قال العلامة الفلكي المشهور (كاميل فلامَرْيون) في كتابه (القوى الطبيعية المجهولة) : ((نرانا نفكر، ولكن ما هو الفكر؟ لا يستطيع أحد أن يجيب على هذا السؤال. ونرانا نمشي، ولكن ما هو العمل العضلي؟ لا يعرف أحد ذلك، أرى أن إرادتي قوة غير مادية، وأن جميع خصائص نفسي غير مادية أيضاً، ومع ذلك فمتى أردت أن أرفع ذراعي، أرى أن إرادتي تحرك مادتي، فكيف يحدث ذلك، وما هو الوسيط الذي يتوسط للقوى العقلية في إنتاج نتيجة مادية؟ لا يوجد من يستطيع أن يجيبني عن هذا أيضاً، بل قل لي: كيف ينقل العصب البصري صور الأشياء إلى العقل؟ . وقل لي كيف يدرك العقل هذا؟ وأين مستقره؟ . وما هي طبيعة العمل المخي؟ . قولوا لي أيها السادة (يريد الملحدين) … ولكن كفى كفى! فإني أستطيع أن أسألكم عشر سنين، ولا يستطيع أكبر رأس فيكم أن يجيب على أحقر أسئلتي)) .
فإذا كان موقف العقل هكذا حيال النفس والضوء والمادة، وما في الكون المنظور وغير المنظور من أشياء، فكيف يتطلع إلى معرفة ذات الباري جل شأنه، ويحاول إدراك كنهه!)) . (1)
__________
(1) العقائد الإسلامية (37) .
_______________________
6-يقول الأستاذ خالد الرفاعي ((إن العقل يعتمد على ما تمده به الحواس من مادة أولية وعلى ما أودع فيه من قوة فطرية لتمييز الأشياء عن بعضها البعض.. معتمداً على مبادئ أطلقنا عليها اسم المبادئ الأولية، ومن ذلك نستنتج أن مجال عمل العقل محصور في المادة وصفاتها فقط، أو بكلمة أوضح بما يصله من إحساسات خارجية تمده بها الحواس، لأن الحواس لا تعطيه أحكام العقل حيث أن ما يعتمد عليه ليس إلا ظواهر بسيطة من الكون وأن الحواس نفسها قد تخطئ في ما تصل إليه أو أن الطبيعة كثيراً ما تصور للحواس ما هو خلاف الواقع. فمثلاً إن من أصيب بعمى الألوان لا يفرق بين الألوان ولا يرى إلا اللون الأحمر)) ((ولذلك فإننا نستطيع أن نجزم أن ما يبنى على المحدود فهو محدود دوماً، وما يبنى على الناقص فهو ناقص، فمعرفة العقل لا تعطينا إلا نتائج ضمن المادة، بل ضمن ظواهرها فحسب، نتائج قد تكون أحياناً خاطئة وغير دقيقة وناقصة)) .
__________________
((إن العقل يقف في سلسلة من الأسئلة الغائبة عنه إلى حد لا يستطيع أن يتجاوزه… وإلى مجال من الكون لن يخترقه، وذلك لأن حواسه تتركه عند حد تعجز بعده من مرافقته في سيره الطويل لمعرفة كل شيء.. وللإحاطة التامة به… فأنا أستطيع أن أعرف كيف يشتعل عود من الحطب، فأرى لون النار وأشم رائحتها… وأسمع حسيسها، وأستطيع أن أدرك أسباباً بسيطة لذلك.. ولكنني أصل إلى حد من الأسئلة ليس لها عندي جواب مقنع إلا التسليم والعجز، هذا التسليم الذي يظهر واضحاً في أن ذلك من صفة الشيء دون أن أستطيع معرفة لم كان ذلك من صفة هذا الشيء ولم يكن من صفة غيره؟ ….لم كانت نتائج الاحتراق الحرارة.. ولم تكن البرودة؟؟! ولم اشتعل الحطب في الدرجة المعينة له ولم يشتعل القصدير في تلك الدرجة؟ … ولم كانت الرائحة من نتيجة الاحتراق؟ كل ذلك وغيره لا يجاب عنه إلا بما قال الله تعالى لنا: (يعلمون ظاهراً من الحياة الدنيا) فمن هذا نعلم أن مجال عمل العقل هو المادة وصفاتها وكل عمل للعقل فيما وراء ذلك إنما هو فيما وراء الحس مباشرة، لأنه عند ذلك يخترق مجاله الطبيعي ويفقد المادة الأولية التي يعتمد عليها في بحثه ذلك، ولذلك فإن القرآن الكريم كان يوجه النظر دائماً إلى ما يحس في الكون، سمائه وأرضه، إنسانه وحيوانه، ولم تر آية واحدة وجهت النظر لما هو وراء الحس.. فيقول تعالى: (قل انظروا ماذا في السموات والأرض) .. (فلينظر الإنسان إلى طعامه) . (فلينظر الإنسان ممَّ خُلق) الخ)) . ((إن العقل محدود بالمادة وقوانينها وصفاتها ويمكننا أن نلخص حدود العقل بالأمور التالية:
بالزمان: لأن الزمان إنما هو صورة عن تغير المادة.
بالمكان: لأن المكان صفة المادة في تحيزها.
وبالحجم والوزن: لأن المادة لا تظهر لنا إلا بهذه الصفات.