من أحلى الأيّام..
.. ...02
القراءة في الطريق..
بعض الذين شاهدوني وأنا أقرأ كتاب الأغاني استغربوا الأمر، وقالوا لي: كيف تقرأ كتابا خاصا بالأغاني وأنت إنسان متدّين ( كنت حينها مرسلا لحيتي ) فابتسم لكلامهم وأقول: إنّ في هذا الكتاب من الأغاني لا يساوي عشرة بالمائة، والباقي كلّه شعر وأدب وتراجم وأخبار من أندر وأروع الأخبار الأدبيّة...ثمّ إنّ الأغاني التي فيه هي من روائع الشعر العربي الذي لا يقلّ جودة وقوّة وحسن سبك عن الشعر الجاهلي..
وقد ذكرت أنّ أوّل من لفت انتباهي إلى قراءة كتاب الأغاني ( حصلت على طبعة منه بمكتبة البلديّة من 25 مجلدا ) هو الأديب الكبير مصطفى صادق الرافعي وقد ذكر ذلك في بعض كتبه وتكرر منه الأمر عدّة مرّات، ولما كنت في إحدى المرّات أحمل الكتاب معي لقراءته في الطريق ( أقصد في الحافلة)، التقيت بأحد المثقفين الفضلاء وتعرّفت عليه بسبب كتاب الأغاني الذي لفت انتباهه في يدي، وكان هذا المثقف هو الشيخ العيد قديدة من مشونش ( إمام بالمسجد العتيق ومؤلف كتاب فقه الصلاة)، وقال لي لو أنّك تقرأ أيضا كتابا آخر لا يقلّ عنه أهميّة وروعة إنّه كتاب نفح الطيب من غصن الأندلس الرطيب للممقرّي فأثار في نفسي الفضول وتطلعت إلى الحصول عليه ..
03 ...
القراءة في الطريق..
اشتهر عن الأوربيين أنّهم يقرأون في عربات ( الميترو ) وفي الحافلات، ومن ثمّ ظهر ما يسمّى بكتاب الجيب ذي الحجم الصغير والفائدة الجمّة، وقد أدهشتني هذه العادة عندهم كثيرا وقلت في نفسي: نحن أمّة اقرأ ونحن أولى بالقراءة منهم، لنحقق في أنفسنا مقتضى قوله تعالى " اقرأ.."
قلت فيما سبق أنّني قرأت حوالي أربعة عشر مجلّدا من كتاب الأغاني أثناء تنقلاتي بين عملي والبيت، وقد يستغرب بعض النّاس هذا الأمر ولكن الذين جرّبوا نهم القراءة والإدمان عليها لا يرون في ذلك أي عجب، لكن لا بأس أن أذكر أنّني كنت في عامي الأوّل في التعليم وأنّني كنت في التاسعة عشرة من العمر، وكانت رحلتي إلى عملي تستغرق ما يقارب الساعتين أحيانا آو أكثر، أغيّر خلالها الحافلة ثلاث مرّات..
كنت أنتقل بالحافلة من بلديتي شتمة ( شط الماء ) إلى مقرّ الولاية بسكرة خلال نصف ساعة تقريبا، فاستغل تلك المدّة في القراءة ثم أستقلّ الحافلة أيضا في مدّة نصف ساعة أخرى إلى دائرة سيدي عقبة، وكذلك أقضيها في القراءة وفي سيدي عقبة أبقى منتظرا سيارة لتنقلي إلى بلديّة الحوش ما بين عشرين دقيقة إلى نصف ساعة، فاتخذ لي زاوية في أحد المقاهي القريبة وأواصل القراءة، كما أقرأ في السّيارة إذا وجدت مكانا مناسبا ولم يزحم السائق السيارة براكب إضافي.. كانت رحلة عمل متعبة ولكنّها رحلة قراءة مفيدة بلا شك..وقد استمرّ معي الأمر على ذلك المنوال غالبا مدّة إحدى عشرة سنة..قرأت فيها كتاب الأغاني والكامل للمبرّد وعيون الأخبار لابن قتيبة وغيرها من عيون كتب التراث والأدب الحديث أيضا.. وسيأتي الكلام عن بعضهما وما يحفه من طرائف وأقاصيص..
ومن طرائف ما أذكره في هذا الأمر أيضا أنّني كنت مسافرا إلى العاصمة في شهر ديسمبر في بداية التسعينيات، لحضور تجمع شعبي لجمعيّة الإرشاد والإصلاح بقاعة ( حرشة ) فأخذت معي كتابين كان أحدهما لتوفيق الحكيم وقرأتهما في الطريق ( يستغرق قطع الطريق بين بسكرة والعاصمة في الحافلة أكثر من ثماني ساعات غالبا )، وكنّا في التجمع نفترش الأرض لشدّة الزحام وكثرة المشاركين، فوضعت الكتابين قريبا منّي فلما نهضت من مكاني بعد التجّمع نسيت الكتابين، ..وعندما ذكرتهما بعد ذلك قلت هنيئا لمن وقعا في يديه..
يتبــــــــــــــــــع.....