منتديات الجلفة لكل الجزائريين و العرب - عرض مشاركة واحدة - القول الممدوح في بيان التوبة النصوح... الشيخ أبو بكر يوسف لعويسي الجزائري
عرض مشاركة واحدة
قديم 2012-09-07, 21:40   رقم المشاركة : 3
معلومات العضو
~أمة الله~
عضو مميّز
 
الصورة الرمزية ~أمة الله~
 

 

 
إحصائية العضو










افتراضي

بسم الله الرحمن الرحيم

التوبة النصوح
من أراد دوام العافية و السلامة ، فليتق الله عز وجل .

فإنه ما من عبد أطلق نفسه في شيء ينافيه التقوى و إن قل إلا وجدعقوبته عاجلة أو آجلة .

و من الإغترار أن تسيء فترى إحساناً فتظن أنك قد سومحت ، و تنسى : من يعمل سوءاً يجز به.

و ربما قالت النفس : إنه يغفر فتسامحت . و لا شك أنه يغفر و لكن لمن يشاء .

و أناأشرح لك حالاً فتأمله بفكرك تعرف معنى المغفرة .

و ذلك أن من هفا هفوة لم يقصدها و لم يعزم عليها قبل الفعل و لا عزم على العود بعد الفعل ثم إنتبه لما فعل فإستغفر الله كان فعله و إن دخله عمداً في مقام خطأ ، مثل أن يعرض له مستحسن فيغلبه الطبع فيطلق النظر و يتشاغل في حال نظره بالتذاذ الطبع عن تلمح معنى النهي ، فيكون كالغائب أو كالسكران ، فإذا انتبه لنفسه ندم على فعله فقام الندم بغسل تلك الأوساخاالتي كانت كأنها غلطة لم تقصد .

فهذا معنى قوله تعالى : إذا مسهم طائف من الشيطان تذكروا فإذا هم مبصرون.

فأما المداوم على تلك النظرة المردد لها ، المصر عليها ، فكأنه في مقام متعمد للنهي مبارز بالخلاف ، فالعفو يبعد عنه بمقدار إصراره .

و من البعد ألا يرى الجزاءعلى ذلك ، كما قال ابن الجلاء: رآني شيخي و أنا قائم أتأمل حدثاً نصرانياً ، فقال : [ ما هذا ؟ لترين غبها و لو بعد حين ، ] فنسيت القرآن بعد أربعين سنة .

و اعلم أنه من أعظم المحن الاغترار بالسلامة بعدالذنب ، فإن العقوبة تتأخر .

و من أعظم العقوبة ألا يحس الإنسان بها ، و أن تكون في سلب الدين و طمس القلوب و سوء الإختيار للنفس ، فيكون من آثارها سلامة البدن و بلوغ الأغراض .

قال بعض المعتبرين : أطلقت نظري فيما لا يحل لي ، فمكثت أنتظر العقوبة . فألجئت إلى سفر طويل لا نية لي فيه ، فلقيت المشاق ، ثم أعقب ذلك موت أعز الخلق عندي ، و ذهاب أشياء كانت لها وقع عظيم عندي ، ثم تلافيت أمري بالتوبة فصلح حالي ، ثم عاد الهوى فحملني على إطلاق بصري مرة أخرى ، فطمس قلبي وعدمت رقته ، و أستلب مني ما هو أكثر من فقد الأول ، و وقع لي تعويض عن المفقود بماكان فقده أصلح ، فلما تأملت ما عوضت و ما سلب مني صحت من ألم تلك السياط .

فها أنا أنادي من على الساحل : إخواني احذروا لجة هذا البحر ، و لا تغتروابسكونه ، و عليكم بالساحل ، و لازموا حصن التقوى فالعقوبة مرة .

و إعلموا أن ملازمة التقوى مرارات من فقد الأغراض و المشتهيات ، غير أنها في ضرب المثل كالحمية تعقب صحة ، و التخليط ربما جلب موت الفجأة .

و بالله لو نمتم على المزابل مع الكلاب في طلب رضى المبتلي كان قليلاً في نيل رضاه ، و لو بلغتم نهاية الأماني من أغراض الدنيا مع إعراضه عنكم كانت سلامتكم هلاكاً ، و عافيتكم مرضاً ، و صحتكم سقماً ، و الأمر بآخره ، و العاقل من تلمح العواقب .

و صابروا رحمكم الله تعالى هجير البلاء ، فما أسرع زواله .

و الله الموفق ، إذ لا حول إلا به ، ولا قوة إلا بفضله



صيد الخاطر لابن الجوزي رحمه الله
نقلا من أهل الحديث










رد مع اقتباس