منتديات الجلفة لكل الجزائريين و العرب - عرض مشاركة واحدة - استراتيجية الحرب الإقليمية على أرض الشام
عرض مشاركة واحدة
قديم 2012-08-23, 19:11   رقم المشاركة : 6
معلومات العضو
شمس الدين
محظور
 
إحصائية العضو










افتراضي

إستراتيجية التحرك

عندما تفحصت الخارطة السورية وجدت أن الحيز الوحيد الذي يصلح جغرافيا لقتال وحروب العصابات التي تناسبنا من خارج المدن هو الشريط الجبلي الممتد من "لواء إسكندرون" إلى لبنان بإتجاه الجنوب فهذا الشريط المقابل للساحل الشامي يتمتع بغطاء نباتي جيد في كثير من أجزائه وهذا مهم لتجنيب السكان المحليين مخاطر القتال بينهم إلا أن الأهم في الموضوع هو أن أي تمركز لنا في أعلى هذا الشريط من الجانب السوري وتحديدا في محيط جبال النصيرية سيعمل على تهديد مشروع خط الرجعة للدولة العلوية وسيربك تكتيكات النظام المحسوبة مسبقا وسيقدم لنا فرصة جيدة للرد المباشر على كل إعتداء تتعرض له مدن أهل السنة بعمليات مماثلة ضد قرى ومناطق النصيرية وهذا ما سيفقد العدو القدرة على الردع وسيفقده كذلك القدرة على الإشتباك بأسلحته المتفوقة كالطيران وسلاح المدرعات وسيعمل على زعزعة وحدة الصف النصيري بعد أن يذوقوا شيئا مما ذقناه ! وسيقلل من فائدة عمليات الإختراق الإستخباراتي في صفوفنا بما أن دائرة تمركزنا خارج المدن والمناطق التي يمكن أن تطوق بناء على الجهد الإستخباراتي .


فهذه النقلة الشطرنجية على ساحة الصراع ستقطع الطريق أمام الحل السياسي للقضية بعد كل هذا المشوار الذي قطع في ترويض الشارع والمعارضة والمحيط الإقليمي والدولي لأن هذا التمركز وما سيعقبه سيقدم فرصة ثمينة للمراهنة على نجاح الحل العسكري .

والأمر شبيه بالإرباك الذي يحدث لأي جيش في قيادته وبين وحداته عندما تظهر قوات مهاجمة من خلف خطوطه القتالية ! وسواء كان هذا التمركز ككتلة واحدة كما في موقع تورا بورا أو كمواقع صديقة تساند بعضها كما في المعسكرات الأمريكية التي أنشأت في "خي سان " شمال فيتنام وهي منطقة متقدمة في عمق أراضي "الفيتكونغ" إلان أن الموقع يجب أن يتمتع بمرونة عملية كي يستخدم كقاعدة إعداد وتدريب وإنطلاق للمجموعات القتالية ضد خطوط إمداد العدو ومراكزة ومناطقه السكانية .

وهذه المرونة يجب أن تشمل الموقع من حيث التجهيز ومن حيث الموقع نفسه بحيث يتم إختيار الموقع وفق شروط معينة ومتطلبات توضع في الإعتبار كأن لا يقع في محيط جغرافي مغلق وكأن يكون بالإمكان تموينه شهريا من مدن أهل السنة أو عن طريق الساحل فحل مشكلة التموين شيء أساسي هنا لأنها هي السبب في الإنسحاب من تورا بورا لأن مخزون الذخيرة لم يدم أكثر من شهر وهو السبب أيضا في الإنسحاب من " خي سان " لأن التمويل الجوي تعذر بعد أن وضع الجنرال جياب مدافعه المضادة للطيران فوق المرتفعات وبشكل مموه يصعب إستهدافه .

وهذه المرونة يجب أن تشمل أيضا الأساليب المستخدمة في مصاولة العدو والتأثير عليه كالصواريخ ذات الأمدية المختلفة لإستهداف قرى النصيرية وهذه تقودنا لمسألة مهمة تتعلق بضرورة الإعتماد على الذات في التصنيع العسكري لأن المعركة القادمة ستستهلك معدلات كبيرة من القذائف وأي نقص أو نفاذ للذخيرة سوف يخرجنا من الحرب لا محالة وهذا ما يعتمد عليه النظام والأنظمة المحيطة في ترويض الحراك العسكري فهذا المزلق أدى في كثير من القضايا إلى توقف القتال ولذا نجد أن من أهم القرارات التي تتخذ للسيطرة على أي أزمة هو قرار حظر الأسلحة وما يعقبه من مراقبه الحدود وشبكات التهريب وغيره .. والدول المحيطة بسوريا غير مأمونة الجانب في السماح بمرور السلاح سوء عن طريق تجار السلاح أو غيرهم وأي تفاهمات أو ضغوطات ستؤدي إلى إلغاء أي موافقة أو تغاظي سابق عن ذلك - كما في نهاية الثورة الأولى من قبل العراق والأردن - وهذا ما سيجعل المجاهدين والمقاتلين في سوريا تحت رحمة دول الجوار !

وتقنيات التصنيع الحربي المحلي قد تطورت كثيرا في السنوات الماضية ويستطيع المجاهدون بعد الإستعانة بالله ثم بأهل الخبرة في ذلك من تصنيع الصواريخ والقذائف كالهاون والآر بي جي والطلقات النارية والقنابل اليدوية والحرارية والعبوات بأنواعها وغيرها كثير مما يمكن تأمينه من خلال شبكة من الورش الصناعية في مدن أهل السنة .


وليس الغرض من هذه الورقات التعرض لمثل هذه التفاصيل ولكن من المهم أن ندرك المزايا التي سيقدمها لنا هذا الأسلوب في العمل والمتطلبات اللازمة لذلك ، وبالعودة على المسار الإستراتيجي أقول أن الهدف المرحلي من خلال العمل من هذا الموقع هو تسجيل حضور حقيقي ومؤثر على الساحة وعلى خط الصراع العالم ومن أجل تفعيل هذا الهدف يجب الدخول في مرحلة صمود طويلة من داخل هذه " القلعة " لإستنزاف العدو ونشر قواته على مساحة أكبر لتستهدفها خلايا العمل الخارجية واللعب معه بما نجيده من فنون التطويق والكمائن الجماعية وغيره

فبمجرد وجودنا وتمركزنا بشكل قوي في هذه المنطقة الحساسة بالنسبة للنظام سوف يجلب لنا حملات عسكرية متتابعة وهذا ما يجب أن نستثمره في الحصول على الغنائم وغيره أي أن الموقع سيكون بمثابة كمين ضخم ودائم بقدر ما هو تهديد مباشر للوجود النصيري وبإنتهاء هذه المرحلة نكون قد أمنا المحيط الجغرافي الذي سننطلق منه إلى المراحل اللاحقة وأعتقد بأن هذا المحيط يجب أن يشمل الخط الواصل من أدلب إلى الساحل الشامي ، فبعد تهجير سكان هذه المنطقة من النصيرية بإتجاه لواء إسكندرون يكون ظهرنا لتركيا والميمنة يغطيها البحر وهو وضع تكتيكي جيد سنستفيد منه عند الشروع في الإتجاه الإستراتيجي الجديد والأخطر نحو الجنوب ، وقبل الشروع في الحديث عن هذا الإتجاه أود أن أشير إلى أن نجاحنا في السيطرة العسكرية على خط ( إدلب - الساحل ) سيضع مشروعنا على السطح وسيصلط الأضواء علينا لأن المرحلة السابقة قد لا نخدم فيها إعلاميا ولكن دخولنا في هذه المرحلة سيكون بمثابة دخول قوات أنصار الشريعة في اليمن إلى زنجبار العام الماضي فمع أنهم كانوا يصولون ويجولون في عدة مناطق داخلية إلا أن مدينة بحجم زنجبار وضعتهم على السطح وأمام الجميع وهذا ما يجب أن الإنتباه له !

وإن كان دخول أنصار الشريعة لزنجبار سببا في بدء الحملة السعودية الأمريكية عليهم فإن السيطرة على خط ( إدلب - الساحل ) سيكون بإذن الله سببا كافيا لكسب الدعم المحلي والإقليمي ! فالعادة جرت أن طبقة الداعمين لا تبذل إلا للقوي خاصة في المعارك والحروب المصيرية وكسب هذه الطبقة بالإضافة إلى الطاقات الشبابية للتجنيد وغيره سيكون تحصيل حاصل بعد ذلك الفتح !


أما الأهم في هذه المسألة أن دخولنا في هذه المرحلة إن تم قبيل أو بعد نشوب الحرب الإقليمية بين الحلفين الشيعي والسني سيجلب لنا عروض الدعم العسكري والمالي والفني من قبل تلك الدول السنية وعلى رأسها السعودية وهذا أمر أعتقد بأنه سيطرح على الطاولة أيضا في الحالة اليمنية لمجابهة الخطر الحوثي ولا يخفى أهمية ركوب هذه الموجة والتحرك من خلالها لأنها سوف تختصر الكثير علينا كما أننا سنعتمد عليها كثيرا في بناء قوتنا العسكرية اللازمة للمراحل القادمة .

فنشوب الحرب الإقليمية سيعيد ترتيب الأولويات لدى تلك الأنظمة وسيخرج التيار الجهادي من دائرة الأعداء إلى دائرة الحلفاء بهدنة مشروطة أو ما شابه فتقاطع المصالح الذي ستحضره الحرب الإقليمية معها سيكون بمثابة بطاقة دعوة لنا للدخول على خط الصراع الإقليمي وبذلك نكون قد كسرنا معادلة النظام السوري الذي يحتمي بها .


وحسابات الحرب الإقليمية لن تساعدنا فقط في كسر التفوق العسكري للنظام النصيري بل وسنستفيد من الدعم الذي ستجلبه لتوسيع مساحة الحرب والدخول إلى لبنان ! فلبنان هي الإتجاه الإستراتيجي الثاني بعد مرحلة " القلعة " والحرب الإقليمية ستسهل إنطلاقنا عمليا نحو هذا الإتجاه وستشرعن له كذلك إلا أن ذلك يتوقف على وجود آلية لتلقي هذا الدعم وتوظيفه وهذا ما يقدمه لنا سيطرتنا الأولية على خط ( إدلب - الساحل ) فالمنفذ البحري هنا ضروري لإستقبال الدعم الخارجي أو لإستجلابه حتى لا نقع تحت رحمة الأتراك في تمرير ذلك ، وهذا ما استفاد منه المجاهدون في ليبيا عندما استخدموا البحر والمنافذ البحرية في كسر حصار النيتو والدول المجاورة بخصوص السلاح والنقل بل وفي كسر جمود الموقف العسكري عندما أنزلوا قرابة 200 قارب على سواحل العاصمة في عملية " فجر عروس البحر"


إذن نستطيع ترتيب أفكارنا منذ الآن ونقول بأن اختيار موقع "القلعة" سيكون على أساس معالجة مشكلة التموين وتهديد مناطق النصيرية واختيار خط ( إدلب - الساحل ) سيكون على أساس معالجة مشكلة تلقي الدعم الخارجي اللازم للمرحلة التالية سواء كان ذلك الدعم من خلال الأنظمة في الحلف السني أو من خلال شبكات الدعم الجهادية والتي يجب أن نوفر لها منفذ بحري لإستقبال دعمها البشري والمادي كما أن هذا المنفذ سيفتح لنا المجال أمام العمليات البحرية المساندة في عمليات السيطرة على مدن الساحل بالتوازي مع المجهود البري .


وأتوقف هنا لأعرج على نقطة غاية في الأهمية فكما هو معروف سوريا تعج الآن بمجاميع قتالية متنوعة منها ما يتبع للجيش الحر ومنها ما هو مستقل ويتبع له بالإسم ومنها مشاريع إسلامية أو جهادية أو عشائرية وهذا في عام واحد فقط والوضع مؤهل للزيادة مع أي تمدد للعمل المسلح وهذا المستنقع العسكري جيد في إنهاك وتبديد قوات النظام إلا أن مجاراة هذه العشوائية غير مفيدة لما نحن بصدده وقد تتسبب لنا بنفس التشتيت الذي تتعرض له قوات النظام ! ولذا أرى أن نختار العمل ككتلة متحدة وفي نطاق معين ومدروس في كل مرحلة وهذا له فوائد سنعرج عليها لاحقا ولكن المهم الآن أن ندرك خطورة تشتيت القوة مع هذا الوضع الذي أعتقد بأن من يتقن " حشد القوات" هو من سيحسن التحرك في هذه المعمعة وهذا ما يقدمه لنا التمركز في القلعة ثم الإنتقال إلى خط إدلب الساحل ثم الإتجاه إلى الجنوب في الشريط الجغرافي التي يضم ( إدلب - بانياس - طرطوس - اللاذقية - حماة - حمص - دمشق - بالإضافة إلى طرابلس من لبنان ) فهذا المستطيل الجغرافي هو الأهم في منطقة الشام وهو الأفضل من ناحية التضاريس لتحركاتنا وهو الأكثر إكتفاء ذاتيا من ناحية الأمن الغذائي بشقيه الزراعي والمائي ومن ناحية توفر ساحل ومنفذ بحري للمنطقة وهذا ما يؤهل هذا المستطيل لمقاومة أي حصار إقتصادي يفرض عليه في أي مرحلة !


كما أن هذا المستطيل سيتيح لنا تفعيل مبدأ " إستمرار الصراع " وهو أحد مرتكزات الإستراتيجية فوجودنا شمال لبنان سيعمل على ذلك كما كان يفعل وجود الجيش السوري في لبنان سابقا ، فكلا الأمرين يعمل على توسيع دائرة الصراع ويربط بين خيوطها بحيث لا تحل قضية دون أخرى .

واستراتيجيا تعتبر سيطرتنا القوية على هذا المستطيل الجغرافي سقوط غير مباشر لبقية مناطق الشرق السوري و القصد من التحشد هنا إلى جانب ما ذكرنا هو تجنب تشتيت القوة الذي قد يفرضه الإنتشار الواسع بالإضافة إلى أن من مرتكزاتنا أن نحافظ على " الدور الوظيفي " لطاقاتنا وأي تمدد لإدارة بقية المدن والمناطق سوف يضاعف من مسؤولياتنا الإدارية والتزاماتنا نحو الناس والأخطر أنه سيضعنا في احتكاك مباشر مع بقية القوى الصديقة حينئذ سواء كانت عشائرية أو قومية أو إسلامية أو وطنية أما تموضعنا على خط إدلب الساحل وانطلاقنا بالمجهود الرئيسي من ذلك الخط بإتجاه الجنوب كما أسلفنا والمعارك الناتجة عن ذلك سيتيح لنا تنفيذ عملية تمشيط كاملة وكنس لأي قوى موجودة ضمن هذا الشريط بحيث لا تنتهي المعركة مهما طالت ولا تصل إلى طرابلس أو دمشق إلا ونحن لم نترك خلفنا قوات لا تتبع لنا سواء من قواتنا الأصلية أو ممن رضخ للواقع وانضم إلينا فمثل تلك المجاميع العشوائية لا تلقي القياد ولا ترضخ إلا بوجود قوة كبيرة ومنظمة تخشى سطوتها خاصة إن كانت هذه السطوة في ظل إنتصارات كبيرة كتلك التي ستنتج عن دحر بقية قوات النظام في المستطيل الجغرافي .


أما على مستوى الصراع الثنائي مع الجيش النظامي فإن إختيارنا لهذا الإتجاه الإستراتيجي للتحرك هو إزاحة وإخراج للجيش من منطقة الخندق الذي يتحصن بها وأي نجاح نحققه هنا سيعرض بقية فرق الجيش في الوسط والشرق والشمال والجنوب السوري إلى أن تكون مكشوفة وتقدم أيضا فرصة كبيرة لإحداث الإنشقاقات وتفتيت وحدات الجيش بسقوط منطقة الرأس منه ! وهذا ما لا تفعله السيطرة على الشمال أو الشرق أو الجنوب لأن النظام يرتكز على وجوده العسكري والطائفي القوي في هذه المنطقة ولذلك جعل منها مخزن إستراتيجي للسلاح والذخيرة وهذه نقطة يجب أن نراعيها عند ترتيب أولوياتنا في العمليات الهجومية فإنطلاقنا من خط إدلب الساحل إن تم بطريقة هندسية تؤدي وتعمل على إحداث إنهيار عام بين وحدات الجيش السوري سيقود ذلك إلى ترك المعسكرات ومخازن السلاح دون مقاومة كما حدث معهم في الجولان 67 وكما يحدث عادة مع كل عملية هجومية جريئة وشجاعة ! وعادة تترك هذه المخازن ويتم التركيز على متابعة المطاردة لإستثمار النصر ولكن بوجود قوى صديقة "متطلعة" يجب ألا تترك هذه المخازن بلا حراسة أو لنقل أنه وحتى بعدم حدوث الإنهيار المطلوب في صفوف العدو يجب أن نبرمج تحركاتنا بهدف السيطرة على تلك المناطق والمخازن العسكرية كهدف أهم من السيطرة على المدن أثناء الحرب لأن الأولى ممهدة ومعينة على الثانية والعكس قد يكون غير صحيح خاصة إن إنشغلنا بمصاولة الجيش وانشغل غيرنا بتحميل الغنائم والتي يفترض أن نحافظ عليها كإحتياطي إستراتيجي للحروب القادمة وكظمان لعدم بروز أي قوى أخرى بفعل ذلك .


ومن الجدير بالدراسة أن نحدد الوقت الملائم لإعلان النفير العام فوصولنا إلى هذه المرحلة سيتيح لنا ذلك وبوجود السلاح والرجال نستطيع من خلال ذلك وبعد وقفة تعبوية الدخول في المرحلة التالية وقد لا نستطيع قراءة شيء منذ الآن نحو تلك الفترة ولكن وصولنا إلى تلك العتبة أعتقد أنه سيكون في ظل وضع عسكري ساخن في المنطقة ككل وقد تعم تلك السخونة الأردن فإن تم ذلك من خلال تأثيرات الحرب الإقليمية فهذا جيد وإن تم من خلال أي حراك عسكري سوري ضد الأردن تحت أي ظرف أو دعوى فهذا جيد وإن تم من خلال مخيمات اللاجئين السوريين كما حدث أيام الحراك العسكري لمخيمات الفلسطينيين فجيد أيضا وإن تم بفعل أي عمليات تهجير جماعي للفلسطينيين من الضفة الغربية بإتجاه الأردن وهو سيناريو سيتطلع إليه اليهود حتى يستفيدوا من غبار المعارك في المنطقة لتنفيذ ما يتطلعون إليه منذ أمد !

والمهم أن أي تحرك يغير الوضع العسكري والأمني في الأردن حتى لو كان ثورة داخلية سيكون بوابة لنا للدخول إلى الأردن وهذه خطوة مهمة في تطويق العدو الأهم " إسرائيل " فاليهود في مكان قوة لا يمكن تجاهله في الميزان العسكري وأي جبهة نفتحها عليهم من مكان ضيق كالجولان أو جنوب لبنان قد لا تأتي بالنتائج المطلوبة وقد لا نخرج منها بطائل أما دخولنا الحرب معهم من خلال جبهة تمتد لأكثر من 500 كيلو كما تقدمه الجبهة الأردنية وبغطاء سكاني مساند كما تقدمه الضفة الغربية وبخطوط إمداد مفتوحة من كل الإتجاهات الخلفية والجانبية من العراق والشام وجزيرة العرب فهذا من شأنه أن يوسع خياراتنا العسكرية ويعطينا العمق الجغرافي اللازم لمقابلة عدو لدود ومتقدم ومتربص وذكي كالعدو الصهيوني !

كما أن دخولنا للأردن هو بمثابة إعلان حرب على إسرائيل وبمثابة إخراج للأفعى من جحرها ! لأن نظرية الأمن الإسرائيلي الحالية تقوم على وجود كيان صديق في الأردن ولذا ما زالوا يعتبرونها دينيا واستراتيجيا الضفة الشرقية لإسرائيل واكل يذكر كيف هددوا بضرب الجيش السوري إن دخلت دباباته الأردن أثناء معارك أيلول الأسود !


وهذا الإتجاه الإستراتيجي الثالث في الخطة العامة يأتي لتغذية مبدأ " إستمرار الصراع" الذي سنستفيد منه في تهذيب وإعادة ترتيب أوضاع المنطقة كما شرحت في السابق ، فمن خلال هذه السلسلة المتواصلة من أنواع الصراع يمكننا تجنب الجمود العسكري الذي تفرضه القوى العظمى ليتسنى لها ممارسة أدوارها المعروفة في قلب الطاولة من الداخل وعبر أدواتها المتنوعة ولكن إستمرار الصراع بهذا الشكل الشبيه بسقوط أحجار الدومنة سيوحد صفوف المسلمين في الداخل والخارج خلف القوة التي ينتمون إليها بحكم هذا الصراع واستمراره وسيقلل من فرص إمكانية إحداث أي خرق في هذا الصف .

والفكرة هنا تعود لمبدأ معروف وقد تعرض له ابن خلدون في مقدمته وهي أن مرحلة بناء الدولة والحروب التي تنشأ بسبب ذلك تجعل الكلمة الأولى لأصحاب "السيف" وأي إستقرار يحدث لاحقا تنتقل معه الكلمة إلى أصحاب "القلم" وحالتنا هذه إن إستمر فيها الصراع فستكون الكلمة الأولى لنا أما إن حصل إستقرار أو جمود في الموقف العسكري قبل إنتهائه لصالحنا بالكامل فسوف تنتقل الكلمة وسيفتح الباب لمن سيقدم لشعوب المنطقة الحل السياسي للخروج من الأزمة والأمر شبيه بما يحدث دائما في لبنان فعند نشوب النزاعات المسلحة تتجه الأنظار وينصب الإهتمام نحو أصحاب السلاح كحزب الشيطان وغيره كما حدث في 2006 وفي الحرب الأهلية وعند المفاوضات وعقد الإنتخابات تنشأ كيانات ليس لها رصيد عسكري سابق كتيار المستقبل مثلا وأي قوة تريد تغيير هذا الواقع الحركي عن العمل بهذه الطريقة يجب أن تدخل وتعمل على إستمرار الصراع حتى ينشأ التغيير المنشود وهذا ما فعله وحرص عليه الجيش السوري في إجتياحه للبنان حتى يستمر الصراع ولا ينتهي إلا بحل مربوط بمسألة الجولان وما فعله الجيش الإسرائيلي أيضا في 82 .

وحتى لا أتهم بأني أحاول أن أجرب أفكاري الخاصة على المسلمين فنفس هذا السيناريو موجود ومعد عند الأعداء وإن لم نسحب منهم أرضية العمل التي تحقق لهم ذلك فسنكون نحن الضحية لا محالة ! فاليهود يترقبون لأي أوضاع ساخنة حتى يشرعوا في مخططاتهم القديمة المتعلقة بإسرائيل الكبرى وإن كانت الظروف السياسية لم تساعدهم سابقا في تنفيذ ذلك فإن الظروف القادمة ستقفز بهذه المشاريع التي يقف خلفها كبار الصهاينة بكل قوة لتوضع على طاولة مجلس الحرب للتنفيذ وهذا ما دعا "كسنجر" لتلميحاته في تصريحاته الأخيرة بأن الأوضاع المقبلة ستدعوا أمريكا إلى إحتلال 7 دول نفطية وأن إسرائيل ستستغل جو المعارك وهذه الحرب الشرسة في قتل أكبر قدر من العرب !!

فعراب الدبلوماسية الأمريكية كما يسمونه لم يعرض أو يلمح لإسرائيل بأن تحتل بل لمح لها بأن تقتل وهذا يشير إلى مسألة تغيير الواقع السكاني فهذا الأخير هو الذي يمهد لتوسيع إسرائيل وليس مجرد الإحتلال الذي جربوه وعانوا من مشاكله اللاحقة كما في الضفة و قطاع غزة .

كما أن الجانب الصفوي النصيري يسعى ومنذ مدة إلى تغيير الجغرافيا السكانية في منطقة الشام ومشاريع التوطين الفارسي معروفة في الشام ولا تحتاج لدليل كما أن مشروع التوطين الفارسي الناجح في العراق سيناريو مشجع لتكراره في الشام إلا أن المنطقة الثانية تحتاج لتطهير عرقي وتهجير أكبر مما حدث لأهل السنة في العراق والذين لا يزالون حتى الآن في مناطق اللجوء في شمال العراق والأردن وسوريا .


إذن فأي طرف لا يرتقي لمستوى ودرجة الصراع هنا قد لا يحدث أي تأثير لصالحه وقد ينشغل بنتائج المشاريع الأخرى وبمعالجة أعداد وأوضاع اللاجئين من أهل السنة الناتجة عن ذلك كما حدث مع المجاهدين في العراق .


والمقصود من هذه المناقشات المتنوعة لجوانب الإستراتيجية هو أن أبين أن منطقة الشام مؤهلة لأنواع كثيرة من الصراعات والمشاريع والمتغيرات وهذا لا يمكن مجاراته بردات فعل في وقتها وإنما بإستراتيجية تحرك ثابتة تصمد أمام أي متغير مهما كان ومن أي إتجاه خرج وهذا ما دعاني منذ البداية إلى وضع مرتكزات عامة توفر لنا التعايش مع أي صراع وتحت أي ظرف كان وهي ما تعرضت لها عند مناقشة العناصر الثلاثة الخاصة بالمرونة والدور الوظيفي وإستمرار الصراع .


وبما أن المشهد الأكثر خطورة على الإطلاق هو ما يتعلق بالإتجاه الإستراتيجي الثالث نحو " فلسطين المحتلة " والذي يعتبر دخول الأردن أول خطوات الشروع فيه فيجب أن نزيد من ترتيب وضعنا الإستراتيجي بما يناسب ذلك ، لأن هذه النقطة قد تدخلنا في مواجهة مع القوى العظمى بنفس الوقت وقد تنهي أي هدنة معقودة مع أي طرف سابق في الحرب الإقليمية مع الحلف الشيعي وقد تتبدل كثير من الأوراق مع ذلك ، ومن أجل إتخاذ أفضل الإستراتيجيات الإحترازية لتفادي مثل هذه المخاطر أرى أن نكتفي بشمال لبنان دون التوغل في وسطه أو جنوبه لأن هذه المنطقة من الوسط إلى الجنوب ستعمل كمصد واقي ضد أي تقدم يهودي على هذا المحور وذلك لوجود حكومة محايدة بالإضافة لقوات الحزب المتمركزة في الجنوب ، وبوجود منطقة خالية من القوى المعادية في الشرق السوري وصحراء الأنبار يبقى علينا تأمين المنطقة الشمالية حتى نقلص الإتجاهات التي نريد التعامل معها من أربعة إلى إثنين ولذلك أرى أن نعيد تمركزنا في هذه المرحلة ونركزه في المربع الجغرافي الذي تحده جبال لبنان الشرقية من الغرب وحمص من الشمال ودمشق من الجنوب لأن أي قوات تتموضع في مثل هذه المنطقة ستكون في مأمن من مخاطر القصف البحري الذي قد تشنه بارجات العدو على تواجدنا العسكري في الساحل فنكون أهداف سهلة لتلك البارجات - وهذا ما يحدث الآن لمدن زنجبار ووقار في اليمن لقربها من خليج عدن فأصبح من السهل على الزوارق الأمريكية والبريطانية إستهداف المدينتين - وسيوفر أيضا الغطاء النباتي والجبلي فرصة جيدة للإحتماء من أخطار القصف الجوي فيبقى بذلك أخطار الزحف البري المدرع والتموضع في هذا المربع يوفر فرص تعامل جيدة لإستيعاب أي محور إقتراب يختاره العدو وهذا يفوت عليه الإستفادة من مبدأ " المباغتة " أهم مبادئ الحرب .


أما مسألة تأمين المنطقة الشمالية فأعتقد أنها تتم بتحويلها لمنطقة " قتل " أو لخطوط قتال تعطيلي لأي قوات قادمة من إتجاه تركيا ، وتضاريس الجبال في المناطق الشمالية وشريطها الممتد إلى الجنوب يساعد على مثل ذلك النوع من القتال ، أما الساحل فأرى والله أعلم أنه لم يستفيد جيش في التاريخ المعاصر من تحصين سواحله ضد أي إنزال بحري أو برمائي ! فالمهاجم - الجرئ والذكي - من جهة البحر في موقف أفضل دائما كما أن ذلك يشتت الطاقات ويتعب الأعصاب من طول فترة الترقب وعمليات إنزال النورماندي وآشتون وخط بارليف بالإضافة إلى سلسلة إنزالات المارينز في مسرح المحيط الهادئ شاهدة بذلك .. ولذلك أرى أن نترك الساحل كما هو مع التركيز على أعمال الإستخبارات البحرية وتدمير كل الأرصفة البحرية والإكتفاء بموانئ صغيرة لأغراض الصيد والنقل البحري بين مدن الساحل حتى لا تستخدم هذه الموانئ والأرصفة في إنزال القوات والمعدات والآليات .. فالجيوش النظامية تبحث أولا عن إمكانية الإستيلاء على الموانئ فإن لم تجد أمامها شيء ذهبت تخطط لعمليات الإنزال وهذا يرتبط بأحوال الطقس وطبيعة الساحل وغيره بعكس الموانئ الجاهزة وهذا يقلل من فرص العدو في التحرك ويحدد أمامنا تواريخ وأماكن معينة لمعرفة إحتمالات الإنزال من خلال أحوال الطقس وقابلية الأرض !


وتموضعنا السابق سوف يكشف خطوط الإقتراب لأي إنزال في أي جهة على الساحل وفي وقت مبكر ، وهكذا نكون قد وصلنا إلى منطقة التحصين الثالثة بعد خط إدلب - الساحل والمستطيل الجغرافي ، فخط إدلب الساحل هو تموضعنا القتالي تجاه جيش النظام النصيري وتموضعنا في المستطيل الجغرافي هو الخط القتالي ضد الحلف الشيعي أما التموضع في المربع الجغرافي فهو القاعدة لأي إنطلاقة بإتجاه الأردن ففلسطين المحتلة .


وأعتقد بأن نجاحنا التكتيكي في العمل ككتلة واحدة ومتنامية عبر عدة مراحل ثم دخولنا في هذه المرحلة التي طال إنتطار الأمة لها سيعمل على تمهيد ضم مدن ومناطق الغرب الشامي لنا بعد أن نكون قد سحبنا البساط من تحت أي قوى غير متوافقة معنا فهذه المدن قد أهملنا التعامل معها بقصد لأنها تقع ضمن دائرة ميتة ومتعبة في ظل المراحل التي نريد العمل من خلالها والفوز بهذه المناطق بما فيها حلب سيكون في متناول اليد بعد نجاح المرحلة الثانية وبعد تمركزنا الأخير للإتجاه الإستراتيجي الثالث وليس قبل ذلك .


واستراتيجيا يعتبر دخولنا الأردن - تحت أي ظرف - بمثابة تحطيم للجدار الفاصل بين الشام وجزيرة العرب فعندها ستأخذ معركة تحرير فلسطين بعدا آخر لا يتوقف على إمكانياتنا فقط بل سنوظف أي قوى أخرى راغبة في المشاركة سواء كانت شعبية أو رسمية أو جهادية ففتح الأردن سيكون مقدمة وتوطأة لعمليات إمداد بشري وعسكري من كافة البلدان العربية والإسلامية التي تستطيع العبور إلى جزيرة العرب ثم الشام وهذا ما لم يتم في السابق أي أن مسلمي الهند وباكستان وأندونيسيا وغيرهم وبعد أن تتغير موازين القوى بين الأنظمة الحاكمة والشعوب واستقلال الثانية بتحركاتها أكثر بفعل التغيرات الكبيرة التي ستشهدها المنطقة سيجدون معبرا سالكا نحو جزيرة العرب ومعبرا آخر إلى الجبهة الشامية مباشرة .

وأهمية ذلك تعود إلى أننا لن نستطيع مع تطور الحصار البحري المصاحب للدخول في هذه المرحلة لن نستطيع إستقبال أي معونات أو إمدادات من طريق الساحل أو من الشمال - إن لم يتغير النظام التركي كعضو في النيتو - وسواء كانت هناك تطورات على جبهة سيناء أم لا فستبقى الجبهة الشامية الممتدة من أطراف درعا إلى العقبة هي الساحة الإستراتيجية للحرب التي يمكن أن ندخلها بما نملك فسيناء وما يقابلها من فلسطين في صحراء النقب أرض مدرعات ولا يمكن مزاولة أي نشاط آخر دون ذلك وهذا ما يجعله بالنسبة لنا إتجاه ثانوي قد نستخدمه عندئذ في حالة وجود قوى حليفة لجذب قوات العدو لا غير أما المعركة الأساسية فهي على طول الجبهة الشامية .


والحقيقة أن الحديث عن هذه المعركة حديث ذو شجون إلا أننا نقتصر هنا على تناول الخطوط العريضة للصراع ولولا الحاجة لمعرفة ما قد ينتج عن ذلك لما أسهبت فيما وراء ذلك ، وقد يقول قائل ولما القفز على الواقع ؟ عندما يحدث شيء بخصوص فلسطين فلكل حادث حديث وأقول بأن الحادث قد وقع بالفعل وبقي الحديث !! فالبداية التي كنا نبحث عنها كمدخل لمعركة فلسطين قد أتتنا من حيث لا نحتسب فكل نظريات تحرير فلسطين سواء كانت نظريات قومية أو وطنية أو إسلامية أو جهادية لم تجدي نفعا وأكثرها كان حبرا على ورق حتى تلك التي كتبها الشيخ أسامة بن لادن رحمه الله تحت عنوان " خطوات عملية لتحرير فلسطين" وقد كنت متحمسا لها بعد أن كنت متحمسا للعمل المسلح المنطلق من قطاع غزة ثم فقدت الحماس لكلا المشروعين لمباعدته عن الواقع وأدركت أن الأمر يحتاج لثغرة مناسبة ومباشرة للدخول في تلك المعركة وهذا ما شجعني على كتابة " إستراتيجية الحرب المرتقبة" قبل أكثر من عامين والتي إرتكزت على إستغلال الحرب الإقليمية بين الحلفين الشيعي والأمريكي لإحتلال موطأ قدم على الجولان أو جنوب لبنان وأرجو أن يرجع إلى المقالة لأهميتها في محاكاة الصراع القادم أما الآن وبعد زلزال الثورات العربية والثورة السورية على وجه الخصوص واقتراب إشتعال الحرب الإقليمية فالثغرة التي طال إنتظارها قد أتت والحقيقة أنها أكبر من ثغرة لأن ما كنا نطمع به من موطأ قدم في جنوب لبنان أو على جبهة الجولان أصبح أكثر من 500 كيلو مع إرتداد وعمق إستراتيجي آمن وهذا كله يتوقف بعد توفيق الله سبحانه وتعالى على حسن إدارة الصراع من جانبنا ومنذ اليوم .




وصل اللهم وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين

عبدالله بن محمد










رد مع اقتباس