منتديات الجلفة لكل الجزائريين و العرب - عرض مشاركة واحدة - * مــآ مضـى فــآت *
عرض مشاركة واحدة
قديم 2012-08-13, 22:56   رقم المشاركة : 1
معلومات العضو
ليندا ب
عضو مميّز
 
إحصائية العضو










افتراضي * مــآ مضـى فــآت *



تذكُّرُ الماضي والتفاعلُ معه واستحضارُه ، والحزنُ لمآسيه حمقٌ وجنونٌ ،

وقتلٌ للإرادةِ وتبديدٌ للحياةِ الحاضرةِ. إن ملفَّ الماضي عند العقلاء يُطْوَى ولا يُرْوى ،

يُغْلَقُ عليه أبداً في زنزانةِ النسيانِ ،

يُقيَّدُ بحبالٍ
قوَّيةٍ في سجنِ الإهمالِ فلا يخرجُ أبداً ، ويُوْصَدُ عليه فلا يرى النورَ ؛

لأنه مضى وانتهى ، لا الحزنُ يعيدُهَ ، ولا الهمُّ يصلحهُ ،

ولا الغمَّ يصحِّحُهُ ، لا الكدرُ يحييهِ ، لأنُه عدمٌ ، لا تعشْ في كابوس الماضي وتحت مظلةِ الفائتِ ، أنقذْ نفسك من شبحِ الماضي ،

أتريدُ أن ترُدَّ النهر إلى مَصِبِّهِ ، والشمس إلى مطلعِها ،

والطفل إلى بطن أمِّهِ ، واللبن إلى الثدي ، والدمعة إلى العينِ ،

إنَّ تفاعلك مع الماضي ، وقلقك منهُ واحتراقك بنارهِ ، وانطراحك على أعتابهِ وضعٌ مأساويٌّ رهيبٌ مخيفٌ مفزعٌ .



القراءةُ في دفتر الماضي ضياعٌ للحاضرِ ، وتمزيقٌ للجهدِ ، ونسْفٌ للساعةِ الراهنةِ ،

ذكر اللهُ الأمم وما فعلتْ ثم قال : ﴿ تِلْكَ أُمَّةٌ قَدْ خَلَتْ ﴾

انتهى الأمرُ وقُضِي ، ولا طائل من تشريحِ جثة الزمانِ ، وإعادةِ عجلةِ التاريخ.



إن الذي يعودُ للماضي ، كالذي يطحنُ الطحين وهو مطحونٌ أصلاً ،

وكالذي ينشرُ نشارةُ الخشبِ .

وقديماً قالوا لمن يبكي على الماضي :

لا تخرج الأموات من قبورهم ، وقد ذكر من يتحدثُ على ألسنةِ البهائمِ أنهمْ قالوا للحمارِ : لمَ لا تجترُّ؟ قال : أكرهُ الكذِب.



إن بلاءنا أننا نعْجزُ عن حاضِرنا ونشتغلُ بماضينا ، نهملُ قصورنا الجميلة ، ونندبُ الأطلال البالية ، ولئنِ اجتمعتِ الإنسُ والجنُّ على إعادةِ ما مضى لما استطاعوا ؛ لأن هذا هو المحالُ بعينه .



إن الناس لا ينظرون إلى الوراءِ ولا يلتفتون إلى الخلفِ ؛ لأنَّ الرِّيح تتجهُ إلى الأمامِ والماءُ ينحدرُ إلى الأمامِ ، والقافلةُ تسيرُ إلى الأمامِ ، فلا تخالفْ سُنّة الحياة .



** من روائـــــع كتاب لاتحزن للشيخ عائض القرني **








 


رد مع اقتباس