*خامساً: من الاعتداء في الدعاء أيضا تلك الأدعية التي تحوي في ثناياها ألفاظا أو جملاً محذورة أو مُوهِمَة و مخالفة للشرع بل في بعضها ما يقدح في التوحيد ويخدش في الايمان فمنذلك :
1ـ قول بعضهم ( اللهم أبرم لهذه الأمة أمر رشد يعز فيه أهل
طاعتك ويذل فيه أهل معصيتك ).ففي هذا الدعاء من المحاذير :
* أنه فيه تزكية للنفس وكأن الداعي معصوم أو أنه لم يقع في
شيء من المعاصي والخطأ .
*وفيه أيضا : دعاء على النفس وعلى الناس بالذل فإن الانسان لا
يخلو من الوقوع في الخطأ فقد قال عليهالصلاة والسلام (كل بني
آدم خطاء وخير الخطائين التوابون.
أن المفترض أن يُدعى للناس بالهداية فهم أحوج ما يكون الى
ذلك بدل أن يدعى عليهم ، ولا أدري متى سيحصل للأمة عزة
وهداية وبعض الأئمة والخطباء ما زالوا يدعون بالذل على من
يصلون خلفهم فيقنوتهم وخطبهم ؟؟ قال عليه الصلاة والسلام (لا
تدعوا على أنفسكم ، ولا على أولادكم، ولا على أموالكم ،
فتوافقوا ساعة فيستجيب الله لكم )رواه مسلم في الصحيح .
2ـ قول بعضهم في الدعاء (في السماء ملكك ، وفي الأرض
سلطانك ، وفي البحر عظمتك .. (.
وقد سئلت اللجنة الدائمة للإفتاء عن هذه العبارة فكان الجواب :
" أماالعبارة المذكورة في السؤال فتركها أولى ؛ لأن فيها إيهاماً
فقد يظن منها البعض تخصيص الملك بالسماء فقط ، أو السلطان
بالأرض فقط ، وهكذا .
وعظمة الله وملكه وسلطانه وقهره عام في جميع خلقه " .ا.هـ 26/369 .
3ـ قول بعضهم (يا من لا تراهالعيون ، ولا يصفه
الواصفون ...الخ(.
جاءت هذه الرواية عند الطبراني وفيهاعنعنة هشيم وهو مدلس ،
وشيخ الطبراني يعقوب بن اسحاق ، قال الهيثمي : لم أعرفه .
السلسلة الضعيفة 10/128.
** قال العلامة ابن عثيمين رحمه الله (14/143) في جوابه عن
حكم مثل هذا الدعاء فقال :" هذه أسجاع غير واردة عن النبي
صلى الله عليه وسلم،وفيما ورد عنه من الأدعية ما هو خير منها
من غير تكلف.
والجملة الأولى: (يا من لا تراه العيون) إن أراد في الآخرة أو
مطلقاً فخطأ مخالف لما دل عليه الكتاب والسنة وإجماع السلف
الصالح من أن الله تعالى يرى في الآخرة، وإن أراد في الدنيا فإن
الله تعالى يُثنى عليه بالصفات الدالة على الكمال والإثبات لا
بالصفات السلبية. والتفصيل في الصفات السلبية بغير ما ورد من
ديدن أهل التعطيل. فعليك بالوارد، ودع عنك الجمل الشوارد. "ا.هـ.
** وقال العلامة الفوزان عن هذا الدعاء :أما ما ذُكر في
السؤال؛ فلم يرد في كلام الله وكلام رسوله فيما أعلم؛ فلا
ينبغي الدُّعاء به. وأيضًا فيكلمة:( لا يصفه الواصفون)! نظرٌ
ظاهرٌ؛ لأن الله سبحانه يوصف بما وصف به نفسه، أو وصفه به
رسوله صلى الله عليه وسلم، وربما يكون هذا اللفظ منقولاً عن
نفاةالصِّفات. (المنتقى1/49).ا.هـ.
4ـ قول بعضهم (يا من أمره بين الكافوالنون (.
قال العلامة ابن عثيمين رحمه الله في شرح الأربعين النووية ص76 :
وبهذهالمناسبة أود أن أنبه على كلمة دارجة عند العوام حيث
يقولون (يامن أمره بين الكاف والنون) وهذا غلط عظيم ،
والصواب : (يامن أمره بعد الكاف والنون) لأن مابين الكاف
والنون ليس أمراً ، فالأمر لا يتم إلا اذا جاءت الكاف والنون ؛
لأن الكاف المضمومة ليست أمراً والنون كذلك ، لكن باجتماعهما
تكون أمراً.ا.هـ .
5ـ قول بعضهم (يا فرد يا صمد (.
وقد جاء في حديث (( أشهد أنك فرد أحد صمد )) قال عنه
البيهقي : اسنادالحديث ليس بالقوي (انظر الأسماء والصفات
للبيهقي :116 ، 11(.
وقد سئل العلامة الفوزان : هل يوصف الله تعالى بالقِدَم؛ كأن
يقول القائل: يا قديم! ارحمني!أو ما أشبه ذلك ؟ وهل الفرد من
أسماء الله تعالى ؟ أفتوني مأجورين.
الجواب: ليس من أسماء الله تعالى القديم، وإنما من أسمائه
الأول، وكذلك ليس من أسمائه الفرد، وإنما من أسمائه الواحد
الأحد؛ فلا يجوز أن يقال: يا قديم! أو:يا فرد! ارحمني! وإنما
يقال: يا من هو الأول والآخر والظاهر والباطن! يا واحد أحد فرد
صمد! ارحمني واهدني... إلى غير ذلك؛ لأن أسماء الله
تعالى توقيفية، لا يجوز لأحد أن يثبت شيئًا منها إلا بدليل.
والله أعلم.(المنتقى1/27 .(
6ـ قول بعضهم (اللهم عليك باليهود ومن هاودهم (.
قال الفيروزآبادي في القاموس المحيط ص420 :
المهاودة : الموادعة والمصالحة والممايلة، والهوادة :اللين
ومايرجى به الصلاح والرخصة .ا,هـ .
قلت : وهذه من عظيم الرزايا أن يدعو بعضهم بمثل هذا الدعاء
ولا يعلم معناه لا من جهة اللغة ولا حكمه ومايترتب عليه من
جهة الشرع وهذه مصيبة البعض ان يردد أدعية لا يفقه معناها اذ
قد يترتب عليها لوازم خطيرة لولا اننا حكمنا بجهله لكان للشرع
فيه حكم آخر.
وقد سئل العلامة الفوزان : ما حكم قول بعض خطباء المساجد في
نهاية الخطبة: (اللهم عليك باليهود ومن هاودهم). ألا يدخل في
ذلك النبي صلى الله عليه وسلم؟ لأنه قد هاوداليهود ووادعهم،
فهل هذا اعتداء في الدعاء؟
ج: نعم،(هاودهم) هذه الكلمة معناهاالمصالحة، هاود معناه
المصالحة، واليهود يجوز الصلح معهم، إذا كان فيه
مصلحة للمسلمين، يجوز الصلح معهم كما صالحهم رسول الله
صلى الله عليه وسلم في المدينة، وكما صالح قريشاً في الحديبية،
الصلح إذا كان من مصلحة المسلمين فإن الكفاريُصالَحون لأجل
مصلحة المسلمين، هذا هو الحق، أما كلمة (هادوهم) معناه أن
الرسول يدخل في هذا، وسبق أني نبهت واحد على هذه اللفظة،
لكنه لم يتجنّبها هداه الله.(شريط (4) وجه (ب) من شرح الحموية
4/11/1424هـ).
قلت : بل ويشمل هذا الدعاء كل حكام المسلمين الذين صالحوا
اليهود قديما وحديثا ، فتأمل أيها اللبيب .
7ـ ومن صورالاعتداء في الدعاء (الدعاء على عموم الكفار
بالهلاك والاستئصال).
ويدل لهذا : اولا : ان الرسول عليه الصلاة والسلام لم يثبت انه
دعا على عموم الكفار وانما دعاعلى قبائل أو أشخاص بأعيانهم ،
بل لما جاءه ملك الجبال وعرض عليه أن يطبق عليهم الأخشبين
؟ فقال : لا، لعل الله أن يخرج من أصلابهم من يعبد الله لا يشرك
به شيئاً.
بل انه لما دعا على بعضهم بأسمائهم نزل قوله تعالى (ليس لك
من الأمر شيءأو يتوب عليهم أو يعذبهم) .
وقد روى مسلم في الصحيح عن أبي هريرة قال قيل يارسول الله
ادع على المشركين قال (( إني لم أبعث لعانا وإنما بعثترحمة((.
ثانياً: أن هذا يخالف مقتضى حكمة الله من بقاء الكفار الى يوم
القيامة ، بل ان الساعة لا تقوم الا على شرار الخلق، وأيضا
سيترتب على هذا تعيطل باب الولاء والبراء ، وباب الجهاد.
ثالثاً:أنه ليس للمسلم أن يدعو بالإستئصال على من أمرهالله بأن
يبرهم ويقسط إليهم كما قال تعالى (لا ينهاكم الله عن الذين لم
يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم وتقسطوا
إليهم إن الله يحب المقسطين).
بل كيف يستقيم أن يدعو المسلم على زوجته الكتابية بالهلاك مع
أن الله تعالى قد أذن له في نكاحها ، وامتن عليهما بقوله تعالى
(وجعل بينكم مودة ورحمة ) ؟ أم كيف يستقيم أن يدعو الولد
المسلم على والديه بالهلاك ان كانوا كافرين ، والله جل وعلا
يقول عنهما(وصاحبهما في الدنيا معروفاً) .فإن الدعاء على عموم
الكفار يشملهما ، فهل هذه هي المصاحبة بالمعروف ؟
قال العلامة ابن عثيمين رحمه الله في شرح كتابالتوحيد عند :
باب قوله تعالى ( أيشركون مالايخلق شيئا وهم يخلقون ): أما
الدعاءبالهلاك لعموم الكفار، فإنه محل نظر، ولهذا لم يدع النبي
صلى الله عليه وسلم على ريش بالهلاك، بل قال:"اللهم! عليك
بهم، اللهم! اجعلها عليهم سنين كسني يوسف"،وهذا دعاء عليهم
بالتضييق، والتضييق قد يكون من مصلحة الظالم بحيث يرجع
إلى الله عنظلمه. فالمهم أن الدعاء بالهلاك لجميع الكفار عندي
تردد فيه.
وقال ابن تيمية: 8/336 : ودعاء نوح على أهل الأرض بالهلاك
كان بعد أن أعلمه الله أنه لايؤمن من قومكإلا من قد آمن.
وقال الشيخ الفوزان : المشروع في القنوت وغيره الدعاء على
المعتدين من الكفار على المسلمين، لأن النبي صلى الله عليه
وسلم لما قنت يدعو على الكفار خص المعتدين منهم ولم يدع
على جميعهم فقال: اللهم العن فلاناً وفلاناً والقبيلة الفلانية ولم
يعمم الكفار.( مجلة الدعوة العدد1869ـ 16 رمضان.(
وقد أفتت اللجنة الدائمة 24/275 : مانصه :
وقول الكاتب : (اللهم عليك بالكفاروالمشركين واليهود ،اللهم لا
تبق أحداً منهم في الوجود ، اللهم أفنهم فناءك عادا وثمود ).
والدعاء بفناء كل الكفار اعتداء في الدعاء ؛ لأن الله قدر
وجودهم وبقاءهم لحكمة ، والله يفعل ما يشاء ويحكم ما
يريد .ا.هـ .
وقال معالي الشيخ صالح آلالشيخ وزير الشؤون الاسلامية :
"هدي النبي صلى الله عليه وسلم وهدي الصحابة في دعائهم
على الكفار أن يكون دعاءً خاصاً على المعتدي, على الظالم، على
من حارب الإسلام وأهله، كما في دعاء عمر في القنوت: اللهم
عليك بكفرة أهل الكتاب الذين يصدون عن دينك ويقاتلون
أولياءك، .(رواه البيهقي في السنن2/210 (
أما الدعاء على اليهود والنصارى جميعاً با لاستئصال ، فإنه لا
يجوز شرعاً. وهو من الاعتداء في الدعاء ؛ وذلك لأن الله جل
وعلا أخبرنا أن اليهود والنصارى سيبقون إلى زمن خروج
المسيح الدجال فإذا دعا أحد بأن يستأصلهم الله جل وعلا الآن قبل
نزول المسيح الدجال فهو إعتراضٌ على ما أجرى الله حكمته
وقدره الكوني ببقائهم إلى آخر الزمان؛ ولهذا لم يؤثر عن أحد من
السلف ولا من أئمة الإسلام أنه دعا بهذا الدعاء العام على
اليهود والنصارى وإنما يدعو بالدعاء الخاص لمن قاتل، لمن
حارب ، لمن آذى المؤمنين ونحوذلك"ا.هـ
فانظر أيها الأخ الكريم الى أدعية الرسول عليه الصلاة والسلام
كيف كانت جامعة لخير الدنيا
والآخرة وانظر قبل ذلك الى أدعية القرآن العظيمة ثم انظر
الى ماأحدثه كثير من الأئمة ـ هداهم الله
ـ من الأدعية الطويلة والوقوف الطويل يتغنى بالدعاء ، ويتكلف
السجع، ويرفع الصوت ، وقد سئم
الناس طول الانتظار فقدأعياهم التعب وطول القيام حتى إن
بعضهم يهِمُّ بالانصراف أكثر من مرة ،
ألايخشى هؤلاء ان يدخلوا تحت حديث المصطفى صلى الله عليه
وسلم (ياأيها الناس ان منكم منفرين ) متفق عليه .
وانك لتعجب عندما ترى بعد هذا كله التسجيلات
الاسلامية والمؤسسات الاعلامية والشركات الانتاجية كيف
تتسابق وتتهافت على تسجيل هذه الأدعية وتتفنن في اخراجها
لذلك القاريء وتخرجها في اصدارات خاصة (دعاء الختمة
لفلان ..أوجزء تبارك و عم مع الدعاء....) وهكذا، فإلى الله
المشتكى.
محمد بن أحمد الفيفي / الرياض28/8/1426هـ
عضو الدعوة بوزارة الشؤون الاسلامية