ، بشرط أن لا يكون الضحية هي المتسببة في الخطأ وإلا انتفى الاختلاس كما بينا سابقا ، ومن ثم لا يقوم الاختلاس إلا إذا كان الغير هو المتسبب في الخطأ .
وهكذا قضي في فرنسا بقيام الاختلاس في حق مدير تجاري بشركة قدم طلبا لاقتناء المازوت لحساب الشركة ودفع الثمن من مالها ثم أمر موزع البنزين بتسليمه البضاعة ببيته ليس بمقر الشركة[7].
_ مسألة التسليم الرمزي : ليس من الضروري أن يكون تسليم المنقولات بالمناولة فالمادة 367 قانون مدني جزائري تجيز التسليم الرمزي ويقصد به أن " يتم التسليم بوضع المبيع تحت تصف المشترى بحيث يتمكن من حيازته والانتفاع به دون عائق ولو لم يتسلمه تسلما ماديا ما دام البائع قد اخبره بأنه مستعد لتسليمه ذلك ، ويحصل التسليم على النحو الذي يتفق مع طبيعة الشيء المبيع " . ومن قبيل التسليم الرمزي تسليم مفتاح المخزن الذي يحتوى الشيء المبيع ،فلا يرتكب جريمة السرقة المشترى إذا تصرف في الشيء المبيع حتى لو لم يكن بعد قد دفع الثمن لان حيازة الشيء قد انتقلت إليه نهائيا بهذا التسليم الرمزي .
أما إذا كان صاحب الأشياء لم يسلم المفتاح إلى الشخص إلا بقصد معاينة الأشياء تحضيرا لاستئجارها مثلا فاختلس هذا الشخص بعض الأشياء من المخزن ، ففي مثل هذه الحالة يعد الشخص سارقا لان وضع يده على الأشياء لم تكن إلا يدا عارضة .
وإذا كان تسليم المفتاح قد تم بناء على عقد إيجار فان تصرف المستأجر في الأشياء المسلمة إليه يكون تبديدا لا سرقة لان صاحب الأشياء قد نقل إليه الحيازة الناقصة.)[8]
و لقد طبق القضاء هذه النظرية بصفة شاسعة.[9]، مما يمنحنا العديد من الأمثلة التطبيقية.[10]
3- يجب أن يكون التسليم بقصد نقل الحيازة كاملة بقصد التمليك: أو ناقصة أي على سبيل الأمانة: و الحيازة نوعين، الحيازة الكاملة ( possession proprement dite) والحيازة الناقصة ( possession prècaire ) فالحيازة الكاملة تكون لمن يضع يده على الشيء بصفة المالك، و هي تتكون من ركنين: المادي و الأدبي، و الحيازة الناقصة تكون لمن يضع يده على الشيء بمقتضى سند لا يخوله أي حق في الملكية بل يشعر باعترافه بحق الغير فيها كالمرتهن والمستأجر و غيرهم ممن يحوزون الشيء على ذمة الغير، و هذه الحيازة تنقل إلى الحائز الركن الــمادي فقط، و يبقى للمالك الركن الأدبي. أما الحيازة المادية فلا يترتب عليها غير وضع الشيء بين يدي مستلمه لغرض وقتي و لا يخول للمستلم أي حق على الشيء لا لنفسه ولا لذمة غيره، بل تكون يده على الشيء يدا عارضة، و يبقى للمالك الركن المادي فضلا عن الركن الأدبي.[11]
يمكن تعريف الحيازة بأنها سيطرة إرادية للشخص على الشيء، سيطرة تمكنه من الانتفاع به أو تعديله أو تحطيمه أو نقله وعلى هذا الأساس فهي حالة واقعية وليست مركزا قانونيا.
والأصل أن تثبت الحيازة للمالك، ومع ذلك فقد تثبت لغيره ولذلك فهي إما كاملة وإما ناقصة.
فأما الحيازة الكاملة أو التامة فتكون لمالك الشيء لو لم يدعي ملكيته ، سواء أكان حسن النية أو سيء النية ، كالسارق خائن الأمانة. وأما الحيازة المؤقتة أو الناقصة فتكون من يحوز شيء بمقتضى سند يخوله الجانب المادي في الحيازة دون الملكية التي تظل لغيره ، كالمستأجر الدائن المرتهن رهنا حيا زيا والعامل الذي يعهد إليه بشيء لإصلاحه والمستعير والمودع لديه والوكيل : فالحائز في هذه الحالات وان كانت لديه بعض مظاهر العنصر المادي للحيازة إلا أن الحيازة تكون لحساب المالك .
يشترط في الحيازة السابقة المعتدي عليها أن تكون أولا لغير الجاني، فإذا كانت الحيازة بيد الجاني لا يقوم الاختلاس. ولا يشترط أن يكون هذا الغير حائزا للشيء بسند مشروع ، إذ تتحقق الحيازة السابقة ولو كانت حيازة الغير للشيء جاءت نتيجة سرقة وقعت منه ، فإذا اختلس الغير هذا الشيء المسروق وقعت جريمة جديدة يكون فيها السارق السابق مجنيا عليه في سرقة جديدة ويجد هذا الحل سنده في كون الحيازة مركزا واقعيا لا قانونيا .
كما يشترط أن تكون حيازة غير الجاني المعتدي عليها إما كاملة وإما ناقصة على المعنى الذي سبق توضيحه ، أما في حالة اليد العارضة على الشيء فلا تكون الحيازة لواضع اليد ، وإنما تكون لمن له السيطرة على الشيء ويكون هو المجني عليه في اختلاس هذا الشيء .فالمسافر لا يفقد حيازته لحقيبته لمجرد أن يكلف حمالا بنقلها له أن المطار إلى خارجه إذ تظل له السيطرة الفعلية على الحقيبة بينما لا يكون للحمال على الحقيبة إلا اليد العارضة فإذا اختلسها كان سارقا وإذا اختلسها من الحمال آخر كان سارقا وكان المسافر هو المجني عليه في الجريمة لا الحمال .
ويعتبر الشيء في حيازة الغير ، ولو كان الغير قد أودعه في آلة من آلات التسليم الميكانيكي التي تبيع السلع للجمهور، كالماكينات المخصصة لبيع المشروبات أو الحلويات إذ تظل الحيازة لمالكها ولو كان قد تركها وانصرف ومن هنا فان الاعتداء عليه يعتبر اعتداء على حيازة الغير.[12]
ومن ناحية أخرى، لا يعتبر مختلسا المدين الذي يقترض مالا ثم يرفض سداده وان كان عازما على عدم السداد من أول الأمر. وكذا البائع الذي يمتنع عن تسليم المبيع بعد قبض الثمن والمشترى الذي يمتنع عن دفع الثمن بعد استلام المبيع ، فلا يعد البائع سارقا للثمن ولا المشترى سارقا للشيء لان كلا منهما تسلم الشيء على سبيل التمليك
وهو ما خلصت إليه محكمة النقض الفرنسية في دعاويها.[13].
ب- التسيلم غير النافي للاختلاس : وهو التسليم الذي يفقد شرطا من شروط التسليم الناقل للحيازة و أهمها إرادة نقل للحيازة إلى المتسلم أو إرادة التخلي عن الحيازة من جانب المسلم، فمثل هذا التسليم لا ينفي الاختلاس لأنه لا ينقل حيازة على الشيء وإنما يعطي الآخر مجرد يد عارضة لا تخوله حقا ولا تحمله التزاما . و من ثم فان مجرد التسليم المادي الذي لا ينقل الحيازة ويتكون به يد المستلم على الشيء يدا عارضة لا ينفي الاختلاس .
ومن قبيل هذا التسليم من يسلم كتابا لشخص آخر لمجرد الاطلاع عليه فيهرب به ولا يرده إلى صاحب الكتاب إذ لا يكون صاحب الكتاب هنا قد نقل حيازة الكتاب كاملة أو ناقصة إلى الغير وإنما سلمه له فقط ليطلع عليه تحت إشرافه ومراقبته ثم يرده إليه في الحال ،فيد الغير على الكتاب تكون مجرد يد عارضة ولذا فان رفضه رد الكتاب يعد سرقة .
ومن هذا القبيل أيضا تسلم الشيء لمجرد الاختبار أو التجربة ، فمثل هذا التسليم لا يكون سوى حركة مادية للشيء لا تتجاوز مجرد وضعه بين يدي متسلمه ، لمجرد رؤيته ا فحصه أو تقدير قيمته أو استعماله تحت إشراف ومراقبة حائزه كما لا ينفي الاختلاس التسليم بالإكراه العنف ، والتسليم من قبل فاقد الوعي ، كما سبق لنا بيانه[14].
ثانيا: عدم رضي الحائز المجني عليه.
إن التسليم غير الإرادي للشيء لا يمنع من وقوع الاختلاس إذ في هذه الحالة يكون التملك بالشيء بدون رضاء صاحبه الشرعي،[15] فلا يكفي لتوافر ركن الاختلاس أن تخرج حيازة الشيء من حيازة أو مالكه إلى الغير وإنما يشترط أن يتم ذلك بدون رضا المجني عليه. فإذا وقع برضائه فلا توجد جريمة السرقة لانتفاء ركن الاختلاس لان مالك الشيء أو حائزه يكون قد رضي بالتخلي أو التنازل عن حيازة الشيء فلم تنزع منه قسرا . وحتى يكون الرضا نافيا للاختلاس يجب أن يكون رضا حقيقيا صادرا عن إدراك وإدارة فإذا كان عن طريق التحايل فانه لا يعد رضا صحيحا ، كما يشترط أن يكون الرضاء صادرا قبل وقوع الاختلاس أو معاصرا له وإذا كان لاحقا عليه فانه لا ينفي الجريمة وإنما يمكن أن يكون له أثره في تخفيض العقوبة [16].
الفرع الثاني
محل جريمة السرقة
بالرجوع إلى نص المادة 350 ق ع يجب أن تقع السرقة على شيء منقول غير مملوك للغير و منه لكي تقوم جريمة السرقة يجب أن تتوفر ثلاث شروط في محل السرقة هي:
أولا: أن يكون محل السرقة شــيء مادي.
ثانيا: أن يكون محل السرقة شــيء منقول.
ثالثا: أن يكون محل السرقة مال مملوك للغير.
أولا: أن يكون محل السرقة شــيء مادي.
لا يقع الاختلاس إلا على شيء فلا يقع الاختلاس على الإنسان الذي لا يكون محلا للسرقة بل للحجز أو القبض التعسفي أو للخطف. وكل شيء قابل أن يكون محل سرقة، كما يستفاد ذلك من القضاء الفرنسي الذي يصلح تطبيقه عندنا نظرا لتطابق التشريعين بشان هذه المسألة.
ولا يهم إن كان الشيء غير مشروع ، فمن الجائز أن تنصب السرقة على المخدرات، ويشترط أن يكون للشيء قيمة، فلا يصلح أن يكون محلا للسرقة أعقاب السجائر وأحجار الطرق وقشور البرتقال الخ ....
ولكن لا يشترط أن تكون هذه القيمة تجارية أو مادية فقد تكون قيمة أدبية كالخطابات الحميمة وطوابع البريد المستعملة والصور الفوتوغرافية للأسرة كما لا يشترط أن تكون هذه القيمة كبيرة فقد تكون ضئيلة إذ لا تأثير لتفاهة الشيء مادام له قيمة[17].
ثانيا: أن يكون محل السرقة شــيء منقول:
لقد أجمع الشراح على أن المنقولات وحدها هي التي تصلح محلا للسرقة و علة ذلك أن السرقة لا تتم إلا بأخذ الشيء و نقله من حيازة المجني عليه إلى حيازة الجاني، و هذا لا ينطبق إلا على المنقولات. أما العقارات فلا تصلح محلا للسرقة لأنه لا يمكن نقلها إلى مكان آخر. ويستوي الأمر أن يكون الشيء المنقول من قبل حصول السرقة أو أن يصير منقولا بالسرقة نفسها. و يعتبر منقولا كذلك كل ما كان متصلا في شيء ثابت و صار بفعل السارق منقول ومنه تدخل في حكم المنقول[18] منقولات العقارات بالتخصيص كآلات الزراعة والماشية التابعة للأرض الزراعية والآلات الصناعية في المصنع .وكذلك الحال بالنسبة للعقارات بالاتصال متى فصلت عن المال الثابت كالنوافذ وأبواب المنازل والأشجار والمحاصيل الزراعية والأحجار المنتزعة من الأرض والرمال المنتزعة من الشواطئ.
و حتى إذا لم يرد هذا الشرط صراحة في المادة 350 من قانون العقوبات الجزائري، فالسرقة لا تقع على العقارات لعدم قابليتها للنقل من مكانها.ويعتبر منقولا في القانون الجزائري كل مال يمكن نقله من مكان إلى آخر وهذا يختلف عن معنى المنقول في القانون المدني . ولا أهمية لشكل ونوع وطبيعة المال محل السرقة فكل الأشياء المادية القابلة للانتقال من يد إلى أخرى تكون محلا للسرقة سواء كانت من الأجسام الصلبة أو السائلة أو الغازية ، فالماء والغاز والكهرباء إذا حازه شخص يصبح بذلك ملكا خاصا له يعد منقولا قابلا للسرقة وهذا ما نصت عليه صراحة المادة 350ق.ع في فقرتها الأخيرة حيث نصت على ما يلي : "وتطبق العقوبات ذاتها أيضا على مختلس المياه والغاز والكهرباء" . وهكذا يعد سارقا من يعطل حركة المؤشر أو يبطئ من سيره أثناء مرور تيـار الكهـرباء، كما يعد سارقا من يوصل الغاز إلى بيته بدون ترخيص من شركة توزيع الغاز وقضي أيضا في فرنسا بقيام السرقة في حق من استولى غشا على كمية من الماء عن طريق وضع أنبوب خلسة، لا يمر على العداد، وكذا المستهلك الخاضع لنظام الدفع الجزافي الذي يضع أنبوبا إضافيا دون علم مصلحة توزيع المياه .
في حين أن تغيير الرقم الحقيقي المبين في العداد إلى رقم اقل منه بواسطة فك العداد لا يعد سرقة، لان كمية الكهرباء ( أو الغاز أو الماء ) وقت أخذها واستهلكها بطريقة مشروعة لان العداد كان يحتسبها في أثناء الأخذ بصورة صحيحة فلم تؤخذ بغير رضاء صاحبها ، أما إنقاص مقدار ما يجب دفعه من ثمن فهذا يعتبر غشا في مقدار دين الشركة على مدينها وهو غش غير مشروع يصلح أن يكون نصبا ولكنه ليس سرقة. أما الأشياء المعنوية فلكونها غير مجسمة لا يتصور انتزاع حيازتها ولذلك لا تكون محلا للسرقة ومثال ذلك الأفكار والآراء والحقوق الشخصية والعينية كحق الاستئجار وحق الارتفاق وحق الانتفاع لكن السندات المثبتة لها تكون محلا للسرقة[19]، أما الوثائق التي تثبتها فتبقى صالحة للسرقة مثاله: رسالة أو سند ملكية أو دين[20].
وعموما أن نتاج الفكر كالآراء والأشعار والألحان والرسم ليست محلا لحق عيني ولذلك لا تقع عليها السرقة وإنما هي محل لحق معنوي ولهذا يحميها القانون حماية خاصة وفقا لقانون حقوق المؤلف بتجريم الاعتداء على الملكية الأدبية والفنية.[21]
ثالثا –يجب أن يكون محل السرقة مالا مملوكا للغير:
كي تتوافر أركان السرقة يشترط أن يكون محل السرقة مالا غير مملوك للسارق وقت الاختلاس وان يكون هذا المال مملوكا للغير وقت السرقة أيضا .
1- المال غير مملوك للسارق: فالشيء المختلس يجب ألا يكون ملكا للسارق وعلى عكس ذلك أن يكون ملكا لشخص آخر. أما عن القاضي فهو غير ملزم بتعيين صاحب الشيء في حكم الإدانة، بل أن حكمه يبقى صحيحا ولو ظل مالك الشيء مجهولا. ومن يختلس شيئا ملكا له لا يرتكب سرقة ولو كان هذا الشيء في حيازة الغير، [22] ولقد استثنى المشرع من هذه القاعدة بعض الحالات لاعتبارات خاصة، فيعد سرقة:
- اختلاس الأشياء المحجوز عليها، ولو كان حاصلا من مالكها ( المادة 364 فقرة 1).
- استيلاء الشريك أو الوارث على الأموال الشائعة بين الشركاء أو الورثة ( المادة 363).
وتبعا لذلك يعد سارقا الشريك الذي يفتح مخزن الشركة بمفتاح مصطنع ويستولي على شيء من السلع ، وكذلك الحال الفلاح الذي يختلس جزءا من المحصول، والوارث الذي يستولي على بعض الأشياء التي خلفها المورث.[23]
وعليه فان الدفع بالملكية أو الحيازة أمر مهم في مادة السرقة والقاضي الجزائي هو المختص للفصل فيه عندما يتعلق الأمر بالمنقولات طبقا للقاعدة التي تقضى أن المختص في الدعوى هو المختص في الاستثناء أما إذا تعلق الأمر بالعقارات فيعود الاختصاص للنظر فيه إلى القاضي المدني[24].
2-المال مملوك للغير وقت السرقة: لا يكفي لاعتبار الشخص سارقا أن يكون الشيء المختلس غير مملوك له ولكن يجب أن يكون هذا الشيء مملوكا لشخص آخر وقت الاختلاس.
ونتيجة لذلك لا تكون محلا للسرقة الأشياء التي لا مالك لها مثل الأموال المباحة والمتروكة في حين تكون محلا للسرقة الأشياء التي خرجت من حيازة أصحابها ماديــا ولكنها بقيت في ملكيتهم مثل الأشياء المفقودة أو الضائعة.
ا -الأشياء المباحة : ( res nullius ) هو المال الذي لا مالك له إطلاقا ويجوز أن يكون ملكا لأول واضع يد عليه، ومن هذا القبيل الحيوانات والطيور البرية والقطط والكلاب والأسماك والسلاحف الأصداف في البحار والرمال في الصحاري إذا لم تكن الدولة قد وضعت اليد عليها بتحديدها.
لا يعد الاستيلاء على مثل هذه الأموال اختلاسا بل إن الاستيلاء عليها شرعيـا ويـؤدي إلـى ملكيتها قانونا ، ولكن متى أصبحت في حيازة أو ملكية احد تزول عنها صفة المال المباح وتصبح محلا لجريمة السرقة فالأسماك والطيور مثلا تصبح مالا مملوكا بصيدها بمجرد إصابتها إصابة مميتة أو مسكها حية ، والأسماك بدخولها أشباك ولو كانت لا تزال في الماء.
ويجب التمييز بين الأموال المباحة وأموال الدولة ، فالأولى لا مالك لها أما الثانية فهي ملك عمومي تكون مخصصة للنفع العام كالشوارع والميادين والطرق الزراعية والقلاع والحصون والحدائق والشواطئ وهذه الأموال تصلح محلا للسرقة، ولذلك يعد سارقا من يختلس أتربة من الطرق العمومية أو يقطع الأشجار التي تغرس فيها ، كما يعد سارقا من يستخرج الرمل من شط البحر .
ب- الأموال المتروكة: ( res derelectae ) : ويقصد بها الأموال التي تخلي مالكها عن حيازتها المادية والمعنوية بإرادته ، ومن هذا القبيل القاذورات وفضلات الطعام والقمامة والملابس القديمة وأعقاب السجائر .
ولا يعتبر الشيء متروكا إلا إذا انصرفت نية مالكه إلى التخلي عنه نهائيا ويرجع تقدير قيام التخلي النافي للسرقة إلى قاضي الموضوع يستشفه من الوقائع والقرائن .
وغالبا ما يستشف القاضي وجود نية التخلي من تفاهة قيم الشيء ، ومع ذلك فقد تتوافر نية التخلي رغم قيمة الشيء الكبيرة ، والمسألة هنا نسبية فقد يتخلي شخص ثري عن بدلة بعد استعمالها مرة واحدة فقيمة هذه البدلة تافهة في نظر صاحبها وذات قيمة معتبرة في نظر من عثر عليها من المعوزين[25].
* ويثار التساؤل كذلك فيما يخص الحمام الذي يعيش في المدن,هل يعتبر من الأشياء التي لا مالك لها أو من الأشياء المهملة التي لا يشكل الاستحواذ عليها سرقة ؟ أم يستحق الحماية؟ بعد تردد في الفقه و القضاء استقر الرأي على تطبيق نص السرقة على من يستحوذ على الحمام الذي يعيش في المدينة باعتبارها ملكا لها[26].
ج- الأشياء المفقودة: وهي أشياء منقولة مملوكة لشخص معين ضاعت منه فانقطعت حيازته لها لكنه ظل متمسكا بملكيتها وهو يسعى للبحث عنها واستردادها دون أن تدخل بعد في حيازة شخص آخر، كأن تسقط من شخص حافظة نقوده أو يتركها في كان سهوا.
وتختلف الأشياء المفقودة عن الأشياء المباحة وكذا الأشياء المتروكة في كون الأشياء المفقودة لا تخرج عن ملك صاحبها، ولذا فان القانون يعتبره مالكا ويعطيه الحق في استرداد الشيء المفقود من أي شخص يوجد تحت يده ولو كان قد اشتراه بحس نية طالما لم يسقط حقه فيه بالتقادم .
كما تختلف الأشياء المفقودة التي تنقطع حيازة صاحبها لها عن الأشياء التائهة التي لم تزل في حيازة صاحبها لكنه يجهل مكانها كالمسافر الذي نسي أين وضع حقيبته ، فلا جدال في أن الحقيبة تبقى في حيازة صاحبها ومن ثم يعد سارقا من عثر عليها واختلسها .
* ويثار التساؤل حول ما إذا كان الاستيلاء على الأشياء الضائعة التيانقطعت عنها حيازة صاحبها يشكل اختلاسا أم لا ؟.
يتفق الفقه والقضاء في فرنسا على أن التقاط الشيء الضائع بنية التملك يعد سرقة على أساس أن المالك لا يزال متمسكا بنية استرداد الشيء فهو مازال محتفظا بالركن المعنوي للحيازة وإنما فقد الركن المادي لها[27].
الفرع الثالث
الركـن المعنــــوي
لقد عرفت محكمة النقض المصرية القصد الجنائي في جريمة السرقة " أن القصد الجنائي في جريمة السرقة ينحصر في قيام العلم عند الجاني وقت ارتكابه الجريمة أنه يختلس المنقول المملوك للغير رغم إرادة مالكه بنية أن يمتلكه هو لنفسه "[28].
من التعريف السابق نستنتج أن الركن المعنوي لجريمة السرقة يحتوى على عنصرين أساسيين هما:
- أولا : القصـد العـــام.
- ثانيا : القصـد الخـاص.
أولا: القصـد العـــــام.
السرقة وبصفتها جريمة قصديه تفترض عند مرتكبها، طبقا للأحكام العامة قصدا عاما أي شعور الشخص انه يرتكب فعلا ممنوعا، فإذا كان الشخص يعتقد انه يختلس شيئا ملكا له أو شيئا مهملا أو غير مملوك فلا تقوم جريمة السرقة[29].و لقيام القصد الجنائي العام في جريمة السرقة يجب أن تنصرف إرادة الجاني إلى تحقيق الجريمة بجميع أركانها مع علمه بان القانون يعاقب على ذلك، وعليه يشترط في السرقة أن يكون الجاني مدركا بان الشيء محل السرقة ملكا لغيره وان تكون لديه إرادة التصرف بدون رضا المالك .
وتأسيسا على ذلك، ينفي الغلط في الواقع توافر القصد الجنائي ، وهكذا قضى في فرنسا بعدم قيام السرقة في حق من اخذ ، عند مغادرته المطعم معطف غيره خطأ معتقدا انه معطف لتشابه المعطفين ، ولا في حق من اعتقد صادقا أن مالك الشيء راض عن الفعل أو تنازل عن الشيء[30].
ثالثا: القصـد الخــاص.
يطرح التساؤل حول ما إذا كانت جريمة السرقة تقتضي قصدا جنائيا خاصا يتمثل في نية التملك، أي ضم ما استولى عليه الجاني لملكه أو لملك غيره.
كان القضاء يشترط توافر قصد خاص( Dolus generails) ويتمثل عند الشخص في نية التملك بالشيء المختلس أو التصرف فيه بصفته المالك، فلا تقوم سرقة في حق من اختلس شيئا ملكا للغير بنية المزاح أو للاطلاع عليه أو استعماله مؤقتا ثم رده لا يعتد بالباعث الذي دفع بالمجرم إلى ارتكاب السرقة قد يسرق الشخص بدافع الاحتياج أو دافع الأضرار بغيره أو دافع الانتقام منه فلا أهمية لذلك[31].
وتأسيسا على ذلك قضي في فرنسا بأنه لا يعد سارقا من يختلس كتابا في غيبة صاحبه ليطلع على محتواه ويرده في الحال ، أو من يختلس سيارة بقصد استعمالها في نزهة ثم ردها.
ثم تطور موقف القضاء في اتجاه عدم اشتراط نية التملك لقيام جريمة السرقة وأصبح يكتفي بمجرد استعمال الشيء ولو مؤقتا متى توفرت لدى الجاني في تلك الفترة نية التصرف في الشيء تصرف المالك.
كما قضي بتوافر الركن المعنوي في حالة طبع أو استنساخ وثائق، وهكذا قضت محكمة النقض الفرنسية بقيام السرقة في حق مستخدم استنسخ وثائق كانت في حوزته، وذلك بدون علم وبغير رضا رب العمل، مالك الوثائق ولا يعتد بالباعث في جريمة السرقة، وهكذا قضي في فرنسا بقيام السرقة في حق عمال مصلحة الغابات الذين لم يتقاضوا راتبهم الشهري فقاموا ببيع حطب رب العمل للحصول على مقابل راتبهم ، ونفس الحكم صدر في حق عمال اعتبروا أن جزء من أجورهم مهضوم فقاموا ببيع جزء من سلع مستخدمهم وتقاسموا ثمن البيع . كما قضي بقيام جريمة السرقة في حق من استولى على صحف في كنيسة لإتلافها وذلك للحيلولة دون بث أفكار يدعي بأنها خبيثة[32].
و بهذا نكون قد انتهينا من دراسة جريمة السرقة التقليدية من خلال المواد الجزائية الجزائرية، لنتقل في المطلب الثاني إلى دراسة جريمة السرقة المعلوماتية في ضوء القانون المقارن.
و بهذا نكون قد تطرقنا إلى دراسة أركان جريمة السرقة التقليدية، و لننتقل بعدها إلى دراسة القواعد الخاصة بجريمة السرقة الإلكترونية و نشرح الموضوع بالتفصيل في المطلب الثاني.
[1]- دردوس مكي، القانون الجنائي الخاص في التشريع الجزائري، الجزء الأول، ديوان المطبوعات الجامعية، الجزائر، 2005، ص14.
[2]_ أحسن بوسقيعة، الوجيز في القانون الجزائري الخاص، الجرائم ضد لأشخاص و الجرائم ضد الأموال، الجزء الأول،الطبعة الثالثة، دار هومة للطباعة و النشر، الجزائر، 2005، ص247.
[3]_ أحسن بوسقيعة، المرجع السابق، ص248.
[4]_ دردوس مكي، المرجع السابق، ص 15.
-[5] أحسن بوسقيعة، المرجع السابق، ص248 -249.
-[6]دردوس مكي، المرجع السابق، ص 15.
[7]_ أحسن بوسقيعة، المرجع السابق، ص249.
[8]- أحسن بوسقيعة، المرجع نفسه، ص249.
[9]_دردوس مكي، المرجع السابق، ص 15.
[10]- و يرى القضاء انه لا مانع من اعتبار الفعل سرقة في حالة حصول التسليم في حالة الضرورة أو بصفة قصريه أن المدعى عليه الذي يتسلم وثيقة من خصمه بهدف الاطلاع والرد عليها ثم يرفض إرجاعها إلى الملف يرتكب السرقة يبرر هذا الحل بالقول إن التسليم في الحالة الأولى لم يكن إراديا وانه في الحالة الثانية وقع لضرورة الإجراءات.
[11]- جندي عبد المالك، الموسوعة الجنائية، رشوة- ظروف الجريمة، الجزء الرابع، الطبعة الثانية، دار العلوم للجميع، لبنان، دون سنة النشر، ص 162-163.
[12] -2أحسن بوسقيعة، المرجع السابق، ص 252_الي255.
[14]_ دردوس مكي، المرجع السابق، ص 15.
[15]_ أحسن بوسقيعة، المرجع السابق ، ص 255.
[16]_ أحسن بوسقيعة، المرجع نفسه، ص 257.
[17]- دردوس مكي، المرجع السابق.ص17.
[18]_ جندي عبد المالك، المرجع السابق، ص 200.
[19]_ أحسن بوسقيعة، المرجع السابق، ص 257-258.
[20]_ دردوس مكي، المرجع السابق، ص 15.
[21]_ أحسن بوسقيعة، نفس المرجع ، ص 258.
[22]_ دردوس مكي، المرجع نفسه ، ص 17.
[23]_ أحسن بوسقيعة، المرجع السابق ، ص 262.
[24]_ دردوس مكي، المرجع السابق، ص 17.
[25]- أحسن بوسقيعة، المرجع السابق، ص 263-264.
[26]_ دردوس مكي، المرجع السابق، ص18.
[27]- أحسن بوسقيعة، المرجع السابق، ص 264 – 265.
[28]_ جندي عبد المالك، المرجع السابق، ص 233.
[29] _.دردوس مكي، المرجع السابق، ص 18.
[30]- أحسن بوسقيعة، المرجع نفسه، ص 265.
[31]- دردوس مكي، المرجع السابق، ص 18.
[32]_ أحسن بوسقيعة، المرجع السابق، ص 266-267.