السلام عليكم
هناك ارث حضاري وثقافي خلفته هته القبيلة العريقة وخصوصا ارث الفروسية الزناتي الذي شهد التاريخ لهته القبيلة
هناك مقال رائع لمجلة ايلاف يتحدث عن هذا الارث اردت ان اشارككم به
الزناتيون اشهر الركاب
ليس سهلا أن يصير قوم شعبا من الفرسان تنسج حوله الأساطير! فهذا الاستحقاق ثمرة تاريخ وتقليد وثقافة. وإذا كان البربر الزناتيون قد صاروا من أشد المقاتلين خطورة في الغرب الإسلامي إبان القرون الوسطى، فلأنهم كانوا أساسا رعاة! كان الزناتيون بمثابة اتحاد بربري يستقطب العديد من الفروع ـ كمغراوة، ومكناسة، وبنو إفران، وبنو مرين، وبنو برزال ويتكون في معظمه من قبائل بدوية وشبه بدوية ومنتجعة. وكانوا يعيشون في مناطق السهوب المتاخمة للصحراء وفي النجود العليا، على ارتفاع يقارب 1000 متر في المتوسط، و هكذا انتشروا في كل الجهات المتسمة بهذه الخصائص بين الساحل المتوسطي والصحراء وكانوا منصرفين تقريبا إلى الأنشطة الرعوية، متنقلين تبعا لضروريات الحياة و ظروفها، باحثين دوما عن الماء والمرعى لقطعانهم. وباعتبارهم رعاة، كان الزناتيون يمتلكون الدواب والجمال وخصوصا الخيول التي يبدو أنها شكلت أساس قوتهم و ثرائهم، فيما لم تكن القبائل البربرية الاخرى تمتلك سوى القليل من الخيل. لقد كانوا بفضل ما في حوزتهم من مطايا مقاتلين محتملين، صبورين وقساة، معروفين ببأسهم و خفتهم، وسعيهم اليومي إلى تأمين معاشهم وسلامتهم لذا كانت شجاعتهم و فطنتهم وغريزتهم خصالا اجتذبت غيرهم إليهم باستمرار وجعلتهم مقصدا في الشدائد سيما وانهم كانوا مقاتلين يزرعون الخوف، على أهبة الموت فداء لبقية أعضاءالقبيلة التي لم يكن كل فرد فيها سوى حلقة في سلسلة. ويستفاد من الأوصاف المتداولة بشأنهم أنهم كانوا شعبا متمردا، ممسكا بحريته بشراسة، شاقا عصا الطاعة على كل حكم قار ومركزي، ويمثل تهديدا دائما للمراكز الحضرية.
فرسان رعاة
أكيد أن الزناتيين كانوا أناسا ذوي طبائع خشنة، بعيدي الصلة بأسباب الحضارة، معتادين على حياة الحرمان، مرغمين كل يوم على مقاومة ظروف الزمان للعثور على طعام يقيم أودهم وخصوصا أود قطعانهم. كما أن لصوصيتهم التي ذمها الجميع أمر ثابت غير أن نمط حياتهم البدوية لم يحولهم بالضرورة إلى نهابين لقد كان عليهم بحكم عيشهم في ضواحي المدن المتواجدة في طريق الذهب، أن يمارسوا نوعا من المراقبة على هذه التجارة وأن يفرضوا إتاوات على هذه المدن لقاء ما يوفرونه من حماية مسلحة حتى تصل القوافل المحملة بالمعدن النفيس الى وجهتها بأمان ذلك أن سكان الحضر الذين كانوا يعيشون في وسط اختفت فيه الروابط القبلية، والذين لينتهم حياة المدن المحمية بالأسوار، لم يكونوا ذوي بأس في فنون القتال، مما جعلهم يعهدون بمهمة الدفاع عنهم إلى هؤلاء الرعاة الفرسان الذين كان حمل السلاح مدعاة فخر لهم. غير أن ما تدره مراقبة طريق الذهب من مكاسب كبيرة جعلها مثار الأطماع. هكذا اضطرت القبائل الزناتية إلى التراجع تدريجيا نحو الغرب في أعقاب معارك ضارية كانت الغلبة فيها للفاطميين الذين زعزعوا التوازن الذي كان سائدا وقتئذ في المنطقة. ويبدو أن الزناتيين عند تقهقرهم إلى الوراء، بعد تعرضهم للاقتلاع من أراضيهم وحرمانهم من مراعيهم التقليدية ومن موارد مالية هامة، اضطروا إلى ممارسة اللصوصية و قطع الطرق على نطاق واسع، فأشاعوا الفوضى في المغرب العربي، مخلفين فيه لاحقا سمعة سيئة. مقاتلون مخيفون. تتفق كل المصادر التاريخية على أن الزناتيين كانوا بشهادة حلفائهم وأعدائهم على السواء فرسانا لا يشق لهم غبار، بارعين في ركوب الخيل، ويجمعون بين الخفة والصبر. فبحكم تعودهم في حياتهم اليومية البدوية أو شبه البدوية على قطع مسافات طويلة، صار ركوب الخيل سلوكا متأصلا فيهم. مما أدى مع مرور الأيام إلى نوع من الاتحاد الوثيق والتآلف التام بينهم و بين مطاياهم. كانوا يجوبون مختلف جهات المغرب العربي بسرعة كبيرة للبحث من مراع لقطعانهم أو الانقضاض على عدوهم. هكذا جعلت منهم خفتهم المقرونة ببراعتهم التي لا تضاهي مقاتلين بواسل يهابهم الجميع حتى أن مقاتلا شجاعا من قوم آخرين قال اذا إلتقى مئة منا زناتيا واحد فإنهم فارون لا محالة، لأنهم لن يجرؤوا على منازلته، ولذلك ظلوا يعتبرون لزمن طويل أفضل فرسان الغرب الإسلامي.
قتال متحرك يتناسب تماما و حركية الفر والكر
وتعود شهرة الزناتيين إلى براعتهم في تقنية الكر والفر الموغلة في القدم. فقد سبق استخدام هذه التقنية من طرف البرثيين والنوميديين قبل أن تعتمده الشعوب والبدو. وتتمثل في انقضاض جمع من الفرسان على العدو دون إتباع نظام محدد. اذ يظهرون،من جهة غير متوقعة ويندفعون بخيلهم المسرعة مطلقين صيحات مدوية. و في الوقت الذي يقف خصومهم مبهوتين، غير مدركين بعدما يحدث لهم، يقوم المغيرون بتطويقهم و يمطرونهم بالسهام والرماح و يعملون فيهم السيوف. و بغتة يتراجعون متهربين من أسلحة الأعداء، و موهمينهم بالفرار. فإذا لحق بهم هؤلاء بعيدا كان الهلاك مصيرهم وكانت هذه الهجمات تتم بموجات متلاحقة وسريعة لمجموعات صغيرة من الفرسان ينطلقون من حيث لا يحتسب عدوهم. وعند انتهاء الهجمة، يجتمعون على إيقاع أحد الطبول ويعيدون الكرة إلى أن ينهكوا خصومهم أو يبيدوهم. ومع أن تقنية الكر والفر ليست زناتية تحديدا، إلا أن هؤلاء الفرسان الرعاة برعوا في استخدامها بفضل دربتهم على الحياة في مناطق مكشوفة، صحراوية تقريبا و قليلة المخابىء. فكان عليهم خوض قتال متحرك يتناسب تماما و حركية الفر والكر. ولا تزال ذكرى هذا التكتيك القديم حية إلى اليوم حيث يمارسه المغاربة في ألعاب الفروسية التي حلت فيها طلقات البارود محل الرمي بالسهام. كانت الأسلحة المفضلة لدى الفرسان الزناتيين هي الحسام أو السيف، والرمح، وخصوصا القوس. وكانت واقياتهم تقتصر على ترس مصنوع من عدة طبقات جلدية ألصقت ببعضها وخيطت، ومثل هذه التروس معروفة بخفة حملها ونجاعة صدها لضربات العدو. وقد تلافوا ارتداء الدروع حتى لا تعيق حرية حركتهم وحتى لايثقلوا مطاياهم بحمل إضافي يؤثر على سرعتها. سيما أن قوتهم الأساسية تمثلت في سرعة هجماتهم، إذ كانوا مهرة جدا في الضربات الدقيقة بالحسام وخصوصا في الرمي بالسهام في كل الإتجاهات الأمامية والخلفية، بينما الفرس يعدو بسرعة كبيرة. و ما كان بلوغ هذا المستوى من البراعة ممكنا الا بتدريب متواصل يثابر عليه الفارس وفرسه معا. كانوا يمتطون خيلهم واضعين أقدامهم في ركابين قصيرين مدليين، مما كان يمكنهم من حرية حركية أكبر، ومن الاستدارة بنصفهم الأعلى بكيفية أفضل، والاستقلال أكثر عن سرجهم. هكذا كان الفارس منهم يقف على ركابيه، ويستدير، ويطلق سهمه، و يعود للجلوس سريعا حتى يتفادى ضربات عدوه. كانوا يستعملون سرجا منخفض القربوس والقربوس الخلفي، ولو أنه يبدو أن القرابيس تطورت ابتداء من القرن الرابع عشر تقريبا (القرن الثامن الهجري) مع ظهور القذافة، بحيث صار بإمكان الفارس الإستناد إلى القربوس الخلفي لتصويب سهامه. و تشهد السروج المغاربية حاليا على هذا التطور. كانوا يركبون أفراس المغرب. و هي أفراس صغيرة قادرة على قطع مسافات طويلة بسرعة منتظمة.