[ الصحابة أعلم الناس وأفضلهم ]
وكيف يُدَّعَى في أصحاب نبينا أنهم وهذه العلوم الناقصة المبثوثة في الأمم على كثرتها واتساعها وتفنن ضروبها إنما هي عنهم مأخوذة، ومن كلامهم وفتاويهم مستنبطة،
- وهذا عبد الله بن عباس كان من صبيانهم وفتيانهم وقد طَبَقَ الأرض علما، وبلغت فتاويه نحوا من ثلاثين سفرا، وكان بحرا لا ينزف، لو نزل به أهل الأرض لأوسعهم علما، وكان إذا أخذ في الحلال والحرام والفرائض يقول القائل: لا يحسن سواه، فإذا أخذ في تفسير القرآن ومعانيه يقول السامع: لا يحسن سواه، فإذا أخذ في السنة والرواية عن النبي صلى الله عليه وسلم يقول القائل: لا يحسن سواه، فإذا أخذ في القصص وأخبار الأمم وسير الماضين فكذلك، فإذا أخذ في أنساب العرب وقبائلها وأصولها وفروعها فكذلك، فإذا أخذ في الشعر والغريب فكذلك.
- قال مجاهد: العلماء أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم .
- وقال قتادة في قوله تعالى: { ويرى الذين أوتوا العلم الذي أنزل إليك من ربك هو الحق } قال: هم أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم .
- ولما حضر معاذا الموت قيل له: أوصنا، قال: أجلسوني، فأجلسوه فقال: إن الإيمان والعلم بمكانهما، من اتبعهما وجدهما، التمسوا العلم عند أربعة رهط: عند عويمر أبي الدرداء، وعند سلمان الفارسي، وعند عبد الله بن مسعود، وعند عبد الله بن سلام، فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: إنه عاشر عشرة في الجنة.
- وقال أبو إسحاق السبيعي، قال عبد الله: علماء الأرض ثلاثة، رجل بالشام، وآخر بالكوفة، وآخر بالمدينة. فأما هذان فيسألان الذي بالمدينة، والذي بالمدينة لا يسألهما عن شيء.
- وقيل لعلي بن أبي طالب: حدثنا عن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: عن أيهم؟ قالوا: عن عبد الله بن مسعود، قال قرأ القرآن وعلم السنة ثم انتهى وكفاه بذلك، قالوا: فحدثنا عن حذيفة، قال: أعلم أصحاب محمد بالمنافقين، قالوا: فأبو ذر؟، قال: كَنِيفٌ مُلِئَ علما، قالوا: فعمار؟، قال: مؤمن نَسِيَ إِذَا ذَكَّرْتَهُ ذَكَرَ، خلط الله الإيمان بلحمه ودمه، ليس للنار فيه نصيب، قالوا: فأبو موسى؟، قال: صُبِغَ في العلم صَبْغَةً، قالوا: فسلمان؟، قال: عَلِمَ العلم الأول والآخر، بحر لا ينزح، منا أهل البيت، قالوا: فحدثنا عن نفسك يا أمير المؤمنين؟، قال: إياها أردتم، كنت إذا سَأَلْتُ أُعْطِيتُ، وَإِذَا سَكَتَّ ابْتُدِئْتُ
- وقال مسروق: شافهت أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم فوجدت علمهم ينتهي إلى ستة، إلى: علي، وعبد الله، وعمر، وزيد بن ثابت، وأبي الدرداء، وأبي بن كعب، ثم شافهت الستة فوجدت علمهم ينتهي إلى علي، وعبد الله.
- وقال مسروق: جالست أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم وكانوا كَالْأَخَاذِ، الْأَخَاذُ يروي الراكب، والأخاذ يروي الراكبين، والأخاذ يروي العشرة، لو نزل به أهل الأرض لأصدرهم، وإن عبد الله من ذلك الأخاذ .
- وفي الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: بينا أنا نائم أتيت بقدح لبن فشربت منه، حتى أرى الرِّيَّ يخرج من أظفاري، ثم أعطيت فضلي عمر، فقالوا: فما أولت ذلك يا رسول الله؟ قال: العلم.
- وقال عبد الله: إني لأحسب أن عمر قد ذهب بتسعة أعشار العلم .
- وقال عبد الله: لو أن علم عمر بن الخطاب وضع في كفة الميزان ووضع علم أهل الأرض في كفة لرجح علم عمر .
- وقال حذيفة بن اليمان: كأن علم الناس مع علم عمر دُسَّ فِي جُحْرٍ .
- وقال الشعبي: قضاة هذه الأمة أربعة: عمر وعلي وزيد وأبو موسى .
- وقال قبيصة بن جابر: ما رأيت رجلا قط أعلم بالله ولا أقرأ لكتاب الله ولا أفقه في دين الله من عمر.
-وقال علي: بعثني رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى اليمن وأنا حديث السن ليس لي علم بالقضاء، فقلت: إنك ترسلني إلى قوم يكون فيهم الأحداث وليس لي علم بالقضاء، قال فضرب في صدري وقال: إن الله سيهدي قلبك ويثبت لسانك، قال: فما شككت في قضاء بين اثنين بعد.
- وفي الصحيح عن عبد الله بن مسعود، قال: كنت أرعى غنما لعقبة بن أبي معيط، فمر بي رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر، فقال لي: يا غلام هل من لبن؟، قلت: نعم، ولكني مؤتمن، قال: فهل من شاة لم ينزو عليها الفحل؟، قال فأتيته بشاة فمسح ضرعها فنزل لبن فحلبه في إناء، فشرب وسقى أبا بكر، ثم قال للضرع: اقلص فقلص، قال: فأتيته بعد هذا، فقلت: يا رسول الله علمني من هذا القول، فمسح رأسي، وقال: يرحمك الله، إنك عَلِيمٌ مُعَلَّمٌ .
- وقال عقبة بن عامر: ما أرى أحدا أعلم بما أنزل على محمد صلى الله عليه وسلم من عبد الله، فقال أبو موسى: إن تَقُلْ ذلك فإنه كان يَسْمَعُ حين لا نسمع، ويَدْخُلُ حين لا ندخل .