الولاء والبراء
ومن الأمور المهمة ألا توالي إلا في الله، وأن تتبرأ من أعداء الله، وأن تحب في الله، وتعطي في الله، وتبغض في الله وتمنع في الله عز وجل، فإذا فعلت ذلك فقد استكملت الإيمان، الولاء: أن توالي في الله عز وجل؛ أي: بسبب أن هذا الشخص ملتزم بأمر الله أحببته بحسب ما فيه من طاعة، وتبغضه بحسب ما فيه من معصية، فلا تبغض الرجل؛ لأنه من قبيلة أخرى، أو لأنه من شريحة أخرى، أو من لون آخر، أو من بلد أو شعب آخر، فمن فعل ذلك فقد خان لا إله إلا الله محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم.
قال تعالى: { يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ } [الحجرات:13] وتبغض في الله؛ فصاحب المعصية تبغضه لا لأنه من قبيلة أخرى أو من أسرة أخرى، إنما لأنه عاصٍ، ثم تحبه بحسب ما فيه من طاعة، فقد يجتمع الحب والبغض في شخص واحد، ومنها المنع والعطاء، فتعطي لأنك تريد ما عند الله عز وجل، وتمنع لأن المصلحة في المنع لمرضاة الله عز وجل.
معرفة الله عن طريق الكتاب المنظور
يعرف الله عز وجل بآياته ومخلوقاته من ربك؟ ربي الله الذي رباني بنعمه، سؤال لابد أن نجيب عليه بالعمل، بم عرفت ربك؟ بآياته ومخلوقاته: الشمس والقمر الليل والنهار الشجرة والوردة السماء والضوء الماء والجبل الرابية وكل شيء:
وفي كل شيء له آية تدل على أنه الواحدُ
فيا عجباً كيف يعصى الإله أم كيف يجحده الجاحدُ
{ قُلِ انْظُرُوا مَاذَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ } [يونس:101] { وَالنَّخْلَ بَاسِقَاتٍ لَهَا طَلْعٌ نَضِيدٌ * رِزْقاً لِلْعِبَادِ وَأَحْيَيْنَا بِهِ بَلْدَةً مَيْتاً كَذَلِكَ الْخُرُوجُ } [ق:10-11] وقال تعالى: { أَفَلا يَنْظُرُونَ إِلَى الْأِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ * وَإِلَى السَّمَاءِ كَيْفَ رُفِعَتْ * وَإِلَى الْجِبَالِ كَيْفَ نُصِبَتْ * وَإِلَى الْأَرْضِ كَيْفَ سُطِحَتْ } [الغاشية:17-20].
هذه آياته دلت عليه، كل شيء مكتوب عليه بقلم الوحدانية ويراع الصمدانية؛ لا إله إلا الله، يقرؤها الأمي وغير الأمي، أما تأملت الروض؟ أما دخلت الحديقة؟ أما فتشت البستان؟ كل ورقة من زهرة، وكل نبتة من نامية، وكل لمعة من ضوء وكل قطرة من ماء تدل على الله.
تأمل في نبات الأرض وانظر إلى آثار ما صنع المليك
عيونٌ من لجين شاخصاتٌ بأحداقٍ هي الذهبُ السبيكُ
على قُضُبِ الزبرجدِ شاهداتٌ بأن الله ليس له شريكُ
كل الكون كتاب مفتوح؛ بعث الأمي الذي ما حمل قلماً ولا طبشورة، ولا رأى سبورة ولا شيخاً ولا أستاذاً، بعثه فقيل له: (اقرأ) وهو في الغار، وما عنده أقلام ولا دفاتر ولا مراسم ولا طباشير، أين يقرأ؟ قيل: معناها اقرأ في الكون، اقرأ في السماء من خلقها ورفعها وأوجدها.
وكتابي الفضاء أقرأ فيه صوراً ما قرأتها في كتابِ
فلا بد أن نقرأ جميعاً.
ويا أيها الإخوة! تبلد إحساسُنا وماتت عواطفنا، فما أصبحنا نقرأ في الكون، شغلتنا الغسالة والبرادة والثلاجة والحفارة والطائرة والسيارة عن الكون، وعن الجمال في الكون، الزرع بديع، والروض مخضر، والسماء تتحدث، وقلم الصمدانية ويراع الواحدانية يكتب، ولكن من يقرأ؟ لا بد أن نقرأ وأن نتأمل.