المبحث الأول : الحلقة السادسة
بالرجوع إلى معنى هذا الحديث من منظور كثير من علماء المسلمين ، نجدهم تطغى على عدد منهم النزعة الإقليمية الضيقة كما سيأتي .
نعم جاء في صحيح البخاري عن معاذ بن جبل
أنه قال عن هذه الطائفة : هم بالشام ، و بذلك أخذ الإمام أحمد ، لكن معاذا ـ كما هو معلوم مات في خلافة عمر بن الخطاب
في وقت كانت رقعة الإسلام لم تتسع خصوصا من جهة الغرب بالشكل الذي عرفته فيما بعد ...
و في حديث أبي أمامة في مسند أحمد أن هذه الطائفة ببيت المقدس و أكناف بيت المقدس أي نواحيه .
و رأى ابن حجر إمكانية التوفيق بين الأخبار ، بأن المراد قوم يكونون ببيت المقدس و هي شامية ، و يسقون بالدلو ، و تكون لهم قوة في جهاد العدو و حدة .
كنت أوثر تأخير استعراض أقوال العلماء في تحديد مفهوم الغرب في الحديث النبوي الشريف ، حتى يتم الكلام عليه و فق التصور الذي سبق التنصيص عليه في المقدمة ، لكن يبدو من خلال تعليقات بعض الإخوة أن مسألة التحديد هي نقطة الاختلاف بالدرجة الأولى و لهذا واستجابة لهذه الرغبة أسارع فاقدم ما يرجى بيانه ، و سأتناوله من خلال أهم ما جاء عن العلماء في ذلك و هم ثلاثة مذاهب ـ تاركا التعليق عليها إلى الأخير ـ :
أ : الشام
1 - ابن تيمية {ت728هـ }
تردد شيخ الإسلام ابن تيمية بين الإقليمية الضيقة و سعة الأفق إلى حد ما فقال مرة إن هذا الوصف ليس لغير أهل الشام من أرض الإسلام ، و وسع الدائرة قليلا فقال : أما الطائفة بالشام و مصر و نحوهما فهم في هذا الوقت المقاتلون عن دين الإسلام و هم من أحق الناس دخولا في الطائفة المنصورة التي ذكرها النبي
و كان أهل المدينة يسمون أهل الشام أهل المغرب ، و يقولون عن الأوزاعي إنه إمام أهل المغرب ...
و يقول :" و في مسلم عن أبي هريرة

عن النبي

قال :" لا يزال أهل
المغرب ظاهرين لا يضرهم من خالفهم و لا من خذلهم حتى تقوم الساعة " .
و قال :" و قد ظهر مصداق هذه النصوص على أكمل الوجوه في جهادنا للتتار ..."
2 - ابن كثير{ت774هـ }
قال الإمام ابن كثير في شمائل الرسول

في معرض الكلام على حديث أبي داود " إن الله يبعث لهذه الأمة على رأس كل مائة سنةمن يجدد لها دينها ":
" و سيأتي الحديث المخرج من الصحيح :" لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق لا يضرهم من خذلهم و لا من خالفهم حتى ياتي أمر الله و هم كذلك "
و في صحيح البخاري : و هم بالشام
و قال كثير من علماء السلف : إنهم أهل الحديث و هذا أيضا من دلائل النبوة ، فإن أهل الحديث بالشام أكثر من سائر أقاليم الإسلام و لله الحمد ، ولاسيما بمدينة دمشق حماها الله و صانها ... "
3 - الألباني {ت1420هـ = 1999م }
وقف الشيخ محمد ناصر الدين الألباني و هو من المحدثين المعاصرين عند حدود الشام رافضا غير ذلك فقال :" و قد أبعد النجعة من فسره من المعاصرين ببلاد المغرب المعروفة اليوم في شمال افريقيا لأنه مما لا سلف له مع مخالفته لإمام السنة ـ يعني الإمام أحمد ـ و شيخ الإسلام ـ يعني ابن تيمية ـ و إذا عرفت هذا ، ففي الحديث بشارة عظيمة لمن كان في الشام من أنصار السنة المتمسكين بها و الذابين عنها و الصابرين في سبيل الدعوة إليها نسأل الله تعالى أن يجعلنا منهم و أن يحشرنا في زمرتهم تحت لواء صاحبها محمد

"
وقال في كتابه تخريج أحاديث فضائل الشام و دمشق لأبي الحسن علي بن محمد الربعي {ت444هـ} معقبا على حديث " لا يزال أهل الغرب ظاهرين على الحق حتى تقوم الساعة " :
"على اعتبار أن أهل الغرب هم أهل الشام كما قال الإمام أحمد و أيده شيخ الإسلام ابن تيمية في " فضل الشام و أهله " من وجهين :
الأول : ورد ذلك صراحة في بعض الأحاديث
الثاني : أن لغته

و أهل مدينته في أهل الغرب أنهم أهل الشام ، فراجعه فإنه مهم مفيد جدا ، و لعل من نفى ذلك من المعاصرين و ذهب إلى أن المراد بذلك ( المغاربة ) الذين يسكنون شمال غرب (افريقية) لم يقف على لغته المذكورة .
أتمنى أن أرى تعليقات الإخوة الكرام على هذه الأقوال و مدى مصداقيتها من حيث النقل و العقل قبل الانتقال إلى المذهب الآخر