العلم النافع
قلنا: ما هو العلم الذي نتعلمه؟ العلم هو: العلم النافع الذي بعث به عليه الصلاة والسلام وقال: { مثل ما بعثني الله به من الهدى والعلم كمثل الغيث } وقال سبحانه: { فَاعْلَمْ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ } [محمد:19] قال البخاري : فبدأ بالعلم قبل القول والعمل، والمقصود بالعلم النافع هو علم الشريعة؛ وإذا أطلق العلم في الكتاب والسنة فالمقصود به علم الشريعة، أما إذا خصص وقيد فيقصد به مثل: علم الهندسة علم الفلك علم الطب، فالعلم النافع هو معرفة الله تعالى ومعرفة نبيه صلى الله عليه وسلم، ومعرفة دين الإسلام، ثلاث مسائل، وهي القضايا الكبرى التي تنجيك عند الله عز وجل.
فتعرف الله معرفة كما عرفها الأنبياء والرسل، والثاني الرسول عليه الصلاة والسلام تعرف من هو هذا الرسول، والثالث: الإسلام
معرفة الله عز وجل
أما معرفة الله عز وجل فإنه لا بد أن تعتقد ثلاثة اعتقادات وثلاث مسائل وهي: توحيد الربوبية، وتوحيد الألوهية، وتوحيد الأسماء والصفات، وربما يقول بعضكم: هذا الكلام حفظناه! لا لم نحفظه، بل لابد أن نكرره ونعيده وندرسه ونعمل به ونبسط القول فيه ليل نهار، فقد دعا إليه النبي صلى الله عليه وسلم ثلاث عشرة سنة.
أما توحيد الربوبية فقد أقربه أبو جهل و أبو لهب ومشركو قريش قال تعالى: { وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ } [الزمر:38] وأقر أبو جهل أن من خلق الشجر الله والجبال والأحياء هو الله، لكنه خالف في توحيد الألوهية، والأنبياء بعثوا بتوحيد الالوهية، ويقول شيخ الإسلام في كلام ما معناه: الأمم جميعاً تثبت توحيد الربوبية لله، حتى فرعون أنكر الصانع في الظاهر، لكن أثبت الخالق في الباطن، حتى يقول له موسى: { قَالَ لَقَدْ عَلِمْتَ مَا أَنْزَلَ هَؤُلاءِ إِلَّا رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ بَصَائِرَ وَإِنِّي لَأَظُنُّكَ يَا فِرْعَوْنُ مَثْبُوراً } [الإسراء:102].
ثم توحيد الألوهية: أن تعتقد أن لا إله إلا الله، ولا يستحق العبادة بأنواعها إلا الله من ذكر ودعاء واستعانة ومسألة وخوف ورجاء وحب إلى غير ذلك.
وأما توحيد الأسماء والصفات: فهي أن تقر وتثبت لله ما أثبته له أنبياؤه ورسله عليهم الصلاة والسلام من صفة أو اسم من غير تمثيل ولا تحريف ولا تشبيه ولا تعطيل؛ كما قال تعالى: { لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ } [الشورى:11].
و أهل السنة لهم قواعد أربع في الأسماء والصفات: الإثبات المفصل، النفي المجمل، الإثبات المقيد، الاستفصال.
فأما الإثبات المفصل فهم يثبتون صفات الكمال مفصلة، فيقول: كريم، رحيم، عليم، حليم، واسع، بر، لطيف، إلى غير ذلك، فيثبتونها مفصلة.
وأما في النفي فإنهم ينفون مجملاً فيقولون: { لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ } [الشورى:11] فلا يقولون: الله لا يجوع أو لا ينسى، الله لا يضل والله لا يبخل لا يقولون هذا، وهذه طريقة علماء الكلام.
الإثبات المقيد يثبتون لله الصفة مقيدة مثل قوله تعالى: { فَيَسْخَرُونَ مِنْهُمْ سَخِرَ اللَّهُ مِنْهُمْ } [التوبة:79] فالله عز وجل لا يقال له ساخر، ولكن تثبت هذه الصفة مقيدة، فيقول: يسخر بمن يسخر به: { وَإِذَا خَلَوْا إِلَى شَيَاطِينِهِمْ قَالُوا إِنَّا مَعَكُمْ إِنَّمَا نَحْنُ مُسْتَهْزِئُونَ * اللَّهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ } [البقرة:14-15] فهو يستهزئ بمن يستهزئ به إثباتاً مقيداً، ومنه: { وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ } [الأنفال:30] و { يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ } [النساء:142].
وأما الاستفصال فـ أهل السنة يستفصلون في ألفاظ ليست في الكتاب ولا في السنة، كأن يقال لك: الله مهندس الكون فإن ذهبت تقول: نعم، أخطأت لأنه قد يكون في الكلام أسرار لا تدري بها، وإن قلت: لا، أخطأت لأنك قد تنفي معنى صحيحاً، لكنك تستفصل، فتقول للقائل: ما معنى مهندس الكون؟ فإن قال: خالق الكون والذي صنع الكون فتقول: معناك صحيح، ولكن اللفظ خطأ، قل: الله خالق الكون، هذا استفصال، وإذا قال: مهندس الكون معناه أنه يهندس الكون مثلما يهندس المهندس العمارة فإنك تقول: أخطأت في المعنى وفي اللفظ، فهذه مسائل أهل السنة في هذا.
الغاية من بعثة الرسل
اعلم أن الرسل بعثوا جميعاً بتوحيد الله كما قال الله: { وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولاً أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ } [النحل:36] بعثوا بلا إله إلا الله، فهي دعوتهم جميعاً عليهم الصلاة والسلام، وقد تختلف شرائعهم في التفصيل، لكن لا تختلف في المعتقد .