منتديات الجلفة لكل الجزائريين و العرب - عرض مشاركة واحدة - البدع و أثرها السيئ في الأمة
عرض مشاركة واحدة
قديم 2012-09-15, 11:02   رقم المشاركة : 6
معلومات العضو
عبد العزيز الرستمي
عضو مميّز
 
الصورة الرمزية عبد العزيز الرستمي
 

 

 
إحصائية العضو










افتراضي

7- حبوط الإيمان: ذلك أن الإيمان عمل، والبدعة سبيل إلى حبوط العمل فهو يستلزم حبوط الإيمان، وهذا لعمري غاية الخسران، أما دليل حبوط العمل بالبدعة فقوله تعالى:"ومن يشاقق الرسول من بعد ما تبين له الهدى ويتبع غير سبيل المؤمنين نوله ما تولى ونصله جهنم وساءت مصيراً"[110]، وحديث أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:" من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد"[111]، وعلى هذا المعنى تضافرت نقول السلف فعن الحسن قال: صاحب البدعة لا يزداد اجتهاداً صياماً وصلاةً إلا ازداد من الله بعداً"[112]، وعن الفضيل بن عياض قال:" لا تجلس مع صاحب بدعة أحبط الله عمله وأخرج نور الإسلام من قلبه"[113]، وعن أيوب السختيانى قال:" ما ازداد صاحب بدعة اجتهاداً إلا زاد من الله عز وجل بعداً"[114]، وعن محمد بن النضر الحارثي قال:" من أصغى سمعه إلى صاحب بدعة وهو يعلم أنه صاحب بدعة نزعت منه العصمة ووكل إلى نفسه"[115] وغير هذا كثير يشهد لما قررناه.
8- مرض القلب وقسوته: وإذا انتشر مرض القلب بين الناس انتشر في الأمة وفسدت وهلكت، والأصل في هذا قوله تعالى:" فأما الذين في قلوبهم زيغ فيتبعون ما تشابه منه ابتغاء الفتنة وابتغاء تأويله"[116]، وهذا الزيغ إن هو إلا مرض الشبهات التي يلقيها الشيطان في أفئدة القوم من أتباع الهوى، ولقد قال الفضيل رحمه الله:" صاحب البدعة لا تأمنه على دينك ولا تشاوره في أمرك ولا تجلس إليه فمن جلس إلى صاحب بدعة ورثه الله العمى"[117]، وقال عبد الله بن المبارك:" صاحب البدعة على وجهه الظلمة وإن ادهن كل يوم ثلاثين مرة"[118] ، وكان يقول رحمه الله:"اللهم لا تجعل لصاحب بدعة عندي يداً فيحبه قلبي"[119]، وغير هذا كثير مما يدل على تخوف السلف رضوان الله عليهم من تأثرهم بأصحاب البدعة وتسرب أمراضهم إلى قلوبهم، ولهذا كان من منهج كثيرٍ منهم مفارقة أهل البدعة وعدم مجالستهم بل وعدم مناظرتهم إلا للضرورة، وكل ذلك إمعاناً في هجر الوقاية منهم والنكاية بهم.
هذه جملة من الآثار السيئة للبدع التي يظهر أثرها في الافتراق العلمي والعقدي والمنهجي عن صراط أهل الحق، ولئن بقي عند شاك أو متردد شبهة حول خطورة ظهور هؤلاء في الأمة متوهماً أن السلامة تحصل بمجرد التزام باقي الأمة للصراط المستقيم دون اكتراث بخطر هؤلاء المبتدعة على الأمة بأسرها فليقرأ قوله تعالى:" واتقوا فتنةً لا تصيبن الذين ظلموا منكم خاصة واعلموا أن الله شديد العقاب"[120]، قال الحافظ ابن كثير رحمه الله في رواية عن ابن عباس في تفسير هذه الآية:" أمر الله المؤمنين أن لا يُقروا المنكر بين ظهرانيهم فيعمهم الله بالعذاب، وهذا تفسيرٌ حسنٌ جداً"[121]، فتأمل.

ثانياً: الافتراق العملي الحسي:

وهذا النوع الثاني من الافتراق يشترك مع النوع الأول في كل ما تقدم لأنه يقوم على أساس الاجتماع على أصل بدعي يفارق به الجماعة، ولكنه يزيد خطورة على النوع الأول بسبب آثاره الخطيرة على الجماعة المسلمة، وتأمل قول أيوب السختياني رحمه الله وكان يسمي أصحاب البدع خوارج ويقول:" إن الخوارج اختلفوا في الاسم واجتمعوا على السيف"[122]، وهذه الكلمة الجامعة تلخص لنا طبيعة الآثار السلبية للبدعة التي تتطور إلى درجة المفارقة الحسية العملية لجماعة المسلمين، وفيما يلي عرض لأبرز هذه الآثار:
1- التفرق والتشرذم والخروج عن الجماعة: والأصل في هذا ما حذر منه الله تعالى حيث قال:" أو يَلبِسَكم شِيعاً ويذيق بعضكم بأس بعض"[123]، قال الإمام الطبري بسنده عن مجاهد : ( أو يلبسكم شيعاً) : الأهواء المفترقة"[124]، ولعمري إن هذا لهو كفران النعمة فلقد امتن الله تعالى على هذه الأمة بالجماعة وبالاعتصام بحبله المتين حيث قال تعالى:"واعتصموا بحبل الله جميعاً ولا تفرقوا واذكروا نعمة الله عليكم إذ كنتم أعداءً فألَّف بين قلوبكم فأصبحتم بنعمته إخواناً"[125]، قال الإمام الطبري بسنده عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه أنه قال في قوله (واعتصموا بحبل الله جميعاً) قال:"الجماعة"[126]، وتأمل حديث النبي صلى الله عليه وسلم :"إنه ستكون هنات وهنات فمن أراد أن يفرق أمر هذه الأمة وهي جميع فاضربوه بالسيف كائنا من كان[127]" قلت : تأمل هذا الحديث لتدرك خطورة هذا الافتراق والتشرذم حتى أباح النبي صلى الله عليه وسلم دم من تربص للأمة به.
2- استحلال السيف في رقاب المسلمين: عن ابن عمر رضي الله عنه أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول:" لا ترجعوا بعدي كفاراً يضرب بعضكم رقاب بعض"[128]، فلا يستغرب لمن انتحل البدعة وخالف السنة أن تكون أولى ثمار بدعته هذه استحلال السيف في رقاب أمة محمد صلى الله عليه وسلم وقد كان، وهاك نموذجاً من تأويلات الخوارج الباطلة واستحلالهم الدم الحرام والعرض الحرام فعن حميد بن هلال قال: حدثني رجل من عبد القيس قال: كنت مع الخوارج فرأيت منهم شيئاً كرهته ففارقتهم على أن لا أكثر عليهم، فبينا أنا مع طائفة منهم إذ رأوا رجلاً خرج كأنه فَزِع وبينهم وبينه نهر، فقطعوا إليه النهر فقالوا: كأنا رعناك؟ قال: أجل. قالوا: ومن أنت؟ قال: أنا عبد الله بن خباب بن الأرت. قالوا: عندك حديث تحدثناه عن أبيك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال: سمعته يقول أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول:" إن فتنة جائية القاعد فيها خير من القائم، والقائم فيها خير من الماشي، فإذا لقيتهم فإن استطعت أن تكون عبد الله المقتول فلا تكن عبد الله القاتل" قال: فقربوه إلى النهر فضربوا عنقه، فرأيت دمه يسيل على الماء"[129]. وليس الأمر خاصاً بالخوارج فحسب، فعن أبي قلابة قال:" ما ابتدع رجل بدعة إلا استحل السيف"[130]،
3- استباحة الأعراض والأموال المحرمة: ففي الحادثة التي سقناها عن الخوارج وقتلهم عبد الله بن خباب قال :" ثم دعوا بسرية له حبلى فبقروا عما في بطنها"[131]، قلت: ووجه الدلالة أن السرية مال حرام وقد استباحوه بالإتلاف، وهي فرج حرام وقد عقروا بطنها وهتكوا عرضها، وهذا كله مفرع على تأويلاتهم الفاسدة التي استحلوا بها محارم الله .
4- امتحان المسلمين: فأهل البدع يمتحنون الناس ويفتشون عما في قلوبهم لا سيما عند ظهور شوكتهم، ولقد عانت الأمة جراء ذلك ردحاً من الزمن كما كان من محنة خلق القرآن حين ظهرت شوكة المعتزلة مع بعض الخلفاء العباسيين، وأياً ما كان فإن هذا المسلك هو مسلك أهل البدع يفارقون به أهل السنة والجماعة، فأتباع منهج صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يمتحنون الناس فلقد قال الله تعالى :" يأيها الذين آمنوا إذا ضربتم في سبيل الله فتبيَّنوا ولا تقولوا لمن ألقى إليكم السلام لست مؤمناً تبتغون عرض الحياة الدنيا"[132]،وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم :"من صلى صلاتنا واستقبل قبلتنا وأكل ذبيحتنا فذلك المسلم الذي له ذمة الله وذمة رسوله فلا تُخفروا الله في ذمته"[133]، قال الحافظ ابن حجر في شرحه :" وفيه أن أمور الناس محمولة على الظاهر , فمن أظهر شعار الدين أجريت عليه أحكام أهلهما لم يظهر منه خلاف ذلك"، وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله:"وتجوز الصلاة خلف كل مسلم مستور الحال باتفاق الأئمة الأربعة وسائر أئمة المسلمين، فمن قال : لا أصلي جمعة ولا جماعة إلا خلف من أعرف عقيدته في الباطن فهذا مبتدع مخالف للصحابة والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين وأئمة المسلمين الأربعة وغيرهم والله أعلم"[134]،فالحاصل أن أتباع منهج الصحابة يأخذون بظواهر الناس التي قررها الشرع ولا ينقبون عما في قلوبهم ولا يمتحنون الناس بسؤالهم ماذا تقول في كذا وماذا تعتقد في كذا، وإنما هذا التفتيش والامتحان مسلك أهل البدع لأنهم محتاجون إلى هذا القمع حيث أعوزهم الدليل الشرعي والحجة العقلية.
وبعد، فهذه أهم الآثار العملية السيئة المترتبة على ظهور البدع وفشوها في الأمة، ولقد تبين من خلال هذا العرض الموجز لها أن أمر البدع كلها سيء وأن مآلها كلها إلى سوء، وأن لا مندوحة للأمة عن الاعتصام برسم النبوة للنجاة من هذه الفتنة التي تكاد تأتي على كل شيء، نسأل الله السلامة من ذلك.

الخاتمة:
إنه مهما أعيت المنافحَ عن السنة الحيلةُ في رد الخصوم وبيان تهافت الضلالات فإن له ملاذاً آمناً لا يخذله البتة ألا وهو قوله تعالى:" ياأيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر ذلك خيرٌ وأحسن تأويلاً"[135]، ومعلوم أن هذا التحاكم إنما ينضبط بمنهج الصحابة رضوان الله تعالى عليهم كما تقدم في قوله تعالى:" ومن يشاقق الرسولَ من بعد ما تبين له الهدى ويتبع غير سبيل المؤمنين نولِّه ما تولى ونُصلِه جهنم وساءت مصيراً"[136]، قال الإمام أحمد رحمه الله: "أصول السنة عندنا التمسك بما كان عليه صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم"[137]، ولهذا فإنك مهما وجدت صاحب فرقة وهوى يزعم الانتساب إلى الكتاب والسنة، فإنك لن تجده ينتسب إلى منهج الصحابة البتة، بل إن علامة أهل الفرقة ترك منهج الصحابة، وأمامك تاريخ الفرق وأهل الأهواء تأمله وراجعه لتوقن أن أحداً منهم لا ينتسب إلى صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم في شيء، ناهيك عن أن ينتسب إليهم بأصلهم البدعي المفارق، فمهما لبَّس هؤلاء بتأويل آية متشابهة أو حمل حديث على غير وجه الحق فلنخاصمهم بسنن الصحابة رضوان الله عليهم فإن كان لهم فيهم سلف وإلا، فهم صدر هذه الأمة ؛ إجماعهم حجة لازمة واختلافهم رحمة واسعة، ولن تجد الحق خارجاً عن مجموع أقوالهم البتة، فتأمل.
ومما تقدم في هذا البحث يمكن استخلاص ما يلي:
1- إن البدعة بمعناها الشرعي مذمومة البتة، وإن أي سياق استحسن شيئاً من البدع ممن يعتد بقوله فإنما يدور ذلك على معنى لغوي أو معنى اصطلاحي خاص لا ينازع الأصل الذي قررناه، ولا مشاحة في الاصطلاح.
2- إن للبدعة ضوابط لا بد من تمييزها حتى يتمكن طالب العلم والعالم من ضبط مصطلح البدعة ومعرفة ما يجب قمعه مما يحتمل السكوت عنه مما ليس ببدعة كمصلحة مرسلة ونحوها.
3- إن تاريخ الفرقة والاختلاف في هذه الأمة قديم وهو سائر على سنن الأمم الماضية، والنكتة في ذلك أن بعض هذه الأمة قد سلك مسلك الأمم الماضية في الاختلاف على نهج أنبيائها، فخالف بعض المنتسبين لهذه الأمة رسم النبوة المعصوم وانتهوا إلى آراء وأهواء سلكت بهم كل مسلك سوى الحق، فضلوا وأضلوا.
4- إن ثبوت الافتراق في الأحاديث الصحيحة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم هو من قبيل الأمر القدري الكوني فلا حجة فيه لأحد البتة، وإنما كان مجيئه على لسان رسول الله صلى الله عليه وسلم معجزاً من جهة التنبؤ بما لا علم له به صلى الله عليه وسلم إلا بوحي من الله سبحانه وتعالى، أما الأمر الشرعي فواضح في الدعوة إلى الوحدة والائتلاف ونبذ الفرقة والاختلاف.
5- إن آثار البدع السيئة على الأمة تتناول كلاً من أمنها العقائدي وأمنها الاجتماعي السياسي نتيجة الويلات التي تجرها عليها في كل من المحورين، وحري بأمة محمد صلى الله عليه وسلم أن تنهض للدفاع عن سنة نبيها صلى الله عليه وسلم فتميت البدعة وتحيي السنة وتلتزم رسم النبوة كما حفظه الله تعالى لنا خروجاً من العهدة وإبراءً للذمة أمام الله عز وجل.
وختاماً، أسأل الله تعالى القبول لما وفقت إليه من صواب والعفو عما زل به القلم، وأسأله تعالى أن يستعملنا في نصرة سنة نبيه صلى الله عليه وسلم وقمع ما سواها، إنه خير مسؤول وأكرم مأمول، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.

وسيم محمود فتح الله









رد مع اقتباس